هل ستنجح مساعي توحيد الحراك الجماهيري في العراق لتحقيق انتخابات مبكرة؟

قبل عام من الآن، أجرى العراق انتخابات مبكرة لتحقيق مطلب متظاهري تشرين أول/ أكتوبر في 2019، لكن تجدد هذا المطلب عند الذكرى الثالثة للتظاهرة التي حصلت في اليوم الأول من الشهر الجاري. بغداد وأغلب المحافظات العراقية، شهدت تظاهرات عارمة في 2019 على تردي الأوضاع المعيشية للبلاد، وانتشار الفساد المالي والإداري والبطالة أيضا، كما ندد المتظاهرون بالتدخلات الإيرانية في الشؤون العراقية.

الانتخابات المبكرة أجريت في العاشر من تشرين أول/أكتوبر 2021 تنفيذا لمطلب المتظاهرين، وسبقتها استقالة حكومة عادل عبد المهدي في 2019 المتهمة بقتل المتظاهرين، حيث شغل منصبه مصطفى الكاظمي لتحقيق هذه الانتخابات.

 أغلب قادة الحراك السياسي والمؤثرين فيه مستمرين بمطلبهم لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة جديدة، لاعتقادهم بأن التي أجريت لم تحقق ما يريدونه لانتخابات نزيهة لا يشارك فيها المال السياسي ولا الأحزاب المسلحة وقتلة المتظاهرين.

الذكرى الثالثة تذكير للمطالب

التظاهرة التي شهدتها مؤخرا بغداد للذكرى الثالثة لـ “تشرين 2019″، هي استذكار للمطالب التي لم تتحقق بمحاسبة الفاسدين والقتلة ومنع أصحاب السلاح للدخول للانتخابات، هذا ما ذهب إليه حسين النجار، الذي يشغل عضو مكتب سياسي للحزب الشيوعي العراقي، إحدى جهات الحراك الاجتماعي خلال حديثه لـ “الحل نت”، متوعدا أصحاب القرار السياسي في البرلمان والحكومة التي ستشكل حديثا برئاسة محمد شياع السوداني، بأن لهم جولة جديدة من التظاهرات لتحقيق مطالبهم.

آلاف من العراقيين خرجوا إلى الشوارع، في اليوم الأول من الشهر الجاري باحتجاجات مناهضة للحكومة، للاحتفال بالذكرى السنوية للمظاهرات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد قبل ثلاث سنوات واستمرت بشكل متقطع منذ ذلك الحين. اشتباكات حدثت بين المحتجين وقوات الأمن أسفرت عن إصابة العشرات، وتأتي الاحتجاجات الأخيرة في الوقت الذي يحاول فيه العراق الإسراع لتشكيل حكومة جديدة، للنهوض من الشلل السياسي الذي أصابه منذ عام تقريبا، بحسب راديو فرنسا الدولي “أر أف آي”.

رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد، كلف في 13 تشرين الأول/أكتوبر، محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة، الأخير أعرب عن أمله بتشكيل حكومة “بأقرب وقت”، قبل انتهاء شهر من تكليفه التي حددها الدستور له. التظاهرات التي ستخرج لتحقيق مطالب “تشرين”، ستكون أقوى من السابق وأكثر تنظيما، بعدما توحدت جهود قوى التغيير الديمقراطي من أحزاب وحركات اجتماعية وشخصيات كان دورها مهما في ساحات التظاهر.

15 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن عن ولادة تحالف “قوى التغيير الديمقراطية”، لمواجهة ما وصفوه بالقوى السياسية التقليدية والفصائل المسلحة المهيمنة على القرار السياسي. تحالف “قوى التغيير” يشترك فيه عدة أحزاب، منها “الحزب الشيوعي” العراقي، و”البيت الوطني”، وحركة “نازل آخذ حقي”، وحزب “الوعد” العراقي وحزب “التيار الديمقراطي”، إضافة إلى تجمعات شبابية والعشرات من الصحافيين ونشطاء المجتمع المدني.

مجلس النواب الحالي، عاجز عن ممارسة عمله النيابي والدستوري، كما أن القوى المتنفذة فيه هي نفسها التي تحكم العراق من 2003 لغاية الآن، فضلا عن امتلاكها السلاح، وفق حسين النجار، وأن تشكلت الحكومة الجديدة، فأن من أولوياتها تحقيق مطالب المتظاهرين ومنهم “التيار الصدري” المنسحب من مجلس النواب، لإجراء الانتخابات.

لا تكون الانتخابات المبكرة كسابقاتها، حيث يطبق فيها قانون الأحزاب الذي يمنع هدر المال العام بالانتخابات، وتشكيل مفوضية مستقلة حريصة على الصوت الانتخابي. ما بين الأول من تشرين الأول/أكتوبر ومنتصف كانون الأول/ ديسمبر 2019 قتل أكثر من 600 شخص في العراق وجرح حوالي 17 ألف واختطف مئات الأشخاص، بحسب موقع الاستقصاء الفرنسي “ميديا بارت”.

العنف الدموي الذي مارسته السلطة العراقية اتجاه المتظاهرين، دفع المنظمات الأممية للتنديد بإجراءات الحكومة، حيث كشف تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن القوات العراقية تستخدم القوة القاتلة ضد المتظاهرين، ولم يسلم من هذا القمع حتى المسعفون والطواقم الطبية في ساحات التظاهر.

جماهير الصدر رهن الإشارة

جماهير “التيار الصدري”، مستعدون للتظاهر والاعتصام وحتى اقتحام “المنطقة الخضراء” لتعطيل مجلس النواب بالتصويت على تشكيل الحكومة الجديدة خلال الفترة الدستورية المحددة لها، هذا ما يراه الباحث بشأن الجماعات الشيعية، حيدر الشيخ خلال حديثه لـ “الحل نت”.

في الأيام القليلة المقبلة ستكون هناك تظاهرات قوية، بحسب الشيخ، حيث ستكون مختلفة عن السابق بعدما توحدت صفوف القوى الديمقراطية والعلمانية مع “التيار الصدري”، وهو ذهاب العراق لانتخابات مبكرة.

المكلف بتشكيل الحكومة محمد شياع السوداني، يعلم جيدا تفاصيل تعهد “الإطار التنسيقي” الذي رشحه لرئاسة الوزراء، بشأن إجراء انتخابات مبكرة بعد سنة من تشكيل الحكومة، أي بمعنى أوضح أن الانتخابات قد ستجرى في نهاية سنة 2023 أو بداية سنة 2024، إذا بقي “الإطار التنسيقي” ملتزما بعهده لزعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر.

قوة التظاهرات أصبحت من الماضي

“تشرين” أو الحشود التي خرجت للتظاهر في شهر تشرين الأول/أكتوبر قبل 3 سنوات، كانت لديها فرصة ذهبية لتحقيق أي مطلب يطلبونه حينها، لكن الآن يصعب تكرار ذلك، لتلاشى حجم التظاهرات، هذا ما يذهب إليه المراقب السياسي عمر عبد اللطيف في حديثه لـ “الحل نت”.

معظم الذين رفعوا شعارات مطالب “تشرين” بمحاسبة قتلى المتظاهرين ومحاربة الفساد المالي والإداري وصلوا من خلالها لمجلس النواب، وفق عبد اللطيف، إذ بدأوا بالتحالف مع الأحزاب التي خرج المتظاهرون ضدها، وهذا سبب رئيسي بتلاشي الحشود المتظاهرة.

على الرغم من انتخاب العديد من المرشحين بالانتخابات الأخيرة، على أساس ارتباطهم بحركة الاحتجاج، إلا أن التعاون فيما بينهم كنواب بالبرلمان المستقلين كان صعبا، حيث عقدت عدة اجتماعات عند فوزهم لتشكيل كتلة نيابية في البرلمان تمثل متظاهري” تشرين”، إلا أن هذا لم يتحقق، بل أصبح منهم أداة بيد الكتل الكبيرة التي خرجت ضدهم التظاهرات، ما أدى لخيبة أمل كبيرة للمتظاهرين.

خيبة الأمل هذه، بحسب عبد اللطيف، ولدت قناعة بأنه في حال أجريت انتخابات أخرى، وأن فاز بها مرشحين يمثلونهم، فلا يستطيعون أن تغير أي شيء من المعادلة السياسية، وأيضا سينشغلون بمصالحهم الشخصية كما يفعل الأغلبية من النواب المستقلين حاليا، خاصة أن الحالة السياسية والاقتصادية للبلد لم تزد إلا سوءا، بعد ثلاث سنوات من بدء حركة الاحتجاج.

لكن المستمرين بالتظاهرات والتحشيد لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، يعتقدون بأن مطالبهم هي نفسها كما كانت قبل ثلاث سنوات، الأمن، الوظائف، الخدمات الأساسية، ونظام سياسي يضمن العدالة الاجتماعية وسيادة البلاد. ذلك يتحقق عبر انتخابات نيابية تخلو من المال السياسي واستخدام السلاح المنفلت فيها وقانون لا يضيع فيها صوت الناخب.

في الوقت الحالي، لم يعد التركيز السياسي للبلاد منصبا على الأهداف النبيلة لحركة الاحتجاج، المتمثلة في التحرك نحو دولة علمانية، من خلال تفكيك نظام تقاسم السلطة الطائفي والتخلص من الفساد الحكومي. الهدف المباشر لمجلس النواب هو تشكيل حكومة جديدة، وفق عبد اللطيف.

حتى لو تم تشكيل حكومة جديدة، فهناك أمل ضئيل في أن تكون مستعدة أو قادرة على تلبية مطالب المحتجين في “تشرين”، أو الذهاب لتحديد موعد لانتخابات مبكرة، أو التهيئة لانتخابات مجالس المحافظات والبلديات المحلية التي لم يتم تحديد موعدا رسميا لإجرائها، لكن هناك حافز ورغبة من المحتجين للمشاركة بقوة فيها، لاعتقادهم بأنها ستكون أرضية مناسبة للانطلاق نحو البرلمان.

مجلس النواب العراقي، حّل مجالس المحافظات، استجابة لمطالب الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت عام 2019، بسبب تصاعد الخلافات بين أعضاء هذه المجالس، وتسببها بهدر المال العام، وتفشي الفساد المالي والإداري في أعمالها. لم يُحدد لغاية الآن، موعد انتخابات مجالس المحافظات، إلا أن هناك توجها سياسيا، لإجرائها بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وتسلم مهامها بشكل رسمي، للبدء في التحضيرات لانتخابات المجالس المحلية.  

في قلب الحركة الاحتجاجية كان هناك تصميم على التحرك نحو هوية عراقية وطنية، لا تقوم على أساس الطائفة أو الدين، ويتعارض هذا المثل الأعلى مع نظام المحاصصة الذي عمل على ضمان العملية السياسية في المقام الأول للأحزاب الكردية والأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية، المشاركة في بالنظام الجديد منذ 2003، وفق ما يراه مركز “ويسلون” الدولي للباحثين.

قد يهمك: العراق.. انتخابات مبكرة بحكومة تصريف أعمال؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.