ما يزال الأردن يعيش مخاوف عديدة على حدوده الشمالية مع سوريا، إذ تواجه البلاد تحديات تتعلق بانتشار المخدرات والميليشيات الإيرانية المتمركزة في الجنوب السوري. ومدفوعا بهذه المخاوف يسعى الأردن للمساهمة في الحل السياسي في سوريا.

جهود أردنية متزايدة

منذ نحو عام والمسؤولون في حكومة عمّان، لا يتوقفون عن إجراء الزيارات والمباحثات مع المسؤولين العرب، لجمع دعم عربي من شأنه المساهمة في الحل السوري، ما قد يساعدها من تقليل المخاطر على الحدود المشتركة مع سوريا، لا سيما فيما يخص قضية المخدرات العابرة للحدود.

في خطوة جديدة للجهود الأردنية، عقد وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، اجتماعا مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، ناقشا خلاله العملية السياسية التي يقودها المبعوث بتفويض من الأمم المتحدة بين دمشق والمعارضة السورية، وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومبدأ خطوة مقابل خطوة، إضافة إلى المبادرة الأردنية.

ما قد يجمع المبادرة الأردنية مع بيدرسون، سياسة “خطوة بخطوة“، التي طرحتها الأردن في مبادرتها للحل في سوريا، مستغلة التغيرات الإقليمية، وهي سياسة حاول بيدرسون سابقا، طرحها في المفاوضات السورية، لكنه فشل قبل أن يعلن عن خيبته كذلك في عمل اللجنة الدستورية السياسية.

تحاول الأردن تكثيف جهودها للوصول إلى مبادرة مدعومة عربيا وأمميا، للحل في سوريا، لكن بالنظر إلى كل ما حصل خلال العملية السياسية والمفاوضات بين الأطراف السورية، لا يبدو أن لـ“بيدرسون” تأثير على مسار الحل السياسي في البلاد، لا سيما من خلال قراءة ما أنجزه خلال مشواره في اللجنة الدستورية مثلا.

لكن ما يشير إلى إلحاح الأردن على تحقيق أي تقدم في العملية السياسية، تصريح الوزير الصفدي عندما قال أمس خلال تصريحات نقلها موقع “المدن“، “لا يمكن التعايش مع الوضع الحالي في سوريا، وما ينتجه من معاناة للسوريين وانعكاسات السلبية على المنطقة وخصوصا الدول المجاورة” يقصد بلاده بالطبع.

عوائق وفرص

أواخر العام الماضي، بدأت الجهود الأردنية، لصياغة مبادرة أردنية، تهدف لتقديم رؤية للحل السياسي في سوريا، ووصلت التجارب الأردنية، إلى محاولة إعادة العلاقات مع دمشق، ليتبين فيما بعد أن دمشق بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد، لا تستطيع ضبط الميليشيات الإيرانية والحدود السورية الأردنية، لتلجأ الأردن في مبادرتها لجمع جهود عربية.

قد يهمك: القضية الفلسطينية خارج حسابات مصالحة “حماس” والأسد.. ما الدوافع الحقيقية لاستعادة العلاقات؟

بالتأكيد فإن فرص نجاح المبادرة كما فرص فشلها، لكن ما قد يمكّن الأردن من تحقيق تقدم في مبادرتها، هو انشغال روسيا حاليا بتبعات غزوها لأوكرانيا، فضلا عن علاقاتها الجيدة مع موسكو، كذلك انشغال إيران التي عرقلت الجهود الأردنية في وقت سابق، في التوترات الداخلية والمظاهرات في الداخل الإيراني.

كذلك فإن الأردن، يواجه عقبات أمام هذه المبادرة، أبرزها فشل حكومة دمشق بالسيطرة على الميليشيات الإيرانية، فضلا عن رفض دمشق تقديم أي تنازلات على مستوى المفاوضات السياسية، للمضي قدما في ملف الحل السياسي.

الصحفي الأردني والمحلل السياسي إياد خليفة، يرى أن الأردن قد يساهم في المصالحة في إطار عربي أو إقليمي، مشيرا إلى أن مبادرة الأردن قد تشهد إعادة صياغة عما كانت عليه العام الماضي، ويتم طرحها في القمة العربية في الجزائر.

خليفة قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “أعتقد أنه سيتم طرح المبادرة مجددا مع إجراء تعديلات عليها في قمة الجزائر، لكن لا يمكن للنظام أن يوافق عليها، كونه يُطالب بتنازلات من الأطراف الأخرى، مستغلا بذلك ما يعتبره نصرا لروسيا في أوكرانيا، وصمودا إيرانيا في فيينا، وهذا باعتقاده نصر له، بالتالي فإن فرص نجاح أي مبادرة مع النظام ستكون مرتبطة بإقرار النظام السوري الأمور من زاوية أخرى، وتقديم تنازلات للشعب السوري“.

خليفة، يعتقد أن العوائق التي تواجه المبادرة الأردنية، تتمثل بشكل أساسي أيضا، بأن القرار السوري، ليس بيد السلطة في دمشق، مع اتساع رقعة التدخل الإيراني في البلاد.

حول ذلك أضاف، “النظام لا يدرك أن الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، قد يشكّل خطرا على سوريا، والهزيمة الروسية كذلك وفشل الاتفاق النووي الإيراني أيضا سينعكس سلبا، لكن المشكلة أن القرار السوري ليس بيد الأسد بل بيد خامنئي وبوتين“.

ما يشجع الأردن على المضي قدما في المبادرة، التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة، ففضلا عن إعادة ترتيب روسيا أولوياتها بعد غزو أوكرانيا، هناك الموقف التركي المتوجه لإعادة العلاقات مع دمشق، وتوافق وجهات النظر غير المعلن بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، فإن مساعي الأردن مدفوعة بثلاث ملفات رئيسية، هي قضية المخدرات والفلتان الأمني التي تعاني منه الحدود مع سوريا، وقضية العمق العربي، التي هي مرتبطة بعواطف أكثر منها بمواقف حقيقية، وبدرجة أقل قضية غاز شرق المتوسط، والانتهاء من أي عقبات أو عراقيل لاكتشاف الغاز من قِبل إسرائيل، وهذه قضية لا تخص الأردن مباشرة، ولكن مدفوعة بها من قِبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة في ظل التوافق الإسرائيلي اللبناني، حول ترسيم الحدود.

مسارات المبادرة

مرّت المبادرة الأردنية بمراحل عديدة خلال عام كامل من طرحها، ورغم ضبابية المشهد حتى الآن، إلى أن القيادة الأردنية بلورت المبادرة، التي تقوم على أساس خلق فهم إقليمي ودولي مشترك، يعتبر أن التوجه السياسي نحو “تغيير الحكومة السورية” لم يُفرز أية نتائج ميدانية واضحة على أرض الواقع، بل زاد من مستويات التدهور في كل الملفات السورية، سواء السياسية أو الاقتصادية، بما في ذلك زيادة أعداد المُهجّرين والنازحين السوريين، الذين تحولوا إلى أزمة إقليمية ودولية.

وبحسب ما نقلت صحيفة “الجمهورية” في وقت سابق، فإن، “مسارا آخر مختلف في المنهج والهدف، يمكن أن يخلق نتائج أخرى، خاصة الانخراط الإيجابي مع الحكومة السورية ودفعها لاتخاذ خطوات مقابلة، وتاليا تهيئة الأجواء لإنهاء الحرب المندلعة منذ سنوات“.

خمس مسارات أساسية، تقوم عليها الرؤية الأردنية، أولها الدفع باتجاه تشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ما يشجع الأردن هو الانسجام الإقليمي والعربي على هذا الملف، بالطبع على أن تكون العودة آمنة وطوعية.

عودة اللاجئين تواجه عوائق عديدة، أبرزها بدء عمليات إعادة الإعمار في سوريا، لتمكين اللاجئين من العودة إلى منازلهم، وتحقيق حياة كريمة، في حين أن ملف إعادة الإعمار معلق بانتظار ضوء أخضر أميركي أوروبي، وهذا الضوء بالطبع مرتبط بتحقيق تقدم بارز على صعيد الحل السياسي، فكيف ستحل مبادرة الأردن هذه المعضلة.

كذلك فإن تنشيط المساعدات الدولية، هي إحدى مسارات المبادرة الأردنية، إذ من المتوقع أن تعمل الأردن على استغلال علاقاتها الجيدة مع روسيا، للضغط من أجل عدم وقف تدخل المساعدات إلى المناطق السورية، وزيادة عدد المنافذ، كما أن الأردن لعبت سابقا دورا هاما في هذا الملف من خلال حدودها المشتركة مع روسيا، ما يمكّنها من تحقيق تقدم جيد في هذا المسار.

اقرأ أيضا: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

أما ثالث المسارات المعروضة من قِبل الأردن، هو خلق مصالحة ثنائية بين السلطة والمعارضة، لتهيئة الأجواء للحل السياسي في البلاد. وينص التوجه الرابع على دعم التحقيق والمسائلة في قضايا التعذيب والتغييب وبقية الجرائم المُرتكبة في سوريا، ومن قبل جميع الأطراف، بحيث يتم التوصل إلى الخطوة النهائية أي التوجه الخامس في المسألة السورية، وهو الحل السياسي حسب قرار مجلس الأمن رقم 2254 حسبما نقلت الصحيفة.

لا نقاط واضحة حتى الآن

حتى الآن، ما تزال المبادرة الأردنية غير واضحة المعالم، بالرغم من الجهود الواضحة التي يبذلها الأردن في سبيل حشد الدعم الإقليمي والدولي، من أجل دعم مبادرته الرامية لتحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية السورية.

ولم يتطرق وزير الخارجية الأردني، أو العاهل الأردني لأية نقاط أساسية ومحورية خلال حديثهم عن المبادرة الأردنية، وكل ما تم ذكره هي القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، والذي ينص في الأصل على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وهذا الحل ترفضه حكومة دمشق ومن خلفها روسيا وإيران، لأن تطبيقه يعني سقوط الحكومة الحالية تلقائيا.

محللون رجّحوا أن توضيح المبادرة العربية، ربما سيكون خلال القمة المزمع عقدها في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إذ من المتوقع أن يقدم الأردن مبادرة، بنقاط وخطة واضحة، لحشد الدعم العربي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة