على الرغم من أن جميع الأطراف المنخرطة باتفاقية خط الغاز العربي بذلت جهودا أولية كبيرة، إلا أن المشروع لم يحرز تقدما فعليا بعد عام من توقيع الخطة، ويعزى ذلك في الغالب إلى قضايا تتعلق بالتمويل والمناخ السياسي في لبنان، ومن جهة أخرى، فإن شركاء المشروع أحرزوا تقدما خلال عام في تهيئة بيئة قانونية وآمنة، فضلا عن تهيئة الجمهور لها إعلاميا، مما يزيد من احتمال نجاحها في المستقبل.

كما أصبح المشاركون في المشروع، بما في ذلك الحكومة السورية، أكثر استعدادا للقبول بوجود الغاز الإسرائيلي، ولكن تقديم عدد من أعضاء “الكونغرس” الأميركي، تعديلات تضمنت مسودتها؛ اعتبار أي معاملة تجارية تتعلق بالغاز الطبيعي، أو الكهرباء، أو الطاقة، أو المعاملات ذات الصلة، التي توفر دعما ماديا لحكومة دمشق، أو قد تستفيد منها بطريقة أخرى، “عملية تجارية كبيرة”، تستوجب فرض العقوبات، قد تقلب المعادلة.

بين عقود صيانة معقدة لخطوط الأنابيب والمفاوضات حول رفع العقوبات عن سوريا، صفقة خط الغاز العربي لتزويد لبنان بالغاز لم تكتمل بعد، ومع اقتراح الأخير لأعضاء “الكونغرس” الأميركي، تبرز تساؤلات حول أن يعني ذلك القضاء على مشروع الغاز العربي، المتمثل بنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، وأن التعديلات ستكون عائق حقيقي وكبير في تنفيذ هذا المشروع، وإذا ما أغفلنا مسودة التعديلات التي لم تقر وقد لن تقر في وقت قريب، لماذا يثر هذا المشروع بعد مرور أكثر من عام على إطلاقه.

أول أنبوب

خط الغاز العربي يُعتبر إنجازا هندسيا في قلب شبكة إمداد بين الدول الرئيسية المستوردة للطاقة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، واجهت البنية التحتية العديد من التحديات الهيكلية واللوجستية والأمنية على مرّ السنين. واجتماع وزراء من مصر ولبنان وسوريا والأردن، على مدى عام كان لبحث إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب لعجز الطاقة في لبنان الذي يمر بأزمة اقتصادية كبيرة.

وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق بين دول خط الغاز العربي “مصر والأردن وسوريا ولبنان”، في أيلول/سبتمبر 2021، لإيصال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، فقد تم تأجيل توقيع الصفقة لعدة أشهر حيث كانت مصر بانتظار الموافقة الأميركية للحصول على ضمانات بأن العقوبات المالية التي فرضها قانون “قيصر” الأميركي، على سوريا لن تؤثر سلبا على الصفقة؛ لأن الغاز المصري سيمرّ عبر الأراضي السورية والأردنية، ليصل إلى لبنان.

طبقا للخطط المنشورة لوزارة الطاقة المصرية والأردنية، بدأ إنشاء أول أنبوب لخط الغاز العربي في مصر، وهي مصدر مهم لإمدادات الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصبحت الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان مركزًا رئيسيًا لتصدير الغاز في السنوات الأخيرة بعد اكتشاف حقل “ظهر” العملاق للغاز، مما أثار سباقًا على المزيد من الموارد على طول شرق البحر المتوسط. يمتد خط الأنابيب عبر 1200 كيلومتر، ويمر عبر مصر وإسرائيل والأردن وسوريا ولبنان وتركيا. واجهت البنية التحتية، التي تم تشغيلها في عام 2003 وبُنيت بتكلفة 1.2 مليار دولار، العديد من التحديات في تصدير الغاز.

تم الانتهاء من امتداد خط الأنابيب الذي يربط العريش، بمدينة العقبة الأردنية المطلة على البحر الأحمر في جنوب الأردن في عام 2003. وتمتد البنية التحتية، التي تم تشييدها بتكلفة 200 مليون دولار، عبر العاصمة عمان، باتجاه الرحاب على الحدود السورية. يمتد جزء من خط أنابيب المصدر الأصلي أيضًا لمسافة 100 كيلومتر تحت سطح البحر، ويربط سيناء بعسقلان في إسرائيل، ويلبي نصف إمدادات البلاد. بدأت إسرائيل والأردن، في استخدام جزء من خط الأنابيب الذي يمر عبر أراضيهما العام الماضي. بدأت تل أبيب أيضا بتصدير الغاز إلى عمان كجزء من اتفاقية توريد الغاز.

يربط مقطع بطول 319 كم من خط الغاز العربي نقطة الرحاب الأردنية، مع مدينة حمص الغربية في سوريا. تم الانتهاء من هذا الجزء من البنية التحتية في عام 2008، من قِبل شركة البترول السورية وإحدى الشركات التابعة لشركة “غازبروم” الروسية. ومع ذلك، لم تُثبت أنها ناقل للغاز يعتمد بشكل كبير. ففي العام الماضي، تسبب انفجار في القسم السوري من خط الغاز العربي الذي قالت الحكومة إنه بسبب هجوم إرهابي، في انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد.

تم توسيع البنية التحتية لتصل إلى مدينة طرابلس شمال لبنان. بدأت إمدادات الغاز إلى لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2009 لكنها ظلت معلّقة بعد تصاعد الصراع في سوريا. يتصل الجزء السوري من خط الأنابيب بمحطة دير عمار، البالغة 460 ميغاوات، والتي يمكن أن تعمل بالغاز، ولكنها لا تحرق سوى السوائل في الوقت الحالي. تم تمديد جزء من خط الأنابيب من حمص إلى قرب كيليس في تركيا، من أجل تزويد أوروبا بمصدر بديل للإمداد. تم بناء القسم بواسطة المطور التشيكي “بلينوستاف”. كما يدرس العراق إمكانية استيراد الغاز المصري عبر سوريا، حيث يبحث عن بدائل لشراء الوقود من إيران المجاورة. تم إحياء الخطة في وقت سابق من هذا العام بعد اجتماع لوزيري الطاقة السوري والعراقي.

يقول الخبير في السياسة البيئية الدولية والاقتصاد السياسي الدولي، بيتر هاس، لـ”الحل نت”، حتى لو تم تنفيذ هذه الصفقة بالكامل، فإن معظم المنازل اللبنانية ستظل تتحمل 18 ساعة في اليوم دون الكهرباء التي توفرها الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصفقة هي إصلاح قصير الأجل بسبب الفساد والخلل في قطاع الكهرباء في لبنان. وستضيف ديون جديدة على لبنان، ومع ذلك، فإن الكثيرين سيرحّبون بالكهرباء الإضافية، خاصة خلال أشهر الصيف الحارة والشتاء الباردة، لأن حرق الغاز أنظف من المازوت، الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء والمولدات في لبنان.

مطبات متتالية

في تطور جديد، قدّم عدد من أعضاء “الكونغرس” الأميركي، في الـ29 من أيلول/سبتمبر الفائت، تعديلا على قانون “قيصر” للعقوبات المفروضة على الحكومة السورية، حيث تضمنت مسودة التعديل اعتبار أي معاملة تجارية تتعلق بالغاز الطبيعي أو الكهرباء أو الطاقة، أو المعاملات ذات الصلة، التي توفر دعما ماديا لدمشق، أو قد تستفيد منها بطريقة أخرى، “عملية تجارية كبيرة” تستوجب فرض العقوبات.

أضاف التعديل، أنه “يجب في موعد لا يتجاوز 30 يوما بعد تلقي طلب من رئيس أو عضو رفيع المستوى من إحدى لجان الكونغرس، معرفة ما إذا كان الشخص يفي بمعايير فرض العقوبات”.

ويتعيّن على الرئيس تحديد إذا ما كان الشخص يستوفي معايير فرض العقوبات، بالإضافة إلى تقديم تقرير سرّي أو غير سري يتضمن قرار الرئيس بفرض العقوبات أو عدمه. وليصبح هذا التعديل نافذا، يجب أن يصدّق عليه مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركيين، وفقا للمسودة التي نشرها موقع “الكونغرس” الرسمي.

رحلة خط الغاز العربي مرت حتى الآن بالعديد من المطبات حالت دون تنفيذها، ما يشير إلى أنه انتهى قبل أن يبدأ، فعقِب أزمة لبنان المالية أواخر عام 2019، بدأ الحديث عن إعادة إحياء مشروع خطّ الغاز العربي، حيث أعلنت السفيرة الأميركية في لبنان عن الصفقة، وقالت، إن بلادها ستستثني دمشق من العقوبات في مجال مدّ أنابيب الطاقة نحو لبنان، وقد بدا الإعلان وكأنه جزء من مفاوضات أكبر في نطاق ترسيم الحدود “اللبنانية-الإسرائيلية”، التي تلعب الولايات المتحدة دوار مهما فيها عبر الوساطة الرسمية.

بحسب تقرير مركز “جسور” للدراسات، فإن الغاز المصري المتدفق نحو لبنان لن يكون مجانيا، رغم أن القاهرة تسعى لتحقيق مكاسب سياسية قد تفضي إلى خصومات على سعر الغاز، إلا أن تمويل الكميات المُشتراة من قِبل لبنان المتعثر فعليا كان المعوِّق الأكبر، فما زال لبنان حتى الوقت الراهن يعاني من مشاكل مالية، ويقوم بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي لإعادة تأهيل القطاع المالي لديه وضمان الحصول على قروض لتمويل مشاريع حيوية، ويُتوقع أن يوافق البنك الدولي بناء على موافقة صندوق النقد، أي أنه لن يشترط موافقة صندوق النقد، ولكنه سينتظر تحقيق شروط الصندوق للدخول في عملية تمويل.

روسيا والحلم بالسيطرة

وفيما يخص التوافُقات السياسية، فإنه رغم الموافقة الرسمية من لبنان وبقية الدول المشمولة بالمشروع، إلا أن التفاصيل الداخلية للتوافقات بدت بمثابة التحدي الرئيسي، مثل مصلحة “حزب الله”، في خط الغاز الذي يقتل أي أمل له في السيطرة على القطاع النفطي وقطاع الطاقة، كما أن أصحاب المولدات في لبنان ممثلين بجهات الضغط السياسية ليس لهم مصلحة في الأمر كذلك، فقطاع الطاقة يجر عليهم أرباحا كبيرة.

ومع أن إمكانية التفاوض مع مصر من قِبل حكومة لبنان الجديدة يُعد أمرا ممكنا رغم صعوبة الاتفاق على تفاصيل السعر والكميات والأوقات، إلا أن العائق الأكبر يأتي في توافق مجلس النواب اللبناني على الاتفاقية النهائية وتمثيل مصالح الأطراف.

أيضا في سوريا، هناك أطراف غير راضية عن الاتفاق، فروسيا تعارض تطورات حقيقية في خط الغاز العربي الذي ترى فيه مشروعا يمثل مصالح الغرب وخاصة الدول الأوروبية، لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي. هذا وإن كانت موسكو لا ترى أي تهديد في وصوله إلى لبنان، إلا أن الأمر يتعلق بمراحله اللاحقة التي سيجري الحديث حولها في وقت ما.

كما أن إيران تعارض المشروع، فهي ترغب ببسط سيطرتها على قطاع الطاقة في كل من سورية ولبنان، وأن تستنسخ التجربة العراقية في البلدين عبر إمداد قطاع الكهرباء بالغاز في سبيل كسب أفضلية في الاقتصاد، تُفضي إلى خضوع سياسي شبه تام لأي حكومات تحكم البلدين في وقت لاحق.

إتمام تنفيذ الصفقة، يراه هاس، أنه لا يزال غير واضح. حيث لا تزال الاتفاقية تتطلب موافقة الولايات المتحدة. على الرغم من أن السفيرة الأميركية، دوروثي شيا، هي التي أعلنت عن الصفقة منذ عام تقريبا، إلا أن مصر والأردن لا تزالان تنتظران تأكيدا أميركيا بعدم خضوعهما لعقوبات قانون “قيصر”، وخصوصا بعد طرح مسودة جديدة الآن، والتي ستمنع التعامل مع الحكومة السورية.

ويضيف هاس، “على الرغم من عدم تداول أي أموال، تسمح الصفقة للحكومة السورية باستخدام بعض الغاز الذي يعبر أراضيها. لذلك يرى المسؤولون الأميركيون مؤخرا إنهم لم يتمكنوا من تأكيد أن المشروع خاضع للعقوبات إلا بعد توقيع لبنان ومصر، على العقد والكشف عن شروطه المالية”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تمويل البنك الدولي للمشروع مرهون بإصلاحات في قطاع الكهرباء اللبناني، بما في ذلك ضمان جمع الرسوم بشكل صحيح. لم يوافق البنك بعد على الوفاء بشروطه.

خطوط الأنابيب أم الأنابيب أحلام؟

في 21 حزيران/يونيو 2022، وقّع مسؤولون من لبنان وسوريا ومصر صفقة للبنان لاستيراد 22.95 مليار قدم مكعب سنويا من الغاز الطبيعي المصري عبر خط أنابيب يمر عبر الأردن وسوريا. يمكن أن يولّد الغاز 450 ميغاواط إضافية من الكهرباء، مما يمنح المنازل اللبنانية أربع ساعات إضافية من الكهرباء في اليوم.

إثارة المشروع بعد مرور أكثر من عام على إطلاقه، بنظر هاس، نابع عن انقسام داخل “الكونغرس” الأميركي بشأن الجدوى من الصفقة. ففي وقت سابق من هذا العام، كتب كبار المشرّعين الجمهوريين إلى وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، للتعبير عن ” مخاوف جدية ” بشأن الاتفاقية، بحجة أنها ستوفر “مخططا للالتفاف على عقوبات قيصر في المستقبل”.

ويتابع هاس، أن التهديد الذي بدا بعد التعاون العلني للصين وروسيا بإعلانهما لنظام دولي جديد مستغلين أزمة الغاز التي افتعلتها روسيا في أوروبا، وجه الأنظار نحو خط الغاز العربي، لا سيما وأن روسيا تسيطر علنيا على القرار في دمشق، وتستغل علاقتها بإيران للسيطرة على القرار في لبنان عن طريق “حزب الله”.

ولذلك بحسب هاس، تم التوجه نحو القاهرة، كون مصر تتمتع بعلاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، وهي قريبة من الأسواق الأوروبية، ولديها مصدرين أصغر (إسرائيل وقبرص) كجارين يفتقرون إلى مرافق التسييل. وقد شجع ذلك الأخيرة على إبرام اتفاقيات لتصدير فائض إنتاجها من الغاز إلى مصر لتسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا. وعززت التطورات التالية دور مصر كمركز رئيسي لغاز شرق المتوسط.

الجدير ذكره، أن وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، أكد في 21 أيلول/سبتمبر الفائت، أن “اتفاقية الغاز الطبيعي مع مصر معطلة على الرغم من المحاولة مع المسؤولين في مصر وصولا لتوقيع الاتفاقات، وذلك بسبب عدم موافقة البنك الدولي على المضي قُدما في موضوع التمويل” حسب قوله.

كان البنك الدولي أعلن قبل أشهر عن شروط متعلقة بالموافقة على تمويل صفقة الغاز المصري، إذ تتعلق الشروط في إجراء إصلاحات في القطاع الكهربائي اللبناني، والبنى التحتية في البلاد، حيث طرح لبنان خطط للمشروع، ستضيف ما يصل إلى 700 ميغاواط، إلى شبكة الكهرباء اللبنانية.

فياض، أضاف خلال تصريحات نقلها موقع “المصري اليوم” أن: “البنك الدولي بعدما أعرب عن مرحلة مفاوضات في الربيع الماضي، غيّر الموقف واعتمد موقفا أكثر تحفّظا، ومزيدا من الاشتراطات تصل إلى 10 شروط تقريبا، فيما أكد الجانب المصري جاهزيته تماما، وبانتظار البنك الدولي“.

وأشار الوزير اللبناني، إلى أنه “في نفس الوقت تظل نقطة عدم وجود عقوبات على الأصدقاء المعنيين بهذه الاتفاقية بالنسبة لموضوع سوريا، والتي تُعد طرفا ثالثا في الاتفاقية، وحصولها على جزء من هذا الغاز“، مضيفا أنه “كان هناك مراجعة من البنك الدولي بسبب قانون قيصر، المفروض على قيادات سورية، ويمنعها من التعامل“.

خلال عام، لم تنجح دمشق وبيروت اللتين كانتا تأملان بتمرير المشروع، بالاستفادة منه وإن كان على شكل طاقة كهربائية، يبدو أن كل شيء بات يرتبط بالحلول السياسية المتوقفة في المنطقة، ابتداء من التوصل لحل سياسي في سوريا، ووصولا إلى توافق سياسي لبناني ينهي هيمنة “حزب الله”، ومن خلفه إيران على الدولة اللبنانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.