مدفوعا بمخاوف عديدة أبرزها قضية المخدرات والميليشيات الإيرانية على حدوده الشمالية، يسعى الأردن لبلورة مبادرة من أجل المساهمة في الحل السياسي في سوريا، وذلك بعد جمع الدعم العربي لهذه المبادرة، فما هي احتمالات نجاح المبادرة الأردنية للحل في سوريا؟.

عوائق وفرص

نحو 12 شهرا، قضتها الأردن في محاولات للمساهمة في الحل السياسي، بدأتها بمحاولة عودة العلاقات مع دمشق، ليتبين فيما بعد أن دمشق بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد، لا تستطيع ضبط الميليشيات الإيرانية والحدود السورية الأردنية، لتلجأ الأردن في مبادرتها لجمع جهود عربية.

بالتأكيد فإن فرص نجاح المبادرة كما فرص فشلها، لكن ما قد يمكّن الأردن من تحقيق تقدم في مبادرتها، هو انشغال روسيا حاليا بتبعات غزوها لأوكرانيا، فضلا عن علاقاتها الجيدة مع موسكو، كذلك انشغال إيران التي عرقلت الجهود الأردنية في وقت سابق، في التوترات الداخلية والمظاهرات في الداخل الإيراني.

كذلك فإن الأردن، يواجه عقبات أمام هذه المبادرة، أبرزها فشل حكومة دمشق بالسيطرة على الميليشيات الإيرانية، فضلا عن رفض دمشق تقديم أي تنازلات على مستوى المفاوضات السياسية، للمضي قدما في ملف الحل السياسي.

الصحفي الأردني والمحلل السياسي إياد خليفة، يرى أن الأردن قد يساهم في المصالحة في إطار عربي أو إقليمي، مشيرا إلى أن مبادرة الأردن قد تشهد إعادة صياغة عما كانت عليه العام الماضي، ويتم طرحها في القمة العربية في الجزائر.

ويقول خليفة، في حديث خاص مع “الحل نت“: “أعتقد أنه سيتم طرح المبادرة مجددا مع إجراء تعديلات عليها في قمة الجزائر، لكن لا يمكن للنظام أن يوافق عليها، كونه يُطالب بتنازلات من الأطراف الأخرى، مستغلا بذلك ما يعتبره نصرا لروسيا في أوكرانيا، وصمودا إيرانيا في فيينا، وهذا باعتقاده نصر له، بالتالي فإن فرص نجاح أي مبادرة مع النظام ستكون مرتبطة بإقرار النظام السوري الأمور من زاوية اخرى، وتقديم تنازلات للشعب السوري“.

ويعتقد خليفة، أن العوائق التي تواجه المبادرة الأردنية، تتمثل بشكل أساسي أيضا، بأن القرار السوري، ليس بيد السلطة في دمشق، مع اتساع رقعة التدخل الإيراني في البلاد.

وحول ذلك يضيف: “النظام لا يدرك أن الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، قد يشكّل خطرا على سوريا، والهزيمة الروسية كذلك وفشل الاتفاق النووي الإيراني أيضا سينعكس سلبا، لكن المشكلة أن القرار السوري ليس بيد الأسد بل بيد خامنئي وبوتين“.

ما يشجع الأردن على المضي قدما في المبادرة، التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة، ففضلا عن إعادة ترتيب روسيا أولوياتها بعد غزو أوكرانيا، هناك الموقف التركي المتوجه لإعادة العلاقات مع دمشق، وتوافق وجهات النظر غير المعلن بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وبحسب تقرير لمركز “جسور للدراسات”، فإن مساعي الأردن مدفوعة بثلاث ملفات رئيسية، هي قضية المخدرات والفلتان الأمني التي تعاني منه الحدود مع سوريا، وقضية العمق العربي، التي هي مرتبطة بعواطف أكثر منها بمواقف حقيقية، وبدرجة أقل قضية غاز شرق المتوسط، والانتهاء من أي عقبات أو عراقيل لاكتشاف الغاز من قِبل إسرائيل، وهذه قضية لا تخص الأردن مباشرة، ولكن مدفوعة بها من قِبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة في ظل اقتراب التوافق الإسرائيلي اللبناني، حول ترسيم الحدود.

اقرأ أيضا: المعابر في سوريا.. ورقة اقتصادية لأنقرة على طريق التطبيع مع دمشق؟

وقد تتجه الأردن مستغلة التغيرات الإقليمية، خلال الفترة المقبلة، لتفعيل سياسة “خطوة بخطوة“، وهي السياسة التي حاول غير بيدرسون، تفعيلها لكنه فشل قبل أن يعلن عن خيبته كذلك في عمل اللجنة الدستورية السياسية.

مسارات المبادرة

مرّت المبادرة الأردنية بمراحل عديدة خلال عام كامل من طرحها، ورغم ضبابية المشهد حتى الآن، إلى أن القيادة الأردنية بلورت المبادرة، التي تقوم على أساس خلق فهم إقليمي ودولي مشترك، يعتبر أن التوجه السياسي نحو “تغيير الحكومة السورية” لم يُفرز أية نتائج ميدانية واضحة على أرض الواقع، بل زاد من مستويات التدهور في كل الملفات السورية، سواء السياسية أو الاقتصادية، بما في ذلك زيادة أعداد المُهجرين والنازحين السوريين، الذين تحولوا إلى أزمة إقليمية ودولية.

وبحسب ما نقلت صحيفة “الجمهورية” في وقت سابق، فإن: “مسارا آخر مختلف في المنهج والهدف، يمكن أن يخلق نتائج أخرى، خاصة الانخراط الإيجابي مع الحكومة السورية ودفعها لاتخاذ خطوات مقابلة، وتاليا تهيئة الأجواء لإنهاء الحرب المندلعة منذ سنوات“.

خمس مسارات أساسية، تقوم عليها الرؤية الأردنية، أولها الدفع باتجاه تشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ما يشجع الأردن هو الانسجام الإقليمي والعربي على هذا الملف، بالطبع على أن تكون العودة آمنة وطوعية.

عودة اللاجئين تواجه عوائق عديدة، أبرزها بدء عمليات إعادة الإعمار في سوريا، لتمكن اللاجئين من العودة إلى منازلهم، وتحقيق حياة كريمة، في حين أن ملف إعادة الإعمار معلق بانتظار ضوء أخضر أميركي أوروبي، وهذا الضوء بالطبع مرتبط بتحقيق تقدم بارز على صعيد الحل السياسي، فكيف ستحل مبادرة الأردن هذه المعضلة؟.

كذلك فإن تنشط المساعدات الدولية هي إحدى مسارات المبادرة الأردنية، إذ من المتوقع أن تعمل الأردن على استغلال علاقاتها الجيدة مع روسيا، للضغط من أجل عدم وقف تدخل المساعدات إلى المناطق السورية، وزيادة عدد المنافذ، كما أن الأردن لعبت سابقا دورا هاما في هذا الملف من خلال حدودها المشتركة مع روسيا، ما يمكنها من تحقيق تقدم جيد في هذا المسار.

أما ثالث المسارات المعروضة من قِبل الأردن، هو خلق مصالحة ثنائية بين السلطة والمعارضة، لتهيئة الأجواء للحل السياسي في البلاد. وينص التوجه الرابع على دعم التحقيق والمسائلة في قضايا التعذيب والتغييب وبقية الجرائم المُرتكبة في سوريا، ومن قبل جميع الأطراف، بحيث يتم التوصل إلى الخطوة النهائية أي التوجه الخامس في المسألة السورية، وهو الحل السياسي حسب قرار مجلس الأمن رقم 2254 حسبما نقلت الصحيفة.

وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، كشف في وقت سابق، أن بلاده تحشد الدعم الإقليمي والدولي، من أجل دعم مبادرة لإيجاد حل في سوريا، بقيادة دول عربية.

وقال الصفدي، في حديث لصحيفة “ذا ناشونال” الأسبوع الماضي، إن: “الأردن يدعو إلى دور عربي جماعي لإنهاء تلك الأزمة بالتنسيق مع أصدقائنا وشركائنا“.

مصادر مطلعة، أكدت لـ“الحل نت“، أن المبادرة الأردنية لا تزال غير واضحة المعالم، حيث لم يذكر الوزير الصفدي، أو العاهل الأردني، أي نقاط أساسية في المبادرة، مبيّنين أن كل ما تطرق إليه هو القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، والذي ينص في الأصل على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وهذا الحل ترفضه حكومة دمشق ومن خلفها روسيا وإيران، لأن تطبيقه يعني سقوط الحكومة الحالية تلقائيا.

وبحسب المصادر، فإن هناك تناقضا كبيرا في المواقف سواء من الدول الإقليمية أو الدول الفاعلة الكبرى في الملف السوري، فالروس والإيرانيون، يريدون حلّا وفق رغبتهم يُبقي الحكومة الحالية في هرم السلطة، وفي الوقت نفسه يريدون رفع العقوبات عن دمشق، أما الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فيرفضون رفع العقوبات ما لم يتم انتقال سياسي حقيقي وفق القرار 2254، وهنا تكمن المعضلة بالنسبة للأردن في أن يجد حلا تتوافق عليه هذه الأطراف.

أشارت المصادر إلى نقطة قد يكون الوزير الصفدي قد غفِل عنها، وهي أن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا لا ترتبط بالوضع الاقتصادي المتردي فقط، عندما أشار إلى القرار 2642، المتعلق بتسريع مشاريع التعافي المبكر، بل هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية عنه وعلى رأسها الأوضاع الأمنية، حيث تعاني سوريا من فوضى كبيرة في الأمن والاغتيالات والخطف، إضافة إلى أمور أخرى تمنع اللاجئين من العودة كالذهاب للخدمة الإلزامية وغيرها.

هل ينجح الأردن؟

وحول مدى احتمال نجاح الجهود الأردنية، أشار الدكتور خالد شنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خلال حديث سابق مع “الحل نت“، إلى أن نجاح الجهود الأردنية، يرتبط بمدى رضا الأطراف المشتركة في العملية السياسية في سوريا، إضافة إلى الدول الإقليمية والدول الكبرى الفاعلة، لافتا إلى أهمية الموقف الأميركي والغربي عموما، والمواقف الإيرانية والروسية والتركية، وموقف حكومة دمشق نفسها، وأيضا موقف المعارضة السورية.

وأضاف شنيكات، أن مدى نجاح العملية أيضا، يعتمد على نوع الوساطة التي يقوم بها الأردن، وما هي أبرز الأفكار والمحاور والمبادئ التي تستند إليها، رغم أن الحديث يستند إلى قرارات الأمم المتحدة رقم 2642، و2254، لكن ما هي آلية تطبيقها وكيفية تطبيقها وإلى ماذا ستؤدي هذه المبادرة في العلاقة بين حكومة دمشق والمعارضة.

قد يهمك: ما مصير التطبيع العربي مع دمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.