تعديل قانون الأحوال الشخصية: جبهة صراع جديدة بين الأحزاب الدينية والقوى المدنية والنسوية في العراق

تعديل قانون الأحوال الشخصية: جبهة صراع جديدة بين الأحزاب الدينية والقوى المدنية والنسوية في العراق

«سيأخذون ابنَتي منّي». بهذه العبارة، وبصوت مرتجف حزين، بدأت “رؤى التميمي” حديثها مع «الحل نت». مردفةً بالقول: «لا أستطيع العيش بدونها، ولا أتصوّر كيف ستكون حياتي بعدها. ربّيتها منذ أن ولدتها وحتى اليوم، وهي الآن بسن الحادية عشر، كيف لي أن أتركها؟».

قلق “رؤى” من إمكانية أخذ ابنتها منها لا يتعلّق بظروفها الخاصة فحسب، بل هو أيضاً نتيجةٌ لسعي #البرلمان_العراقي لتعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، وبالتحديد المادة (57) منه، التي تخصّ حضانة الأطفال.

“رؤى التميمي” – إنستجرام

وكان البرلمان العراقي قد قرأ الصيغة المعدّلة من نص مادة الحضانة، قراءةً أولى، قبيل أيام وجيزة، ويسعى لتكملة قراءة التعديل، وتمرير القانون بشكله الجديد، في أقرب وقت.

وتمنح المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية الحالي حضانة الطفل للأم حتى سن البلوغ، ليقرّر بعدها مع من يختار العيش. أما التعديل المراد تمريره، فينصّ على أن «تكون حضانة الطفل للأم حتى بلوغه سبعة أعوام، وبعدها تُمنح الحضانة للأب، حتى بلوغ الطفل واختياره مع من يعيش».

ليس هذا فقط، بل جاء في التعديل: «إذا لم يكن الأب موجوداً، أو ميتاً، فتذهب الحضانة للجد من الأب، ولا تبقى للأم».

كذلك يمنع التعديل الجديد الأم المطلّقة من الزواج مجدّداً طيلة فترة الحضانة، أي حتى بلوغ الطفل سن السبع سنوات، وإن تزوّجت فستذهب الحضانة للأب، حتى إن كان متزوجاً أو يريد الزواج.

وأثارت هذه التعديلات موجة غضب لدى كثير من نساء العراق ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية والإنسانية، ما أدى لإطلاق حملة على موقعي “فيسبوك” و”تويتر”، تحت وسم: #لا_لتعديل_المادة٥٧. كما نظّمت ناشطات نسويات، ومعهن مئات من الأمهات المطلّقات، تظاهرة صامتة صباح الاثنين، الخامس من تموز/يوليو الحالي، في مدينة #البصرة جنوبي العراق، وأخرى عصر ذات اليوم في العاصمة #بغداد، للتعبير عن رفض إقرار التعديل.

وعقدت ناشطات نسويات بارزات مؤتمراً صحفياً، حضرته منظمات عديدة، ناهيك عن عديد من القانونيين، خرج برفض قاطع للتعديل، بتوقيع سبعمئة وخمسين منظمة مدنية وحقوقية في العراق، مع رفع دعوى قضائية ضد اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، التي تقف وراء التعديل.


لماذا الرفض؟

يأتي رفض التعديل، وفق الناشطة النسوية “إيناس الربيعي”، لأنه «يسلب حق الأم بالحضانة، ويعتبرها من الدرجة الثالثة بصلة القرابة، ويقدّم جد الطفل من الأب على أمه، ناهيك عن تقييده لها ومنعها من الزواج».

“إيناس الربيعي” – إنستجرام 

وتؤكد “الربيعي”، في حديثها لـ«الحل نت»، أن «كل هذا مجحف بحق النساء والأمهات، فبدل تعديل القانون بطريقة أسلم، تمنح الشراكة في الوصاية على الطفل لكل من الأب والأم، يراد سلب كل حق للأم في الطفل».

ودفعت باتجاه التعديل عدة كتل نيابية، على رأسها كتلة #سائرون، المقرّبة من مقتدى #الصدر؛ و”تحالف الفتح”، التابع لـ”هادي_العامري”؛ و”حزب الفضيلة” برئاسة الشيخ “محمد اليعقوبي”؛ وجزء من “تيار الحكمة”، المرتبط برجل الدين الشيعي “عمار الحكيم”، وجميعها أحزاب إسلامية.

“الربيعي” ترى أن «سعي هذه الأحزاب لتمرير التعديل يأتي لأجل كسب أصوات انتخابية لا أكثر. فقد وعدت هذه الأحزاب الآباء بمنحهم حق حضانة الأطفال، وبذلك لن يضطروا لدفع النفقة لزوجاتهم مستقبلاً، شريطة إعطاء أصواتهم للأحزاب الدينية في الانتخابات المقبلة».

 

فكرٌ عشائري

رفض التعديل لم يقتصر على الناشطات النسويات، فكثيرٌ من القانونيين اعتبروه غير منصف، ونتيجة فكر عشائري، لأن «كثيراً من النواب ما يزالون يؤمنون بالعشائرية، وعند العشائر لا يجب أن يخرج الطفل من بيت أبيه بعد الطلاق مهما حصل، لذا تمت كتابة هذا التعديل من منطلق قبلي»، بحسب القانوني العراقي “محمد جمعة”.

“محمد جمعة” – فيسبوك

المحامية والناشطة البارزة “هالة الشمري” أكدت لـ«الحل نت» أن «التعديل كُتب لأجل إهانة النساء والأمهات فقط، وهو تكريسٌ للذكورية، وعدم مراعاة للمساواة الجندرية، ناهيك عن أنه يحتوي على مخالفات كثيرة».

وأبرز تلك المخالفات، بحسب “الشمري”، «نقطة السماح للأب بالزواج ومنع الأم منه، وهذا يخالف المادة 14 من #الدستور_العراقي، التي لا تسمح بالتمييز على أساس الجنس، والمعروف أنه لا يجوز تشريع أي قانون يخالف الدستور».

“هالة الشمري” – إنستجرام

وتشدد المحامية العراقية على أنه «لا وجود لأي نص قانوني، بكل المواثيق والمعاهدات الدولية، يقدّم الجد على الأم في حضانة الطفل، وهذا يحدث لأول مرة في العالم، ويخالف اتفاقية “سيداو” المعنية بحقوق المرأة».


قانون علماني لا ديني ولا عشائري

يتفق معظم العراقيين، نساءً ورجالاً، على ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية القديم، ولكن «ليس بهذه الصياغة ولا بهذه الطريقة، التي تحرص على حجب الأم عن الطفل بطريقة أو بأخرى، واعتبارها مجرد أداة لولادة الطفل، وبعدها ينتهي دورها، وتعدّ غريبة عليه»، بحسب “إيناس الربيعي”. التي ترى أن تعديل القانون يجب أن يكون «وفق قانون علماني، لا عشائري ولا ديني، ولا تتدخّل به الأحزاب الدينية».

وعن التعديلات المناسبة ترى الباحثة الاجتماعية “ليلى جميل” أنها يجب أن تكون «عبر جعل الحضانة مشتركة بين الأم والأب، كلاهما يهتمان بالطفل، وبكل متعلّقاته وحاجياته، ويكون مبيته بالتساوي، أسبوعٌ عند أبيه وآخر عند أمه. هذا إذا كان الأبوان متوافقين، أما إذا كانت خلافاتهما كبيرة، فيجب أن يتم بحث أي طرف أكثر أهلية للحضانة، عبر جهات مختصّة، وبعد التقييم يتم منح الحضانة للأم أو الأب، مع عدم منع الطرف الآخر من حق رؤية الطفل، حتى وصوله سن البلوغ، وعندها يقرر بنفسه مع من يريد العيش، أو الاستقلال بحياته عن أبويه».

وتختتم الباحثة العراقية حديثها لموقع «الحل نت» بالقول: «باختصار قانون الأحوال الشخصية الحالي مليء بالنواقص والمشاكل فيما يخصّ حضانة الأطفال، ولا بد من تعديله بشكل منصف، ولذلك نحن ضد مشروع التعديل الحالي، فهو لا إنساني بالمطلق».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.