عشرات المحاولات من قِبل قوى المنظومة السياسية الحاكمة في العراق، لإقناع “التيار الصدري” بالعدول عن انسحابه من المشهد والعودة للعملية السياسية، لكن دون جدوى تذكر، فهل انسلخ “التيار” من الطبقة السياسية الحالية؟

سعى “التيار الصدري” بعد فوزه في الانتخابات المبكرة قبل عام من اليوم بالضبط، إلى تشكيل حكومة أغلبية مغايرة تماما عن حكومات التوافق والمحاصصة بعد 2003، لكنه لم ينل مسعاه، فانسحب من المشهد في حزيران/ يونيو المنصرم.

رغم انسحابه الذي قارب 4 أشهر، إلا أن كل القوى السياسية العراقية، وخاصة “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، لم تنجح إلى اليوم في تشكيل حكومة جديدة، ولا ترغب بتشكيلها دون أخذ مباركة من مقتدى الصدر، على الأقل حتى وإن رفض الاشتراك بها.

مقتدى الصدر، زعيم “التيار الصدري”، يرفض المباركة ويرفض الاشتراك في الحكومة المقبلة، بل ورفض الحضور في مبادرة “الحوار الوطني”، التي تبنّاها رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي، لتقريب وجهات النظر، وأغلق بابه بوجه الضيوف.

رسالة إلى “الإطار”

هل يعني كل ذلك الرفض المطلق، انسلاخ “التيار الصدري” من المنظومة/ الطبقة السياسية الحاكمة في العراق؟ وكيف سيعود مقتدى الصدر إلى المشهد، إن كان ما يفعله هو الانسلاخ بالفعل؟

الباحثة السياسية ريم الجاف، تتفق مع طرح الانسلاخ، وتقول إن خطوات الصدر تؤكد بما لا يقبل الشك، مضيه التدريجي نحو الانسلاخ عن الطبقة السياسية الحالية بشكل عام، وانسلاخه عن البيت السياسي الشيعي بشكل خاص.

كان بإمكان الصدر ببساطة، الاشتراك في الحكومة المقبلة وأخذ حصة الأسد فيها، كونه الفائز الأول في الانتخابات، إلا أن رفضه ذلك وانسحابه من العملية السياسية، يؤشر على إصراره لتغيير شكل الحكم وترك نهج التوافق، بحسب الجاف.

وتردف الجاف، أنه طالما لم ينجح زعيم “التيار الصدري”، في مبتغاه وذلك كان متوقعا؛ لأنه حارب فكرة التوافق بمفرده، فإن عودته مع القوى السياسية، ستضعه بإحراج كبير أمام الشارع الصدري وغير الصدري، الذي وقف معه بطريقة غير مباشرة، لذا فإن الانسحاب كان هو الأسلم له لتأكيد موقفه وترسيخه.

وتعتقد الجاف في حديث مع “الحل نت”، أن “التيار الصدري”، لن يعدل عن قراره هذه المرة مثلما هو معتاد عليه بالتراجع عن كثير من قراراته، وسيستمر بغلق بابه أمام كل القوى، ويتركها تذهب لتشكيل الحكومة التي ترغبها، لكن بعيدا عن توريطه فيها.

هذا الانسلاخ هو رسالة إلى “الإطار” بالدرجة الأساس، بأن مبدأ البيتوتات الطائفية لم يعد يأكل ويشرب مع “التيار الصدري”، لذلك انسلخ عن البيت الشيعي، وتحالف مع الكرد والسنة عندما أراد تشكيل حكومة الأغلبية، وفق الجاف.

منذ عراق ما بعد 2003، كانت القوى السياسية تتجمع في بيتوتات طائفية بعد كل انتخابات، هي البيت الشيعي والبيت السني والبيت الكردي، لكن الصدر كسر تلك القاعدة بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، وترك البيت الشيعي وتحالف مع الكرد والسنة، غير أن “الإطار” الذي يمثل البيت الشيعي، رفض ذلك التحول وأعاقه.

ما دفع “التيار الصدري” للانسلاخ من المنظومة السياسية الحالية، نظرته للمستقبل، إذ أنه يفكر بشكل أبعد ويحسب الحساب لغضب الشارع من الطبقة السياسية الحالية برمتها، والغضب والاحتجاجات المستمرة، نتيجتها تغيير هذه الطبقة مهما طال الوقت، كما تقول الجاف.

كيف سيعود “التيار”؟

“التيار” لا يريد أن يكون مصيره مستقبلا مثل مصير هذه القوى السياسية الحالية، وأخذ يقترب من الشارع، كي يكون هو الحزب الوحيد الذي سيشارك بفاعلية مع القوى الجديدة الناشئة في الحكم لاحقا، على حد تعبير الجاف.

القوى السياسية الحالية، بعيدة كل البعد عن الشارع، ولا تنظر بجدية لغضبه منها، وكل ما تبحث عنه هو المزيد من المكاسب والاستمرار في تثبيت سيطرتها على الحكم في العراق عبر كل الوسائل، بما فيها الترهيبية وذلك ما سيسقطها في النهاية، وفق الجاف.

كيف سيعود “التيار الصدري”، طالما أنه اختار الانسلاخ من الطبقة السياسية الحالية؟ سيعود من خلال الاحتجاج والاشتراك مع التشرينيين في كل عملية احتجاجية، لحين إقصاء القوى الحالية، بحسب تعبير الجاف.

تقول الجاف، لقد أثبتت تظاهرات الصدريين بمفردهم طيلة شهر كامل عدم فاعليتها دون التشرينيين، وأثبتت تظاهرات “تشرين” مطلع هذا الشهر عدم قوتها من دون الصدريين، بالتالي فإن التحالف بينهما هو الخيار الأمثل لإبعاد هذه الطبقة من سدّة الحكم.

في المحصلة، الانسلاخ عن الطبقة السياسية، هو الحقيقة الواقعة حاليا من قِبل “التيار الصدري”، والعودة للسياسة ستكون من الشارع عبر المعارضة مع التشرينيين وبقية فئات الشعب، ومقارعة هذه الطبقة لحين نهايتها، تقول الجاف مختتمة.

ما يجدر ذكره، أن وتيرة الأزمة السياسية العراقية، اشتدت في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية”، هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخّل فصيل “سرايا السلام”، التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

فشل وانسداد

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.