على الرغم من مرور أكثر من عقد على الأزمة المالية 2008-2009، والتي دفعت العالم إلى الركود العظيم، والذي كان في ذلك الوقت أكبر تراجع اقتصادي منذ الكساد العظيم، إلا أن التطورات الحالية التي تعصف بالاقتصادات العالمية أصبحت بمثابة شبح يطارد المستثمرين الدوليين والمحللين الاقتصاديين.

عندما تحل أزمة ما، يمكن الشعور بآثارها لسنوات عديدة بعد ذلك. وبالنظر إلى أمثلة مختلفة عبر التاريخ، يقدر أحد التقديرات التكلفة الاقتصادية الإجمالية لأزمة مالية نموذجية بحوالي 75 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي. هذا يعادل 21000 جنيه إسترليني، لكل شخص في المملكة المتحدة.

فعلى سبيل المثال الأزمة المالية 2007 – 2008، والتي كانت واحدة من أشد الأزمات على الإطلاق. أغلقت بعض الأسواق المالية فعليا. تضرر البعض الآخر بشدة لدرجة أن الشركات والأُسر لم تتمكن من الحصول على التمويل الذي تحتاجه، ونتيجة لذلك، عانت الاقتصادات العالمية من أعمق ركود منذ الحرب العالمية الثانية، فما احتمالات تكرار الأزمة المالية العالمية ضمن الوضع الراهن.

من أين ستأتي الأزمة المالية القادمة؟

خلال الأسبوع الماضي، دقت شخصيات بارزة، من رئيس منظمة التجارة العالمية إلى الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل، بول كروغمان، ناقوس الخطر بشأن احتمال حدوث انكماش عالمي. وفي استطلاع نشره المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره سويسرا، يوم الأربعاء الماضي، قال 7 من كل 10 مشاركين في عينة من 22 اقتصاديا بارزا في القطاعين الخاص والعام، إنهم يعتقدون أن الركود العالمي كان محتملا إلى حدّ ما، على الأقل في عام 2023.

في هذا السياق، يقول الخبير في تحليل الأسواق المالية والاقتصاد السياسي الدولي، بريان ماركس، لـ”الحل نت”، إنه طرح الاحتمالات حول الدخول في أزمة مالية جديدة على غرار أزمة عام 2008، ناتج عن الهبوط الذي ضرب السوق الصاعدة، والتي نضجت منذ عام 2009 وتم تسجيله كواحد من أعظم فقاعات التاريخ المالي، إذ تعاني حاليا من زيادات هائلة في الأسعار، بعد أن شهدت سلوك استثماري هستيري.

ويشير ماركس، إلى أنه إذا ظل التضخم منخفضا وحافظ الاحتياطي الفيدرالي على التحفيز النقدي، فسوف تستمر أسعار الأصول في الارتفاع، مما يزيد من احتمالية حدوث انهيار. وبالمحصلة فإن الاقتصاد العالمي سيقع الآن في فخ الديون، فمستويات الديون وتقييمات الأسهم مرتفعة للغاية بحيث لا تستطيع البنوك المركزية تشديد السياسة النقدية دون أن تشكل تهديدا خطيرا للاستقرار الاقتصادي.

وفي حين أن الحرب في أوكرانيا، وإغلاقات الصين الوبائية الصارمة، والتضخم الجامح، كلها تفسد الآفاق الاقتصادية، يشعر المستثمرون بالقلق بشكل خاص من احتمال قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة بقوة، لدرجة قد تجعل أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو الركود، الأمر الذي يجر بقية العالم، إلى تكرار الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008.

وعلى الرغم من الأمل في حدوث “هبوط ناعم” للاقتصاد، أقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم بأول، مؤخرا بأن مسؤولي مجلس الاحتياط الفيدرالي، “لا يعرفون” ما إذا كانت جهودهم لكبح التضخم ستؤدي إلى الركود، أو مدى شدة هذا الركود المحتمل.

تجاوز عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات نسبة 4 بالمئة، والذي أدى إلى زيادة معدلات الرهن العقاري إلى أعلى مستوى لها، أي نسبة 6.7 بالمئة، وانهيار قيمة الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار، كأحداث مجتمعة أوجست الخيفة في قلوب الاقتصاديين، فيوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي من هذا العام وافق مرور 14 عاما على اليوم الذي انهارت فيه أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم عام 2008، وقد أعقبه أشد أزمة مالية يشهدها العالم منذ أزمة “الكساد العظيم”، في ثلاثينيات القرن الماضي.

طبقا للظروف الأزمة مختلفة

المشاعر السائدة الآن هي الخوف، حسبما يراه ماركس، فبسبب التضخم والضربات اللاحقة التي تلقاها الاقتصاد العالمي، فإن تكاليف الاقتراض مرتفعة وهناك قلق دائم من أزمات جديدة، سواء كانت ناجمة عن عاصفة مدمرة، وقوة عظمى تخوض حربا مع جارتها، وبرنامج تخفيض جذري للضرائب دون توفير مصادر التمويل اللازمة مما سيؤدي حتما إلى تضخم أكبر.

نتيجة لهذا فإن المستثمرين الآن لا يملكون سوى القليل من خيارات الاستثمار المربحة، كما بدأت الأسهم والسندات في الهبوط، ويعتقد العديد من الخبراء أن السوق سوف تظل مضطربة إلى أن يتم التحكم في التضخم.

قال رون سابا، كبير مديري الأصول في “هورايزون إنفستمنت، “: “نظرا للتشاؤم الشديد المقترن بالتقييمات المعقولة، يمكن أن يمنح الربع الرابع المستثمرين فرصة لاسترداد بعض خسائرهم”. لافتا إلى أن الكثير من الأخبار السيئة قد تم تفنيدها مؤخرا، وربما يعطي هذا بعض الأمل للأسوق في الربع الرابع.

وبالنظر إلى التاريخ، فإن أداء الأسهم في الماضي ربما يبشر بالخير للربع الأخير من العام. فقد ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بمتوسط 4.1 بالمئة في الربع الأخير خلال العشرين عاما الماضية. كما أن مؤشر “إم إس سي أي” انخفض في الربع الرابع ثلاث مرات فقط خلال تلك الفترة.

وطبقا لتقرير موقع “سكاي نيوز عربية”، أمس الأحد، فإن هذا لا يعني هذا أن الشركات ستجتاز العام الحالي بالإعلان عن تقارير مبهجة. فلا يزال هناك الكثير من العقبات التي يمكن أن تعزز سمعة 2022 كعام لا يُنسى، ففي العام الجاري، تواجه الشركات ما يمكن تسميته بـ “عصر التكاليف المرتفعة”، وهو ما يجعل من الصعب الدفاع عن الربحية. كما أن الشركات تواجه أيضا سياسة أكثر تشددا من الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا وآخرين، حيث تحافظ البنوك المركزية على خططها الصارمة لترويض التضخم.

الصين تعمق أزمة آسيا

يوم الثلاثاء الفائت، خفّض البنك الدولي توقعاته الاقتصادية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 3.2 بالمئة، انخفاضا من 5 بالمئة في أبريل/نيسان الماضي، وخفض توقعاته للصين إلى النصف تقريبا إلى 2.8 بالمئة. ما دعا ترين نجوين، كبير الاقتصاديين في مجال اقتصادات آسيا الناشئة في مؤسسة “ناتيكسيس”، في هونغ كونغ، للاعتقاد بأن الاقتصادات الآسيوية لن تسلم من تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة، على الرغم من أن المنطقة كانت تتطلع إلى أنها ستعاني من التباطؤ، وليس الانهيار.

وهذا السيناريو السيئ قد يؤدي إلى أزمة حادة لها تداعيات سياسية محلية ودولية. فحتى الانخفاض في النمو المتوقع الآن على نطاق واسع سيكون له تداعيات خطيرة على الاقتصادات عبر الأطلسي وشرق آسيا، حيث تتحجج الصين، بأن هذا التباطؤ سببه قواعدها الصارمة الخاصة بعدم انتشار فيروس كورونا، التي يُطلق عليها سياسة صفر كوفيد، والتي عطّلت الإنتاج الصناعي والمبيعات المحلية والصادرات.

في المقابل، يتطلع المستثمرون حول العالم لأي أخبار جيدة لمساعدتهم على نسيان ربع قاس لأسواق الأسهم العالمية، والتي تكبدت خسائر بلغت منذ بداية العام حوالي 24 تريليون دولار، أملا بأن يمنحهم موسم أرباح الشركات التي ستعلن نتائج الربع الثالث، فرصة لتعويض بعض هذه الخسائر.

حيث تراجع مؤشر “إم إس سي أي وورلد”، الذي يتتبع الأسهم العالمية، في نهاية سبتمبر، للربع الثالث على التوالي، وذلك للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، بحسب تقرير لوكالة “بلومبرغ”.

وفي هذا السياق، تقول جين سهادي، الكاتبة البارزة في موقع “سي إن إن للأعمال”، المتخصص في الشؤون الاقتصادية العالمية، مخاطبة المستثمرين الأميركيين، إنه “ينبغي التمهل، وتجنب الذعر، وعدم المساس برصيدك في حسابات التقاعد على المدى القريب ما دمت لا تحتاج إلى المال لأمر طارئ، وحتى تتضح الأمور”.

وخلاصة ذلك، يعتقد الخبير في تحليل الأسواق المالية والاقتصاد السياسي الدولي، بريان ماركس، أن الظروف الحالية لا تبعث بدلائل لحدوث أزمة كالتي حدثت في 2008 أو أسوأ منها، مرجعا السبب لتجسيد النموذج العالمي للعوامل الخارجية العالمية الهامة حيث يتأثر خطر حدوث أزمة في بلد ما بشدة ببقية العالم. وإن نقص رأس المال في القطاع المالي في بلد ما سيزيد من احتمال حدوث أزمة في بلد آخر. ولذلك فإن الاستقرار المالي مترابط عبر الحدود، ولكل دولة مصلحة في تنظيم بقية العالم.

الأزمة المالية 2007–2008

وفقا للتقارير العالمية، فإن الأزمة المالية العالمية 2007–2008 التي انفجرت في أيلول/سبتمبر 2008، اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929، ابتدأت الأزمة أولا بالولايات المتحدة الأميركية، ثم امتدت إلى دول العالم ليشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية، التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأميركي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008 إلى 19 بنكا، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأميركية البالغ عددها 8400 بنكا.

إن الأزمة الاقتصادية التي حدثت في سنة 2008 هي حقيقية، فلو كانت الأزمة حكومية لقيل عنها أنها مفتعلة، ولكنها نشأت من المؤسسات الخاصة، حيث أن المواطن الأميركي كان يقترض من البنك حتى يشتري من الشركات العقارية بيتا له عن طريق البطاقات الائتمانية. وكان سداد القروض العقارية يتم عن طريق البنوك التي تعتمد على أسعار الفائدة في تعاملاتها المالية.

وكان سعر الفائدة يزيد بزيادة سعر العقار لكل سنة، وأدى ذلك في النهاية إلى عدم قدرة المواطن الأميركي على سداد الرهن العقاري وعدم القدرة على الالتزام بالدفعات التي ألزم بها لذلك سميت هذه الأزمة بأزمة الرهن العقاري؛ مما أدى بالتالي إلى انعدام السيولة في البنوك، وعدم القدرة على تمويل المشاريع الجديدة وانخفاض الطلب مع زيادة العرض، ومن ثم إعلان إفلاسها بشكل تدريجي مما أدى إلى كساد اقتصادي عالمي جديد.

خطة الإنقاذ المالية، كانت عبارة عن إستراتيجية وضعها وزير خزانة الولايات المتحدة، هنري بولسون، لحماية النظام المالي الأميركي بعد أزمة الرهن العقاري، التي ظهرت لأول مرة في عام 2007، والتي خلّفت آثارا دائمة حتى عام 2008. ولقد خلّفت أزمة الرهن العقاري تأثيرا على الصناعة المصرفية والأسواق المالية في الولايات المتحدة، ففرضت بذلك خطرا على الاقتصاد المحلي والعالمي.

وكانت الاستراتيجية تُعد بتحسين حماية أموال وعقارات دافعي الضرائب، كما تهدف إلى حماية الممتلكات، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وزيادة عائدات الاستثمار.

تم وضع الخطة لمعالجة أسوأ أزمة عقارية تضرب الولايات المتحدة منذ أن تعرضت البلاد لأزمة الكساد الأعظم في عام 1929. كما تم تصميمه لمساعدة المقترضين الذين يواجهون صعوبات في تسديد مدفوعاتهم من خلال زيادة الحد الأقصى للقروض العقارية التي يحق لهم الحصول عليها بموجب ضمان عام.

وبعد معاناة طويلة للاقتصادات العالمية أعلنت الدول الصناعية الكبرى الثمانية، دخول اقتصاداتها الركود التي حاولت الحكومات جاهدة تفاديه وقد أعلن الركود بعد أن ظهرت بيانات انكماش للربع الثالث من عام 2008 بنسبة 0.5 لكل من اقتصاد الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وكندا، وقد أعلنت روسيا في 12 كانون الأول/ديسمبر، أنها دخلت الركود.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.