لا حل إلا بالحل. هكذا يروج زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر وآنصاره لإنهاء الأزمة السياسية في العراق، والقصد أنه لا حل للأزمة إلا بحل البرلمان العراقي، وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

يصر الصدر في صراعه مع “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، على عدم تشكيل حكومة إطارية جديدة، ويؤكد على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة جديدة، ولأجل ذلك زج أنصاره باعتصام مفتوح من قلب المنطقة الخضراء وأمام البرلمان.

لا أحد سواء بصفته كفرد أو تكتل سياسي يمكنه مجاراة الصدر ورفض مطالبه؛ كونه يملك أكبر قاعدة شعبية مناصرة له أولا، وغالبا ما يفوز الأول في كل انتخابات ثانيا، لذا فإنه الرقم الأصعب في العملية السياسية العراقية، ولذلك بات بعض قادة “الإطار” مع مطلبه بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

المؤكد أن الانتخابات ستجري، لكن المشكلة في كيفية تنظيمها تحت عباءة حكومة تصريف الأعمال الحالية -التي هي بمثابة المستقيلة- بقيادة مصطفى الكاظمي، أم عبر حكومة انتقالية جديدة مهمتها إجراء وإدارة الانتخابات المبكرة.

الدستور العراقي، يطرح طريقتين لحل البرلمان وإجراء الانتخابات المبكرة، الأولى أن يذهب البرلمان لحل نفسه، والثانية أن يقوم رئيس الحكومة بتقديم طلب لرئيس الجمهورية، من أجل حل البرلمان، لكن الثانية فيها إشكال قانوني؛ لأن الحكومة مستقيلة ولا يمكنها تقديم طلب حل مجلس النواب.

بالتالي، الحل إما عبر البرلمان لنفسه، وهنا تبقى حكومة تصريف الأعمال لحين إجراء الانتخابات المبكرة، أو تشكيل حكومة انتقالية جديدة، تأخذ على عاتقها تنظيم الانتخابات وطلب حل البرلمان.

تخريجة قانونية

“الإطار” يرفض حل البرلمان لنفسه؛ لأنه لا يريد بقاء الكاظمي لأطول فترة ممكنة، أما الصدر فيريد إبقاء الكاظمي لإدارة الانتخابات الجديدة، غير أن المشكلة هي بالتساؤل التالي: كيف يمكن لحكومة تصريف أعمال إدارة الانتخابات، التي تتطلب توفير الأموال للعملية الانتخابية؟

حسب “المحكمة الاتحادية العليا”، فإنه لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن تتخذ أي قرارات فيها جنبة مالية، في وقت من المفترض أن تتم إدارة الانتخابات المبكرة بأكثر من 300 ملبون دولار.

يقول القانوني محمد جمعة، إن طريقة حل البرلمان عبر تشكيل حكومة انتقالية جديدة هي الأسلم؛ كونها ستكون حكومة بكامل الصلاحيات وتوفر الأموال اللازمة للعملية الانتخابية، عكس حكومة تصريف الأعمال الناقصة لكافة الصلاحيات.

لكن جمعة يبين لـ “الحل نت”، وجود تخريجة قانونية يمكن عبرها أن يحل البرلمان نفسه، وتجرى الانتخابات المبكرة بوساطة حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها مصطفى الكاظمي.

تلك التخريجة تتمثل، وفق جمعة، بأن القانون يسمح لحكومة تصريف الأعمال بصرف مبلغ أقل من 100 مليون دولار للحالات الضرورية في كل شهر، وبالتالي بإمكان حكومة تصريف الأعمال توفير أموال العملية الانتخابية عبر تقسيطها على 4 أشهر.

عدم ثقة متبادلة

الحديث أعلاه فيما يخص الناحية القانونية، أما عن رغبة الصدر بإجراء الانتخابات عبر حكومة الكاظمي، فيقول المحلل السياسي فتاح الشيخ، إن سبب ذلك هو قرب حكومة الكاظمي من الصدر، وتنفيذها لطروحاته، وبعدها عن “الإطار”.

الشيخ يردف، أن الصدر يثق بقدرة الكاظمي على إدارة الانتخابات بشفافية ونزاهة عالية، ويمنع تزويرها، خاصة وأن الانتخابات المبكرة الأخيرة، كانت أنزه انتخابات عراقية وبإشادة أممية من قبل “الأمم المتحدة”.

ويتابع المحلل السياسي لـ “الحل نت”، أن سبب رفض الصدر لإجراء الانتخابات عبر حكومة انتقالية جديدة، هو خشيته من أن الحكومة المقبلة ستكون تحت عباءة “الإطار” الذي يملك زمام تشكيلها، وبالتالي سيتحكم بالعملية الانتخابية لتخريج نتائجها بالطريقة التي يريدها “الإطار”، أي غير نزيهة.

أما رفض “الإطار” لإجراء الانتخابات تحت قيادة حكومة الكاظمي، فذلك يعود لشخص رئيس الحكومة، بحسب الشيخ، الذي يقول إن “الإطار” ينظر للكاظمي بأنه أميركي الهوى وعميل لصالح واشنطن، ناهيك عن علاقاته الوطيدة بالسعودية التي يخاصمها “الإطار”.

كذلك فإن “الإطار” لا يثق بالنتائج الانتخابية تحت قيادة حكومة الكاظمي، ويتهمها بأنها ستقود مؤامرة لتزويرها مثلما اتهم الكاظمي بتزوير الانتخابات الأخيرة، رافضا الاعتراف بخسارته فيها وتراجع شعبيته.

كيف ستكون النهاية؟

في النهاية، يرى الشيخ أن الانتخابات المبكرة الجديدة، ستجري وفق رغبة الصدر، إما بحكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي، أو بحكومة انتقالية لكن بشرط أن يرأس تلك الحكومة شخصية وسطية ليست خاضعة لـ “الإطار”.

جاءت دعوة الصدر لإجراء انتخابات مبكرة، بعد أن اقتحم جمهور “التيار الصدري” في 30 تموز/ يوليو الماضي، المنطقة الخضراء وأقام اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار”، مقتدى الصدر وقتئذ.

الصدر وصف الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء، بأنه “جرّة إذن” للسياسيين الفاسدين ومنهم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، قبل أن يحشد أنصاره لاقتحام الخضراء مجددا، وهو ما حدث فعلا.

تظاهرات أنصار الصدر، تأتي بعد إعلان “الإطار التنسيقي” ترشيح السياسي محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.

اعتراض الصدر ليس على شخص السوداني، إنما على نهج المنظومة السياسية بأكملها؛ لأنها تريد الاستمرار بطريقة حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة بين الأحزاب، واستشراء الفساد السياسي بشكل لا يطاق، بحسب عدد من المراقبين.

عقم وانسداد

العراق يمر في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

وسعى الصدر عبر تحالف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار”، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، أمسى زعيم “الكتلة الصدرية” يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.