على الرغم من التقارب بين دمشق وعمان بعد سنوات من القطيعة، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا على ملف المياه بين الأردن وسوريا، تحديدا فيما يتعلق بتفعيل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك الموقعة بين البلدين عام 1987. 

ملف المياه بين عمّان ودمشق يثار بين الفينة والأخرى، وتتعالى مطالب في الجانب الأردني بضرورة التزام الجانب السوري بتمرير كمية المياه المتفق عليها بين الجانبين، في حين نفى وزير الزراعة السوري محمد قطنا أن تكون سوريا قطعت المياه عن الأردن، واقتطعت حصته من سد الوحدة.

اقرأ أيضا: تقارب متزايد بين سوريا والأردن.. من المستفيد الأكبر؟

لم تحصل الأردن على حصتها من مياه نهر اليرموك، وفق الاتفاقية الموقعة بين الأردن وسوريا عام 1987، إذ بلغ معدل المياه الداخلة من نهر اليرموك إلى الجانب الأردني بين عامي 2010 و 2019 نحو 58 مليون متر مكعب سنويا، وفق وزير المياه الأردني، محمد النجار، في جلسة لمجلس النواب في شباط الفائت.

أمين عام وزارة المياه الأردنية، جهاد المحاميد، أكد في حديث لـ “الحل نت”، أن كميات المياه التي حصل عليها الأردن خلال العام الحالي “متواضعة جدا” نتيجة الموسم المطري.

اتفاقية المياه 1987

اتفاقية استثمار مياه نهر “اليرموك” رقم “33” لسنة 1987 المعقودة بين الأردن وسوريا، نصت على حق الأردن بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من مياه “اليرموك”، وبناء سد بذات السعة تقريبا لهذه الغاية، حيث بُني سد الوحدة عام 2007 بسعة 110 مليون متر مكعب. 

الوزير النجار دعا إلى تحديث اتفاقية استثمار نهر اليرموك مع سوريا، إذ قال إن هناك مقتضيات لتعديل بنود الاتفاقية بما يتلاءم مع التوقعات المحتملة للتغير المناخي، واستضافة حوالي 1،5 مليون لاجئ سوري مقيمين في الاردن. 

أمين عام وزارة المياه الأردنية الأسبق، الدكتور عدنان الزعبي، أشار إلى أن الأردن لم يحصل على حصته المائية من مياه نهر اليرموك منذ توقيع الاتفاقية عام 1987.

تدفق المياه في ذلك الوقت كان نحو 460 مليون متر مكعب، حسب اتفاقية جونستون الموقعة عام 1953، يحصل الأردن على 377 مليون متر مكعب ونحو 100 مليون متر مكعب تذهب لسوريا، إضافة لـ 25 مليون متر مكعب لإسرائيل، أوضح الزعبي، في حديث خاص لـ”الحل نت”.

تدفق المياه في نهر اليرموك أصبح أقل بشكل كبير جدا، نتيجة بناء ما يزيد على 42 سدا بدل 24، إضافة إلى حفر أكثر من 4000 بئر في منطقة حوض اليرموك، ما أدى إلى توقف تدفق الجريان الطبيعي للمياه، وفق الزعبي، الذي نوه إلى أن إسرائيل بنت سدا في أعالي الجولان السوري المحتل.

سوريا تنفي قطع المياه

وزير الزراعة السوري، محمد حسان قطنا، نفى قطع سوريا للمياه عن الأردن وأخذ حصته من سد الوحدة، مؤكدا أنه إذا توفرت المياه فستأخذ المملكة حصتها وفقا للاتفاقية، مؤكدا التزام دمشق بجميع الاتفاقيات الموقعة مع دول الجوار.

في حال توفر الأمطار وامتلاء السدود سيأخذ الأردن حصته وهذا حق لها وفق حديث قطنا، لبرنامج نبض البلد على قناة “رؤيا” الأردنية، في 26 أيلول/سبتمبر الفائت؛ مشيرا إلى أن 3 بحيرات جفّت في درعا، منها بحيرة مزيريب التي لم تجف منذ الأزل، وأن بعض المساحات المزروعة في المحافظة تسقى من الآبار، بينما دعا إلى زيارة ميدانية إلى درعا للاطلاع على الواقع الزراعي والمائي الذي تشهده محافظة درعا.

تنص اتفاقية استثمار نهر اليرموك بين الأردن وسوريا، على أن يقوم الأردن ببناء سد سعته 220 مليون متر مكعب، بينما تقوم سوريا ببناء 25 سدا لري أراضيها بسعة 159 مليون متر مكعب، لكن الأردن بنت السد في عام 2007-2008بنصف الكمية المتفق عليها نظرا لضعف التدفقات المائية، بحسب الزعبي.  

الأردن لم تتمكن من تجربة السد بعد بنائه للتأكد من عدم وجود عيوب، يقول الزعبي، لأنه لم يمتلئ، وكميات المياه الواصلة قليلة جدا وأحيانا لم تتجاوز 10 مليون متر مكعب وهي كمية يوجد فيها ترسبات.

كما تحصل إسرائيل، بموجب اتفاق وادي عربة للسلام الموقع مع الأردن، على حصة تبلغ 25 مليون متر مكعب سنويا من مياه نهر اليرموك، أحد الروافد الرئيسية لنهر الأردن، وهي إشكالية حيال تصريف مياه نهر اليرموك، إذ إن إسرائيل تحصل على هذه الكمية من دون وجه حق، وفق الدكتورة منى هندية، الأكاديمية المتخصصة في المياه والبيئة.

الحلول تكمن، حسب حديث هندية لـ “الحل نت”، بالاتفاق على إزالة كافة التجاوزات أسفل سد الوحدة بالإضافة الى إزالة كافة التجاوزات الموجودة تحت منسوب 250م أعلى سد الوحدة، وتسييل مياه سد “سحم” بريف درعا الغربي باتجاه وادي اليرموك، والرجوع للتباحث بواقع التزامن بالتخزين. أيضا تحسين جريان مياه نهر اليرموك المغذي لسد الوحدة حتى يتم إضافة نوعية على سد الوحدة للاستفادة من توليد الطاقة الكهرومائية.

وسبق أن ضخت سوريا في عام 2002 ثلاثة ملايين متر مكعب من مياه سد “سحم” لمساعدة الأردن في حل أزمته المائية.

اللجنة المشتركة لم تجتمع

في تموز/يوليو الفائت رفضت دمشق تزويد عمّان بـ 30 مليون متر مكعب من المياه، إذ قال وزير المياه الأردني، محمد النجار، آنذاك إن الرفض جاء نتيجة الظروف الجوية والوضع السياسي في مناطق جنوبي سورية، وأوضح أن وزير موارد المياه لدى السوري رد قبل أيام على طلب الحكومة الأردنية بالرفض، قائلا إن سورية تعاني أيضا من نقص كبير بالمياه.

هذا الرفض جاء بعد اتفاق الأردن وسوريا في أيلول/سبتمبر 2021 على تفعيل اللجنة الفنية المشتركة من وزارتي الموارد المائية السورية والأردنية، لمتابعة تنفيذ اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك، إلا أن اللجنة لم تعقد أي اجتماع من قبل جائحة كورونا، وفق حديث أمين عام وزارة المياه ورئيس اللجنة لدى الجانب الأردني، جهاد المحاميد لـ “الحل نت”.

اقرأ أيضا: الأردن والجنوب السوري.. ما الجديد في الموقف من إيران؟

مهام اللجنة المشتركة تكمن في تنفيذ أحكام اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك وتنظيم الحقوق والالتزامات التي اكتسبتها وقبلتها الدولتان وممارسة هذه الحقوق والالتزامات والنظر في جميع القضايا التي قد تنشأ عن تطبيقها، باعتبارها هيئة قانونية ذات شخصية اعتبارية.

الأمين العام الأسبق لوزارة، عدنان الزعبي، يرى أن القضية سياسية، موضحا أن منسوب المياه ارتفاع إلى حوالي 70 مليون متر مكعب خلال الأزمة السورية، لكن بعد عودة الأمور إلى طبيعتها والسيطرة على التدفقات والفائض من مياه السدود رجعت للوضع السابق.

توظيف سياسي

على الرغم من انفتاح عمان السياسي على دمشق وسعي الأردن للحل السياسي في سوريا، وإعادة فتح حدود جابر-نصيب بين البلدين وعودة التبادل التجاري، إلا أن ملف المياه لم يشهد تقدما بعد، للدفع باتجاه جني المزيد من المكاسب السياسية.

المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، لا يستبعد توظيف دمشق لهذا الملف سياسيا، باعتبار ملف المياه واحد من الأوراق الذي تمتلكه سوريا فيما يتعلق بالأردن، رغم أن الأردن شريك لإعادة تأهيل سوريا عربيا على الأقل منذ نحو سنتين.

كل الملفات التي تمتلكها الدول، مثل الحدود والمجال الجوي والحقوق المائية وغيرها، تعمل الدول من خلالها إما على حماية مصالحها أو تعظيمها، حسب مدير مركز “ستراتيجكس” للدراسات والبحوث الاستراتيجية، حازم الضمور.

وأضاف الضمور لـ “الحل نت” أن هذه الملفات بين الدول تؤخذ على قياس ثلاث مراحل، ما تم الاتفاق عليه من ناحية المفاوضات، الوضع الحالي، ما ينفذ وما تم تنفيذه.

الحقوق المائية من اتفاقية المياه مع سوريا كانت نوعا ما منقوصة، ولم يأخذ الأردن حقوقه بالكامل، وفق الضمور.

الحوارات أشار، في حديث لـ “الحل نت” إلى أن لدى سوريا تحفظ رئيسي وغير مرتاحة لطبيعة التعاقد الأردني مع الاحتلال الإسرائيلي وربما يأتي خصم المياه في هذا الاتجاه.

الأردن تعاني من نقص في المياه سنويا، لكنها تلجأ إلى الجانب الإسرائيلي، إذ إنها وقعت اتفاقية سنة 2021 يبيع الاحتلال بموجبه 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا لعمان يتم ضخها من بحيرة طبريا إلى الأردن لغايات الشرب وري المزروعات.

بموجب اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية تحصل الأردن على 55 مليون متر مكعب من مياه نهري اليرموك والأردن، وبسعر سنت واحد للمتر.

اقرأ أيضا: أزمة اقتصادية في الأردن.. ما علاقة “صندوق النقد” الدولي؟

الأردن وإسرائيل وقعا برعاية إماراتية، اتفاق إعلان نوايا لمشروع مشترك بين البلدين في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، يتم من خلاله تزويد الأردن بحاجته من المياه المحلاة من البحر الأبيض المتوسط لدى لجانب الإسرائيلي، وتزويد الإسرائيليين بطاقة كهربائية من مشاريع طاقة شمسية بالصحراء الأردنية جنوب المملكة.

على الرغم من ذلك، تسعى الأردن جاهدة إلى تأمين احتياجاتها المائية داخليا، التي تبلغ أكثر من مليار متر مكعب سنويا، من خلال خطط لتوفير مصادر مائية جديدة وتنفيذ مشروع الناقل الوطني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.