إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا يجب أن نعرف ماذا في البرازيل، هذه الجملة كان يرددها الممثل السوري الراحل نهاد قلعي في مسلسل “صح النوم”، وهي تنطبق اليوم على الساحة السورية؛ فإذا أردنا أن نعرف ماذا تخطط روسيا في سوريا، فعلينا أن نعرف ماذا يجري في أوكرانيا، فلا يمكن فصل الأمرين عن بعضهما، مع ما تشهده المعارك من شراسة في أوكرانيا في ظل تراجع القوات الروسية جنوب أوكرانيا، وهو الحال الذي يتشابه مع تعقيد الملف السوري الذي صار رهن التوافقات الروسية – الأميركية.

اقرأ أيضا: لماذا سحبت روسيا أنظمة “إس 300” من سوريا.. الأهداف والتبعات؟

مع استمرار الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ 20 شباط/فبراير الماضي، والدعم الغربي اللا محدود للقوات الأوكرانية، بدأت روسيا بالبحث عن خيارات إضافية لتعزيز قواتها التي تتقهقر في حرب تستنزف الحجر والبشر، وكان أحد الخيارات الاستراتيجية لتعويض النقص البشري على الجبهات، البدء بالتعبئة الجزئية التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 21 أيلول/سبتمبر الماضي والتي تشمل تجنيد 300 ألف شخص، إلا أن تدريب هذا العدد الهائل ليكونوا مستعدين للقتال يحتاج إلى وقت، وهو ما لا تملكه موسكو لوقف الهجوم الأوكراني المضاد، فكان الخيار البحث عن مقاتلين متمرسين ومستعدين للقتال الفوري.

سحب كتيبتين من سوريا

 روسيا لجأت إلى خيار قد لا تحبذه، بسحب كتيبتين من قواتها العسكرية في سوريا، يقدر عدد عناصرها بحوالي 1500 جندي وضابط إلى جانب عتاد عسكري، وذلك بحسب ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إلى جانب سحب روسيا لبعض قواتها من الحدود مع اليابان، كأحد الخيارات المتاحة، حتى أن يتم تجهيز القوات الجديدة لمنع سقوط مدينة “خيرسون” الاستراتيجية جنوب أوكرانيا والتي تم ضمها مؤخرا إلى روسيا.

 “لقد سحبت روسيا عدد كبير من أسلحتها ومن قوات فاغنر وطواقم قتالية كثيرة، وهذا يظهر من خلال زيادة عدد طائرات الشحن الضخمة التي تتحرك على خط سوريا وروسيا وبزيادة كبيرة عن النسب السابقة” بحسب حديث المحلل العسكري السوري، أحمد حمادة، لـ “الحل نت” ، حيث يقول أيضا إن روسيا غارقة في الحرب مع أوكرانيا وهي في حالة استنزاف، وسحبت على سبيل المثال منظومة “إس 300” وأعتدة عديدة.

أنباء عدة تواردت عن سحب روسيا لبعض قواتها من مطار القامشلي، والتي عززتها روسيا بمئات الجنود في تموز/يوليو الماضي، عقب التهديدات التركية بشن حملة عسكرية على قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. في تصريح لـ “الحل نت” أشار القيادي في قوات سوريا الديمقراطية “قسد” محمود حبيب، أنه لا توجد“إحصائية رسمية عن عدد القوات التي تم سحبها، ولكن ما يلفت النظر أنه توالت عمليات سحب قوات روسية، وعلى رأسها الضباط الذين عملوا في سوريا، وفي مقدمتهم الجنرال سيرغي سيروفكن، لأنهم اكتسبوا خبرات ميدانية عملية وبالأخص سلاح الطيران والدفاع الجوي، فقد سحبت روسيا عددا من طائرات السوخوي 24 من قاعدة حميميم كذلك سحب بطاريات صواريخ إس300 “وفق حبيب.

بدوره لا يعتقد المحلل السياسي الروسي، كيريل سيمينوف، أن تقوم روسيا بسحب قواتها من سوريا، ونوه في حديثه لـ“الحل نت”، أن روسيا “تقوم في كل عام باستبدال قواتها من سوريا مع قوات جديدة، وهذه عملية مستمرة، ولكن قد تتسارع عملية التناوب بعد الأحداث في أوكرانيا، لكن هذا لا يعني أن روسيا تقلص وجودها في سوريا”.

إيران قد تملأ الفراغ الروسي

الحلف الإيراني – الروسي تعمق مؤخرا بعد أن زودت إيران القوات الروسية بطائرات مسيرة لمساعدة الأخيرة في حربها ضد أوكرانيا، وإضافة أن كلتا الدولتين أي إيران وروسيا هما أكبر حلفاء الحكومة السورية، ويتقاسمان مناطق النفوذ العسكرية داخل الأراضي السورية، وهو ما يرجح فرضية أن تسد إيران أي فراغ قد يتركه الروس.

القيادي محمود حبيب يرى أنه لا يمكن “لروسيا أن تنسحب من سوريا لأن وجودها استراتيجي بالنسبة لحربها في أوكرانيا، وهي بالأساس لم تنشر قوات كبيرة، ولا أعتقد إنها في وارد خسارة الانتشار في سوريا”، ويعتقد حبيب أن أي انسحاب روسي كلي من سوريا “سيكون مؤشر سلبي قد يؤثر على مستقبل الصراع الذي تخوضه روسيا ضد الغرب”، وفق تعبيره.

فيما يتعلق بمستقبل منطقة شمال شرق سوريا والتي تخضع لسيطرة قوات “قسد” وهي محل صراع بين الأطراف الدولية فإن “المخاوف من سيطرة إيرانية بعيدة المنال كون المنطقة تخضع لجملة تفاهمات بين الأطراف الدولية في سوريا، تساعد على تثبيت وقف إطلاق النار والحفاظ على خطوط التماس، ونحن في قوات سوريا الديمقراطية، نسعى دائما لإشراك الأطراف الدولية في معادلة التوازن الحالي، وكذلك نعمل على زيادة قدراتنا في حال انسحب أي طرف دولي” بحسب حبيب، الذي يستبعد أي تواجد لإيران، بسبب سلوكها الذي يغضب المزاج الدولي.

أحمد حمادة، يرى أن أي انسحاب روسي من سوريا يتم “تغطيتها من قبل إيران وميليشياتها، وخاصة في شرق حمص، كمهين والبيارات وتدمر والسخنة ومنطقة الفرات”. لكن الوجود الروسي في سوريا قد يتغير حسب الظروف، بحسب كيريل سيمينوف “باستثناء حميميم وطرطوس، ليس لدى روسيا مناطق سيطرة دائمة”.

روسيا باقية لأجل إسرائيل

إسرائيل تعتبر لاعب خفي في الصراع الدولي على سوريا، بسبب حدودها المشتركة مع الأخيرة، والتي تخشى من تعاظم النفوذ الإيراني في الجنوب السوري تحديدا، إلا أن إسرائيل والتي تحاول لعب دور الحياد في الصراع الروسي – الأوكراني، كونها من الدول التي لم تقدم مساعدات عسكرية، وترفض تقديم دفاعها الجوي “القبة الحديدية” إلى أوكرانيا، وتكتفي بالدعم اللوجيستي، ومقابل ذلك تتجاهل روسيا الضربات الإسرائيلية المتكررة على القواعد العسكرية داخل سوريا.

 بقاء القوات الروسية داخل سوريا أكبر ضامن لروسيا في حربها على أوكرانيا بأن تبقي إسرائيل على الحياد، فغير ذلك فإن روسيا ستفعل منظومتها الجوية “إس400″، والتي ستعيق أي ضربات جوية مستقبلا على أهداف داخل سوريا وتحديدا القواعد الإيرانية. لكن طالما أن “الجيش الروسي في سوريا غير مهدد بضربات إسرائيلية، فلن تستخدم روسيا دفاعها الجوي ضد إسرائيل بغض النظر عن علاقات إسرائيل مع أوكرانيا” وفقا لسيمينوف.

سوريا ستبقى بالنسبة لروسيا عمقها الاستراتيجي، فكان للتدخل الروسي المباشر في سوريا في العام 2015، أكثر بُعدا من دعم الحكومة السورية، بل هو عودة النفوذ الروسي إلى الشرق الأوسط ومن أوسع أبوابه، وهو الحلم الذي يهيمن على عقلية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسعية، وأن اللجوء إلى سحب بعض القوات من القواعد الروسية في الخارج، أحد الخيارات التي لا يحبذها بوتين شخصيا، فبنظره ذلك يضعف من نفوذه الدولي، ولكن لجوئه إلى ذلك هو خيار حتى تتجهز قوات التجنيد ويصبحون جاهزين للقتال، وبعدها سيعيد بوتين تعزيز قواعده العسكرية في الخارج وتحديدا في سوريا.

أحد أسباب إبقاء إسرائيل على الحياد والامتناع عن دعم أوكرانيا عسكريا، هو وجود قوات روسية على حدود إسرائيل الشمالية، ولولا ذلك لكانت الأخيرة أحد أبرز الداعمين للجانب الأوكراني، أضف على ذلك أن بقاء القوات الروسية في سوريا وتحديدا في شمال شرق سوريا، يضيف لروسيا ورقة ضغط وتفاوض لكسب تركيا أيضا على الحياد إذا لم تكن حليفا مباشرا، لكونها تطمح لشن عملية عسكرية ضد “قسد” وهو الأمر الذي يرفضه بوتين حتى الآن.

قد يهمك: روسيا تسحب أنظمة “إس 300” من سوريا.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.