الملف النووي الإيراني الذي وصل مؤخرا لباب مسدود نتيجة للتعنت والمراوغة من قِبل الحكومة الإيرانية التي لطالما فرضت العديد من الشروط غير المقبولة بالنسبة للولايات المتحدة والغرب، على الرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي تقديم مبادرة مقبولة، لكن ومن ضمن تعقيدات الملف، هو اتفاقية الضمانات بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، والتي تتعلق بعمليات تفتيش ومراقبة “للوكالة” في منشآت نووية إيرانية عُثر فيها على آثار لليورانيوم عالي التخصيب.

إيران طلبت في أيلول/سبتمبر الماضي في ردها على المسودة الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي، بتقديم تطمينات بعدم استخدام قضية الضمانات المتعلقة بمنع الانتشار النووي ضدها “سياسيا”، إلا أن الطلب الإيراني قد يعرقل التوصل لاتفاق بين طهران والقوى الكبرى، وتندرج هذه الضمانات ضمن تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ بشأن ما إذا كانت طهران قد أوفت بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بعد عثور “الوكالة” على آثار يورانيوم في 3 مواقع غير معلنة.

لا تقدم في مفاوضات “الوكالة”

المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، رافائيل غروسي، بيّن أن إيران لم تقدم أي شيء جديد بشأن برنامجها النووي في اجتماع فيينا مؤخرا، لكن المحادثات ستستمر في الأسابيع المقبلة، مضيفا أن تقرير المفاوضات مع إيران سيقَدم الأسبوع المقبل بعد تقرير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

غروسي أكد أن “الوكالة” لم تتمكن من تسجيل “بعض العناصر الملموسة في برنامج إيران النووي” بعد قطع الوصول إليها، ومع ذلك، رفض الممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، كلام المدير العام لـ “الوكالة”، وقال إنه لا توجد مشكلة فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقيات الضمانات الإيرانية.

مفاعل نطنز النووي الإيراني “وكالات”

وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، كان قد أعلن في 2 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، أن وفدا من إيران سيزور فيينا لبدء المحادثات وتعزيز التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، لكن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ذكرت عدة مرات، من قَبل، أن رد إيران على مواقعها المشبوهة لم يكن مقنعا.

وكالة “رويترز” للأنباء أوضحت في 7 أيلول/سبتمبر الماضي، بناء على تقرير لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 بالمئة وصل إلى 55 كيلوغراما، وهو أكثر من الكمية المطلوبة لإنتاج قنبلة ذرية في حال تخصيبها بدرجة نقاء أعلى.

ما هي اتفاقية “الضمانات”؟

اتفاق “الضمانات” يعود بتاريخه إلى 15 أيار/مايو 1974، حين دخل حيَّز النفاذ، اتفاق بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وإيران، وهي وثيقة تتيح للوكالة الأممية التحقق من وفاء طهران بالتزاماتها، وعدم تحريف استخدامات الطاقة النووية لأهداف عسكرية.

هذه الوثيقة تأتي ضمن إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تضم 191 دولة حائزة وغير حائزة للسلاح النووي، بما فيها إيران، 176 دولة منها نفذت ضماناتها حتى عام 2020، وفقا لـ “الوكالة الذرية”، وبالإضافة للضمانات، تضع “الوكالة” اتفاقات أخرى تعرف بالبروتوكولات الإضافية للضمانات، وتشمل تدابير للشفافية بشأن طبيعة البرامج النووية السلمية.

بناء على هذه الاتفاقيات، أقر مجلس محافظي الوكالة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2003 بروتوكولا إضافيا بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي، يشمل تدابير لضمان التزام إيران بمقتضيات المعاهدة، وقد نفذته إيران بعد شهر من إقراره حتى مطلع 2006، عندما توقفت عن التنفيذ تزامنا مع إعلانها رفع القيود على تخصيب اليورانيوم.

لكن طهران عادت في كانون الثاني/يناير 2016 لتطبيق هذا البروتوكول الإضافي بشكل مؤقت، عقِب تفعيل “خطة العمل الشاملة المشتركة”، الاسم الرسمي للاتفاق النووي، إلا أنه بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق في أواخر 2018، بدأت إيران بالتخلي عن التزاماتها النووية.

المواقع النووية الثلاثة

“الوكالة الدولية للطاقة الذرية” طلبت من إيران في تموز/يوليو 2019، الإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالمواد النووية المحتملة في 4 مواقع غير معلنة، عملا بالاتفاقيات المعقودة، وتم حل مشكلة أحد المواقع الأربعة وهو موقع “لافيزان شيان”، ولكن تبقت 3 مواقع أخرى هي “فيركزاد، فارامين، وماريفان”، حيث وُجدت فيها جزيئات يورانيوم متعددة.

ردا على التساؤلات بشأن هذه المواقع، قدمت إيران في 19 آذار/مارس الماضي تفسيرات مكتوبة لـ”الوكالة”، بما في ذلك الوثائق الداعمة ذات الصلة، استجابة للأسئلة التي أثارتها “الوكالة” بشأن القضايا التي لم يتم علاجها في هذه المواقع، وعلى الرغم من الرد الإيراني على استفسارات “الوكالة”، إلا أن الأخيرة ترى أن “إيران لم تقدم تفسيرات ذات مصداقية تقنيا، فيما يتعلق بنتائج الوكالة في تلك المواقع”.

“الوكالة” بيّنت في تقرير مديرها العام الأخير في أيار/مايو الماضي، أنه “ما لم تقدم إيران تفسيرات موثوقة تقنيا لوجود جزيئات اليورانيوم في هذه المواقع، وتكشف عن الموقع الحالي للمواد النووية أو المعدات الملوثة، فإنه لا يمكن للوكالة تأكيد صحة الإعلانات الإيرانية بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة، وبالتالي فإن قضايا الضمانات المتعلقة بهذه المواقع الثلاثة لا تزال معلقة”.

في التقارير المنشورة، تشير “الوكالة الأممية” إلى أن لديها معلومات وصور تفيد بأن إيران ربما خططت “لاستخدام المواد النووية في الموقع الرابع “ماريفان”، حيث رصدت اختبارا في الهواء الطلق للأنظمة المتفجرة التقليدية”.

بينما في الموقع الأول في فيركزاد “تركوزآباد”، أوضحت الوكالة أنه “من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية المتاحة تجاريا، تم هدم المباني مباشرة بعدما أبلغت الوكالة إيران بنتائج العينات البيئية التي أخذتها من الموقع”.

لكن إيران تقول في ردها على استفسارات “الوكالة”، إن “المباني كانت لدعم منجم، وكانت تحت إدارة منظمة من دولة أخرى، لكن المنطقة أصبحت غير مأهولة.. فيما تم بيع المنطقة الثانية المملوكة للحكومة إلى فرد قام بهدم المباني من أجل استرداد المعادن من الحطام”.

أما في الموقع الثالث “فارامين”، تضيف الوكالة أن لديها معلومات عن استخدام “محتمل” أو تخزين للمواد النووية، أو إجراء للأنشطة المتعلقة بالنووي، بما في ذلك أنشطة البحث والتطوير المتعلقة بدورة الوقود النووي، كما خضع الموقع أيضا لتغييرات كبيرة عام 2004، بما في ذلك هدم معظم المباني.

خلال عامين من محاولاتها تقييم طبيعة تلك الإجراءات غير المعلنة في تلك المواقع، وعلى الرغم من الردود المقدمة من إيران، أقر مجلس محافظي وكالة الطاقة خلال اجتماعه في حزيران/يونيو الماضي قرارا يدين طهران لعدم تعاونها مع “الوكالة الأممية”، فيما يخص برنامجها النووي، بعد تصويت 30 عضوا لمصلحة القرار، واعتراض الصين وروسيا، وامتناع 3 دول أخرى عن التصويت.

الموقف الإيراني

إيران حاولت خلال مباحثات فيينا الخاصة بالملف النووي، الربط بين هذه المحادثات وبين قضية “الضمانات”، لكن مسؤولا أوروبيا رفيعا كان قد قال مع انتهاء الجولة التاسعة من محادثات فيينا، معلقا على اتفاقية “الضمانات” بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وإيران، “لن نناقش مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية القضايا التي تخص إيران.. على إيران مناقشة هذه القضايا مع الوكالة.. هي خارجة عن محادثات فيينا”.

الأمر ذاته، شدد عليه البيت الأبيض، حين قال إنه “ينبغي ألا يكون هناك ربط بين معاودة تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، والتحقق مما إذا كانت طهران قد أوفت بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”.

مفاعل بوشهر الإيراني “وكالات”

لكن الإصرار الإيراني على إغلاق تلك القضايا قبل تنفيذ إعادة إحياء الاتفاق النووي بات واضحا، من خلال تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قال في مؤتمر صحفي مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، إن هناك 4 شروط تعتبر المكون الرئيسي للاتفاق، ومنها إغلاق المطالبات المتعلقة بالضمانات التي وصفها بـ”السياسية”.

الموقف الإيراني جاء مدعوما من روسيا، خاصة بعد تصريحات المندوب الروسي لدى “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ميخائيل أوليانوف؛ حيث قال إن هذا الملف “سلاح قوي في أيدي الدول الغربية”.

المندوب الروسي، أضاف، “من المهم لإيران الحصول على ضمانات من جميع المشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة، بأنهم لن يحتفظوا بالقضية بشكل مصطنع في مجلس محافظي الوكالة إذا قدمت طهران التفسيرات التي طلبتها الوكالة، وقدم المدير العام رافاييل جروسي تقريرا مرضيا في هذا الصدد”.

السيناريوهات المتعلقة باتفاقية الضمانات

السيناريو الأول، هو أن توافق إيران على تبديد مخاوف وكالة “الطاقة الذرية” في الوقت المناسب، وبالتالي يتم إحياء اتفاق 2015، حيث أن مخاوف “الوكالة” كانت السبب الرئيسي الأخير لتوقف مفاوضات الملف النووي الإيراني.

أما الثاني، هو ألا تلبي إيران مطالب “الوكالة” وترفض اتخاذ الخطوات اللازمة لإتمام الاتفاق، وسترفض واشنطن رفع العقوبات التي تنص عليها المرحلة النهائية للاتفاق المقترح، ومع ذلك، سيستمر سريان القيود النووية وإجراءات رفع العقوبات المنصوص عليها في المراحل السابقة من الاتفاق المقترح.

أما السيناريو الثالث، فهو أن تلتزم إيران ببنود الاتفاق، حتى إذا ظلت تحقيقات وكالة “الطاقة الذرية” مفتوحة، وهي خطوة للوراء، لكن قد يكون من الصعب على الزعماء الإيرانيين قبولها أو الترويج لمغزاها في الداخل.

أما الرابع فيدور حول تعرض “وكالة الطاقة الذرية” لضغوط سياسية، قد تجبرها على إغلاق التحقيقات حتى لو لم تكن راضية عن تفسيرات إيران، وذلك على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم لن يضغطوا على “الوكالة”.

إقرأ:مفاوضات النووي الإيراني إلى طريق مسدودة.. ما المآلات؟

إيران تصر منذ سنوات على أن برنامجها النووي ذو طبيعة سلمية نافية التّهم حول الجانب العسكري له. في المقابل تقول “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في أحدث تقاريرها أنها لا تستطيع ضمان الطبيعة السلمية للنووي الإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة