على خلفية الانتهاكات التي تتعرض لها أقلية الإيغور المسلمة الصينية على يد الحكومة الصينية، أكد الاتحاد الأوروبي في وقت سابق مرارا أن دول الاتحاد الأوروبي لا تريد تصعيدا مع بكين، لكنه ذهب لفرض عقوبات على مسؤولين صينيين بالإضافة إلى هيئة حكومية بسبب الحملة القمعية، التي تمارسها السلطات الصينية ضد مسلمي الإيغور في شينغ يانغ، شمال غربي البلاد. بدورها ردّت بكين، بفرض عقوبات على شخصيات أوروبية من بينها أعضاء في البرلمان الأوروبي.

هذه العقوبات ممتدة منذ سنوات، وبينما تستعد أعلى هيئة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة للتصويت، اليوم الخميس، على اقتراح من بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى، معظمها غربية لإجراء مناقشة العام المقبل بشأن الانتهاكات ضد مسلمي الإيغور والأقليات العرقية الأخرى في الصين، يثير هذا التصويت تساؤلات فيما إذا كان ذلك اختبارا للتأثير السياسي والدبلوماسي بين الغرب وبكين، ومدى احتمال اندلاع مواجهة بين الطرفين.

مواجهة متوقعة؟

التصويت على الاقتراح في مجلس حقوق الإنسان، يأتي بعد أيام من ممارسة ضغوط عبر القنوات غير الرسمية والتودّد والإقناع في جنيف، وفي العديد من عواصم العالم، بينما تحاول الدول الغربية بناء الزخم استنادا إلى تقرير مكتب المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشيل باشيليت، الذي صدر في آب/أغسطس الماضي، ووجد أن “جرائم ضد الإنسانية” قد وقعت في شينغيانغ.

الدبلوماسيون يتوقعون منافسة شديدة حتى اللحظة الأخيرة. حيث صرّح سفير دولة نامية هي حاليا إحدى الدول الأعضاء البالغ عددها 47 في المجلس، لوكالة “أسوشيتيد برس”، بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، إنه يتوقع رسالة بريد إلكتروني من عاصمته اليوم الخميس تتعلق بتعليمات على تصويت بلاده.

يُشار إلى أن المجلس يُشكَّل بالتناوب ما بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في كل عام، والصين التي تُعَدّ دولة قوية لها مقعد دائم في مجلس الأمن، لم تكن أبدا موضوع قرار خاص بدولة معينة في المجلس منذ تأسيسه قبل أكثر من 16 عاما. كما أن الإجراء سوف يتطلب أغلبية بسيطة بين الدول المصوِّتة لتمريره، ومن المتوقّع أن تمتنع دول عدّة عن التصويت.

قد يهمك: منطقة شرق آسيا في خطر.. كورونا أم حرب صينية لإخضاع العالم؟

“جرائم ضد الإنسانية”؟

مطلع شهر أيلول/سبتمبر الفائت، حذرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في تقرير نشرته عبر موقعها الرسمي، من أن الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد من أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغ يانغ الصيني، قد ترقى إلى مستوى “جرائم ضد الإنسانية”.

التقرير، أشار إلى إن “نطاق الاعتقال التعسفي والتمييزي لأفراد من الإيغور وغيرها من الجماعات ذات الغالبية المسلمة.. قد يرقى إلى مستوى جرائم دولية، وبالتحديد جرائم ضد الإنسانية”.

المفوضية، حثّت في تقريرها، المجتمع الدولي إلى التعامل “بشكل عاجل” مع الاتهامات “الموثوق بها”، بالتعذيب والعنف الجنسي في الإقليم الصيني.

وأضافت: “الادعاءات المتعلقة بممارسات متكرّرة من التعذيب أو سوء المعاملة، ولا سيما علاجات طبية قسرية والاحتجاز في ظروف سيئة، هي ادعاءات موثوق بها، كما هي أيضا حال الادعاءات الفردية المتعلقة بأعمال عنف جنسي وعنف على أساس الجندر”.

هذا ونشر التقرير قبيل دقائق من انتهاء ولاية المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مارستها الصين لمنع صدوره.

وعلى الرغم من أن هذا التقرير لم يأت بجديد بالمقارنة مع ما كان معروفا أساسا عن الانتهاكات التي يتعرض لها أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغ يانغ، إلا أن أهميته تكمن في أنه يضع ختم الأمم المتحدة على الاتهامات الموجهة منذ فترة طويلة إلى السلطات الصينية. في حين قالت واشنطن اتهمت بكين في وقت سابق بارتكاب “إبادة جماعية” في شينغ يانغ.

وعقب تقرير الأمم المتحدة، نشر مشروع الإيغور لحقوق الإنسان بيانا يدعو الحكومات والهيئات المتعددة الأطراف والشركات إلى اتخاذ خطوات ملموسة.

وقال المدير التنفيذي لمشروع الإيغور لحقوق الإنسان، عمر كانات: “يمثل هذا تحولا جوهريا للاستجابة الدولية لأزمة الإيغور.. على الرغم من النفي الشديد للحكومة الصينية، فقد اعترفت الأمم المتحدة رسميا بحدوث جرائم مروعة في الإقليم”.

وجاء هذا التقرير ضد الانتهاكات المرتكبة بحق الإيغور في الصين، بعد دعوات من منظمات حقوقية دولية، حيث وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها السلطات الصينية في شينغ يانغ، بما في ذلك الاحتجاز الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي، كجزء من هجوم منهجي واسع النطاق على عرقية الإيغور وغيرهم من المسلمين.

منظمات حقوقية دولية تؤكد أن العديد من مسلمي الأويغور يعيشون في معسكرات اعتقال جماعي (غيتي-أرشيف)

المنظمة، طالبت المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشيليت، لإصدار تقرير شينغ يانغ وتصحيح المسار بعد زيارتها الأخيرة للصين. ففي هونغ كونغ، فرضت الحكومة تشريعات صارمة للأمن القومي في عام 2020، وقامت بشكل منهجي بتفكيك حريات المدينة.

كما ووثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أيضا الانتهاكات الجسيمة الأخيرة ضد الأقلية المضطهدة، بما في ذلك السجن القاسي لممارسة الحقوق الأساسية والقيود المفروضة على تعليم اللغة التبتية.

قد يهمك: تدهور العلاقات الصينية اليابانية.. الأسباب والنتائج

كيف ردت الصين؟

في ردها على التقرير الأممي، قالت الصين إن تقرير الأمم المتحدة بشأن الانتهاكات الخطيرة المفترضة لحقوق الإنسان في منطقة شينغ يانغ يشكل “أداة سياسية” ضد بكين.

آنذاك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، إن “التقرير هو مزيج من المعلومات المضللة وأداة سياسية يستخدمها الغرب استراتيجيا ضد الصين”.

كما قال سفير الصين لدى الأمم المتحدة في جنيف، في التاسع من أيلول/ سبتمبر الماضي، إن بكين لن تتعاون مع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد إصدار تقريرها حول انتهاكات حقوق الإنسان بحق أقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينغ يانغ بأقصى غرب البلاد.

وأفاد السفير تشن شو، للصحفيين إن “المكتب أغلق باب التعاون بإطلاق ما يسمى بالتقييم”، واصفا التقرير بأنه “غير قانوني وغير صحيح”، مضيفا: “الآن تمت تنحية كل الأفكار جانبا بسبب صدور التقرير.. لا يمكنكم أن تؤذونا وتتمتعوا في الوقت نفسه بالتعاون معنا”.

قد يهمك: مئات ملايين الدولارات لبكين مهددة بالضياع.. استراتيجيات فاشلة للنفوذ الصيني؟

حجز مليون شخص وقتل العشرات

شينغ يانغ، شهد في السابق هجمات دامية استهدفت مدنيين، واتهمت بكين انفصاليين وإسلاميين من الإيغور، المجموعة الاثنية الأساسية في الإقليم، بالوقوف خلفها. ومنذ سنوات، يخضع الإقليم لمراقبة قاسية من قبل السلطات الصينية.

ففي يناير/كانون الثاني، وصفت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، على غرار المملكة المتحدة وهولندا وكندا، معاملة الصين للإيغور بأنها “إبادة جماعية”.

رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ميشيل باشليت “رويترز”

من جانبها، تقول منظمات غربية، بأن بكين احتجزت أكثر من مليون شخص من الإيغور وأعضاء من جماعات عرقية مسلمة محلية أخرى في “معسكرات إعادة تأهيل” في شينغ يانغ، وبأنها فرضت عليهم “العمل القسري”، أو “التعقيم القسري”.

في حين، تنفي الصين كل هذه الاتهامات والتقارير، وتقدم هذه “المعسكرات”، على أنها “مراكز تدريب مهني”، تهدف إلى محاربة التطرف الديني وتأهيل السكان مهنيا.

في سياق متّصل، أصرت باشليه في وقت سابق على أنها أثارت مخاوف مع السلطات الصينية، والتي تضمنت اجتماعا افتراضيا مع الرئيس شي جين بينغ، حول ظروف الاحتجاز و”سوء المعاملة” للأشخاص في الداخل، عندما زارت الصين وشينغ يانغ في أيار/مايو، وهي زيارة تطلبت فترة طويلة من التحضير.

كما ووثق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، مطلع أيلول/سبتمبر الفائت، وفاة عدد من مسلمي الإيغور، بعد اتهامات من منظمات حقوقية للصين بقتل عشرات المسلمين، بعد أن أغلقت عليهم منازلهم دون أكل أو دواء بدعوى تدابير الحد من انتشار فيروس كورونا.

في مواقع التواصل الاجتماعي دشن النشطاء المهتمون بما يحدث للمسلمين الإيغور، وسوم: (#الصين_تبيد_مسلمي_الإويغور” و”#StarvationGenocide” و”#UyghurGenocide)، في المنازل والمستشفيات بسبب التجويع، وطالبوا بالتدخل الدولي العاجل.

تحرك احتجاجي سابق على اعتقال ملايين الإيغور في الصين “Getty”

إلى جانب تداول النشطاء مقطع فيديو نشره المهندس الإيغوري في وكالة “ناسا” للفضاء إركين صديق، عبر حسابه على منصة “تويتر” لامرأة تعفّن جرح في قدمها بسبب قطع الدواء والأكل عنها.

إركين صديق، العالم الإيغوري قال إن الصين تفرض الحجر المنزلي في عدد من المدن بسبب انتشار كورونا، غير أنها تمنع الأكل والدواء عن الإيغور فيما تمنحه للصينيين، وقال إن بكين تحتجز 700 شخص من الإيغور في مكان “يشبه الحفرة”.

بحسب تقارير حقوقية وناشطين، فإن الصين، تفرض الإقامة الجبرية على أقليات الإيغور وتعرضهم للتجويع منذ 40 يوما، بذريعة مكافحة كورونا، فيما تمنع عنهم الوصول للخدمات الصحية.

قد يهمك: تطورات سياسية غامضة في الصين لهذه الأسباب

دوافع تجاهل الدول الإسلامية لقضية “الإيغور”

على الرغم من الضجة العالمية التي أثارها تقرير الأمم المتحدة بشأن انتهاكات الصين بحق الإيغور، فإن موقف الدول العربية والإسلامية من الإيغور مازال ضعيفا أو حتى غائب بشكل مثير للاستغراب.

وعند صدور القرار الأممي، لم يصدر سوى قليل من ردود الفعل العامة من الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط وحتى بقية الدول الإسلامية، وهذه ليست المرة الأولى التي تتجنب فيها أغلبية الدول ذات الأكثرية المسلمة محنة الإيغور.

سبق أن بلغت بعض مواقف الدول الإسلامية من قضية الإيغور، حدا اعتبره البعض دفاعا عن ممارسات بكين، ففي 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021، دافعت 62 دولة، معظمها بلدان إسلامية وإفريقية، عن ممارسات الصين تجاه أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغ يانغ الواقع شمال غربي البلاد.

وجاء في بيان وقعته البلدان الاثنان والستون (ردّا على بيان أصدره 43 بلدا، أغلبها من أوروبا وأميركا الشمالية)، أنها: “تعارض المزاعم التي لا أساس لها ضد الصين بدوافع سياسية قائمة على التضليل الإعلامي والتدخل في الشؤون الداخلية للصين بحجة حقوق الإنسان”. وشدد البيان، على “وجوب التزام كل الدول بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحياد والموضوعية”.

وتأتي هذه الدوافع الضعيفة تجاه قضية الإيغور، على خلفية أن الصين تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فمثلا باكستان وهي دولة تعد التوجهات الإسلامية ركنا أساسيا من سياستها منذ نشأتها، تعتمد بشكل كبير على الصين كحليف اقتصادي وعسكري، حيث تُعد بكين مصدرا للاستثمارات والقروض لباكستان البلد المأزوم اقتصاديا، ومزودا رئيسيا بالأسلحة لها وبالتكنولوجيا العسكرية، في مواجهة الهند، غريمة البلدين المشتركة، حيث إن كثيرا من برامج التصنيع العسكرية الباكستانية تعتمد على التكنولوجيا الصينية.

إلى جانب ماليزيا، وهي دولة تحظى التوجهات الإسلامية لديها بأهمية أيضا، جار قريب للصين، ونحو ثلث سكانها من أصول صينية، ولكن في عام 2019، كلفت الحكومة الماليزية المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية، في كوالالمبور بدراسة والتحقق من التقارير الإخبارية حول القمع المزعوم لمجتمع الإيغور في شينغ يانغ، حسبما أفادت خدمة “برناما” الإخبارية الحكومية.

كذلك، إندونيسيا (من الدول الإسلامية) لديها مشاكلها الخاصة مع بكين، فهي تخشى نمو نفوذ الصين البحري في المناطق المجاورة لها، وتريد التصدي له دون استفزاز بكين، حتى قيل إنها تنوي بناء عاصمة جديدة أقرب للصين؛ للتصدي للصعود الصيني العظيم بهدوء.

أما في منطقة الشرق الأوسط حيث توجد الدول العربية وتركيا وإيران، تعمل بكين ودول الخليج على تعزيز العلاقات وتعميق التعاون الاقتصادي في مواجهة العلاقات المتوترة مع الغرب. كما أن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط في العالم وكذلك أكبر مستورد للنفط الخليجي.

تحسين العلاقات الصينية الإيرانية في المجال الاقتصادي “إنترنت”

وإيران الدولة التي تدّعي وترفع شعار الدفاع عن المسلمين والمظلومين في كل مكان، فإنها تسعى لتحسين علاقتها مع بكين، في ظل سعيها للتوجه شرقا، حتى إن هناك حديثا عن أن طهران، أبرمت مع الصين اتفاقية تعاون استراتيجي واسعة النطاق قيمتها مئات المليارات، أُعدَّت في إطار خارطة طريق تمتد لمدة 25 عاما، وهي خطوة مهمة لتحقيق شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين، وفق تقارير صحفية.

وإذا كانت إيران قد انحازت على مدار عقود لأرمينيا في صراعاتها مع أذربيجان البلد ذي الأغلبية الشيعية مثل إيران، والتي يشترك معها في التاريخ (إضافة إلى أن الأذربيجانيين يمثلون نحو خمس سكان إيران)؛ وذلك خوفا على مصالح طهران من صعود القومية الأذربيجانية داخل البلاد، فإنه ليس غريبا أن تقف إيران صامتة إزاء القمع الصيني للإيغور.

تركيا التي تربطها علاقة لغوية وعرقية بالإيغور (الذين ينتمون لما يمكن وصفه بالجنس التركي الكبير)، لكنها، تعد إحدى الدول الإسلامية القليلة التي انتقدت عدة مرات، ممارسات الصين ضد الإيغور، نظرا لعلاقتها الاقتصادية المتنامية مع بكين.

بعد العديد من الدعوات الحقوقية لوضع حد للانتهاكات التي تُرتكب ضد مسلمي الإيغور في الصين، يبدو أن هذه الخطوة ستكون غربية، في الغالب، إذا حدثت، لأن الدول الغربية ترى قضية الإيغور العادلة وسيلة لاستهداف الصين، لكن هذه الخطوة ستكون لها تكلفتها وتداعياتها الاقتصادية على العالم ككل، بالنظر إلى أن الصين لديها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بالإضافة إلى الركود الاقتصادي العالمي، جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن احتمالات المواجهة بين الغرب والصين حول حقوق الإنسان مفتوحة، لكنها صعبة ومستبعدة، بالنظر إلى علاقات بعض الدول في مجلس الأمن على المستويين الاقتصادي والسياسي مع الصين.


قد يهمك: تراجع اقتصادي في الصين.. ما قصته؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.