مع نهاية النصف الأول من العام 2023، تندلع أزمة غلاء الأسعار في سوريا كالنار في الهشيم، حيث يصفها السوريون أنها تلتهم بلا رحمة أملاك الأُسر وتبتلع حياة الملايين، حيث تكتنف معاناة الشعب السوري بضباب من الألم والاستنزاف.

تكاليف المعيشة للأُسر السورية ارتفعت إلى أرقام مرعبة تتجاوز الخيال وتقودهم إلى بؤس لا يمكن تصوره، حيث تتجاوز الكلفة المتوسطة للحياة في البلاد مستويات مرعبة، حيث بلغت ما يقارب من 6 ملايين و 500 ألف ليرة سورية. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت الأمور سوءا مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية الضرورية التي تشكل أساس حياة الشعب السوري.

لا تتوقف الأزمة عند هذا الحد، فالتكاليف الوسطية المعيشة للأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد قد قفزت إلى أكثر من 60 ضعف الراتب، وهو رقم مروع يعكس حجم الكابوس الذي يعيشه الأشخاص العاديون. إلا أن تداعيات الأزمة وصلت إلى أشخاص يعتبرون أنفسهم منسيين داخل سوريا.

هل ارتفعت التكلفة خلال شهر؟

 بشكل مذهل ارتفعت تكاليف المعيشة للأسر السورية المكونة من خمسة أفراد، حيث وصلت إلى أكثر من 6.5 مليون ليرة سورية في المتوسط، في حين بلغ الحد الأدنى المطلوب لتأمين الحياة الكريمة نحو 4,100,111 ليرة سورية.

تكلفة المواد الغذائية تشكل نسبة 60 بالمئة من الحد الأدنى في سوريا - إنترنت
تكلفة المواد الغذائية تشكل نسبة 60 بالمئة من الحد الأدنى في سوريا – إنترنت

في هذا السياق، يعاني السوريون بلا رحمة من ارتفاعات هائلة في أسعار السلع الأساسية والضرورية، حيث يتحدث الجميع عن زيادة متوقعة في الرواتب والأجور “قبل عيد الأضحى”، إلا أن هذا العيد قد حلّ دون أن يتم الإعلان عن أي زيادة تلوح بالأفق.

تكلفة المواد الغذائية تشكل نسبة 60 بالمئة من الحد الأدنى المطلوب لتأمين تكاليف المعيشة للأسرة، في حين تشكل النسبة المتبقية البالغة 40 بالمئة التي تغطي احتياجات الأسرة الضرورية الأخرى، مثل تكاليف السكن والمواصلات والتعليم والملبس والرعاية الصحية والأدوات المنزلية وخدمات الاتصال وغيرها.

بدايةً من شهر تموز/يوليو الجاري، شهدت تكاليف المعيشة للأسر السورية ارتفاعا ملحوظا، حيث ارتفع وسطي تلك التكاليف بمقدار حوالي 886.445 ليرة سورية مقارنة بنهاية آذار/مارس 2023، وذلك وفقا لمؤشر صحيفة “قاسيون” المحلية. 

فقد ارتفعت هذه التكاليف من 5.673.733 ليرة سورية في بداية نهاية آذار/مارس الفائت إلى 6.560.178 ليرة سورية في بداية تموز/يوليو الحالي. وبالمثل، ارتفع الحد الأدنى لتكاليف المعيشة للأسرة بحوالي 554.028 ليرة سورية، حيث ارتفع من 3.546.083 ليرة سورية في نهاية الربع الأول من العام إلى 4.100.111 ليرة سورية في بداية الشهر الجاري. 

بناء على المعطيات السابقة، يعني أن التكاليف قد ارتفعت بنسبة تقارب 15.6 بالمئة خلال فترة ثلاثة أشهر فقط نيسان/أبريل وأيار/مايو وحزيران/يونيو، بينما بلغت نسبة الارتفاع خلال الفترة السابقة كانون الأول/يناير وشباط/فبراير وآذار/مارس 2022 حوالي 41.4 بالمئة.

مَن هم أبرز ضحايا الغلاء المنسيون؟

هذه الارتفاعات المدوّية في تكاليف المعيشة تتزامن مع تدهور نظام الأجور في سوريا، حيث أظهرت الإحصاءات أن الحد الأدنى للأجور 92.970 ليرة سورية غير قادر على تغطية سوى 1.6 بالمئة من وسطي تكاليف المعيشة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023. 

يواجه كبار السّن صعوبات متزايدة في تأمين مصادر الدخل في سوريا - إنترنت
يواجه كبار السّن صعوبات متزايدة في تأمين مصادر الدخل في سوريا – إنترنت

ما يزيد على ذلك، في الأشهر الثلاثة التالية من العام، تراجعت نسبة تغطية الحد الأدنى للأجور إلى 1.4 بالمئة فقط من وسطي تكاليف المعيشة. وهذا يعكس انعدام التوازن الكبير بين الرواتب وتكاليف المعيشة في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، شهد الحد الأدنى لتكاليف الغذاء الأساسي الشهري لأسرة مكونة من خمسة أفراد ارتفاعا، حيث ارتفع من 2.127.650 ليرة سورية في نهاية شهر آذار/مارس الفائت إلى 2.460.067 ليرة سورية في بداية شهر تموز/يوليو الجاري. 

هذه الأرقام تعتمد على وسطي أسعار المكونات الغذائية في الأسواق الشعبية بالعاصمة دمشق. وهذا الارتفاع المستمر في تكاليف الغذاء يضيف ضغطا إضافيا على الأُسر المكونة من خمسة أفراد، حيث يصبح من الصعب تأمين الغذاء الأساسي بشكل مناسب ومستدام.

من خلال مقابلات مع مسنّين ومسنّات أجراها “الحل نت” من جميع مناطق سوريا في محاولة لفهم تأثير أزمة التضخم عليهم، كشفت شهاداتهم عن حالة هشاشة متفاقمة واعتماد متزايد على المنظمات الخيرية. وتبرز هذه الشهادات التحديات التي يواجهونها في تأمين احتياجاتهم الأساسية.

فيما يتعلق بتلك الأوضاع، ذكر أبو محمد الحلاق، ليس لدى الحكومة أي بيانات تخص كبار السن على الإطلاق، مضيفا أن هذه الفئة لا تتلقى الدعم من أنظمة المساعدة لأنهم لا يستطيعون لفت الانتباه إليهم، فالاهتمام يتركز على فئات أخرى تصنع ضجة وتجذب الاهتمام.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه كبار السّن صعوبات متزايدة في تأمين مصادر الدخل والاعتماد على التقاعد والمعاشات. ارتفاع تكاليف المعيشة وانهيار القيمة الشرائية للعملة يجعل من الصعب على كبار السّن تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والدواء والسكن. قد يضطرون إلى الاعتماد على المساعدات الاجتماعية أو المنظمات الخيرية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

دراسة حديثة أجرتها منظمة “هلب إيدج”، التي تدعمها وكالات دولية، لفتت إلى أن كبار السّن يجدون أنفسهم مضطرين لاتخاذ إجراءات قاسية للبقاء على قيد الحياة، بدءا من التسول لأول مرة في حياتهم وصولا إلى مغادرة المستشفيات دون تلقي العلاج اللازم.

الراتب 100 ألف والمصروف 5 ملايين

مع زيادة حجم الفجوة بين الأجور ومتوسط تكاليف المعيشة في سوريا، تسعى الحكومة السورية إلى توهيم الشارع السوري أنها في صدد تنفيذ خطة لخفض حجم هذه الفجوة، وذلك عبر زيادة الأجور والرواتب بنسب معينة، لكن هل تحقق هذه الزيادة نوعا من الاستقرار المعيشي للسوريين.

شهدت أسعار السلع والخدمات أكثر من 5 قفزات في أسعارها - إنترنت
شهدت أسعار السلع والخدمات أكثر من 5 قفزات في أسعارها – إنترنت

حقيقةً فإن أي زيادة في الرواتب والأجور في سوريا، ستساهم فعلا في تحسين المعيشة والقدرة الشرائية للسوريين، لكن المتابع لوضع الاقتصاد السوري، يعلم تماما أن ارتفاع الأسعار لا يتوقف عند حدّ معين، فمنذ بداية العام الجاري شهدت أسعار السلع والخدمات أكثر من 5 قفزات في أسعارها، بنسب وصلت إلى مئة بالمئة في بعض المواد.

منذ بداية العام الجاري والعديد من المسؤولين في الحكومة يتحدثون عن الزيادة في الأجور، لكن يبدو أن الحكومة لم تتجرأ بعد على إقرار الزيادة وتطبيقها، وقد أكد عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي، أن الزيادة في الرواتب قائمة وتتم دراستها، متوقعاً أن يتم إقرارها خلال الشهر الجاري وتطبيقها مع شهر آب/أغسطس المقبل.

معظم الموظفين في القطاع العام يتفقون على أن الراتب لا يكفي، فالأجر الشهري الذي قد لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية، في أحسن الأحوال لا يكفي لتغطية مصروفات العائلة لأكثر من 48 ساعة. وقد يكون ذلك الراتب كافيا لشراء منظفات ومحارم لمدة يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، ولا يمكن أن يغطي باقي متطلبات المعيشة الأساسية الأخرى.

خلال الثلاث أشهر الماضية، ارتفعت أسعار اللحوم في سوريا بحوالي 17.8 بالمئة، في وقت ارتفعت فيه أسعار الحلويات بمقدار 10.3 بالمئة، أما الألبان والأجبان فارتفعت بمتوسط نسبة 12.5 بالمئة، وهناك العديد من المواد الغذائية ارتفعت بنسب كبيرة كالبيض الذي سجل ارتفاعا وصل نسبته إلى 41.7 بالمئة، حيث انتقلت تكلفة 50 غرام منه يوميا من حوالي 667 ليرة في آذار/مارس، إلى 944 ليرة في تموز/يوليو.

تداعيات الأزمة الحالية على كبار السّن تُعدّ أمرا يتجاوز الحدود ويمتد إلى أبعد من ذلك. فمع تفاقم التحديات التي يواجهونها، يصبح من الواضح أنهم يعانون من آثار سلبية لا تقتصر على جوانب معينة فحسب، بل تؤثر على حياتهم بشكل شامل. لذا فإن تأثير الأزمة على كبار السّن يتجاوز الجوانب المادية ويطال الصحة والاستقرار النفسي والاجتماعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات