“المأكولات الشعبية لم تعد للفقراء”، هو واقع الحال الذي يصفه العامل في مجال الإنشاءات في مدينة درعا، شريف السبروجي، مشيرا إلى أن هذه المأكولات استبعدت من مائدة السوريين وخصوصا العمال الذين يعتمدون عليها بشكل كلي خلال أوقات عملهم.

المشكلة الرئيسية لارتفاع الأسعار اليومي في سوريا، من وجهة نظر مسؤولي الحكومة، هي قلة توفر المواد وانعدام التنافسية، حيث قال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، في وقت سابق، “لن نستطيع الخروج من مشكلة ارتفاع الأسعار أو فقدان المواد ما لم يتم الاتفاق على إستراتيجية وطنية مشتركة تضم وزارات المالية والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية ومصرف سوريا المركزي وسواه”، مضيفا، “لكن للأسف ما زالت كل جهة من هذه الجهات تعزف على الوتر الذي يناسبها وكل جهة أو وزارة، تعمل وفق أولوياتها من دون الأخذ بعين الاعتبار البوصلة الرئيسية وهي المستهلك”.

سندويشة الفلافل والحمص التي يعتمد عليها السبروجي، يوميا لسد جوعه هو والعديد من أقرانه، بالرغم من أنها أكلة سورية شعبية عُرفت منذ 4 آلاف عام، اليوم بعد ارتفاع أسعارها باتت من الأكلات النادرة والتي يصعب تأمينها.

المعجنات أصبحت شهوة

“كانت صفيحة الجبنة بـ 5 ليرات واللحمة 12 ليرة، واليوم نحلم بها على موائد الإفطار”، لسان حال السبروجي، الذي أبدى حسرته خلال حديثه لـ”الحل نت”، بعد تحول وجبات الفقراء كالمعجنات أو الفلافل إلى جانب وجبات الحمص والفول إلى حلم، على خلفية التعديل الأخير بتسعيرة التموين، حيث لامست السندويشة بخبز سياحي صغير مع بندورة ومخلل بأربعة أقراص سعر ألفين ليرة، وقرص الفلافل بـ 130 ليرة سورية، كما حلَّقت قطعة المعجنات إلى 1500 ليرة.

اليوم مع زيادة الأسعار في سوريا، لم يعد بمقدور عائلة مؤلفة من 4 أشخاص تناول هذه المأكولات الشعبية، والتي تُعد مرتفعة إذا ما حسبنا تكلفتها الشهرية والتي وصلت لـ 240 ألف ليرة شهريا في حال تناولها بشكل يومي.

نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، اعتبر خلال حديثه الأربعاء الفائت، لصحيفة “الوطن” المحلية، أن المواطن دخل في حالة سبات وبات بحاجة للإنعاش نتيجة معاناته اليومية التي تزداد في ظل غلاء الأسعار اليومي وعدم تناسبها مع دخله المنخفض.

الأزعط أشار أيضا إلى أن الأسعار في سوريا باتت اليوم أغلى من كل دول الجوار، لافتا إلى أنه في حال لم تتدخل الحكومة وتقوم بتخفيض الرسوم الجمركية بما يتناسب طردا مع أسواق الدول المجاورة ستزداد معاناة المواطن بشكل أكبر، ورأى أن هم وزارة المالية الوحيد اليوم هو جباية أموال طائلة من الضرائب ولا يهمها المواطن وارتفاع الأسعار، كما أكد أن وزارة التجارة الداخلية تضع تسعيرة للمواد بشكل آني وغير صحيح ولا تتناسب مع التكاليف لذا فالأسعار في السوق دائما أعلى من التسعيرة التموينية.

مقترح لرفع أسعار المأكولات الشعبية

من وجهة نظر أصحاب المطاعم الشعبية في سوريا، تشكل المواد الأولية الداخلة في تركيب هذه المأكولات دورا أساسيا في رفع سعرها، فبحسب ما قاله محمد فضلو، مالك أشهر مطعم شعبي في منطقة المحطة بدرعا، لـ”الحل نت”، لا يلتزم التجار بالنشرات الصادرة للمواد، ويبيعون المحلات بأعلى من السعر المحدد، كما أن التموين لا يواكب غلاء أسعار المواد”، بينما لمشاكل الغلاء وتأمين البضاعة، دور أيضا في هذا الأمر برأيه، والذي أفرز كثرة في العرض وقلة في الطلب، والذي يعود لأحوال الناس المعيشية الصعبة، تزامنا مع تضخم العملة وانعدام قيمة الليرة.

في هذا السياق، قالت صحيفة “الوطن”، أمس الأحد، إن ارتفاعات شهدتها العديد من المأكولات ولاسيما الشعبية والعديد من مواد الدواجن ناهيك عن أسعار المعجنات، وذلك خلال العشرة أيام الماضية وسط استمرار التبريرات من بعض أصحاب المحال بعدم مواءمة النشرات الرسمية الصادرة فيما يخص سندويش الشاورما والبطاطا والفلافل، حتى يعمد صاحب المحل إما لرفع السعر وعدم التقيد بالأسعار الرسمية، أو التلاعب بالكمية وحجم السندويشة وخاصة الشاورما.

الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمنتزهات، طالبت بحسب الصحيفة، للمرة الثانية في كتاب لها مقدم إلى المحافظة، برفع أسعار المعجنات بزيادة 200 ليرة، بالنسبة للزعتر والجنبة و400 ليرة للمرتديلا والقشقوان، بما يشمل كل أنواع المعجنات.

حسب عضو الجمعية، سام غرة، فإن المكتب التنفيذي في محافظة دمشق لم يوافق حتى الآن على المقترح المقدم من الجمعية. كما بيّن غرة، أن النقاشات محتدمة ضمن الجمعية وخاصة بعد شكاوى ومناشدات واردة من عشرات المحال تطالب برفع أسعار المأكولات الشعبية والعديد من المواد في المقاهي والمتنزهات.

وأكد عضو الجمعية، أن هناك نية للمطالبة برفع الأٍسعار، ولاسيما مع التكاليف الكبيرة التي تتكبدها المحال وارتفاع تكاليف المواد التي تؤمنها، وبالتالي باتت الأسعار الحالية لا تتوافق مع هذه المستلزمات، وخاصة مع ارتفاع تكاليف الطاقة بما في ذلك المحروقات وتأمينها من بعض المحال من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة، ناهيك عن عدم انتظام حصولهم على المحروقات وبالتالي تكبدهم تكاليف إضافية جداً.

مضيفا، “بالمقابل فإن الأسعار الحالية لا تتناسب أيضاً مع دخل المواطن الذي لم يعد بمقدور العديد منه من شراء سندويشة شاورما باتت تكلف 7 آلاف ليرة، أو فروج لعائلته بات يستنزف ربع راتبه على مدار الشهر”.

العامل والموظف سواء

في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، قبل أيام، قال قسومة، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

وزاد بالقول: “أما عندما يكون راتب الموظف 200 ألف ولديه ولدين، فلا يكفيه هذا الراتب أن يطعم كل ولد سوى نصف سندويشة فلافل، ثلاث وجبات في اليوم، وذلك دون أن يدفع كهرباء وماء ومصاريف أخرى“.

من جهته، يرى السبروجي أن العامل والموظف في سوريا باتوا يعيشون الحال ذاته، خصوصا وأن المأكولات الشعبية التي كانت ملجأ الفقير، باتت حلم اليوم، قائلا “الأب العامل عم يصوم مشان ما يصرف يوميته على سندويشة، وأكلة البروستد والشاورما صارت عالشهوة كل كم شهر”.

التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، أصدرت الأحد الفائت، نشرة أسعارها للفروج والبيض والشاورما، حيث حدد سعر كيلو الفروج الحي بـ 10200 ليرة، وكيلو الشرحات بـ 25 ألف ليرة.

وحددت سعر صحن البيض إلى 13500 ليرة، والفروج البروستد بـ 33500 ليرة، والمشوي بـ 32500 ليرة، فيما حددت سعر سندويشة الشاورما بـ5500 ليرة، ووصل سعر كيلو الشاورما إلى 44 ألف ليرة.

شكاوى المواطنين من أن العديد من المحلات لا تلتزم بالأسعار الرسمية الصادرة، مع تأكيدهم على عشوائية التسعير واختلاف الأسعار في السوق بين المحلات وأخرى في نفس المنطقة، واختلافها عن نشرات الأسعار، حض البعض على القول إن وجود هذه النشرات كغيبها.

سوريا ليست كغيرها

على الرغم من استقرار الأسعار العالمية في الآونة الأخيرة، والتي ارتفعت بعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، التي عادت مؤخرا بعد اتفاق استئناف تصدير الحبوب، بقيت الأسعار تميل للارتفاع بشكل مستمر في سوريا، دون وجود أي مبرر لذلك.

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى قرار وزارة المالية الصادر منذ أيام قليلة، والذي رفع الحد الأدنى للأسعار الاسترشادية للسكر والزيوت النباتية المستوردة، والتي تُعد من المواد الغذائية الأساسية، حيث أصبح الحد الأدنى للسكر الخام 500 دولار للطن الواحد، و600 دولار للسكر المكرر، ورفع السعر الاسترشادي لزيت عباد الشمس إلى 1500 دولار، ولزيت النخيل إلى 1300 دولار، ليليه قرار آخر لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برفع سعر السكر (النادر وجوده في الأسواق) إلى 4400 ليرة سورية للكيلوغرام المعبأ، مع توقعات برفع سعر الزيت لاحقا.

التقرير أوضح، أنه ما بين دراسة التخفيض وقرار الرفع، لم يكن لأسعار مختلف المواد الغذائية سوى أن ازدادت بنسب كبيرة ومتسارعة، فضلا عن نقص في المخازين وندرة بعض المواد في الأسواق، ليشهد الأسبوع الأخير بمفرده ارتفاعا جديدا لمختلف السلع دون أي مبّرر، حتى حجة التأثر بالأزمات العالمية ومشكلات الشحن لم تعُد تنفع بعد استقرار الأسعار العالمية، بما فيها أسعار البورصات العالمية وأسواق النفط.

الجدير ذكره، أنه منذ بداية العام الجاري، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، تزامنا مع فشل وعجز الحكومة السورية، عن ضبط أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق. ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط الأسعار، وتأمين المواد الأساسية والغذائية بشكل يكفي حاجة الأسواق السورية، وذلك على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها مؤخرا بهذا الصدد.

وهنا يبقى السؤال، هل سيستطيع المواطن العادي تذوق المأكولات الشعبية إذا ما استجابت الحكومة لمقترح الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمنتزهات، وبذلك تصبح سندويشة الفلافل والشاورما أحلام تخطر في بال السوريين، ويشتهيها أطفالهم خلال مرورهم بالأسواق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.