مؤتمر القمة العربية الذي عقد في 1 تشرين ثاني/نوفمبر الجاري بالجزائر، شهد غياب قادة ورؤساء بعض الدول العربية، مثل المغرب والسعودية والإمارات، وهذا لأول مرة يجتمع رؤساء العرب منذ تفشي وباء “كوفيد-19”.

الحاضرون في مؤتمر العرب الذي حمل عنوان “لم الشمل”، خرجوا بدعوات ومطالب لا تختلف عن نتائج القمم السابقة، بالتأكيد على القضية الفلسطينية والالتزام بالسلام العادل، والمساهمة للوصول للحلول بشأن سوريا وليبيا، والجديد فيها الالتزام بمبادئ عدم الانحياز وبالموقف العربي المشترك من الحرب في أوكرانيا.

استمرار للمشاكل المغاربية

الالتفاتة في القمة، هو عدم التطرق للمشاكل دول المغاربية كالعلاقات المغربية الجزائرية أو توتر الأخير بين الرباط وتونس، لعل ذلك بسبب غياب لملك المغرب محمد السادس، الذي أعطى صورة بأن حل مشاكل بلدان شمال أفريقيا ليس بهذا التجمع العربي.

أسباب التراجع عن المشاركة، تعود إلى عدة عوامل، في مقدمتها أن الرباط تعتبر “أن السلطات الجزائرية قامت بمعاملة غير دبلوماسية لوزير خارجيتها ناصر بوريطة والوفد المرافق له، كما أن الرباط لا تتقبل استمرار الاعتداءات على الملك في وسائل الإعلام الجزائرية. إضافة إلى غياب قادة الدول الذين تعتبرهم الرباط مقربين منها عن هذه القمة (السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، الأردن) لعب دورا كذلك في غياب الملك”.

مستوى التمثيل في القمة، كان منخفضا نسبيا عن القمم العربية السابقة؛ إذ حضر هذه القمة قادة تسع دول، إضافة إلى الرئيس الجزائري، رؤساء للمجالس الرئاسية الانتقالية لثلاثة بلدان، وولي عهد لدولتين، ورئيس وزراء دولة أخرى، وبقية التمثيل ما تبقى من 22 بلدا كان على مستوى وزراء خارجيتهم أو نواب لرؤساء دولهم، مع غياب سوريا عن القمة.

غياب الملك حسم موقف المغرب 

غياب كبار القادة العرب عن القمة ألقى بظلاله على مخرجاتها، خاصة وأن القضايا المطروحة بطبيعتها غير مصيرية، ومنها مسألة المصالحة بين الجزائر والمغرب، الذي يبدو أن ملك المغرب اختار حسمه بالغياب عنها، هذا ما عده الباحث بالشأن العربي محمد بوعود.

بوعود الكاتب التونسي في حديث لـ “الحل نت”، يرى أنه “قبل بدأ القمة تقرر مصيرها بترحيل القضايا المهمة للرأي العام العربي، إلى القمم المقبلة، منها قضية التطبيع مع إسرائيل الذي رفضت الجزائر وتونس طرحه أصلا، وكذلك عودة سوريا الذي لم تقبل كلا من السعودية وقطر التطرق إليه”.

القضايا المتبقية ضمن الخلافات العربية لا خلاف حولها، وهي تقريبا مشتركة بين جميع الدول العربية كالموقف من القضية الفلسطينية وسد النهضة الإثيوبي والتدخلات الخارجية بالشأن العربي.

كما أنها ربطت نجاحها بعدم التطرق لهذه القضايا المختلف عليها، وهذا أفضل ما فعلته في بيانها الختامي، بحسب بوعود.

سد “النهضة” الأثيوبي الكبير يقع على نهر النيل الأزرق ببعد 15 كم (9 أميال) شرقا من الحدود الإثيوبية السودانية، أنشئ في 2011، لغرض توليد الكهرباء وتعويض النقص الحاد في الطاقة بإثيوبيا، وتصدير الكهرباء إلى البلدان المجاورة. من المتوقع أن يكون السد أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم، لكن هذا السد يؤثر على دول المصب مصر والسودان، حيث الأولى تعتمد في مياهِها على نهرِ النيلِ بنسبة 97 بالمئة.

تقليص كمية المياه المتدفقة إليها التي تعاني أساسا من شح مائي مع تزايد النشاط البشري، والزيادةَ السكانية الكبيرة فيها، يحدث أزمة غير مسبوقة في مياه الشرب بحلولِ العامِ 2025، مما تحاول الدولتان الحيلولةَ دونَ وقوعِها بشتى الطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية إذا اضطرا لذلك، مع إثيوبيا.

بشأن المنطقة المغاربية التي تستضيف القمة مرتين على التوالي، بتونس 2019 وفي الجزائر 2022، الكثير كانوا يعتقدون أن القمة قد تعيد العلاقات على الأقل بين تونس والمغرب، لكن حتى هذا لم يحدث، مع غياب ملك المغرب عنها، لأن من يمثل بلدهم لا يملك صلاحيات التفاوض أو حل المشكلة المستحدثة بين البلدين، بحسب اعتقاد الصحفي التونسي.

“بوليساريو” تأزم علاقة تونس والرباط

الأزمة السياسية بين المغرب وتونس، بدأت عندما استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في 26 من آب/ أغسطس، زعيم جبهة البوليساريو في قصر قرطاج، على هامش مشاركته بالدورة الثامنة لمنتدى التعاون الاقتصادي الإفريقي الياباني، الذي استضافته تونس في 27 و28 من شهر نفسه.

لم يتأخر الرد المغربي على الخطوة التونسية، إذ أعلن المغرب، في نفس اليوم عبر بيان من وزارة الخارجية، عدم مشاركته في أعمال القمة، كذلك استدعاء سفيره في تونس للتشاور.

التوتر بين البلدين الجارين امتد إلى المجال الرياضي، إذ أعلن الاتحاد المغربي لكرة اليد الانسحاب وعدم مشاركة الأندية المغربية في الدورة 37 للبطولة العربية لكرة اليد للأندية، التي نظمتها تونس منتصف أيلول/سبتمر الماضي.

من الصعب المستضيف يتنازل

أن ما يتعلق بالعلاقات الجزائرية المغربية أو بالمنطقة المغاربية، فأن جميع الخلافات تسببت فيها الجزائر وبالتالي لا يمكن لها أن تدين نفسها أو تتنازل عن موقفها من داخل أرضها، لإرضاء الرباط الذي لم يحضر ملكها، بحسب بوعود.

بالتالي فلا جديد يذكر في المنطقة المغاربية بمخرجات القمة سوى ما يتعلق بالأزمة الليبية، والتي الجميع يدعو لإيجاد حل سريع لها سواء كانوا من العرب أو الدول الأخرى.

 

رغم أن النزاع في ملف الصحراء الغربية يوجد رسميا بين المملكة المغربية و”جبهة بوليساريو”، إلّا أن اسم الجزائر يحضر كذلك في هذا النزاع على المستوى الإعلامي. حضور يعود بالأساس إلى احتضان الجزائر لمخيّمات تندوف، مقر “البوليساريو” ودعمها المتواصل لهذه الجبهة، رغم تأكيد الجزائر ولو على الصعيد الرسمي أنها ليست طرفا في النزاع.

لعل من وراء هذا الدعم الجزائري الذي تحظى به “بوليساريو”، مواقف تاريخية تتعلق بالتوتر الذي طبع علاقات المغرب والجزائرمنذ السنوات الأولى لاستقلال الدولتين، وتباعدها على المستويين السياسي والعسكري.

لا تأثير لغياب الملك عن القمة

قمة “لم الشمل”، عقدت لغرض توحيد الصفوف العربية وتجاوز الخلافات بين البلدان وبحث حلول للقضية الفلسطينية، فلا تؤثر عليها القطيعة المغربية الجزائرية، هذا ما يؤكده الباحث المغربي محمد زيتوني، في حديثه لـ “الحل نت”.

ليس هناك تأثير على إيجاد حلول للظروف العصيبة التي تشهدها بلدان المغاربية أو دول شمال أفريقيا بصورة عامة، مع غياب ملك المغرب عن القمة، لوجود الوفد المغربي ضمن الذين حضروا فعاليات المؤتمر.

المغرب مع إيجاد حلول للمشاكل العربية والأفريقية عامة ومنها مع الجارة الجزائر، بدليل استدعاء الملك للرئيس الجزائري لعقد قمة ثنائية لتذليل الخلافات والخروج بقرارات إيجابية لمصالح البلدين.

العاهل المغربي الملك محمد السادس، دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى زيارة المغرب من أجل الحوار، إذ لم يتسن ذلك خلال القمة العربية المنعقدة في الجزائر.

فيما رفضت السلطات الجزائرية، دعوة المغرب التي ودهت إلى الرئيس الجزائري لزيارة الرباط، معتبرة الدعوة دعاية مخادعة وتبريرا لتغيّب الملك محمد السادس عن القمة العربية التي اختتمت أعمالها الأربعاء الماضي في الجزائر.

مصالح الدول تتضمن عدم التقسيم

هذه المصالح تتضمن مواجهة التطرف وعدم التفريق بين الدول العربية ورفض التقسيم للبلدان بشمال أفريقيا أو بالشرق الأوسط، بحسب ما يراه زيتوني.

ليس من الصواب أن تكون بلد جار عربي أو أي دولة أخرى تدعم حركات انفصالية وخلق مشاكل بين الدول العربية أو داخل البلد الواحد، سواء كان سياسيا أو إعلاميا كما فعلت قناة بوضع علم المغرب متجزا منه صحرائه.

قناة جزائرية، عرضت خريطة للوطن العربي، أثارت فيها غضب المغرب، عبر اجتزاء الصحراء الغربية من أراضيه في الخريطة، ما دفع جامعة الدول العربية إلى إصدار بيان توضيح، لكون كان نشر الخريطة يتزامن مع التحضير قمة الجامعة التي عقدت في العاصمة الجزائر.

من جانبها، قالت القناة الجزائرية، في بيان مقتضب، الأحد 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إنها “تعتذر عن استخدام خريطة للوطن العربي غير تلك المعتمدة لدى الجامعة العربية”، مؤكدة أن ما حصل لا يعدو إلا أن يكون خطأً فنيا من قسم الفني، ثم أعادت نشر خريطة أخرى غير تلك التي أغضبت المغرب.

فعاليات مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الجزائر، رفعت توصياته ومنها إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان استضافة بلاده للقمة العربية المقبلة، التي قد تشهد تراكمات للخلافات العربية أكثر من الحالية، كالقطيعة العربية بين الدول المغاربية، وعودة سوريا أم لا للجامعة العربية وما تتعرض اليه من تدخلات دولية ونفوذ سياسي غير عربي.

 وعن العراق الذي أراضيه ساحة للتصفيات السياسية بين دول جواره، وأيضا القضية الفلسطينية التي خمس دول عربية طبعت مع إسرائيل، باعتقادها تجد حلا غير الذي يذهب إليه الجزائر وبعض الدول الأخرى اتجاه فلسطين.

قد يهمك: لماذا انتهت سريعاً محاولات الجزائر لإدخال دمشق إلى الجامعة العربية؟

ستبقى الأنظار متجهة نحو السعودية صاحبة النفوذ لعله الأكبر بين البلدان العربية خاصة بالشرق الأوسط، وما ستسعى إليه لإيجاد حلول لمشاكل الدول التي تتزايد يوما بعد يوم، ويرافق هذا التزايد فقدان ثقة للرأي العام بما تنتجه اجتماعات قادة ورؤساء العرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.