أيام قليلة مضت على نهاية الأحداث في مدينة جاسم بريف درعا، بعد المداهمات التي شنها عناصر محليون ضد أوكار لتنظيم “داعش” الإرهابي في المدينة ومحيطها لإجهاض حجة قوات حكومة دمشق بالدخول للمدينة، حتى اتبعت هذه القوات نفس الأسلوب لكن هذه المرة في بلدة اليادودة في ريف درعا الغربي والتي تبعد عن مركز مدينة درعا نحو 4 كم.

يوم الإثنين الفائت، هدد رئيس فرع الأمن العسكري، العميد لؤي العلي، وجهاء بلدة اليادودة خلال اجتماع معهم باقتحام البلدة وشن عملية عسكرية فيها، بذريعة وجود عناصر من خارجها ينتمون لـ”داعش”، فيما نفى أبناء البلدة وجود أي عناصر غريبة في البلدة، مبيّنين أن هذا الاتهام بات أسلوب العلي، للمدن والبلدات التي لا تزال ترفض وجود القوات الحكومية فيها، سواء تواجد فيها عناصر من التنظيم أم لا.

تصعيد في اليادودة

يوم أمس الثلاثاء، استقدمت حكومة دمشق حشودا عسكرية تابعة للفرقة 15، إلى محيط بلدة اليادودة مكونة من 3 دبابات وعدد من جنود الفرقة، إضافة إلى ميليشيا محلية مزدوجة العمل حيث تتبع للأمن العسكري إداريا، وتعمل لحساب “الحرس الثوري” الإيراني، بقيادة مصطفى الكسم المسالمة، المرتبط بـ”الحرس الثوري” عبر وسيم عمر المسالمة القيادي في قوات “العرين”.

في مقابل ذلك، أصدر وجهاء بلدة اليادودة مساء أمس الثلاثاء، بيانا طالبوا فيه الأهالي الذين أجّروا منازلهم لأشخاص من خارج البلدة إحضار المستأجر وتسجيل اسمه عند اللجنة المكلفة في مقر البلدية للبت في أمر إقامته أو مغادرته من المنطقة، محمّلا كل من يمتنع عن الحضور المسؤولية المترتبة على ذلك.

الصحفي سمير السعدي، يشير خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن هناك عملا عسكريا وشيكا ضد بلدة اليادودة، ما لم يقم أبناء اليادودة بما قام به أبناء جاسم من خلال إخراج أي غرباء إن وجدوا، لسحب البساط من تحت أقدام اللجنة الأمنية، مبينا أن الحشود العسكرية التي تم استقدامها لن تعود دون إقامة نقاط عسكرية على الأقل، وهو نفس السيناريو الذي اتبعته حكومة دمشق في طفس وجاسم مؤخرا، وقبلها في درعا البلد والصنمين وممتنة بريف القنيطرة.

السعدي لفت إلى أن نية الاقتحام مبيّتة مسبقا، وخاصة أن اليادودة تحوي العديد من المعارضين لحكومة دمشق، والذين يرفضون تواجد القوات الحكومية، ومن ناحية أخرى فالبلدة قريبة من مركز مدينة درعا ومربعها الأمني، واللجنة الأمنية ترى أنه يجب تأمينها وفق رؤيتها، إضافة لكونها تشكل عقدة طرق لعدة بلدات من بينها، المزيريب، تل شهاب، زيزون، عتمان، وطفس.

الصحفي في “سوريا على طول”، وليد النوفل، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه من الواضح تماما أن حكومة دمشق تعيد السيناريو الأخير في طفس وجاسم، ففي المرتين السابقتين لجأت للتصعيد العسكري المحدود لتحقيق مكاسب محددة، وهذا مُلاحظ في حالة اليادودة، فالقوات التي جلبتها محدودة من حيث العدد والعدّة، لذلك قد تلجأ لتنفيذ عمليات اعتقال وتخريب للمنازل والممتلكات وقصف عشوائي محدود لترهيب الأهالي والضغط على لجان التفاوض.

من هو لؤي العلي وما الذي يريده؟

لؤي العلي يُعتبر صاحب الكلمة العليا في محافظة درعا، فهو الضابط الأمني الأقدم في المحافظة، حيث قدِم إليها برتبة ملازم أول، وتدرب على يد العميد حافظ سلطان الذي كان رئيسا لفرع الأمن العسكري في السويداء، وترقى خلال أكثر من 20 عاما في المحافظة حتى وصل إلى رتبة عميد، وبعد اندلاع المظاهرات كان للعلي الدور الأكبر بقمعها، من خلال العديد من الانتهاكات التي ارتكبها منذ البداية من بينها إعدام المهندس معن العودات ميدانيا بإطلاقه النار عليه بشكل مباشر.

بعد عملية التسوية في تموز/يوليو2018، استطاع العلي إمساك جميع الخيوط بيده في درعا، من خلال ارتباطه القوي بحكومة دمشق من جهة، وارتباطه بالميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، كما استطاع الإمساك بخيط تنظيم “داعش” وتوظيف قياداته وعناصره لصالح عمليات الاغتيال لقادة وعناصر المعارضة الذين يرغب بتصفيتهم.

اعترافات القيادي في داعش رامي الصلخدي بعلاقته مع العميد لؤي العلي “تجمع أحرار حوران”

قبل أيام وفي نهاية أحداث مدينة جاسم، اعترف القيادي في تنظيم “داعش” رامي الصلخدي، الذي اعتقلته عناصر معارضة محليون، بتورط عناصر التنظيم في تنفيذ عمليات اغتيال لصالح الأجهزة الأمنية وإيران، طالت عددا من المعارضين من بينهم الشيخ أبوالبراء الجلم، والقيادي كنان العيد وغيرهم، كما اعترف الصلخدي باجتماعه مع العميد لؤي العلي، الذي طلب منه اغتيال شخصيات من أبناء مدينة جاسم، وإدخال عدد من عناصر تنظيم “داعش” إلى جاسم بتنسيق مع ابن عمه نضال الصلخدي المرتبط بقيادات من “حزب الله” اللبناني.

السعدي يرى أن لؤي العلي، يريد من خلال حصاره لبلدة اليادودة أن يحقق أكثر من هدف، من بينها محاولة تغطية فضيحة تنسيقه مع تنظيم “داعش”، ومن جهة أخرى فإنه يعمل جاهدا للتخلص من جميع المعارضين في درعا، وإعادة المحافظة إلى ما كانت عليه قبل آذار/مارس 2011، مضيفا أن يعمل لتحقيق هذا على شق صف أبناء المحافظة وشراء الولاءات، وحتى ضرب معارضي حكومة دمشق وإيران بعضهم ببعض، لتكون حكومة دمشق وإيران الرابحَين الوحيدَين في النهاية.

أما النوفل، يرى أنه منذ توقيع اتفاق التسوية في 2018 وحتى الآن، لم تتوقف حكومة دمشق عبر لؤي العلي عن محاولات تغيير شكل ومضمون هذا الاتفاق، لتحقيق مكاسب جديدة بشكل مستمر، وإجبار الأهالي ولجان التفاوض على تقديم تنازلات أو حتى دفع أموال وأتاوات.

النوفل يضيف، أن ريف درعا الغربي يشكل خاصرة رخوة لحكومة دمشق في المحافظة، لذلك تسعى لبسط السيطرة عليه والتغلغل فيه بشكل أكبر وتحييد العناصر الفاعلين فيه، وهنا لا يمكن أيضا إغفال أهمية المنطقة استراتيجيا بالنسبة لإيران وميليشياتها، وقربها من الحدود مع إسرائيل والأردن من أجل تهريب المخدرات.

إقرأ:ما حقيقة المخطط الجديد الذي يستهدف درعا؟

هل يستمر الوضع المستعصي

درعا ومنذ العام 2011 وحتى الآن، لا تزال الرقم الأصعب في سوريا، فعلى الرغم من أن حكومة دمشق استطاعت استعادة السيطرة عليها بموجب عملية التسوية في 2018، بدعم روسي وإيراني، إلا أن هذه السيطرة حتى الآن ظاهرية وتتركز في مناطق محددة وهي، مركز مدينة درعا حيث المربع الأمني، ومدينة إزرع حيث تسيطر إيران على أهم القطعات العسكرية، والمربع الأمني الخاص بالفرقة التاسعة في الصنمين، أما بقية المناطق فهي تابعة شكليا للحكومة، ولاتزال تحوي عددا كبيرا من المعارضين.

لذلك وبعد عملية التسوية، وجد لؤي العلي ومن خلفه أجهزة الأمن والميليشيات الإيرانية، أن الوسيلة الأفضل هي اتباع استراتيجية الاغتيالات وحصار المدن والبلدات ومحاولة إخضاعها من جديد، وهذا ما شكّل ردات فعل ضد هذه المخططات ما أدى لعميات اغتيال مقابلة لضباط وعناصر حكوميين، وأتباع للميليشيات الإيرانية وتجّار ومهربي المخدرات، كل ذلك جعلت المحافظة في حالة من الاستعصاء ودون أي حل جذري حتى الآن، سببه الرئيسي تعنت حكومة دمشق ورفضها لأي حلول سوى خضوع أهالي المحافظة الذين يرفضون ذلك بشكل قاطع.

سمير السعدي، يرى أن استمرار الأوضاع في درعا على ما هي عليه مرهونة بأمرين، الأول خارجي يتمثل بالقرار الإقليمي الذي تم اخاذه بجعل درعا ساحة صراع وتصفية حسابات مع إيران، في محاولة لمنعها من السيطرة على الجنوب من أجل إيقاف تهريب المخدرات لدول الجوار.

أما الثاني، فهو وجود عدة أطراف في دائرة الصراع في المحافظة، وكل طرف يعمل لصالح مشروع، وفي نفس الوقت هناك تضارب في المشاريع المعارِضة مع عدم وجود رؤية موحدة لجسم سياسي وآخر عسكري، وبالتالي فإن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه على المدى القريب على الأقل.

وليد النوفل، يعتقد أنه ليس هناك حل أمني يمكن أن يحقق الاستقرار في المحافظة، طالما أن حكومة دمشق تتواجد فيها، فالفلتان الأني سيستمر، وأبسط مثال اعترافات القيادي في تنظيم “داعش” مؤخرا حول ارتباط التنظيم بالأجهزة الأمنية، إذا حكومة دمشق هي من تدير الفلتان الأمني في المحافظة لكونها منتفعة منه.

ما الذي ينتظر الجنوب السوري؟

حتى الآن لا توجد أي حلول تلوح في الأفق تتعلق بجنوب سوريا بشكل عام ودرعا بشكل خاص، فالواقع يؤكد رفض أبناء المحافظة لوجود القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية، كما أنهم يرفضون تحويل المحافظة لمركز لتصنيع وتهريب المخدرات لدول الجوار.

معارضون لحكومة دمشق في بلدة اليادودة الشهر الماضي “أرشيف الحل نت”

في الوقت نفسه، برزت العديد من التصريحات الأردنية ومن جهات أخرى تتحدث عن خطر الميليشيات الإيرانية، وعمليات تهريب المخدرات والسلاح ولكن حتى الآن لم يحدث أي تحرك دولي أو إقليمي إزاء ما يجري.

السعدي أشار إلى أن هناك العديد من المشاريع التي تم طرحها وتتعلق بمستقبل المنطقة، ولتكون بداية للحل بعضها قوبل بالرفض الشعبي كمشروع “الإدارة الضاتية”، والآخر أثبت فشله وهو سيطرة الروس واعتبار أنفسهم ضامنين للاستقرار، واليوم هناك مشروع لمنع إيران من التمدد أكثر، لكن فرص نجاحه محدودة جدا لعدم جدية الأطراف الداعمة.

أما النوفل، فيعتقد أنه لا يبدو أن هناك تقدما باتجاه الاستقرار حتى لو بشكل جزئي، أو لوقف شلال الدم عبر عمليات الاغتيال التي تنفذها حكومة دمشق بحق معارضيها، إذا فالجنوب يسير نحو وضع أمني أكثر سوءا، ووضع اقتصادي أكثر صعوبة، وسط ازدياد في التغلغل والنشاط الإيراني العسكري، وبالتالي قد يصل لمرحلة ازدياد في التشيع عبر استغلال إيران للوضع الاقتصادي السيء للأهالي.

إقرأ أيضا:حل اللجنة المركزية في درعا.. ماذا بعد ذلك؟

من الواضح أن الحلول في محافظة درعا تكاد تكون معدومة حتى الآن، فالفلتان الأمني مستمر، وتغلغل إيران يزيد من تعقيد الأمور، لذلك تتجه المحافظة نحو خيارين رئيسيين، إما أن تتحول لمنطقة تابعة لإيران في حال استطاعت الأخيرة بسط سيطرتها وزيادة عدد المتشيعين، أو سيكون هناك انفجار آخر في المحافظة يعيدها إلى ما قبل العام 2018 على الرغم من محدودية فرص الاحتمال الثاني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.