“غياب الكهرباء هيخليني سكّر وسرّح العمال” يقول جابر أبو الحسن، (اسم مستعار لصاحب معمل في المنطقة الصناعية بحلب)، متحدثا عن معاناته في تشغيل آلات المعمل وسط غياب شبه تام للتيار الكهربائي وارتفاع أسعار المحروقات.

الكهرباء هَم المنتج

تشكل الكهرباء التحدي الأبرز أمام المعامل وخطوط الإنتاج، إذ أن ساعات التقنين الطويلة، والأعطال المتكررة في شبكات الكهرباء، تُجبر المعامل على تشغيل المولدات الكهربائية، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب غلاء المحروقات، وبالتالي رفع أسعار المنتجات النهائية.

أبو الحسن قال في حديث لـ“الحل نت“، “أسعار المحروقات لم تعد تُحتمل، نحن مضطرون لرفع الأسعار بشكل دوري، وهذا يشكل ضغط كبير على الأسواق، المولدات ليست حل، تكلفتها عالية جدا، ويتم استخدامها أيضا في المحال التجارية، وجميع هذه المصاريف يتم تحميلها على أسعار المنتجات“.

أبو الحسن أكد أن أسعار الكثير من المنتجات، مرتفعة “أكثر من اللازم في الأسواق“، إلا أنه برّر ذلك بارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والتخزين، لا سيما أن جميع هذه الحلقات تفتقد للكهرباء، وتحصل على المحروقات المدعومة بشكل متقطع وبالتالي تتكلف بمصاريف إضافية.

حول ذلك أضاف، “في معملي تحتاج الطلبية الواحدة إلى 300 ليتر من البنزين، لتأمين تشغيل الآلات بدون توقف، هذا يحتاج لنحو مليونين ونصف ليرة، والطلبية كلها لا يتجاوز سعرها 10 ملايين“.

قد يهمك: “المواطن ما حدا مراعيه“.. أسعار جديدة تناسب الكلفة التشغيلية في سوريا

حكومة دمشق ردت على شكاوى التجار حول محروقات الكهرباء، حيث اعتبر مديرة مدير دائرة الأسعار في دمشق نضال مقصود، أن “شكوى التجار الدائمة من هذا الموضوع مُبالغ بها“، مشيرا إلى أن تحديد هامش الربح يتم عبر دراسة تكاليف الإنتاج الكلية.

مقصود أوضح في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن “نسب ربح الصناعيين المحددة من المديرية لا تتجاوز 10 بالمئة لأنه ربح صناعي، أما التاجر فهو عبارة عن حلقتين، حلقة تاجر الجملة، وحلقة تاجر المفرق، ولكل حلقة نسبة ربح تُقدر حسب المادة وأهميتها“.

“الكهرباء مشكلة ما انحلت من سنين”، بتنهيدة طويلة يقولها أنس النميري، وهو صاحب ورشة خياطة ومتجر صغير لبيع الألبسة في حلب، مؤكدا أنه ورشته توقفت عن العمل منذ أسبوعين بسبب عدم توفر الكهرباء والمحروقات المدعومة، لتشغيل المولدات.

النميري أضاف في حديثه مع “الحل نت“، “مشكلة الكهرباء ورفع سعر الدولار من البنك المركزي، جميعها عوائق أمام المنتجينَ، بالنسبة لي توقفت عن العمل خلال الأسابيع القليلة الماضية، لا أستطيع التوفيق بين تكاليف الإنتاج وأسعار البيع، ورفع الأسعار أكثر من ذلك أمر غير وارد، ربما لا يتم تصريف الإنتاج“.

وزاد قائلا، “الحكومة تقر مجموعة من القرارات وتترك المنتجين في مواجهة مع المستهلك، لا أعلم كيف تطالب الحكومة التجار والمنتجين الالتزام بأسعار مخفّضة، وهي نفسها ترفع أسعار المواد الأولية والمواد الداخلة في عمليات الإنتاج، كالمحروقات مثلا، فضلا عن الدولار الذي كان يحصل عليه التجار من البنك المركزي لدعم المواد المستوردة“.

النميري أكد أنه كان يضطر لتشغيل المولدات مدة 8 ساعات باليوم في ظل غياب الكهرباء معظم أوقات العمل، ويوضح قائلا، “أحتاج يوميا لـ 30 لتر من البنزين يوميا، هذا يعنني أنني أحتاج مليون ليرة أسبوعيا ثمن المحروقات فقط“.

من جانبه قال أمين سر غرفة صناعة حمص، الصناعي عصام تيزيني، إن الصناعيين عاجزون عن الالتزام بأسعار محددة، والأسعار الموجودة ضمن النشرات الحكومية في سوريا.

وفي تصريحات صحفية سابقة كان قد أوضح، “عندما يكون هناك مُدخلات إنتاج بسعر معين بحسب سعر الدولار، ستكون المُخرجات بسعر يتوازى مع سعر المدخلات، وبالتالي الصناعيين غير قادرين على الالتزام بأسعار ثابتة، كون أسعار الصرف متذبذبة ومتغيرة“.

تيزني، انتقد أدوات البنك المركزي لتثبيت سعر صرف الدولار واصفا إياها بـ“الأدوات الخشنة“، بعيدة عن الواقع الاقتصادي.

وتابع قائلا “أي حلقة اقتصادية متكاملة لا تستطيع التصرف بأي عمل أو منتج اقتصادي، إلا وفق سعر الصرف لذلك لم يستطع الصناعيون، ولا حتى التجار الالتزام بأسعار محددة، والتي تضعها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك“.

مسيرة خسائر الصناعة السورية بدأت قبل 2011

في مقال نشره في “الحل نت“، قال محمد مصطفى عيد، إن “مسيرة التراجع تعود إلى ما قبل 2011، إذ أن وضع القطاع العام الصناعي آنذاك لم يكن مريحا لأنه كان أصلا في أزمة لعدم قدرته أو تمكينه على زيادة قدرته التنافسية، سواء أمام المنتجات المستوردة أو في النفاذ للأسواق المستهدفة“.

لم يكتب النجاح لإصدار قانون لإصلاح القطاع العام الصناعي على مدى عقدين من الزمن.

بقي التعامل في إطار الحلول الارتجالية التي اتخذتها السلطات، فلم تؤتي أُكلها بل زاد من تردي وضع شركات القطاع الصناعي، نتيجة للفساد الذي ينتشر في مختلف مفاصله.

وأصبحت محتويات شركاته عبارة عن خردة، لا تدعم الاقتصاد السوري، وعبئا يستنزف موارد خزينته. وكان وزير الصناعة السورية زياد الصباغ، كشف أواخر العام الماضي عن حجم خسائر الصناعة السورية المباشرة وغير المباشرة، حتى نهاية العام 2019، مشيرا إلى أن قيمة الأضرار تجاوزت 23.5 مليار دولار، حتى نهاية 2019، للمنشآت الصناعية في سوريا.

كما أكد زياد صباغ، أن التدمير طال غالبية المنشآت العامة والخاصة، لافتا إلى أن “حجم الأضرار المباشرة نحو 530 ألف مليار ليرة، أي 12 مليار دولار، وهذه أضرار مباشرة فعلية تم تقديرها“.

عجز حكومي

لا يبدو أن الحكومة في دمشق، تملك رؤية واضحة لضبط الأسعار في الأسواق السورية، فهي غير قادرة على ضمان الالتزام بقوائم الأسعار الصادرة عن وزاراتها المعنية بالأسعار، وذلك في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية، وانفلات أسعار مختلف السلع والخدمات.

يضاف إلى ما ذُكر سابقا، انهيار قيمة الرواتب والأجور أمام المواد الغذائية والسلع الأساسية للأسر السورية، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أَفقد الرواتب في سوريا نسبة كبيرة من قيمتها، وهذا ما دفع المئات من موظفي المؤسسات الحكومية السورية إلى الاستقالة مؤخرا.

تعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، قبل أيام، قال قسومة، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

زاد بالقول: “أما عندما يكون راتب الموظف 200 ألف ولديه ولدين، فلا يكفيه هذا الراتب أن يُطعم كل ولد سوى نصف سندويشة فلافل، ثلاث وجبات في اليوم، وذلك دون أن يدفع كهرباء وماء ومصاريف أخرى“.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، قبل نحو أسبوع، أشارت إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضرورية (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

جاء في الدراسة أيضا، “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

قد يهمك: “البرد عالباب وما في تدفئة“.. غياب المحروقات المدعومة يهدد بشتاء قاسي على السوريين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.