بعد مرور نحو عشرة أشهر من العام الحالي، لم يصل تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية إلى نسبة مرضية، نقول إنها قادرة على سد حاجة اللاجئين من السوريين، في ظل تحذيرات من تأثير ذلك على واقع الخدمات المقدمة لهم في بلد يعاني أصلا من أزمات اقتصادية نتيجة الوضع العالمي، الذي زاد الأمر سوءا.

حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية بلغ 316.5 مليون دولار من أصل 2.28 مليار دولار لنهاية الربع الثالث من العام الحالي، وفق ما نشرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

آثار سلبية وتحديات

الاستمرار في العجز بهذه النسبة سيواجه تحديات عديدة على قطاعات حيوية تؤثر على اللاجئين السوريين بشكل مباشر، إلى جانب المجتمع المستضيف، أبرزها العمل والصحة والتعليم. آثار العجز بدأت تظهر على أرض الواقع من خلال تحديات تتحملها الحكومة الأردنية في تأمين العديد من الخدمات، في مجال البنية التحتية والطاقة والمياه، وفق حديث المحلل الاقتصادي، الدكتور بسام الزعبي، لـ “الحل نت”، حيث أن تقديم الخدمات، خاصة التعليم والصحة، يتطلب الاستثمار في مباني مخصصة بأكثر من موقع في داخل المخيمات وخارجها.

الطلبة السوريون يتلقون التعليم في المدارس الأردنية التابعة لوزارة التربية والتعليم، إذ التحق 151463 طالبا وطالبة في المدارس مع بداية العام الدراسي الحالي، وفق ما أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وزارة الصحة تقدم الخدمات الطبية للاجئين في المراكز الصحية والمستشفيات من خلال تأمين صحي يساوي بينهم وبين الأردنيين القادرين غير المؤمّنين وبأسعار منخفضة. إدماج السوريين في سوق العمل بالأردن يدخل ضمن تخوفات انعكاس العجز في الخطة عليه، والذي بدأ بعد مؤتمر لندن عام 2016.

المديرة التنفيذية لمركز تمكين للدعم والمساندة، ليندا كلش، تخشى من عدم تمديد قرار إعفاء اللاجئين السوريين من رسوم استصدار تصاريح العمل، خاصة المرنة والتي تمكّن العامل من العمل لحسابه الخاص في قطاعات معينة.

قد يؤدي العجز في التمويل إلى فرض رسوم على تصاريح العمل، خاصة في ظل عدم وجود قرار نهائي بالإعفاء من الرسوم، حيث يتم تمديده كل عام، وبالتالي تكلفة التصريح ستصبح 600 دينار، والتي يتحملها العامل إذا كان التصريح مرن، وفق حديث كلش لـ “الحل نت”.

وزارة العمل استصدرت نحو 48 ألف تصريح للاجئين سوريين منذ بداية العام الحالي ولغاية نهاية أيلول الفائت، 5372   في القطاع الزراعي، وفق رئيس وحدة اللجوء السوري في وزارة العمل حمدان يعقوب.

الأردن بدأ عام 2016 بمنح اللاجئين السوريين تصاريح للعمل بالسوق المحلي الأردني، ضمن المهن المسموح للعمالة الوافدة وغير الأردنيين العمل بها، وذلك استجابة لالتزامات الأردن الدولية وفقا لمؤتمر لندن الذي عقد عام 2016.

لا يقتصر تأثير العجز في الخطة على الخدمات وتوفير سبل العيش الكريم فحسب رغم أهميتها، إلا انه يتعدى ذلك ليصل الى تهديد الأمن والسلم المجتمعي في المجتمعات المستضيفة، وهو أمر في غاية الخطورة، وفق رأي مدير مركز دراسات اللاجئين والنازحين في جامعة اليرموك، الدكتورة ريم الخاروف لـ “الحل نت”.

التأهيل في خطة الاستجابة للاندماج سيتراجع، وفق الخاروف، وهذا سيقلل من فرص اللاجئين في إيجاد أنشطة أو أعمال وشراكات مع عائلات وأسر من المجتمعات المحلية، الأمر الذي يقلل من نوعية هذا الاندماج، الذي سيقبى محدودا بحجم عدم الاستجابة.

وبلغت نسبة تمويل الخطة 13.9 بالمئة، في حين بلغ حجم العجز 1.963 مليار دولار وبنسبة 86.1 بالمئة من إجمالي حجم الخطة. حجم تمويل الخطة توزع على؛ 145.4 مليون دولار لتمويل متطلبات بند دعم اللاجئين، إضافة إلى 67.8 مليون دولار لبند دعم المجتمعات المستضيفة.

الخطة موّلت أيضا، 4.7 ملايين دولار لدعم مشاريع الاستجابة لجائحة كورونا ضمن خطة الاستجابة للأزمة السورية، و98.5 مليون دولار لبند يدعم مشاريع البنية التحتية وتنمية القدرات المؤسسية، وبحسب الوزارة، فإنه لم يقدّم أي تمويل في الخطة لدعم بند الموازنة حتى تاريخه”.

أسباب وحلول

أسباب العجز في الخطة متعددة، لعل أبرزها توجه الدول المانحة وبالذات الأوروبية والأميركية إلى دعم اللاجئين الأوكرانيين والأوضاع المستجدة في أوروبا التي بدأت في شهر آذار/مارس الماضي، لكن المحلل الاقتصادي بسام الزعبي اعتبر أن المبلغ لا يشكل شيء بالنسبة لميزانيات الدول العظمى، وأن هناك تقاعس دولي غير مبرر بتمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، مؤكدا على ضرورة مراعاة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن.  

يجب أن يكون هناك حلول وضغوط من الأردن ومن الدول التي تستضيف لاجئين سوريين، مثل تعامل تركيا مع أزمة اللاجئين، على سبيل المثال لا الحصر، والضغوطات التي مارستها على أوروبا بشكل عام أدت إلى استجابة الحكومات الأوروبية، بحسب الزعبي.

العجز هو مسؤولية دولية ويجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته تجاه أي أزمة لجوء وعدم الكيل بمكيالين تجاه نوع اللاجئين، رأينا ردة فعل المجتمع الدولي على لاجئي أوكرانيا من حيث التصريحات التمييزية، وفق ليندا كلش، والتي ترى أن الحل يكمن في الإندماج بسوق العمل، الذي يثير حفيظة كثيرين، موضحة أن أي شخص موجود في أي بلد يساهم في الناتج المحلي الإجمالي.

ضبابية الرؤية الحالية حول العودة الطوعية للاجئين السوريين في المنظور القريب يتطلب التفكير باستثمار اللاجئين، واعتبارهم فرصة أكثر من أن يكونوا عبئا على المجتمع المستضيف، وفكرة إدماجهم ومساهمتهم في دفع العجلة الاقتصادية، مهما كانت نسبتها يجب أن تكون أولوية في ظل العجز القائم، بحسب الدكتورة ريم الخاروف.

 الخاروف أوصت بتدريب الشباب من الفئة العمرية بين 16 إلى 18 عاما على المهن الحرفية المتاحة بما يتناسب مع حاجات سوق العمل الأردني، والعمل على إدماجهم واعتبار وجودهم فرصة للاستثمار، حسب نتائج اللقاءات الدورية التي يعقدها مركز دراسات اللاجئين مع مجموعات من الطلبة السوريين في جامعة اليرموك وبعض الجامعات الأردنية والمجتمع المحلي.

دعوات مستمرة

على الرغم من التحذيرات المستمرة من العجز في الخطة استجابة الأردن للازمة السورية، إلا أنه ما زال مستمرا من دون حلول للتمويل تلوح في الأفق، في ظل دعوات أردنية رسمية وغير رسمية لدعم اللاجئين.

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أكد خلال لقائه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في أيلول/سبتمبر الماضي، ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه الدول المستضيفة للاجئين، خصوصا في ضوء تحديات الأمن الغذائي.

بينما حذر نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، في لقاء غراندي، من التدني اللافت في الدعم الدولي للاجئين في المنطقة وللمؤسسات الأممية الشريكة في جهود تلبية احتياجاتهم.

واتفق الصفدي وغراندي، على تكثيف الجهود المشتركة لحشد الدعم الدولي للاجئين.

ويعيش في الأردن نحو 676 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فيما تقول إحصائيات حكومية إن مليونا و300 ألف سوري في المملكة. 

الدكتورة ريم الخاروف، طالبت المجتمع الدولي والجهات المانحة إدراك حجم المشكلة والتزامهم بتعهداتهم بما جاء في خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للأعوام 2020-2022، وأضافت أن العجز في الخطة يشكل تحديا جديدا للدولة الأردنية، ويؤثر سلبا على مدى قدرتها في الاستمرار بتقديم مستوى معين من الخدمات، والمتطلبات الأساسية لتوفير سبل العيش الكريم.

الحكومة الأردنية والمجتمع الدولي أقروا خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للأعوام 2020-2022 والتي تم إعدادها بجهد تشاركي بين ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، ومنظمات الأمم المتحدة، والدول المانحة، والمنظمات غير الحكومية بحجم إجمالي بلغ نحو 6 ر6 مليار دولار.

ميزانية الخطة تتوزع على مكون احتياجات اللاجئين الذي تبلغ متطلباته نحو 1.9   مليار دولار، واحتياجات مكون المجتمعات المستضيفة بلغت نحو 594 مليون دولار، بينما بلغت احتياجات بناء القدرات المؤسسية نحو 1.2 مليار دولار، في حين أن المطلوب لدعم الخزينة نحو 2.8 مليار دولار.

الدعم الدولي للاجئين السوريين سجل تراجعا خلال السنوات الأخيرة، إذ تمت تلبية 62 بالمئة من الاحتياجات في 2016، وانخفضت النسبة إلى 50 بالمئة في 2019، وسجلت انخفاضا آخر عام 2021 لتبلغ النسبة 30.6 بالمئة فقط.

العجز في الدعم لم يقتصر على خطة الحكومة الأردنية، إذ حصلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن على 42 بالمئة من متطلباتها المالية لعام 2022، بعد انقضاء 9 أشهر من العام الحالي، وسط تحذير من “التدني اللافت” في الدعم الدولي للاجئين في المنطقة وللمؤسسات الأممية الشريكة.

اقرا أيضا: الأردن تعلن خطة استجابة للأزمة السوريّة وتطلب دعم المجتمع الدولي

وفق تقرير صدر عن المفوضية، فإن قيمة المتطلبات المالية المخصصة للمفوضية في الأردن تبلغ في العام الحالي قرابة 408.4  ملايين دولار، وحصلت على تمويل بقيمة 170.4 مليون دولار، حتى 29 أيلول/ سبتمبر الحالي.

بلا شك أن تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين والدول المستضيفة لهم سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، والتي يمكن ان تصل إلى أزمة إنسانية في حال عدم الوصول إلى حلول مستدامة، في ظل عدم وجود حلول تلوح بالأفق تنهي الأزمة السورية وعودة اللاجئين إلى سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.