رغم النفي الإيراني لصحة التقارير التي حذرت من هجوم إيراني وشيك على أهداف داخل السعودية، تبدو هناك احتمالية لقيام إيران بضرب أهداف نفطية سعودية، بغية تصدير الأزمة الداخلية التي تعيشها طهران منذ منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، عقب وفاة الشابة مهسا أميني بعد توقيفها من قبل “شرطة الأخلاق” الإيرانية بذريعة ارتداء الحجاب بشكل غير لائق.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني اعتبر أن “الترويج لهذه الأنباء المسيسة من قبل بعض الأوساط الغربية والصهيونية، يصب في الأجواء السلبية المثارة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإفشال التعاملات الإيجابية القائمة مع دول المنطقة”.

حتى الآن لا زال الترقب سيد الموقف في السعودية، بعيد الأنباء التي كشفتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قبل أيام، عندما نقلت عن مصادر سعودية وأميركية تأكيدها، أن “المملكة شاركت معلومات استخباراتية مع الولايات المتحدة، تحذر من هجوم وشيك من إيران داخل السعودية، سعيا لتشتيت الانتباه عن الاحتجاجات داخل إيران، وأن القوات الأميركية وقوات أخرى في المنطقة رفعت درجة تأهبها”.

وكالة “رويترز” أشارت على لسان متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إلى قلق الولايات المتحدة من التهديدات الإيرانية ضد السعودية، حيث قال أيضا، “نحن على اتصال دائم من خلال القنوات العسكرية والاستخبارية مع السعوديين، ولن نتردد في التحرك للدفاع عن مصالحنا وشركائنا في المنطقة” بحسب تعبيره.

شبكة “سي إن إن” نقلت عن مسؤول سعودي، قوله إن “بلاده تبادلت معلومات استخبارية عن هجوم محتمل مع الولايات المتحدة، دون أن يذكر المصدر أي تفاصيل إضافية”.

احتمالية قيام طهران بهجوم ضد المملكة قفزت إلى الواجهة قبل تداول الأنباء من قبل وسائل إعلام غربية، وتحديدا بعد توجيه قائد “الحرس الثوري” الإيراني حسين سلامي، تهديدات للسعودية في 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، متهما إياها بالتآمر لإشعال الاحتجاجات التي تشهدها بلاده.

قبلها، تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن ما وصفتها بـ”اللعبة القذرة” من جانب الإعلام السعودي، وقالت قناة “العالم”، إن في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن الاعلام السعودي يوجه حملة واسعة النطاق، للتحريض على الوضع الداخلي في إيران، في محاولة مكشوفة للتستر على ما ارتكب في الداخل والخارج.

القناة الرسمية الإيرانية قالت “إن تركيز الإعلام السعودي على الداخل الإيراني، كان ملفتا في الأداء والخطاب والسلوك المثير للسخرية الذي يصدر عن النظام السعودي تحديدا، بأن يخرج ويتحدث عن قمع الحريات وعن حقوق الإنسان في إيران أو في دول أخرى، متناسيا جرائمه”.

تصدير الأزمات

اعتادت إيران عند حدوث أي أزمة داخلية، على مبدأ الهروب إلى الأمام، أو ما يُعرف بتكتيك “تصدير الأزمة إلى الخارج” وخاصة بعد توسع دائرة الاحتجاجات التي تعم الشارع الإيراني، ودموية التعامل معها من قبل أجهزة الأمن الإيراني.

موجة الاحتجاجات الواسعة جعلت نظام إيران في وضع متأزم، بحسب حديث رئيس “المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز” عباس الكعبي، لـ “الحل نت”، حيث يقول إنه “بمجرد حدوث أزمة داخلية، تقوم طهران على الفور باللجوء إلى أسلوب تصدير الأزمات، للتغطية على ما يجري، وإشغال الشارع الإيراني بالحديث عن تهديدات خارجية”.

منذ بداية الاحتجاجات الأخيرة، حاولت طهران تصعيد الموقف في إقليم كردستان العراق، من خلال قصف منازل المدنيين بالصواريخ، لتصدير الأزمة، وفق الكعبي، إذ أنه مع فشل مخطط تصدير الأزمة لكردستان العراق، حشدت طهران قواتها على الحدود الأذربيجانية، وأجرت مناورات عسكرية هناك، لكنها تراجعت عن التصعيد بسبب الخوف من إثارة غضب أبناء القومية الأذربيجانية (أكثر من 25 مليون نسمة) في إيران.

 طهران انتقلت بعد ذلك إلى “افتعال” هجوم مسلح على مزار ديني في مدينة شيراز، راح ضحيتها 15 قتيلا، لحرف أنظار الشارع الإيراني وتخويفه من خطر “الإرهاب”، بحسب الكعبي، الذي شكك بدقة مسؤولية تنظيم “داعش” الإرهابي عن الهجوم، رغم تبني الأخير مسؤولية الهجوم.

جراء فشل كل تلك المحاولات، من وجهة نظر المسؤول الأحوازي، جاء الدور على الخليج العربي المجاور، موضحا بأن “أكثر من مسؤول إيراني هدد السعودية، ومنهم نائب في البرلمان، وهذا يؤشر إلى وجود توجه إيراني تصعيدي نحو المملكة” بحسب تعبيره.

ضمن الإطار ذاته، يخدم التهديد بضرب أهداف نفطية سعودية، هدف إيران المتمثل بزيادة الضغط على الغرب المتخوف من نقص إمدادات الطاقة، لإحياء “الاتفاق النووي” مع الغرب، حيث أعلنت طهران أنها تعتزم إرسال وفد إلى فيينا لمحاولة تقريب وجهات النظر مع مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان، قال مطلع تشرين الثاني/نوفمبر إنه “سيتحدث أيضا إلى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، لبحث جهود إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015 مع القوى العالمية”.

ما مدى قدرة إيران على ضرب أهداف سعودية؟

الميليشيات المدعومة إيرانيا والمنتشرة في دول المنطقة ومنها العراق واليمن، تمثل ذراعا طويلا لإيران، بحسب حديث الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، لـ”الحل نت”، ويعتقد أن أرضية التصعيد أصبحت جاهزة، انطلاقا من العراق المجاور للسعودية وكذلك اليمن.

كذلك، لا يستبعد النعيمي احتمالية استهداف إيران مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق، نظرا لأنها تعتبر وفق التقييم العسكري الإيراني “خاصرة رخوة” يمكن من خلال استهدفاها تمرير رسائل ردع عسكرية، ويقول “ثم تأتي المملكة كهدف ثان لإيران”. إيران تمتلك الأدوات اللازمة لتنفيذ أي مخطط تصعيدي، واللجوء إلى عمل من هذا القبيل يبدو محكوما باستمرارية الاحتجاجات وتصاعد زخمها، وفق النعيمي.

مقابل ذلك لا ترجح أوساط مواكبة أن تُقدم إيران على أي خطوة تصعيدية ضد السعودية، خشية عواقب كبيرة لا تصب في مصلحة طهران. إيران تُدرك أن أي هجوم ضد السعودية يعني نسفا نهائيا للمحادثات التي بدأتها مع السعوديين في العراق، وبالتالي مزيدا من التقارب العربي مع إسرائيل، وهو ما لا يخدم توجهها على الأقل حاليا.

بهذا الخصوص، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قبل يومين إنه “يأمل خلال فترة ولايته، مواصلة استضافة محادثات السعودية وإيران في العراق، وأن إدارته تلقت مؤشرات على الاهتمام بمواصلة بغداد تسهيل الحوار بين الرياض وطهران. بشكل عام توجه الحكومة العراقية الحالية، بأن يكون للعراق دور حقيقي وريادي بالمنطقة ونقطة لالتقاء مصالح دول المنطقة لتحقيق الاستقرار”.

إيران ستواجه عواقب وخيمة في حال أقدمت على هجوم من هذا القبيل، حيث أن النظام الإيراني سيكون بذلك، قد أطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على نفسه. النظام الإيراني يرغب بافتعال أزمة خارجية، ستكون عملية توجيه ضربة عسكرية للسعودية لها تبعات إقليمية ودولية، خاصة إذا تم استهداف منشآت الطاقة، بحسب تصريح سابق للخبير في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، لـ”الحل نت”.

غير أن ذلك، لا يُلغي احتمالية دفع إيران بأذرعها إلى معاودة الهجوم على منشآت سعودية، وهو ما يمكن تلمسه من خلال تصريحات أدلى بها المتحدث العسكري باسم جماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن، العميد يحي سريع، مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث “نصح المستثمرين، بنقل استثماراتهم من السعودية والإمارات، لأن الاستثمار فيهما محفوف بالمخاطر” وفق قوله.

إيران نفت سابقا الاتهامات السعودية لها بشن هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ على الرياض في عام 2019 استهدف صناعة النفط في البلاد. لم تعلق الأخيرة على هذه الأنباء، والتزمت الصمت المطبق حيالها على الصعيد الرسمي، وهو ما يعني من وجهة نظر مراقبين أن السعودية لا تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، بحيث لا تريد البناء على تصعيد إعلامي في علاقتها غير الجيدة أساسا مع طهران.

قد يهمك: بفعل الأزمة السياسية.. إيران تفقد نفوذها في العراق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.