ثلاثة عقود على تعاون الأردن مع “صندوق النقد” الدولي، لإصلاح وضعه الاقتصادي وإنعاشه، إلا أن الواقع يشهد العكس. أزمات اقتصادية متراكمة وركود حاد، وارتفاع بنسب الفقر والبطالة في المملكة، فما التفاصيل؟

تقرير لمؤسسة “فريدريش إيبرت”، أكد أنه رغم أن الأردن قد طبّق برنامجا مع “صندوق النقد” الدولي، إلا أن الوضع الاقتصادي وصل لمستويات منخفضة، لدرجة أنه تسبب في ارتفاع الدَّين الوطني وعجز مستمر في الميزانية.

بالتزامن مع ذلك، انخفض الإنفاق على الحماية الاجتماعية الممنوحة للمواطنين الأردنيين بشكل كبير، في وقت يتطلب تعزيز الإنفاق الاجتماعي في الأردن، إصلاحا ماليا قائما على إعادة تنظيم طويلة الأجل من أجل خفض النفقات.

كانت دراسة لشركة “أليانز تريد” للتأمين، أفادت أن 11 دولة، معظمها في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، معرّضة لاحتمال مرتفع بنشوب توترات اجتماعية؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولفتت الدراسة، إلى أن “عدم إطعام الشعوب يعني تغذية النزاعات”.

شركة التأمين، اعتبرت أن تلك الدول وأبرزها الأردن، معرّضة بشكل خاص لاحتمال نشوب صراعات اجتماعية في السنوات المقبلة، وما يدفع لاحتمالية نشوب تلك الصراعات، هو وصول نسبة مَن يعيشون تحت خط الفقر في الأردن إلى 15.7 بالمئة، بحسب الإحصائيات الرسمية الأردنية.

أرقام الفقر والبطالة

حسب تقرير “فريدريش إيبرت”، فإن المواطنين الأردنيين يحصلون على مكافآت اجتماعية (خدمات طبية مجانية، ومنح جامعية، وتوظيف في الخدمة العامة)، مقابل ولائهم للنظام الحاكم، “لذلك تغطي الدولة دائما هذه الخدمات الاجتماعية لضمان استمرار الدعم السياسي من مواطنيها”.

لكن تلك الخدمات لا تطفئ القنبلة الموقوتة لجيش من المواطنين الفقراء والعاطلين عن العمل، الذين يشكّلون وفق موقع “ميدل إيست آي”، جوهر حركة اجتماعية تخشى الحكومة الأردنية أن تنفجر في شكل احتجاجات جديدة، كما حصل إبّان “الربيع العربي”.

تعود علاقة الأردن مع “صندوق النقد” الدولي، إلى عام 1989، عندما طلبت عمّان مساعدة الصندوق بعد أزمة اقتصادية حادة ضربت البلاد في الجزء الأخير من ذلك العقد، ووُقِّعَت الاتفاقية الأولى في ذلك العام بهدف تقليل عجز الحساب.

أعقب تلك الاتفاقية، 6 اتفاقيات أخرى حتى “يخرج” الأردن، من هذه البرامج لأول مرة في عام 2014. وتُقسّم اتفاقيات الإصلاح إلى 3 مراحل؛ إذ تألفت المرحلة الأولى لفترة وجيزة من تحرير القطاع المالي، وحساب رأس المال، ونظام سعر الصرف، والتي بلغت ذروتها في أزمة بنكية مزدوجة وأزمة عملة.

في عام 1999، وصف رئيس الوزراء الأردني آنذاك عبد الرؤوف الروابدة، اقتصاد بلاده بأنه في “غرفة الإنعاش”، وبعد مرور 20 عاما على تصريحاته، قال الروابدة، “لقد عاد مجددا إلى غرفة العمليات”، في إشارة واضحة إلى أن جميع وصفات الإصلاح الاقتصادي فشلت في إخراج الأردن من حالة الموت السريري، مع تفاقم العجز والديون والفقر والبطالة، على الرغم من تعاقب 12 حكومة منذ ذلك الحين، تعهدت جميعها بحل المشاكل الاقتصادية لكن من دون أي أثر ملموس.

بعد عقد ونصف من الزمن، انصاعت طواله الأردن، لوصفات “صندوق النقد”، ألقت الحكومة الأردنية بكل ثقلها خلف “مؤتمر لندن” العام 2016 لدعم اقتصادها، ووفق تصريحات لوزير التخطيط الأردني الأسبق عناد فاخوري، فإن المؤتمر نجح بتقديم قروض ومساعدات للأردن بقيمة 5.7 مليار دولار، لكن تلك الحزمة لم تنقذ الاقتصاد أو المواطن الأردني.

شهِد الأردن خلال السنوات العشر الماضية، تراجعا واضحا عن وضعه الاقتصادي، فبلغت نسبة الفقراء 24 بالمئة، في آب/ أغسطس 2021، بحسب تقديرات وزارة التخطيط الأردنية، في حين شهدت البطالة أيضا زيادة ملحوظة وصلت إلى 22.8 بالمئة، في نهاية الربع الأول من العام الجاري.

هذا التراجع، بحسب الباحث الاقتصادي ليث العجلوني، الذي أسهم في تقرير “فريدريش إيبرت”، هو “مزيج من العوامل التاريخية والسياسية وعوامل أخرى مرتبطة جميعها بالإدارة المالية والسياسية الحكومية، ومرتبطة بإصلاحات صندوق النقد الدولي”.

استسلام لـ “صندوق النقد”

تقرير سابق لـ “اندبندنت عربية”، قال إن ارتفاع الدَّين الداخلي للأردن، هو تحدّ أكبرَ من الدين الخارجي، فالدَّين الداخلي يبلغ 19 مليار دينار(26.6 مليار دولار)، بينما الخارجي لا يزيد على 9 مليارات دينار (12.6 مليار دولار).

الحكومة الأردنية بحسب التقرير، وقعت في خطأ يتمثل بالاقتراض من البنوك وتزاحم المواطن في ذلك، تدفع سنويا 1100 مليار كعبء للدين، بدل أن ينفق هذا المبلغ على البنية التحتية والاستثمار الرأسمالي، “ما يعني بوضوح غياب خطة حكومية أردنية لسداد الدين”.

في كانون الثاني/ يناير 2020، توصلت السلطات الأردنية إلى اتفاقية تسهيل التمويل النهائي مع “صندوق النقد” الدولي، وتهدف الاتفاقية في المقام الأول إلى تحسين القدرة التنافسية لبيئة الأعمال وتعزيز النمو الشامل، لكنها لم تركز على الإصلاحات المالية، باستثناء معالجة التهرب الضريبي وإصلاح الإدارة الضريبية، بهدف تحسين التحصيل.

معارضو الحكومات الأردنية المتعاقبة، جادلوا بأن ما فعلته كل تلك الحكومات منذ الثمانينيات تحت عنوان “برنامج الإصلاح الاقتصادي”، لا يقل عن الاستسلام الكامل لـ “صندوق النقد” الدولي والتطبيق المباشر للسياسات الاقتصادية، التي تسببت في فقدان الدولة لحقوقها بالمؤسسات الحكومية، التي بيعَت للقطاع الخاص.

الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، قال لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إنه “عندما استجاب الأردن لضغوط صندوق النقد الدولي، طبق سلسلة من السياسات الاقتصادية والمالية النيوليبرالية التي تسببت في نتائج ركود اقتصادي، أثرت على الفقراء وبعض قطاعات الطبقة الوسطى في المجتمع”.

ركزت تلك القرارات على إلغاء الدعم وزيادة الضرائب المباشرة مع فتح التجارة الخارجية، وإزالة القيود الجمركية وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات، وتضمنت الإجراءات إزالة أي حماية على المنتجات المحلية وترك القطاع الخاص يدير الاقتصاد، وأُلغِيَت القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي وتحرير الأسواق المالية، مع إزالة الدعم عن البنود الهامة وبيع الشركات المملوكة للحكومة.

الإصلاح الاقتصادي “الحقيقي”، الذي بدأ في العام 1989، والذي كان هدفه الاستقرار المالي والنقدي؛ بسبب العجز الكبير في الموازنة الأردنية وانهيار سعر صرف الدينار آنذاك، نجحت من خلاله عمّان عام 1995 في تثبيت سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار، ومنذ ذلك الوقت، فإن الدينار الأردني يساوي 1.4 دولار.

بعد ذلك دخل الأردن في برنامج تصحيح اقتصادي ثان، هدفه الخصخصة عبر انسحاب الحكومة من القطاع الاقتصادي وإعطاء المجال للقطاع الخاص، لكن هذه الخطوة لم تُقابل برضى تام من قبل الشارع الأردني، الذي اعتبر أن الدولة تتخلى عن مفهوم الريعية.

مشكلة الاستثمار

المملكة دخلت في برامج إصلاح جديدة، تسمى الإصلاح الممتد بين العامين 2016 و2019، بهدف تقليل الاختلالات المالية وتسديد المديونية عبر تقليل العجز في الموازنة، لكن العجز استمر والاعتماد الأكبر في الموازنة كان على الضرائب، ما أثقل كاهل المواطن بعبء ضريبي كبير، وصل إلى 26 بالمئة من دخل المواطن.

مدير المرصد العمالي “مرصد العمل الأردني” أحمد عوض، قال إن “سياسات صندوق النقد الدولي زادت من اعتماد الاقتصاد على القروض والمنح الخارجية، بينما فشلت في ضمان استقلال الاقتصاد الأردني، وأضعفت قدرة الإنتاج المحلي لمختلف القطاعات”.

في عامي 2007 و2008، أنتج الاقتصاد الأردني 70 ألف وظيفة جديدة، بينما انخفض في عام 2015 إلى 48 ألف وظيفة، وفي عام 2019 فقط 35 ألف وظيفة جديدة، “وهذا من شأنه أن يفسر استمرار الزيادة في البطالة، والتي وصلت إلى 24 بالمئة في عام 2021. وبلغت النسبة بين الشباب الذكور 48.5 بالمئة”، وفق عوض.

إحدى المشكلات التي يواجهها الأردن، هو أنه لا يشجع الاستثمار ويقوم باستمرار بتعديل قانون الاستثمار، تأتي كل حكومة جديدة بإصلاحات اقتصادية، لكن تلك الخطط غالبا ما تنتهي عند استبدال الحكومة. “المشكلة هي عدم استمرارية الخطط الاقتصادية”، على حد قول وزير المالية الأردني السابق محمد أبو حمور، لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

بحسب “اندبندنت عربية”، فإن الاقتصاد المحلي الأردني لن يتوسع من دون الاستثمار الأجنبي، والذي توضح أرقامه تناقصا ملفتا وفق “البنك المركزي” الأردني، إذ بلغت قيمة الاستثمار الأجنبي في العام 2016 حوالي 1400 مليون دينار، بينما بلغ في العام 2017 نحو 1100 مليون دينار، وفي العام 2018 زهاء 750 مليون دينار.

تقرير “فريدريش إيبرت”، تحدّث عن فشل الحكومة الأردنية في معالجة المشكلة الضخمة المتمثلة في التهرب الضريبي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وأشار إلى تقديرات رسمية بأن الأردن يخسر 1.128 مليار دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي، وهو ما يمثل 17 بالمئة، من عائدات الضرائب السنوية.

ما يجدر ذكره، أن النفط هو العامل الأساس المحدد للوضع الاقتصادي في الأردن، لأنه دولة غير نفطية بل مستوردة للمشتقات النفطية، وارتفاع أسعار النفط، يعني رفع الكلفة على المواطن، ويرافق ذلك معضلة كبيرة تتمثل بغياب الشفافية بما يتعلق بطريقة تسعير المحروقات وآليتها التي لا يفهمها أحد في الأردن، في وقت يدفع المواطن نحو 20 بالمئة، من دخله ثمن المحروقات شهريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة