دلالات عديدة ترتبط بالتصعيد العسكري الإيراني الأخير في شمال العراق، والذي وصل ذروته في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، حيث استهدف مناطق عدة في إقليم كردستان مخلفا أضرارا مادية كبيرة وخسائر بالأرواح، أبرز هذه الدلالات وفقا لمراقبين للوضع يرتبط بما يجري في الساحة الداخلية الإيرانية من احتجاجات مستمرة مناهضة للمرشد الإيراني علي خامنئي، كانت أقواها في المدن الكردية الواقعة شرقي إيران، حيث تحاول الأخيرة نقل أوضاعها الداخلية إلى دول الجوار، والانتقام من الذين كانوا الشرارة الأولى لتلك الاحتجاجات، إذ تتهم طهران رئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني وحزبه، بدعم الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة لطهران.

إيران قصفت في 28 أيلول/سبتمبر الماضي، مواقع في كردستان العراق، ما أدى حسب وزارة الصحة في الإقليم، إلى سقوط عدة قتلى وجرحى في الهجوم الذي نفذته 20 طائرة مسيرة تحمل مواد متفجرة.

قد يهمك: طهران تصرف الأنظار عن احتجاجات الداخل بقصف المناطق الكردية العراقية؟

التلفزيون الإيراني الرسمي، أعلن أن القوات البرية لـ “الحرس الثوري” استهدفت عدة مقرات تابعة لأحزاب المعارضة الإيرانية في منطقة كويسنجق الواقعة شمالي العراق، بصواريخ دقيقة ومسيرات مدمرة.

ضربات إيرانية استهدفت في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الحالي أكثر من مرة مواقع حدودية في شمال أربيل، بدون أن تسفر عن أضرار ملحوظة. ربط بعض المسؤولين الكبار في إيران بين هذه الضربات و”أعمال الشغب” التي تشهدها، بحسب موقع “فرنس 24”.

قصف لا رادع له

من الصعوبة والاستحالة أن تقوم الحكومة العراقية، بإجراءات رادعة ضد تكرار القصف الإيراني على مناطق إقليم كردستان، من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي، محمد الحياني، والذي أشار في حديثه لـ “الحل نت” بأن الأحزاب الإيرانية هي من تسيطر على مفاصل الحكم وإدارة الدولة في العراق، ولها الأغلبية في البرلمان، خاصة بعد استقالة نواب “التيار الصدري”، لذلك فالحكومة ورئيسها مصطفى الكاظمي، لا يمكنهم القيام بأي ردة فعل تجاه طهران والأحزاب الموالية لها.

الكاظمي الآن يبحث عن حسم ملف التجديد لولاية ثانية بمنصب رئاسة الحكومة، لذلك كسب ود إيران والأحزاب والفصائل الموالية لها، وفق الحياني، لهذا نرى مواقف خجولة لا ترتقي لحجم الحدث، الذي أدى لسقوط ضحايا من الأطفال والنساء، جراء قصف مدفعية طهران لمناطق مختلفة في شمال العراق.

الهجمات الأخيرة‌ التي استهدفت الإقليم كانت الأعنف من نوعها، حيث طالت مناطق مختلفة في قضاء كويسنجق بمحافظة أربيل ومن بين تلك المناطق زركويز، ومخيم الحرية ومناطق أخرى، بحسب تصريحات صحفية للقيادي العسكري في حزب “الكادحين” الكردي الإيراني المعارض جعفر أمين زادة، والذي أضاف بأن تلك الهجمات هي صاروخية وجوية عمياء لا تفرق بين الأخضر واليابس، أدت إلى مقتل نحو 20 شخصا وجرح نحو 60 آخرين ونزوح العدد من العوائل.

القصف الإيراني الأخير تسبب بهجرة أكثر من 700 عائلة من قرى ناحية سيدكان الواقعة بقضاء سوران في محافظة أربيل لمناطق مختلفة.

نزوح مستمر

القصف الإيراني مستمر منذ أكثر من أسبوعين، ولا يوجد رادع أو مواقف قوية لإيقافه، بحسب حديث مدير ناحية سيدكان إحسان جلبي لـ “الحل نت”، والذي أضاف بأن القصف تسبب بهجرة أكثر من 700 عائلة تركت مناطقها وقراها ونزحت باتجاه مركز الناحية، وهي بحاجة لمساعدات ورعاية إنسانية كبيرة، كما أن الزراعة شبه متوقفة في قرى سيدكان، بسبب قصف المدفعية الإيرانية أيضا.

الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية والهند وإيرلندا، أدانوا القصف الإيراني الذي استهدف مناطق متعددة في إقليم كردستان مؤخرا.

وزارة الخارجية العراقية استدعت السفير الإيراني لدى بغداد، وسلمته مذكرة احتجاج بشأن قصف “الحرس الثوري” مواقع في إقليم كردستان العراق.

جاء ذلك في تصريحات للمتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف، نقلتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية، بإنه تم استدعاء السفير الإيراني في بغداد، وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة جرّاء عمليات القصف المستمرة على مناطق في إقليم كردستان العراق.

ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي كيلي كرافت، قال في تصريح صحفي، إن الهجمات الإيرانية تعد انتهاكا لسيادة العراق، في الوقت الذي ندد فيه رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أيضا، باستمرار القصف الإيراني الذي تسبب بأضرار كبيرة شمال العراق، مؤكدا رفض جميع محاولات اتخاذ بلاده كساحة لتصفية الحسابات.

تحركات من “الحرس الثوري”

كانت هناك تحركات عسكرية لقوات “الحرس الثوري” الإيراني على المناطق الحدودية مع إقليم كردستان العراق، بحسب حديث القيادي في حزب “كومله” الكردي كاوة كول محمدي، لـ “الحل نت”، ويضيف أن إيران باتت غاضبة بسبب الأوضاع الداخلية والاحتجاجات العارمة، وهي تحاول تشتيت الرأي العام في الداخل والخارج لتغطية التظاهرات الشعبية التي تطالب بإسقاط النظام الإيراني.

إيران ممتعضة من مواقف الكرد في شرق إيران، بسبب رفضهم الخضوع لحكم الولي الفقيه، بحسب محمدي، لذلك فإن قوات “الحرس الثوري” تشنُّ هجمات عشوائية على مقرات الأحزاب الكردية المعارضة له،ا ولسياستها داخل أراضي إقليم كردستان، كما أن تحركات “الحرس الثوري” على الحدود البرية مع العراق، تهدف لاحتلال أراضي إقليم كردستان وتحديدا محافظة أربيل، وإخضاعها للسياسة الإيرانية، ونقل المعركة لداخل الإقليم.

طهران تحاول زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بسبب الأوضاع الداخلية التي تعيشها مؤخرا، كما أنها تسعى لتصدير أزماتها الداخلية من خلال دعهما لجماعات مسلحة وميليشيات في مناطق مختلفة من العراق.، بحسب مصادر “الحل نت” في المنطقة.

إيران ظلت غاضبة على “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الحاكم في إقليم كردستان، وتحديدا على زعيمه مسعود بارزاني، لمواقف الأخير العديدة من بينها إصراره على استفتاء الانفصال عن العراق الذي جرى في 25 من أيلول/سبتمبر 2017، والأمر الآخر هو اتهام طهران لـ “الديمقراطي الكردستاني” بتسهيل عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، التي جرت في الثالث من كانون ثاني/يناير عام 2020، وفق تقارير صحفية.

مساعي إيرانية للسيطرة على الإقليم

إيران تريد السيطرة على إقليم كردستان، كون الميليشيات والفصائل المسلحة التابعة لها تعبت بأمن محافظات وسط وجنوب العراق بشكل كبير، بحسب حديث المحلل السياسي سردار مصطفى، لـ “الحل نت”.

الإقليم وتحديدا أربيل و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” وقفا ضد السياسة الإيرانية في العراق، ورفضا الخضوع لرغبات وأهواء طهران وقادتها، حيث تتخذ إيران من وجود الأحزاب المعارضة الكردية حجة، وفق مصطفى، كون تلك الأحزاب موجودة على أراضي الإقليم منذ أكثر من 30 عاما، لكن طهران رأتها فرصة مناسبة للانتقام من كرد العراق، وتحديدا من أربيل و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”.

إيران تتهم “الحزب الديمقراطي” وأربيل، بأنهم كانوا وراء عملية اغتيال قائد فيلق “القدس” الإيراني الذي قتل في غارة أميركية قرب مطار بغداد، مطلع سنة 2020، كما تتهم أربيل بأنها أصبحت تأوي مقرات للمخابرات الأميركية والإسرائيلية، ولكن جميع تلك الاتهامات باطلة ولا وجود لها إطلاقا.

طهران ممتعضة بالدرجة الأساس، لرفض “الحزب الديمقراطي” التحالف مع قادة الميليشيات والأحزاب الموالية لها، وتحديدا “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وذهاب مسعود بارزاني باتجاه التحالف مع الصدر، لذلك تريد تحجيم دور إقليم كردستان وإشغاله بالقصف المتكرر، بحسب مصطفى.

“الحرس الثوري” الإيراني هدد باستمرار عملياته لتعقب الأحزاب المعارضة لطهران في شمال العراق، وفقا لموقع “الجزيرة نت”.

شخصيات سياسية ومنظمات مجتمع وتجمعات عشائرية، طالبت من الحكومة العراقية باتخاذ مواقف حازمة وعدم الاكتفاء بالبيانات الخجولة، ومن تلك المواقف هي طرد السفير الإيراني، وإيقاف التبادل التجاري مع طهران.

ماهي خطوات الحكومة العراقية

حكومة إقليم كردستان لا تمتلك الوسائل الكافية التي تمكنها من الرد على القصف الإيراني، كون الإقليم يعتمد بدرجة كبيرة على طهران في الجانب الاقتصادي ويستورد الكهرباء والوقود من طهران، كما أنه عسكريا غير قادرة على مواجهة قوات “الحرس الثوري” الإيراني، بحسب المحلل السياسي محمد الحياني.

الحل يكمن في الطلب من الولايات المتحدة الأميركية بضرورة حماية سيادة العراق، كون هناك اتفاقية أمنية موقعة معها، تتيح للعراق الطلب من واشنطن التدخل متى ما اقتضت الضرورة.

اقرأ أيضا: القصف الإيراني لكردستان العراق.. سبب صمت أربيل وأهداف طهران

طهران تتهم معارضين إيرانيين مسلحين من الأكراد، بالضلوع في الاضطرابات المستمرة في البلاد، لا سيما في شمال غرب البلاد حيث يعيش معظم أكراد إيران البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، وفقا لـ “رويترز”.

أحزاب وتنظيمات معارضة كردية إيرانية يسارية، تتخذ من إقليم كردستان العراق مقرا لها، وهي أحزاب خاضت تاريخيا متمردا مسلحا ضدّ النظام في إيران على الرغم من تراجع أنشطتها في السنوات الأخيرة، بحسب “فرانس برس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.