منذ فترة طويلة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يضاعف تصريحاته وتهديداته الخطرة بغزو اليونان، ولكنه بدأ يأخذ طابعا تصعيديا وعدائيا كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية التركية في الصيف المقبل، وقد أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” هذا الأمر عبر نشر مقالا بعنوان، “الانتخابات تقترب، أردوغان يرفع حدة التوتر مرة أخرى مع اليونان”.

 العلاقة بين الطرفين أحيانا تكون إيجابية وأحيانا سلبية، بحسب الحكومات الموجودة سواء في تركيا أو اليونان، وبالتزامن مع اشتداد تصريحات أردوغان بغزو اليونان، معتبرا أن القوات التركية ستصل ليلة واحدة، دون تحديد تاريخ محدد للغزو، مما يثير عدة تساؤلات حول تكرار أردوغان لتهديداته لليونانيين، وما إذا كان مستقبله السياسي المهدد، هو السبب الوحيد وراء تهديداته وتصعيده هذه، أو هنالك أسباب أخرى تقف وراء هذه التصعيدات المستمرة منذ عدة أشهر، إلى جانب ذلك هناك تساؤلات أخرى حول احتمال غزو تركيا بالفعل لليونان وتداعياته، خاصة وأن الخلافات بين البلدين ممتدة على مدار فترة طويلة من الزمن، وتتركز على قضايا منها الحدود البحرية وامتداد الجرف القاري لكل منهما، بالإضافة إلى الخلاف المزمن حول ملف التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وقضايا المجال الجوي، وكذلك حول المهاجرين، وجزيرة قبرص المقسمة عرقيا.

استغلال الأزمات

مجددا يهدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بغزو اليونان، ويقول إن “القوات قد تصل فجأة في ليلة واحدة” إلى اليونان، بعد أسبوع من “صراخه” بوجه رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، خلال عشاء مغلق في براغ حضره 44 زعيما أوروبيا.

صحيفة “نيويورك تايمز“، تقول إنه ومع تفشي التضخم وانخفاض الليرة وقرب الانتخابات في تركيا، فقد تكون “الأزمة المفتعلة” هي الشيء الذي يحتاجه أردوغان.

بحسب الصحيفة الأميركية، اتهم أردوغان، ميتسوتاكيس بعدم الإخلاص بشأن تسوية النزاعات في شرق بحر إيجه، وانتقد الاتحاد الأوروبي لانحيازه إلى أعضائه، اليونان وقبرص، وفقا لديبلوماسي أوروبي، واثنين من كبار المسؤولين الأوروبيين، الذين كانوا هناك، وتحدثوا للصحيفة.

في حين أن قلة من الدبلوماسيين أو المحللين يتوقعون الحرب، هناك شعور متزايد بين الدبلوماسيين الأوروبيين بأن أردوغان “المهدد سياسيا هو خطر متزايد على جيرانه”، وأن الحوادث يمكن أن تحدث.

“نيويورك تايمز”، نقلت عن ديبلوماسي، لم تكشف عن اسمه، قوله إن أردوغان “بحاجة إلى أزمة” لتعزيز مكانته المهتزة في الداخل بعد ما يقرب من 20 عاما في السلطة، وقال الدبلوماسي، إنه إذا لم يتم منح أردوغان “أزمة”، فقد يصنع واحدة.

ضمن هذا الإطار، قال الباحث السياسي وعضو حزب “الشعوب الديمقراطي” التركي المعارض، بركات كار، أنه “كما هو معروف أنه في الفترة الأخيرة كانت هناك توترات وتهديدات بين تركيا واليونان، وفي الحقيقة فقد تعودنا على هذه المناوشات المستمرة منذ سنوات، خاصة أثناء الأزمات بين الطرفين، فعندما تحصل أزمة داخلية في أي بلد منهم، يقوم الطرف الحاكم بإطلاق التهديدات وخلق المشاكل مع الطرف الآخر، بغية صرف الأنظار عن موضوعه ومشاكله الداخلية وجدول أعماله”.

بحسب كار الذي تحدث لـ”الحل نت”، أن مسألة الجزر والصراع الذي يدوره حوله معروف للجميع، وهي مشكلة ليست بجديدة، فمنذ اتفاقية “لوزان” وحتى الآن تحصل مثل هذه التهديدات بين الطرفين من فترة لأخرى وخاصة في مراحل الأزمات.

قد يهمك: تهديدات أردوغان لليونان.. حرب على موارد الطاقة؟

أسباب تصاعد التهديدات

في سياق أسباب تكرار تهديدات أردوغان بغزو اليونان، وفق رأي كار، فإن الحكومة التركية، وخاصة حزب “العدالة والتنمية” بقيادة أردوغان، بحاجة إلى جدول أعمال ليتجاهل فيه الأزمات الداخلية التركية بالدرجة الأولى، وكان الملف الذي يتعلق بالبحر الأبيض المتوسط؛ الاتفاقات التي تم إبرامه بين اليونان ومصر وإسرائيل، بشأن التنقيب عن الغاز هو الذي بدأ أردوغان بالانشغال فيه واستغلاله لصالحه.

لا شك أن حلف “الناتو” كان يدافع عن اليونان على الدوام، إذ لم يكن من المهم بالنسبة لهم من كان على صواب أو مخطئ، وبالتالي، ولسبب أن هناك ملفات مهمة معلقة بين تركيا وأميركا، فإن اختلاق هذه المشاكل الأخيرة من قِبل الحكومة اليونانية كان بدافع خلق مشاكل لمحاصرة تركيا وإخضاعها في كثير من الأمور، خاصة وأن سياسة تركيا تتجه الآن نحو روسيا، وهنا يهم كل من أوروبا وأميركا كل الخطوات التي تخطيها تركيا، بحسب تقدير كار.

كار أردف في حديثه، “طبعا هذه التهديدات اعتدنا عليها، وسياسة أردوغان وتصريحاته، الذي يقول، إنه سيأتي فجأة وذات ليلة كما حدث مع سوريا وليبيا وغيرهم”.

لكن مع تدهور الوضع الاقتصادي داخل تركيا، ومع تراجع أصوات حزب العدالة والتنمية، بالتزامن مع قرب الانتخابات الرئاسية التركية، الأمر الذي يتطلب جهودا كبيرة من قبل أردوغان لحشد الأصوات وكسبهم، وسط معارضة تركية واسعة ضده في البلاد، وفق كار.

الآن كل السياسات التي يتبعها أردوغان غير كافية، من تعويض الخسائر التي تكبدها العمال إلى المزارعين والعاطلين عن العمل وأمور أخرى في تركيا، وهو يحاول صرف الانتباه عن هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة قدر الإمكان قبل فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فهو بحاجة لخلق مشاكل تحت مسمى “المشاكل القومية الوطنية”، من أجل حشد وصف أصوات الأحزاب الأخرى وراءه مرة أخرى، كما حدث في السابق.

هذا ويستعد رئيس الوزراء اليوناني أيضا لانتخابات قريبة، حيث من المتوقع إجراء انتخابات الصيف المقبل، والمشهد في البلاد يعاني من فضيحة مستمرة حول برامج التجسس المزروعة في هواتف السياسيين والصحفيين المعارضين، وكما هو الحال في تركيا، لا شيء يروق للقاعدة اليونانية أكثر من الخلاف مع عدو قديم، وفقا للصحيفة الأميركية.

في العشاء الذي أقيم في براغ، رد رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، بأنه ينبغي للقادة حل المشاكل وليس خلق مشاكل جديدة، وأنه مستعد لمناقشة جميع القضايا، ولكنه لا يستطيع التزام الصمت بينما تهدد تركيا سيادة الجزر اليونانية.

ميتسوتاكيس كان قد أشار إلى القدرات العسكرية اليونانية التي تم تعزيزها بشكل كبير مؤخرا كجزء من اتفاقيات الدفاع الموسعة مع فرنسا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى أنه استغل الانزعاج الأميركي من علاقات أردوغان مع روسيا، وتأخره في الموافقة على توسيع حلف شمال الأطلسي إلى فنلندا والسويد لتعزيز العلاقات مع واشنطن.

قد يهمك: اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. ما تبعاته وتأثيره؟

سيكون هناك تسوية ما

في سياق ما إذا كان هناك غزو تركي ضد اليونان، حسب تقدير كار، فإنه مستبعدا تماما لأنه لا يشبه التهديدات تجاه سوريا، لأن هناك حلف “الناتو” وهناك دول غربية كبيرة تقف إلى جانب اليونان، ومن المرجح أن تتدخل بعض الدول الغربية للتوصل إلى تسوية بين الطرفين، حتى وإن لم تتوصل إلى اتفاق ما، لكن حتما ستكون هناك هدنة بينهما، خاصة مع استمرار المشكلة القبرصية بين الطرفين وقضايا أخرى.

ميتسوتاكيس، أفاد للصحفيين إنه منفتح على إجراء محادثات مع أردوغان على الرغم من الانتقادات اللاذعة، قائلا، إنه يعتقد أن الصراع العسكري غير مرجح، وقال “لا أعتقد أن هذا سيحدث أبدا”، وإذا حدث ذلك، لا سمح الله، فإن تركيا ستتلقى ردا مدمرا للغاية”.

في أيار/مايو، كان أول رئيس وزراء يوناني يخاطب الكونغرس وحثه على إعادة النظر في مبيعات الأسلحة إلى تركيا، وقال إن اليونان ستشتري طائرات إف-35، بينما لا تزال تركيا تضغط للحصول على المزيد من طائرات إف-16، إلا ان أردوغان يواجه مشاكل كبيرة في الداخل، مما يجعل التوترات مع اليونان طريقة سهلة وتقليدية لتحويل الانتباه وحشد الدعم.

تدريبات سابقة للبحرية التركية في بحر إيجة “الأناضول”

بالعودة إلى الصحيفة الأميركية فقد أردفت، “لدى تركيا واليونان مجموعة من النزاعات الثنائية التي لم يتم حلها، وهذا يخلق بيئة مواتية كلما أراد سياسي في أنقرة أو أثينا إثارة التوترات”. هذا وكاد البلدان أن يخوضا حربا في السبعينات بشأن استكشاف الطاقة في بحر إيجه، وحربا أخرى في منتصف التسعينات بسبب المطالبات المتنازع عليها حول جزيرة صخرية غير مأهولة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي عام 2020، ارتفع التوتر مرة أخرى حول استكشاف الطاقة في المياه المتنازع عليها.

خلاصة القول، إن الطرفين ليسا بريئين من هذه التوترات القائمة والمستمرة، لأن الشعبين التركي واليوناني في النهاية لم يربحا شيئا من هذه الخلافات. إذ إنها سياسات احتكارية لتحقيق مصالح حزبية ذاتية فقط، وعلى أحزاب المعارضة إعلان مواقفها المعارضة لوضع حدا لهذه التوترات التي تحصل بين الحين والآخر، في ختام حديث كار.

تاليا، إن التوترات بين اليونان وتركيا ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمات خلافات قديمة استمرت منذ عقود، لكنها تفاقمت مؤخرا بسبب اكتشاف حقول غاز كبيرة في شرق البحر المتوسط من جهة وبسبب قرب الانتخابات الرئاسية التركية من جهة أخرى، فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وظهور أزمة الطاقة والغاز إلى الواجهة.

لذا، فإن حدوث تصعيد عسكري بينهما مستبعدا نهائيا، رغم تصاعد حدة التوترات بين أنقرة وأثينا، ذلك لأن “الناتو”، لن يسمح بالحرب بين البلدين، حيث نجح في نزع فتيل الأزمة بين البلدين قبل عامين خلال أزمة شرق المتوسط.

قد يهمك: احتمالات التصعيد التركي – اليوناني.. توتر جديد أم تهدئة مطلوبة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.