مشكلة الكهرباء في العراق إحدى أكبر المشاكل التي تواجه الدولة منذ العام 1990، وقد تفاقم هذا الأمر أثناء حرب 2003 وما نجم عنها وما بعدها من تخريب وسلب، أدى إلى تأثر البنية التحتية لمنظومة الطاقة بكاملها في العراق، حيث عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلها إلى اليوم على الرغم من وجود موازنات مالية تكفي لبناء محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية، فضلا عن توافر المواد الأولية اللازمة لتشغيل هذه المحطات من وقود وغاز طبيعي.

ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين في العراق تتجاوز 20 ساعة يوميا، وهو ما دفعهم أن يعتمدوا المولدات المنزلية الصغيرة أو مولدات الطاقة الأهلية (أمبيرات) وكلتاهما تضيف أعباء مادية كبيرة عليهم، خاصة خلال فصل الصيف وازدياد الحاجة إلى الكهرباء.

اقرأ أيضا: نقص الكهرباء في شتاء العراق.. “الرگعة صغيرة والشگ چبير”

العراق يستورد الكهرباء والغاز من إيران منذ أكثر من 16 عاما بأسعار تفوق متوسط السعر العالمي، وبمبالغ تصل إلى أكثر من ملياري دولار سنويا، في الوقت الذي يحرق فيه غازه الطبيعي والغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط في الجو.

للسنة الرابعة على التوالي، صنف تقرير للبنك الدولي العراق كثاني أكبر دولة على مستوى العالم بكمية الغاز التي يحرقها في الجو بعد روسيا. وبالإضافة إلى استيراد الغاز الإيراني، يستورد العراق منها أيضا 1200 ميغاواط من الكهرباء عبر أربعة خطوط ناقلة، ولكن تسبب عدم إنتاج الغاز محليا لتشغيل محطات الكهرباء، بهدر كميات كبيرة منه والاعتماد على الاستيراد من إيران.

مؤخرا تسعى الأردن لمساعدة العراق من خلال تزويده بالطاقة الكهربائية التي تصل إلى 1000 جيجا واط سنويا، إذ تم وضع حجر الأساس على مقربة من الحدود بين البلدين داخل الأراضي العراقية في 6 من الشهر الجاري، وهذا ما يعود بفائدة لصالح الأردن، حيث سيزيد من نقاط ربط الأردن كهربائيا مع دول الجوار، ويوفر مزيدا من فرص الربط غير المباشر مستقبلا مع العديد من دول المنطقة.

المرحلة الأولى من المشروع تتضمن تنفيذ خط نقل عالي الجهد، يربط المنطقة الشرقية في الأردن الريشة مع المنطقة الغربية من العراق القائم، ويبلغ طول الخط 300 كلم تقريبا وبكلفة تقديرية 140 مليون دولار على أن يكون المقدر جاهزا نهاية العام 2022.

التلفزيون الرسمي الأردني، ذكر قبل أيام قليلة بأن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة ونظيره العراقي مصطفى الكاظمي، وضعا حجر أساس المشروع، ونقل عن الخصاونة تأكيده خلال تلك المناسبة على دعم الأردن لأمن العراق واستقراره وازدهاره وتقدمه.

مشروع الطاقة بين الأردن والعراق يحمل انطباع إيجابي من الناحية السياسية إذ سيعمل على فتح آفاق تعاون مع بقية الدول، حيث بلغت تكلفة هذا المشروع مليارين و200 مليون مقابل 00 ميكا واط، كمرحلة أولى وهذا دليل على قدرة العراق بتحمل المشاريع الاستثمارية العملاقة التي تزيد من إقبال رغبة الدول الأوروبية على الاستثمارات داخل البلاد، كما أنه سيعكس طابعا سياسيا إيجابيا كون زيادة الاستثمارات تعني استقرار الأمن في المنطقة، بحسب حديث خبير الطاقة فرات الموسوي لـ “الحل نت”.

خذلان الجانب الإيراني

هذا الاتفاق جاء بعد أن تراجعت ساعات تجهيز الطاقة للمواطنين، إثر عدم وصول الغاز الإيراني إلى المستويات المتفق عليها مع العراق، وبحسب تصريح للمتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، لموقع “العربي الجديد” فإن المنظومة الكهربائية العراقية شهدت مشكلات عديدة أبرزها عدم التزام الجانب الإيراني بالاتفاقية المبرمة معه حول تجهيز الغاز، لأن الاتفاق مع الجانب الإيراني ينص على أن يحصل العراق على 55 مليون متر مكعب من الغاز، إلا أن ما يصل حاليا هو 45 مليون متر مكعب فقط، مع التأكيد على أن الحاجة الفعلية في الوقت الحاضر تقدر بـ 60 مليون متر مكعب.

مشاريع الربط الكهربائي تعود بفائدة لجميع الأطراف، بحسب تصريح لوزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة نقله التلفزيوني الرسمي الأردني، حيث أن مشروع الربط الكهربائي مع العراق، سيقوم بتزويد مناطق غرب الأنبار بحوالي 150 ميكا واط وعلى أمل أن تصل في المراحل القادمة الى 500 ميكا واط، لذلك من المتوقع أن يكون هذا المشروع جاهز للتنفيذ في عام 2023.

التخلص من السيطرة الإيرانية

تحرير العراق من المليشيات الموالية لإيران ومن التدخلات الإيرانية قد يبدأ اقتصاديا، من خلال زيادة الاستثمارات مع الدول المجاورة. لذلك يرى الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن شيخلي خلال حديثه لـ “الحل نت” بأن الربط الكهربائي بين الأردن والعراق مهم جدا وضروري، لكونه قد يحرر العراق من السيطرة الإيرانية التي تتحكم بتجهيز الغاز لمحطات الغاز العراقية.

كالعادة سرعان ما تتعرض أغلب الاتفاقيات والمشاريع الاستثمارية العملاقة بين العراق وبقية الدول المجاورة، إلى عرقلة من إيران التي تخشى على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وقد حركت أطرافها داخل العراق لمهاجمة هذا المشروع. إذ يقول النائب عن تحالف “الفتح” مرتضى الساعدي، التابع لمنظمة “بدر” بزعامة هادي العامري، في حديثه لـ “الحل نت” إن حكومة تصريف الأعمال ليس من حقها أن تمضي بمثل هذه المشاريع.

حكومة تصريف الأعمال منتهية الصلاحية ولا يحق لها التصرف بالقضايا المالية والإدارية للبلاد، بحسب الساعدي، والذي بين بأنه ليس ضد تعاون العراق مع أي بلد آخر لكن يجب اختيار بلد غني بالموارد والطاقة، وأن الأردن بلد لا يمتلك القدرة على تزويد العراق بها، وفق تعبيره.

طاقة قليلة وكلفة عالية

على عكس رأي فرات الموسوي وعبد الرحمن شيخلي، جاء حديث الخبير القانوني في شؤون الطاقة صلاح الموسوي، لـ “الحل نت” حيث أكد بأن الربط الكهربائي مع الأردن لن يساهم باستغناء العراق عن الغاز والطاقة المستوردة من إيران، لأنه قد يصل في أعلى حالته إلى 500 ميكا واط وهذه سعات تعتبر قليلة جدا.

كلفة مشروع الربط الكهربائي عالية جدا مقابل ذلك، فإن كمية الطاقة المنقولة قليلة جدا حيث سيتحمل العراق كمية هدر بمليارات الدولارات، وفق الخبير القانوني، الربط مع دول الجوار بمجمله هو مشروع غير ناجح وغير مجدي مقارنة بما تنتجه وزارة الكهرباء الذي يصل إنتاجها إلى 25 ألف ميكا واط، مقابل ما يصل إلى العراق من الخط التركي على سبيل المثال بمقدار 300 ميكا واط، حيث أن هذه النسبة لا تساوي 1 بالمئة من إنتاج وزارة الكهرباء وكذلك بالنسبة للربط مع السعودية والأردن ومصر.

هذه المشاريع تدل على كمية جهل وتخلف في مجال إدارة الطاقة من قبل رئيس الوزراء وبعض الوزراء، بحسب الموسوي، الحل الأمثل هو إنشاء محطات كهرباء داخل العراق والاستثمار في مجال الغاز الطبيعي الذي يوجد بكميات كبيرة في العراق.

رأي النائبة عن كتلة “الصادقون” الممثلة لحركة “عصائب أهل الحق”، بزعامة قيس الخزعلي، في مجلس النواب العراقي، زينب جمعة، لـ “الحل نت” لم يختلف كثيرا إذ انتقدت المشاريع التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء مصطفى ‏الكاظمي مع عدة دول، معتبرة إن سياسة الكاظمي تعدّ مكملة لسياسة صدام حسين، تعليقا على مشروع الربط الكهربائي بين العراق والأردن من خلال تزويد الأردن بكل شيء مجانا.

ما هي الجدوى الاقتصادية من هذا المشروع وكلفه المالية، وكم تزود عّمان لبغداد بالطاقة، و‏ لماذا لم يعلنها الكاظمي، واكتفى فقط بالإعلان عن الربط الكهربائي.

مشكلة الكهرباء في العراق لا يبدو أنها قريبة من الحل، بحسب جمعة، فالأزمة في لا تتعلق بالطاقة فحسب، إذ هناك تداخل بين السياسة والاتفاقيات السياسية والكثير من الكتل التي تعمل بالضد من الاتفاقات التي قد تحل المشكلة، لأنها في الإساس قد تضر مصالح دول الجوار وفي مقدمتها إيران التي تمد العراق بالغاز الذي يشغل المحطات.

العراق يعتبر في الوقت الحالي المنفذ الوحيد للحصول على العملة الصعبة، في ظل العقوبات المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بسبب خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من “الاتفاق النووي” عام 2018، أما اللجوء إلى الأردن قد لا يكون الحل المثالي بحسب الخبراء، حيث لن يكون كافيا لحاجة العراق أولا وعالي الكلفة ثانيا، بانتظار حلول أخرى من الحكومة الجديدة التي ما زالت في طور التشكيل لا سيما مع تعهدات المكلف الجديد محمد شياع السوداني.

قد يهمك: إنتاج غير مسبوق للطاقة الكهربائية في العراق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.