قرار مفاجئ للكل من حيث نسبة خفض إنتاج النفط، اتخذته “أوبك بلس”، ولم تنتهِ ردود الفعل عليه بعد، فالغضب هو السائد من الغرب وأميركا، فما أسباب القرار المتخذ وما تداعياته الإقليمية والدولية؟

الدول الأعضاء في منظمة “أوبك بلس”، وأبرزها السعودية وروسيا، اتفقت أمس الأربعاء، على خفض إنتاج النفط لمليوني برميل يوميا، الأمر الذي أثار حفيظة الغرب وواشنطن، التي اتهمت المنظمة النفطية بالتضامن مع موسكو.

خفض الإنتاج هو الأول من نوعه منذ عامين، تحديدا منذ جائحة “كورونا”، والهدف منه زيادة أسعار النفط بعد انخفاضها مؤخرا، فما الذي سينتج عنه من تداعيات وهل ستتخذ أميركا الصمت وهي التي اعترضت على القرار؟

أسباب قرار “أوبك بلس”

قرار خفض الإنتاج جاء بعد ملاحظة الدول المنتجة للنفط في “أوبك” و”أوبك بلس”، انخفاض أسعار النفط العالمية، والخشية من الركود الاقتصادي العالمي المقبل بشكل محتّم، لذا استبقت المنظمة النفطية ذلك الأمر بقرار خفض الإنتاج، بحسب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني.

واشنطن تسببت بطريقة أو بأخرى بدفع “أوبك بلس” لخفض الإنتاج، عندما قررت مؤخرا رفع أسعار الفائدة والدولار، في وقت يستورد العالم النفط بالعملة الأميركية، ورفع قيمته يؤثر على الدول المستوردة للنفط، ما تسبب بقلة الطلب عليه، ما أدى لخلق فائض نفطي لدول “أوبك بلس”، وفق المشهداني.

خفض مليوني برميل يوميا، يمثل نحو 2 بالمئة، من إنتاج النفط العالمي، وكان إعلان مفاجئ، حتى للمحللين الذين توقّعوا قبل اجتماع “أوبك بلس” أن ينخفض الإنتاج، لم تصل توقعاتهم إلى حد مليوني برميل، بل نحو نصف مليون أو مليون برميل على الأكثر.

تنتج دول المنظمة حاليا 30 بالمئة من الإنتاج العالمي للنفط، وفي خططها الإنتاجية المستقبلة تطمح المنظمة لإنتاج نحو 48 مليون برميل يوميا، أو ما يقرب من نصف الحاجة العالمية للنفط، التي تبلغ نحو 100 مليون برميل.

في مؤتمر صحفي عقِب قرار “أوبك بلس”، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن المنظمة تتصرف وسط مؤشرات على انكماش الاقتصاد العالمي، ما قد يتسبب في ضعف الطلب على النفط وانخفاض الأسعار.

مؤخرا انخفضت أسعار النفط العالمية من 120 دولار إلى 105 دولار ثم إلى 79 دولار للبرميل الواحد، وهو ما عجّل بقرار “أوبك بلس” لخفض الإنتاج من أجل زيادة الأسعار، كما يقول عبد الرحمن المشهداني لـ “الحل نت”.

أسعار النفط المتوقعة

بعد قرار “أوبك بلس”، ارتفعت أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، ليتجاوز سعر خام برنت القياسي 93 دولارا للبرميل الواحد، فيما بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط، 88.21 دولارا للبرميل الواحد.

يتوقع الخبير الاقتصادي المشهداني، أن لا تقل أسعار النفط بعد قرار خفض الإنتاج عن 90 دولارا للبرميل الواحد، وستتراوح الأسعار بين 80 و100 دولار، وهو ما تسعى له “أوبك بلس”، على حد تعبيره.

سريان خفض الإنتاج النفطي، سيبدأ اعتبارا من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل وحتى عام 2023، فيما تَقرّر أن يكون الاجتماع المقبل لـ “أوبك بلس” في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وستجتمع لجنة المراقبة الوزارية لـ “أوبك بلس” كل شهرين لمتابعة مستجدات السوق.

الدول المنتجة للنفط وهي الأعضاء في “أوبك” و”أوبك بلس”، لن تتأثر بخفض الإنتاج النفطي، بل على العكس ستكون التداعيات إيجابية؛ لأن أسعار النفط سترتفع، وبالتالي زيادة الدخل لخزينة تلك الدول، بحسب المشهداني.

الدول التي ستتأثر بالقرار هي الإقليمية المستوردة للنفط، وأبرزها الأردن ولبنان ومصر، ناهيك عن دول الغرب، وفق المشهداني، الذي يتوقع ارتفاع التضخم لدى أوروبا مع قرار “أوبك بلس”، بينما ستلجأ الدول الإقليمية لرفع أسعار المشتقات ومنها البنزين على المواطنين، لمواجهة ارتفاع أسعار النفط.

تداعيات القرار على العراق والغرب

يُعد العراق ثاني دولة في “أوبك” بعد السعودية، وشملت حصته من خفض الإنتاج النفطي 220 ألف برميل يوميا، في وقت ينتج 4 مليون و651 ألف برميل يوميا، فما هي تداعيات قرار “أوبك بلس” على بغداد؟

وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، قال في تصريح صحفي أمس الأربعاء، إن العراق لن يتأثر سلبيا بقرار المنظمة النفطية، وهو ما يتفق معه الباحث بالشأن الاقتصادي، نبيل جبار العلي، في حديث مع “الحل نت”.

قبل قرار خفض الإنتاج، لم يستطع العراق الوصول الى حجم الإنتاج الذي قررته له “أوبك” لأسباب فنية داخلية، وبعد قرار خفض الانتاج قد يخسر العراق ما يقارب 100 إلى 150 ألف برميل نفط يوميا فقط وليس 220 ألف؛ لأنه لم ينتج المطلوب منه أصلا، بحسب نبيل العلي.

العلي، يردف، أنه نتيجة للتخفيض، سيخسر العراق ما قيمته 125 مليون دولار أسبوعيا، وما يقارب 400 مليون دولار شهريا، إلا أن ارتفاع عائدات النفط نتيجة ارتفاع أسعار النفط بعد قرار “أوبك بلس” بما لا يقل عن 10 إلى 15 بالمئة، سيجعل العراق يجني قرابة مليار دولار، بالتالي ستحصل بغداد على صافي 600 مليون دولار شهريا.

الغرب هو الأكثر تأثرا بشكل سلبي من قرار “أوبك بلس”، خاصة وأنه يمر بأزمة طاقة حادة مع قرب حلول فصل شتاء صعب، نتيجة اعتماده على الطاقة الروسية سابقا، وابتعاده عن استيراد النفط الروسي بعد غزو موسكو لأوكرانيا.

الأوروبيون سيواجهون أكبر أزماتهم الاقتصادية خلال فترة الشتاء القادم نتيجة قرار “أوبك بلس”، فابتزاز روسيا للأوروبيين بشأن إمدادات الغاز وارتفاع أسعار النفط وشبح الركود الاقتصادي القادم، جميعُها عوامل ضاغطة على الغرب، تنذر بظروف صعبة قد تتسبب بانهيار اليورو أو تفكك الاتحاد الاوروبي او اندلاع احتجاجات أو إفلاس بعض الدول الأوروبية.

كيف ستتعامل واشنطن؟

“البيت الأبيض” قال في بيان له، إن الرئيس جو بايدن، “أصيب بخيبة أمل” من قرار “أوبك بلس”، ووصفه بـ “قصير النظر”، واتهم دول المنظمة النفطية بالانحياز إلى روسيا، خاصة وأن القرار يتعارض مع جهود واشنطن وأوروبا، لخنق الإيرادات التي تجنيها موسكو من قطاع النفط.

قرار “أوبك بلس”، سواء كان للتضامن مع موسكو من عدمه، قد خدم روسيا بشكل مباشر؛ لأن ارتفاع أسعار النفط سيجعلها تجني أرباحا هائلة، تمكّنها من استخدامها في غزوها لأوكرانيا، وبالتالي عدم فاعلية جهود أميركا والغرب، لتضييق الخناق على موسكو بعد ذلك القرار، بحسب الخبير الاقتصادي باسم أنطوان.

أنطوان، يبيّن لـ “الحل نت”، أن واشنطن والغرب، سيلجؤون لمواجهة قرار “أوبك بلس” عبر تقليل استيراد النفط والاعتماد بشكل تدريجي على مصادر الطاقة المتجددة، خصوصا وأنها ستكون البديلة للنفط في المستقبل، لكن ذلك يحتاج لمزيد من الوقت، بحسب تعبيره.

حديث أنطوان، يتطابق مع بيان “البيت الأبيض”، البارحة، عندما قال إن “إعلان أوبك بلس، كان بمثابة تذكير لسبب الأهمية البالغة لقيام الولايات المتحدة بتقليل اعتمادها على مصادر أجنبية للوقود الأحفوري”.

واشنطن، قد تتجه إلى محاولة تفكيك منظمة “أوبك بلس” عبر اتهامها بأنها تمثل “كارت احتكاري” يعمل بشكل يتعارض مع القوانين الدولية، وبالتالي تفعيل قانون “نوبك” الذي يجرم عمل المنظمة، وهذا يعني التضييق على الدول الأعضاء فيها وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت، عبر تقييد الوصول للأصول المالية المودّعة في المصارف الأميركية، بحسب نبيل العلي.

يجدر بالذكر، أن إدارة بايدن قالت البارحة، إنها ستتشاور مع “الكونغرس” حول أدوات وآليات إضافية لتقليص سيطرة تحالف الدول المنتجة للنفط على أسعار الطاقة، من خلال مشروع قانون “نوبك”، الذي من شأنه أن يسمح بمقاضاة “أوبك بلس” بموجب قانون مكافحة الاحتكار.

في النهاية، يبقى هذا الخيار متروك لتقديرات “البيت الأبيض”، الذي قد يؤجل الضغط على الدول العربية وكبار منتجي النفط الآخرين، لتجنب فتح جبهات صراع أخرى والتركيز على الصراع الحالي مع موسكو وبكين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.