انعكست التبعات السلبية للاقتصاد الصيني ومشكلاته الحالية على اقتصادات الدول المحيطة، إذ يعاني ثاني أكبر اقتصاد في العالم من تباطؤ في النمو، بجانب أزمة عقارية، واستمرار لإغلاقات في مدن مختلفة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا.

من المتوقع أن تشهد الصين، التي تشكل 86 بالمئة، من الناتج الاقتصادي للمنطقة التي تضم 23 دولة، نموا بنسبة 2.8 بالمئة، هذا العام، في تباطؤ كبير عن توقعات البنك السابقة البالغة 5.0 بالمئة، وهذا السيناريو السيئ قد يؤدي إلى أزمة حادة لها تداعيات سياسية محلية ودولية. فحتى الانخفاض في النمو المتوقع الآن على نطاق واسع سيكون له تداعيات خطيرة على الاقتصادات عبر الأطلسي وشرق آسيا.

تتحجج الصين بأن هذا التباطؤ سببه قواعدها الصارمة الخاصة بعدم انتشار فيروس كورونا، التي يطلق عليها سياسة صفر كوفيد، والتي عطّلت الإنتاج الصناعي والمبيعات المحلية والصادرات، إلا أن هناك أصابع اتهام موجه لبكين حول سعيها للتأثير على جيرانها والعالم من بعدهم، فما صحة ذلك.

تأثير الصين في جنوب آسيا

توسعت البصمة الاقتصادية والسياسية للصين بسرعة كبيرة لدرجة أن العديد من البلدان، حتى تلك التي لديها مؤسسات دولة ومؤسسات مجتمع مدني قوية نسبيا، كافحت للتعامل مع التداعيات. كان هناك اهتمام متزايد بهذه القضية في الولايات المتحدة، والديمقراطيات الصناعية المتقدمة في اليابان وأوروبا الغربية. لكن البلدان “الضعيفة” تلك التي تكون فيها الفجوة أكبر بين نطاق النشاط الصيني وشدته من ناحية، والقدرة المحلية من ناحية أخرى على إدارة المخاطر السياسية والاقتصادية، والتخفيف من حدتها تواجه تحديات خاصة.

في هذه البلدان، لا تزال أدوات وتكتيكات النشاط الصيني وأنشطة التأثير غير مفهومة جيدا، وهذا ملحوظ بشكل خاص في منطقتين استراتيجيتين: جنوب شرق ووسط وشرق أوروبا وجنوب آسيا. حيث توسعت الصورة الاقتصادية والسياسية للصين بسرعة غير معتادة في هاتين المنطقتين، لكن العديد من البلدان تفتقر إلى مجموعة عميقة من الخبراء المحليين الذين يمكنهم مطابقة تحليل الآثار المحلية للنشاط الصيني، مع توصيات السياسة التي تعكس حقيقة الأرضية السياسية والاقتصادية المحلية.

يقول المحلل السياسي والدبلوماسي الصيني السابق، وو يي، لـ”الحل نت”، إن التباطؤ الاقتصادي في الصين وما يرتبط به من ضعف في الاستهلاك سيكون لهما آثار غير مباشرة على اقتصاد العالم عموما، ودول جنوب آسيا على وجه الخصوص. إذ يقدر صندوق النقد الدولي أن انخفاضا بنسبة 1 بالمئة، في إنتاج الصين يخفض النمو في هذه المنطقة بمقدار عُشر هذا المستوى. يمتص قطاع العقارات وحده 14 بالمئة، من القيمة المضافة العالمية للمعادن، و6 بالمئة، في التعدين، و5 بالمئة، في الكيماويات.

ويشير يي، إلى أنه لا يمكن توقع أن تتفاقم الآثار على الاقتصادات الغربية كدول شرق آسيا، إلا مع اشتداد الأزمة العقارية وعودة الصين إلى مزيد من تمويل الديون لزيادة التصنيع المحلي وبناء قدرات تقنية جديدة لتحفيز النمو. وإذا استمرت الصين في استخدام عمليات الإغلاق الصارمة في المدن الكبرى لمكافحة كوفيد-19، فإن مسار نموها سيكون أكثر عرضة للخطر.

الأثر الناتج

لا شك، أن استراتيجية التنمية الموجهة للتصدير عززت النجاح الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما جعلها في السنوات الأخيرة المنطقة الأسرع نموا في العالم. على الرغم من تراجع الطلب من الاقتصادات الغربية التي ضربتها الأزمة، عزز الطلب المتسارع من الصين التجارة البينية في آسيا. وعلى الرغم من أن شركاء الصين التجاريين الآسيويين يستفيدون من زيادة الصادرات إلى الصين، فإن هذا الارتباط الأقوى مع الصين جعلهم أكثر عرضة لخطر التباطؤ الصيني الذي يراه محللون أنه مفتعل.

خلُصت دراسة للبنك الدولي، عن تأثير صدمة الناتج المحلي الإجمالي الصيني السلبية على الاقتصادات الآسيوية من خلال استخدام نموذج الانحدار الذاتي المتجه العالمي، وباستخدام مجموعة البيانات حتى الربع الثالث من عام 2014 لـ 33 دولة، إلى أن صدمة الناتج المحلي الإجمالي الصيني السلبية تؤثر على مصدّري السلع الأساسية، مثل إندونيسيا، إلى أقصى حد، مما يعكس صدمات الطلب ومعدلات التبادل التجاري.

كما أن البلدان المعتمدة على التصدير في دورة الإنتاج في شرق آسيا، مثل اليابان وماليزيا وسنغافورة وتايلاند، تتأثر بشدة أيضا. وخلُص التحليل أيضا إلى أن الصدمة السلبية للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين لن يكون له تأثير سلبي على سعر النفط الخام فقط، كما أظهرت بعض الدراسات السابقة، ولكن أيضا على أسعار المعادن والمنتجات الزراعية.

يقول يي، لا يزال الاقتصاد رقم 2 في العالم يتعامل مع ركود في الاستهلاك والإنتاج بسبب الإغلاق، ومع مواجهة العالم لاحتمال ضعف الطلب بسبب السياسة النقدية التي تفضّل مكافحة التضخم على استقرار النمو، فإن المزيد من التباطؤ من جانب الصين سيكون سببا للقلق، لأنها تفسر ذلك بصورة غير منطقية ما يوحي بأنها مفتعلة لأسباب سياسية، أو ترنو لإخضاع المنطقة بمزيد من الديون.

الصين تعصف باقتصادات شرق آسيا

مع كون الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر اقتصاد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن التوقعات بالنسبة للصين ستكون عاملا رئيسيا في تحديد الآفاق لبقية منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

أدى النمو السريع للاقتصاد الصيني خلال العقد الماضي إلى ارتفاع نصيب الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 5 بالمئة، في عام 2005 إلى ما يقدر بنحو 15 بالمئة، في عام 2015. وقد جعل هذا من الصين سوقا تصديريا متزايد الأهمية للعديد من دول شرق آسيا.

في عام 2014، شكلت الصين 35 بالمئة، من إجمالي صادرات أستراليا، و25 بالمئة من كوريا الجنوبية، و20 بالمئة من اليابان. كما نمت الصادرات إلى الصين من رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، بوتيرة تقارب 20 بالمئة، سنويا على مدار العقد الماضي.

ومع ذلك، فإن بروز الصين المتزايد كسوق للصادرات من جيرانها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، زاد من تعرضهم للتباطؤ الاقتصادي الصيني. لقد تراجعت وتيرة النمو الاقتصادي الصيني في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت من 10.6 بالمئة في عام 2010، إلى 6.9 بالمئة في عام 2015.

توقّع البنك الدولي، اليوم الثلاثاء، أن يضعف النمو الاقتصادي في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ بشكل حاد في عام 2022، بسبب التباطؤ في الصين، مضيفا أن وتيرة النمو قد ترتفع في العام المقبل.

وأضاف البنك الدولي، الذي يتخذ من واشنطن مقرا، في تقرير، أنه يتوقع تباطؤ النمو في 2022، في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، بما يشمل الصين، إلى 3.2 بالمئة، انخفاضا من توقعاته البالغة 5.0 بالمئة في أبريل/نيسان الفائت، ونمو العام السابق البالغ 7.2 بالمئة.

وقال البنك الدولي، إن ضعف التوقعات يرجع بشكل أساسي إلى التباطؤ الحاد في الصين، الناجم عن قواعدها الصارمة الخاصة بعدم انتشار فيروس كورونا، التي يطلق عليها سياسة صفر كوفيد، والتي عطّلت الإنتاج الصناعي والمبيعات المحلية، والصادرات.

صادرات اليابان إلى الصين وحدها تواجه ضغوطا كبيرة، إذ أظهرت البيانات الخاصة بالشحنات التي تلقّتها بكين، انخفاضا في الصادرات بنسبة 9.2 بالمئة، خلال شهر تموز/يوليو الفائت، بما في ذلك صادرات الإلكترونيات ومعدات أشباه الموصلات. وقال بنك اليابان المركزي في تقرير له الشهر الماضي، إن الصادرات إلى الصين تتراجع بشكل واضح بسبب الآثار المستمرة لإغلاق شنغهاي، وأماكن أخرى.

وسجل الاقتصاد الصيني نموا بأبطأ وتيرة منذ عامين، بنسبة 0.4 بالمئة، على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، بسبب القيود الصحية وأزمة العقارات التي عرقلت النشاط بشدة، بحسب أرقام رسمية نشرتها الصين منتصف شهر تموز/يوليو الماضي.

ومنذ 2020، اتبعت الصين سياسة صفر كوفيد، التي تتمثل في تجنب حدوث إصابات جديدة قدر الإمكان بفضل إجراءات العزل المحددة، والفحوصات المكثّفة، وفرض الحجر الصحي على الذين تثبت إصابتهم، ومراقبة تحركاتهم.

بالنظر إلى التحولات الشاملة في العلاقات الدولية وتحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي إلى آسيا، فمن الأهمية أن تسعى دول الشرق الأوسط والخليج العربي، إلى نسج علاقات استراتيجية مع القوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا لتحييد الصين عن هذا الطريق. ولعل أهمية رابطة “الآسيان” الاقتصادية تتعاظم مع مرور الوقت، لاسيما فيما يخص صادرات الطاقة الخليجية، وهذا ما يمثل فرصة لدول المنطقة لتكثيف جهودها السياسية والاقتصادية من الآن فصاعدا لضمان حصص مستقبلية لها في هذه المنطقة الواعدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.