اليوم أُعلن عن فوز وزير المالية البريطاني السابق، ريشي سوناك، برئاسة الحكومة البريطانية، ورئاسة “حزب المحافظين”، وذلك بعد انسحاب منافسته بيني موردونت، ويأتي فوز سوناك بعد 4 أيام على استقالة رئيسة الوزراء ليز تراس، بعد 45 يوم من انتخابها من قبل “حزب المحافظين” خلفا لبوريس جونسون، رئيس الوزراء السابق، ليكون سوناك ثالث رئيس وزراء لبريطانية خلال عام واحد.

مساء يوم أمس الأحد، انسحب من السباق رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، بينما لم تحصل رئيسة “مجلس العموم”، بيني موردونت، التي لم تحصل على أصوات كافية من “حزب المحافظين”، ويأتي فوز سوناك المرتقب مسبقا بعد شهر ونصف من خسارته السباق أمام منافسته ليز تراس بفارق ضئيل، وذلك بعد شهرين من المناظرات والاستعراضات في السياسة وفي الاقتصاد، ما عزز الانقسامات التي يعيشها “حزب المحافظين”.

 سوناك، البالغ من العمر 42 عاما، كان المرشح الوحيد الذي حصل على دعم مؤكد من أكثر من 100 نائب، وهو العدد المطلوب لخوض الانتخابات، فيما لم تحصل منافسته موردونت، على أكثر من 30 صوت حتى بعد ظهر اليوم الإثنين.

الفرق بين سوناك وتراس في النظرة للملف الاقتصادي

ريشي سوناك، الذي حل ثانيا بعد تراس في انتخابات قيادة “حزب المحافظين”، هذا الصيف لخلافة جونسون، وعد بالعمل اعتمادا على النزاهة والكفاءة المهنية والمساءلة في حال شكّل حكومة، على النقيض من الفوضى التي عصفت برئيسي الوزراء السابقين.

ليز تراس، رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة “وكالات”

الملف الاقتصادي، كان أبرز النقاط الخلافية بين الحملتين الانتخابيتين لسوناك وتراس، نظرا للفجوة العميقة التي فصلت المرشحين، والمتعلقة بالخلفية الثقافية والتعليمية والمهنية لكل منهما. ففي حين تفخر تراس بتلقّيها التعليم في المدارس البريطانية العامة، ارتاد سوناك مدرسة وينشستر الداخلية الخاصة، التي لا تستطيع أن تدخلها عادة إلا الشرائح الثرية. ومع أن الإثنين ينحدران من عائلات عاملة ومتوسطة الدخل، إلا أن سوناك المنحدر من أصول هندية دخل عالم المال في سن مبكرة عند انضمامه إلى المصرف الشهير “غولدمان ساكس”، بعد تخرجه مباشرة من جامعة “أوكسفورد” في الاقتصاد والسياسة والفلسفة.

مواقف تراس المهنية كانت متقلبة، فقد كانت عضوا في “الحزب الديمقراطي الليبرالي”، وضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين كان سوناك أكثر وضوحا وإصرارا على مواقفه المحافظة مذ كان طالبا في المدرسة، وقد انعكس هذا الفرق الجوهري بين المرشحين خلال الحملة الانتخابية وبعدها.

 بعد فوزها بالمنصب، اضطرت تراس للتراجع تماما عن الاستراتيجية الاقتصادية التي تبنتها ودافعت عنها بشكل مستميت خلال السباق، وتبنت في آخر المطاف استراتيجية سوناك التي عارضتها بشدة قبل وصولها إلى رئاسة الحكومة.

الانقسامات والخلافات حول الملف الاقتصادي، تأتي في وقت حرج تعيشه بريطانيا، في مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق، مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة والمواد الغذائية والتضخم. كما أن تلك التقلبات وغياب الرؤية والاستراتيجية المناسبة من الأمور التي ساهمت بشكل أساسي في تنحي تراس، وفي خسارة “حزب المحافظين” مزيدا من شعبيته لمصلحة الأحزاب المعارضة.

قد يهمك:اليمين المتطرف يفوز بانتخابات إيطاليا.. ما الذي سيتغير في أوروبا؟

الخلاف حول الضرائب وجائحة كورونا

الخلاف حول الضرائب، كان المهيمن على حملتي تراس وسوناك الانتخابيتين وما رافقهما من مناظرات متعددة، فسوناك يرى أن السيطرة على التضخم أولوية قصوى، أعلنت تراس أن تخفيض الضرائب هو الخطوة الأولى التي ستتخذها إن فازت في السباق، ومع أنها وفت بوعدها بالفعل، إلا أنها اضطرت سريعا للتراجع عبر إقالة وزير المالية، كواسي كوارتنغ، وتعيين جيرمي هانت، الذي خرق الاستراتيجية الاقتصادية المعتمدة متبنيا خططا أخرى، لكن ذلك جرى بعد فوات الأوان.

من جهة ثانية، فإنه يُحسب لسوناك قيادته اقتصاد بريطانيا خلال الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا، والتداعيات المرافقة لها، حيث قدم ميزانية طارئة بقيمة 330 مليار جنيه إسترليني لدعم الشركات والموظفين المتأثرين بالجائحة، وقام بتمديد العمل بهذه الخطة عدة مرات خلال الوباء، كما أن شعبيته ازدهرت مع الخطة التي طرحها لدعم أصحاب المطاعم والمقاهي، الذين تضرّرت أعمالهم بسبب الإغلاق وتراجع القدرة الشرائية لزبائنهم.

إضافة لذلك قدم خطة “إيت آوت هيلب آوت”، والتي غطت الحكومة عبرها 50 بالمئة من الفواتير بحد أدنى من الإنفاق يبلغ عشرة جنيهات إسترليني للفرد الواحد، إلا أن الحكومة لم تختبر أداءه الفعلي في الملف الاقتصادي خلال الأزمة الأخيرة، فقد استقال نهاية حزيران/يونيو الماضي، عندما لم يكن الحديث عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية في واجهة الاهتمامات.

تراكمات استراتيجية في مواجهة سوناك

مع فوزه برئاسة الحكومة البريطانية، يواجه ريشي سوناك، تراكمات عديدة على مدار أشهر من الاستراتيجيات الخاطئة، والتضخم والشلل الحكومي والبرلماني، والغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، والتراجع الخطير في الخدمات العامة، لاسيما القطاع الصحي، والأهم، أنه سيكون في مواجهة حزب منقسم، يكافح من أجل الوصول إلى الانتخابات العامة المقبلة، بل إنه أيضا يكافح من أجل تجنب انتخابات مبكرة.

خلال حملته الانتخابية السابقة، قبل نحو 3 أشهر، وعد سوناك ببرامج إصلاحات “تاتشرية” نسبة إلى رئيس الوزراء الراحلة، مارغريت تاتشر، لكنه لم يذكر أي إصلاحات سياسية محددة جديدة، فمواقفه معروفة وواضحة في عديد من الملفات، وعلى رأسها تأييد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإلغاء أجزاء من اتفاقية إيرلندا الشمالية، وموقفه الداعم لخطة رواندا القاضية بترحيل طالبي اللجوء إلى هذا البلد الأفريقي، وتأييده انسحاب بريطانيا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

أول رئيس وزراء مهاجر

ريشي سوناك، يعتبر أول رئيس وزراء بريطاني من أصول مهاجرة في تاريخ البلاد، كما أنه أول رئيس وزراء غير أبيض يبلغ هذا المنصب، فهو من أصول هندية، ويرى مراقبون أن التاريخ أنصفه في وقت قصير، بعد أن تبيّن أن تحذيراته من خطة ليز تراس الاقتصادية سوف تجر على البلاد خسائر كبيرة، وذلك ما كان بالفعل.

سوناك أصبح نائبا عن “حزب المحافظين” في عام 2010، وتقلد مناصب حكومية صغيرة في حكومة تيريزا ماي، قبل أن يصبح وزيرا للخزانة سنة 2020 في حكومة بوريس جونسون.

ريشي سوناك، وُلد لأبوين من أصول هندية، قدِما إلى بريطانيا، فاشتغل الوالد في الطب ووالدته كانت تمتلك صيدلية، مما منحه وضعا ماديا مريحا، أهّله لدخول جامعة أكسفورد، وعلى مدى سنوات، ظل ريشي سوناك بعيدا عن السياسة، حيث انشغل بمجال المال والأعمال، وعمل مستشارا لأكبر المؤسسات البنكية في العالم، ويُعرف عنه أنه من أغنى السياسيين في البلاد، وهذا راجع لثروة زوجته، أكشاتا مورثي، التي تعد من أغنى نساء بريطانيا.

المصادفات التاريخية لعبت دورا مهما في صعود نجم ريشي سوناك، بدءا بتوليه منصب وزير الخزانة في ظروف صعبة، تمثلت في فترة جائحة كورونا، حينئذ قام سوناك بتدبير الأزمة باحترافية عالية أسهمت في عدم فقدان مئات الآلاف لوظائفهم، وتقديم مساعدات للفئات المحتاجة، وقروض ميسّرة للشركات المتضررة من الإغلاق.

لكن لاحقا أعلن سوناك تقديم استقالته من حكومة بوريس جونسون، واتهم جونسون بأنه لا يخدم مصلحة البلاد، بعد تورطه في العديد من الفضائح التي خرق فيها قواعد العمل الحكومي، وشكلت استقالة سوناك ضربة قوية لجونسون، أجبرته على الاستقالة من منصبه.

بعد انتخاب ليز تراس، رئيسة للحكومة، وإعلانها عن برنامجها الاقتصادي المثير للجدل والذل، لاقى اعتراضات داخلية وخارجية، كان سوناك يردد أن خطط ليز تراس، الاقتصادية غير واقعية وسوف تفاقم أزمات البلاد، وبالفعل صدقت توقعات سوناك، وهو ما زاد من رفع أسهمه في صفوف “المحافظين”، حتى تشكلت قناعة لدى نواب “حزب المحافظين”، أن سوناك هو رجل المرحلة خصوصا بخلفيته الاقتصادية القادرة على فهم مشاكل البلاد والعمل على حلها.

على الرغم من الظروف الصعبة التي تواجهها بريطانيا، إلا أن عاملا مهما سيلعب لمصلحة سوناك هو ضمان تأييد الكتلة البرلمانية لـ”حزب المحافظين”، فكلهم يعلمون أن هذه فرصتهم الأخيرة، وعليهم الالتفاف حول زعيمهم الجديد، وفي حال فشله فالخيار سيكون انتخابات مبكرة، وكل استطلاعات الرأي تشير إلى أن أي انتخابات سابقة لوقتها ستحمل “حزب العمال” إلى الحكم.

التشدد مع المهاجرين

من المعروف سابقا عن سوناك، أنه كان دائما من مؤيدي أي قانون يقلص أعداد المهاجرين للبلاد، وكذلك يتشدد في موضوع استقبال اللاجئين، وخلال رئاسته لوزارة الخزانة التي تعد ثاني أهم وزارة بعد رئاسة الوزراء، منح كثيرا من التمويل لكل الجهود المبذولة لمنع وصول اللاجئين عبر القناة البحرية.

في هذا السياق أيضا، لم يصدر عن سوناك أي موقف معارض للقوانين المثيرة للجدل الخاصة بالهجرة، مثل قانون الجنسية والحدود، الذي يمهد لسحب الجنسية من أي شخص حتى من دون إخباره بالأمر، أو مشروع ترحيل المهاجرين إلى رواندا، وهو المشروع الذي ما زال مجمدا في انتظار قرار المحكمة العليا البريطانية.

بحسب توقعات مراقبين، فإن سوناك سيواصل سياسية حزبه المتشددة في موضوع الهجرة كسبا للكتلة الناخبة المحافظة واليمينية، إلا أنها قد لا تكون أولوية حكومته حيث ستبقى الأولوية للملفات الاقتصادية.

 من هو ريشي سوناك؟

سوناك وُلد في ساوثهامبتون عام 1980، من عائلة من أصول مهاجرة، حيث هاجر أجداده من البنجاب في شمال غرب الهند إلى شرق إفريقيا، بعدها هاجر والداه في الستينيات إلى بريطانيا.

في مدرسة “وينشيستر كوليدج” الداخلية المرموقة درس سوناك، ثم التحق بجامعة “أكسفورد”، وبعد تخرجه منها في عام 2001، أصبح سوناك محللا في شركة “جولد مان ساتشز”، وعمل في شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية حتى عام 2004.

بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق “وكالات”

بصفته باحثا في برنامج “فولبرايت”، تابع بعد ذلك درجة الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة “ستانفورد”، حيث التقى بزوجته، أكشاتا مورثي، ابنة نارايانا مورثي، الملياردير الهندي وأحد مؤسسي عملاق التكنولوجيا “أنفوسيس”، وبفضل نجاحه في الأعمال التجارية وحصة زوجته البالغة 0.91 بالمئة في “أنفوسيس”، استطاع الزوجان جمع ثروة كبيرة، والتي تقدر بنحو 730 مليون جنيه إسترليني (877 مليون دولار) في عام 2022 بحسب صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية.

في عام 2010 بدأ سوناك العمل لـ”حزب المحافظين”، وخلال هذه الفترة انخرط أيضا في “بوليسي إكس تينج”، وهي مؤسسة بحثية رائدة في مجال المحافظين، حيث أصبح رئيسا لوحدة أبحاث السود والأقليات العرقية “بي إم آي” عام 2014.

عام 2014، تم اختياره كمرشح “حزب المحافظين” لـ”مجلس العموم” ممثلا لريتشموند في شمال يوركشاير، وهو مقعد في شمال بريطانيا شغله لفترة طويلة زعيم الحزب، ويليام هيغ، ثم أعيد انتخابه للبرلمان في عامي 2017 و2019، وصوت ثلاث مرات لصالح خطط رئيسة الوزراء تيريزا ماي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

من 2015 إلى 2017 كان عضوا في لجنة اختيار البيئة والغذاء والشؤون الريفية وسكرتيرا برلمانيا خاصا في وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية، وفي كانون الثاني/يناير 2018، تم تعيينه في أول منصب وزاري له كوكيل دولة بوزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي.

إقرأ:محاولات من نواب بريطانيين للإطاحة بليز تراس.. ما الذي يجري؟

تقلبات سياسية مهمة في بريطانية خلال الأشهر الأخيرة، كان للعامل الاقتصادي الناجم عن الأزمة الاقتصادية والتضخم في بريطانية دور حاسم ومهم في وصول سوناك لرئاسة الحكومة، ليواجه العديد من التحديات الداخلية والخارجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.