واقعيا، هي أزمة اقتصادية غير مسبوقة تمر بها تونس الخضراء، لا سيما وأن الأزمة تتعلق بالمواد الأساسية من الأغذية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي، فهل ستسفر الأزمة عن احتجاجات شعبية جديدة؟

منذ نهاية 2021، تسجل المحلات والفضاءات التجارية التونسية نقصا في العديد من المواد؛ مثل الزيت النباتي والسميد والسكر والأرز، وتضاعفت مؤخرا بشحة السكر والحليب والقهوة.

أول أمس الاثنين، اندلعت احتجاجات ليلية متوسطة في عدة مدن بالعاصمة تونس، ندّدت بغلاء المعيشة، ونادت بشعارات “شغل، حرية، كرامة وطنية”، غير أنها جوبهت بالقمع من قبل القوات الأمنية.

رفوف فارغة في محلات السوبر ماركت والمخابز، مما يزيد من السخط الشعبي من ارتفاع الأسعار لدى العديد من التونسيين، الذين يقضون ساعات في البحث عن السكر والحليب والزبدة والأرز والزيت.

خبير الاقتصاد الدولي، مصطفى حنتوش، يرى أن ما يحدث في تونس، نتيجة طبيعية لسياسات الحكومات المتعاقبة بعد. عام 2011، والتي أثقلت الميزانية التونسية وتسبب بمديونية كبيرة.

هدر العملة الصعبة

حنتوش يلقي باللوم على “حزب النهضة”، الجناح السياسي لـ “الإخوان المسلمين”؛ كونه هو من تحكم بزمام تونس بعد 2011 لسنوات عديدة، ولم يمتلك رؤية واضحة لقيادة الدولة، فأنهكها بالديون.

نتيجة تلك الممارسات، تراكمت الديون على تونس، حتى وصلت اليوم إلى 120 مليار دينار تونسي، وتسعى الحكومة الحالية والرئيس قيس سعيد، لإيجاد حلول للأزمة، لكن دون جدوى حتى الآن.

الرئيس سعيد، اتهم في مرات عديدة المحتكرين بأنهم هم وراء الأزمة، وتوعدهم بملاحقتهم قضائيا، نتيجة احتكارهم للمواد الغذائية، ما تسبب بتدافع العشرات يوميا، للفوز بكيلوغرام واحد من السكر في متاجر البلاد، حسب مقاطع فيديوية عديدة.

الأزمة لا تقتصر على المحتكرين، بل تمتد لآكثر من ذلك، منها عدم التصرف بشكل جيد بأموال الدولة الموجودة في الخزينة التونسية من العملة الصعبة، بجسب حديث الخبير الاقتصادي، مصطفى حنتوش لـ “الحل نت”.

حنتوش يقول، إن تونس تهدر العملة الصعبة باستيراد مواد كمالية ثانوية بأرقام ضخمة، في حين هي تحتاج لخزن العملة الصعبة من الدولار، وذلك خطأ جسيم، عليها تأمين العملة واستيراد المواد الأساسية فقط.

وتعرف تونس بكونها دولة غير منتجة بشكل كبير، إذ أن معظم موادها الأساسية من الأغذية تقوم بتوريدها من أوروبا، ناهيك عن أن المنتوج الوطني قليل، وأسعاره مرتفعة، نتيجة احتكاره من قبل التجار.

الصين تنحز خزينة تونس

أزمة اامواد الغذائية، أضافت مزيدا من الأعباء المعيشية على المواطنين التونسيين، خصوصا بعد أن رفعت الحكومة هذا الشهر، سعر أسطوانات غاز الطهي 14 بالمئة لأول مرة منذ 12 عاما.

ليس ذلك فقط، بل رفعت الحكومة، أسعار الوقود للمرة الرابعة هذا العام كجزء من خطة لخفض دعم الطاقة، وهو اصلاح رئيسي يطالب به صندوق النقد الدولي، غير أن الضحية هو المواطن.

يقول مصطفى حنتوش، إن هناك تقاطعات بين الحكومة وبقية المؤسسات لا تسفر عن حلول للأزمة، منها عدم تعاون الحكومة والمالية العمومية والرئاسة والاتحاد العام التونسي للشغل مع بعضها البعض.

مؤخرا، طرح الاتحاد العام التونسي للشغل، إمكانية تعاونه مع الحكومة والرئاسة بالجلوس معا ومعهم منظمات اقتصادية، لبحث إمكانية حل الأزمة الراهنة، واستباق تطورها وانزلاقها لنتائج وخيمة، لكن لا استجابة للطرح بعد.

بحسب حنتوش، هناك دول تنخر الخزينة التونسية، وعلى رأسها الصين وتركيا وروسيا؛ لأنها تقوم بتصدير العديد من منتوجاتها الغذائية والصناعية لتونس مقابل أموال ضخمة، دون استحصال تونس أي فائدة مالية؛ لأن تلك الدول لا تستورد أي شيء منها.

بالتالي، يجب على الحكومة مراجعة ذلك الأمر، إما بإلغاء التعامل الاقتصادي مع تلك البلدان؛ نتيجة عدم الفائدة المالية منها، أو بوضع اتفاقيات معها، تجعلها تستورد من تونس، ما يورد الخزينة التونسية العملة الصعية، وفق حنتوش.

المصير بيد صندوق النقد؟

اللافت أنه مع مرور الوقت، واصلت معدلات التضخم ارتفاعها لتصل إلى 8,6 بالمئة، ووصلت نسب البطالة إلى 15,3 بالمئة، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 12 مليون نسمة، وتكافح تونس لإنعاش ماليتها العامة استباقا لأي غضب شعبي.

الغضب الشعبي قادم لا محالة، خصوصا مع قرب شهر كانون الأول/ ديسمبر، الذي يعرف بكونه شهر الاحتجاجات الشعبية الأقوى في تونس، بحسب مصطفى حنتوش، ومنع تلك الاحتجاجات يتطلب حل الأزمة قبل الوصول لذلك الشهر.

لا حل جذري يمكن القيام به الآن، لكن الحل الآني يتمثل بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، لتمشية الأمور في الفترة المقبلة، فإن منح الصندوق القرض لتونس، لن تكون هناك احتجاجات تهدد الحكومة والرئاسة، بحسب حنتوش.

قدّمت تونس مؤخرا، طلبا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4 مليار دولار، يمتد لمدة 3 سنوات، لكن حنتوش يتوقع أن يمنح صندوق النقد مبلغا أقل من ذلك، إن قرر الاستجابة للطلب التونسي.

ويشير حنتوش، إلى أن قرض صندوق النقد، لن يعبر بتونس من الأزمة سوى إلى عام ونصف أو عامين كأبعد تقدير، وسلبياته زيادة المديونية على تونس، لكنه سيؤدي لهدوء الوضع في الشارع بتلك الفترة.

في غضون تلك الفترة، على الحكومة والرئاسة القيام بإصلاحات بنيوية لبيئة النظام وخصوصا المالية العمومية ووزارة التجارة، وبقية المؤسسات المالية التي “نخرها السوس” طيلة السنوات الماضية، يقول حنتوش مختتما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.