خطوة مفاجئة اتخذها زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، أمس الخميس، بتجميد فصائله التابعة له وعلى رأسها “السرايا” بعموم العراق، فما سبب تلك الخطوة؟ وهل ستفتح الطريق أمام الحكومة لحصر سلاح الميليشيات بيد الدولة؟

وزير الصدر، صالح محمد العراقي، أعلن في تغريدة عبر “تويتر”، البارحة، تجميد فصيل “سرايا السلام” في البصرة جنوبي العراق، ومنع استخدام السلاح لجميع فصائل “التيار” بعموم العراق، باستثناء سامراء.

إعلان صالح العراقي، جاء نقلا عن الصدر، وطالب في ذات التغريدة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، بكبح جماح ميليشيا “العصائب” بزعامة قيس الخزعلي، إضافة لجميع الميليشيات الأخرى.

ما وراء خطوة الصدر؟

هل يستجيب الكاظمي لدعوة الصدر، وهو المقرب منه والداعم له؟ وقبل ذلك ما سبب خطوة الصدر، في هذا الوقت بالذات وهل يلتزم بها، أم سيكون التجميد بشكل مؤقت؟ أسئلة تحتاج إلى تفكير دقيق، سنحاول الإجابة عنها في السطور التالية.

يريد الصدر من خلال خطوته، إرسال رسالة مفادها أنه يستطيع السيطرة على “سرايا السلام” والفصائل التابعة له، ويُثبت بأنها منضبطة ولديها مرجع معين، وكي يُحرج بقية الميليشيات كما يصفها دوما بـ “الوقحة”، بحسب المحلل السياسي علي البيدر.

خطوة الصدر يُراد منها التهدئة أيضا، خصوصا في البصرة أقصى الجنوب العراقي؛ كونها مقبلة بعد 3 أشهر على حدث رياضي مهم يتمثل بـ “خليجي 25″، وتفويت الفرصة على إمكانية نقلها من المدينة في حال ساء الوضع الأمني بها.

يقول البيدر لـ “الحل نت”، إن زعيم “التيار الصدري”، يريد من خلال خطوته أيضا إثبات أن وجود فصائله، هو لمحاربة بقية الميليشيات “الولائية” التي تهدد السلم الأهلي، ولمساندة الدولة ضد تلك الميليشيات.

مقتدى الصدر

بالعموم تبقى فصائل مقتدى الصدر، جماعات مسلّحة مهما كانت نواياها، وفق البيدر، الذي يردف بأن قادة بقية الميليشيات ستكون ذكية وتقوم بمناورة عبر التهدئة وعدم الاستعراض المسلح، لتثبت بأنها أكثر انضباطا من فصائل زعيم “التيار الصدري”.

الإشارة الأخيرة للبيدر في محلها، فقد غرّد قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا “العصائب” الموالية لإيران، ليلة الخميس عبر “تويتر”، بدعوته إلى حصر السلاح بيد الدولة وفرض القانون على الجميع، على حد تعبيره.

خطوات الصمت المسلّح يجب على الحكومة استغلالها عبر إعادة نظرها للخطط الأمنية، وفرض واقع أمني جديد للبلاد، لكن الحكومة لن تقدم على ذلك، خصوصا وأن الكاظمي في أيامه الأخيرة، ويبحث عن التجديد له، وذلك يتطلب منه عدم إغضاب أي طرف، كما يقول علي البيدر.

الحل يعتمد على أمرَين

67 ميليشيا مسلّحة موالية إلى إيران، تنتشر في العراق وتنفذ أجندة طهران في البلاد، يناهز عدد أفرادها قرابة 425 ألف شخص، وأبرز تلك الميليشيات، هي “العصائب والنجباء وكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء”.

الحل الحقيقي والجذري لمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، يعتمد على أمرين فقط لا ثالث لهما، الأول تفكيك الفصيل المسلح وعدم الاكتفاء بتجميد عمله، وتسليم سلاحه علنا للدولة حصرا، من دون إخفاء أي شيء منه، بحسب الباحث السياسي نزار حيدر.

الأمر الثاني، أن تتحقق الخطوة بالقانون وليس بقرار من زعيم فصيل مسلّح، فالقرار يمكن التراجع عنه عند الحاجة أما القانون المشدد، فلا يمكن التعامل به بانتقائية أو تمييز، على حدّ قول حيدر.

تشكلت “سرايا السلام” بقرار من مقتدى الصدر، صيف عام 2014، لحماية المراقد الدينية الشيعية في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين شمال العاصمة بغداد، بعد سيطرة تنظيم “داعش”، على ثلث مساحة العراق آنذاك.

ماذا لو استمر الصدر بخطوة تجميد فصائله ولم يعدل عن قراره؟ هل يمكن للميليشيات استغلال ذلك القرار لإضعاف وتحجيم “التيار الصدري” وخلخلة فصائله مثلا؟ أم أن ذلك من الصعب على ميليشيات طهران فعله؟

يقول نزار حيدر، لـ “الحل نت”، ليس بإمكان فصيل مسلح تقليم أظافر فصيل مسلح آخر، وقد أثبتت التجارب الماضية والحالية، أنه ليس بإمكان أي فصيل إلغاء الفصائل المسلحة الأخرى، “لذلك يُخطئ من يفكر بطريقة الغالب والمغلوب بالسلاح”.

حصر السلاح بيد الدولة، بحاجة أولا وقبل أي شيء، إلى وجود دولة قوية بمؤسسة أمنية وعسكرية يمكنها هضم واستيعاب الفصائل والميليشيات المسلحة، وقادرة على تفكيكها، كما يقول نزار حيدر.

فشل أم نجاح؟

الدولة التي تتخادم مع فصيل مسلح أو أكثر، وتخاف من فصيل مسلح وتخترق الميليشيات منظومتها الأمنية والعسكرية، هي أعجز من أن تسيطر على السلاح المنفلت، وتستوعب الميليشيات التي تحتفظ بسلاحها بأية حجة من الحجج كـ “المقاومة” وغيرها، بحسب نزار حيدر.

بالتالي، فإن الحكومة الحالية وفق حيدر، غير قادرة على تحقيق دعوة مقتدى الصدر، بحصر السلاح المنفلت بيدها، بل ستفشل كما فشلت كل الحكومات المتعاقبة؛ لأن الدولة العميقة المحمية بسلاح الفصائل والميليشيات، أقوى بكثير من الدولة المحمية بالمؤسسة الأمنية والعسكرية.

في المحصلة، فإن خطوة الصدر بغض النظر عن قدرة الحكومة من عدمها بحصر السلاح المنفلت بيد الدولة، تأتي لتأكيد انسلاخ “التيار الصدري” عن المنظومة السياسية الحالية، منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة وانسحابه من البرلمان والمشهد السياسي.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

قيس الخزعلي

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية”، هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخّل فصيل “سرايا السلام”، التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

أزمة مستمرة

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصّله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.