بحسب وثيقة استخباراتية أميركية غير مسبوقة، فإن الإمارات العربية المتحدة قد قادت السياسة الخارجية الأميركية لصالحها من خلال سلسلة من الاستغلالات القانونية وغير القانونية، وقد قدم مسؤولو المخابرات الأميركية تقرير سري يشرح بالتفصيل الجهود المكثفة للتلاعب بالنظام السياسي الأميركي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة ذات نفوذ وغنية بالنفط في الخليج العربي، وكانت تعتبر منذ فترة طويلة شريكا وموثوق بها.

تشمل الأنشطة التي غطاها التقرير المذكور محاولات غير قانونية وقانونية لتوجيه السياسة الخارجية الأميركية بطرق مواتية للاستبداد العربي، مما يكشف عن محاولة الإمارات لاستغلال نقاط الضعف في الحوكمة الأميركية، بما في ذلك اعتمادها على المساهمات في الحملات الانتخابية، وقابليتها لشركات الضغط القوية والتراخي في إنفاذ قوانين الإفصاح التي تهدف إلى الحماية من تدخل الحكومات الأجنبية.

تم تجميع التقرير من قبل مجلس الاستخبارات القومي، وتم إطلاع كبار صانعي السياسة الأميركيين عليه في الأسابيع الأخيرة، لتوجيه عملية صنع القرار فيما يتعلق بالشرق الأوسط والإمارات العربية المتحدة التي تتمتع بنفوذ كبير في واشنطن. وهذا التقرير مميز، لأنه يركز على عمليات التأثير لدولة صديقة بدلا من قوة معادية، مثل روسيا أو الصين أو إيران.

ومن غير المألوف أيضا أن يقوم تقرير استخباراتي أميركي بفحص التفاعلات التي يشارك فيها مسؤولون أميركيون عن كثب، نظرا لتفويضه بالتركيز على التهديدات الخارجية. ويقول بروس ريدل، الزميل البارز في معهد بروكينغز والذي خدم في مجلس الاستخبارات القومي في التسعينيات، “يظل مجتمع الاستخبارات الأمركية بعيدا عن أي شيء يمكن تفسيره على أنه يدرس السياسة الداخلية الأميركية. إن القيام بشيء كهذا على قوة صديقة هو أمر فريد أيضا. إنها علامة على أن مجتمع الاستخبارات الأميركية على استعداد لمواجهة تحديات جديدة”. رفضت المتحدثة باسم مكتب مدير المخابرات الوطنية لورين فروست التعليق عندما سئلت عن التقرير.

من جانبه، يقول سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، إنه “فخور بنفوذ الإمارات ومكانتها الجيدة في الولايات المتحدة. لقد تم تحقيق هذا بشق الأنفس واستحقته الغمارات عن جدارة. إنه نتاج عقود من التعاون الوثيق بين الإمارات والولايات المتحدة والدبلوماسية الفعالة”، مضيفا في بيان إن هذا يعكس المصالح والقيم المشتركة لكلا البلدين. فالعلاقة فريدة من نوعها. وعلى مر السنين، وافقت الولايات المتحدة على بيع الإمارات العربية المتحدة بعضا من معداتها العسكرية الأكثر تطورا وفتكا، بما في ذلك الطائرات بدون طيار “أم كيو-9” والطائرات المقاتلة المتقدمة من طراز “أف – 35″، وهو امتياز لا يمنح لأي دولة عربية أخرى بسبب القلق التفوق العسكري النوعي على إسرائيل.

بعض عمليات التأثير الموصوفة في التقرير الاستخباراتي المذكور معروفة لمتخصصي الأمن القومي، لكن هذه الأنشطة ازدهرت بسبب عدم رغبة واشنطن في إصلاح قوانين التأثير الأجنبي، أو توفير موارد إضافية لوزارة العدل. ويقول أشخاص مطلعون على التقرير إن الأنشطة الأخرى تشبه إلى حد بعيد التجسس، بحسب تقرير لـ “واشنطن بوست” ترجمه “الحل نت”.

قد أنفقت الإمارات أكثر من 154 مليون دولار على جماعات الضغط منذ عام 2016، وفقا لسجلات وزارة العدل الأميركية. وأنفقت مئات الملايين من الدولارات أكثر على التبرعات للجامعات ومراكز البحث والفكر الأميركية، والعديد منها ينتج أوراق سياسات ذات نتائج مواتية لمصالح الإمارات العربية المتحدة.

ولا يوجد حظر في الولايات المتحدة على تبرع جماعات الضغط بالمال لحملات سياسية. ويرى أحد النواب الأميركيين الذين قرأوا تقرير الاستخبارات هذا، بأنه يوضح كيف يتم تشويه الديمقراطية الأميركية بواسطة الأموال الأجنبية، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار، حيث يقول، “يجب وضع خط أحمر واضح للغاية ضد لعب الإمارات في السياسة الأميركية. لست مقتنعا بأننا قد أثرنا على الإطلاق بالإماراتيين على مستوى عال”.

رفض كل من مكتب مدير المخابرات الوطنية ووزارة الخارجية التعليق على ما إذا كانا قد تناولا القضية مع نظرائهما في الإمارات، وجاء رد الحكومة الأميركية الخافت في أعقاب عرض الرئيس بايدن الحماسي للناخبين في الانتخابات النصفية الأسبوع الماضي، بأن الديمقراطية الأميركية مهددة من قبل المصالح القوية وتحتاج إلى حماية منسقة. قال بايدن خلال كلمة ألقاها في واشنطن، “مع وجود الديمقراطية في بطاقة الاقتراع، علينا أن نتذكر هذه المبادئ الأولى، الديمقراطية تعني حكم الشعب، ليس حكم الملوك أو المال، بل حكم الشعب”.

مجلس الاستخبارات القومي، هو المركز التحليلي الأول لمجتمع الاستخبارات الأميركية، وتعتمد تقاريره على معلومات من 18 وكالة مخابرات في البلاد للتحدث بصوت واحد حول قضايا الأمن القومي الملحة. وقد رفض الأشخاص الذين شاركوا معلومات حول التقرير تقديم نسخة منه، واكتفوا بالقول إن الأنشطة المنسوبة إلى الإمارات في التقرير تتجاوز مجرد استغلال النفوذ.

تضمنت إحدى أكثر عمليات الاستغلال هذه توظيف ثلاثة مسؤولين سابقين في المخابرات والجيش الأميركيين لمساعدة الإمارات في مراقبة المعارضين والسياسيين والصحفيين والشركات الأميركية. وفي الادعاءات القانونية العامة، قال المدعون الأميركيون إن هؤلاء الأشخاص ساعدوا الإمارات في اقتحام أجهزة كمبيوتر في الولايات المتحدة ودول أخرى. وفي العام الماضي، اعترف الثلاثة في المحكمة بتقديم تقنية قرصنة متطورة إلى الإمارات العربية المتحدة، ووافقوا على تسليم تصاريحهم الأمنية ودفع حوالي 1.7 مليون دولار لتسوية التهم الجنائية. ووصفت وزارة العدل التسوية بأنها “أول قرار من نوعه”.

مع ذلك، لم يتضمن الأمر عقوبة السجن، ورأى النقاد أن العقوبة المالية تافهة بالنظر إلى المبالغ الكبيرة التي تلقاها المسؤولون الأميركيون السابقون لعملهم، مما أثار مخاوف من أنها لم تفعل شيئا يذكر لردع سلوك مماثل في المستقبل. تعهد بايدن بتوسيع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مع انتهاء رحلته المثيرة للجدل، ويشير أولئك الذين يسعون إلى الإصلاح أيضا إلى المحاكمة الفيدرالية لتوماس باراك، المستشار المخضرم للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تمت تبرئته هذا الشهر من اتهامات تزعم أنه عمل كوكيل لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكذب على محققين اتحاديين بشأنها.

كان قد اتهم المدعون العامون الأميركيون باراك باستغلال وصوله إلى ترامب لصالح الإمارات والعمل على قناة خلفية سرية للاتصالات التي تنطوي على تمرير معلومات حساسة إلى المسؤولين الإماراتيين، وتضمنت الأدلة المقدمة في المحكمة آلاف الرسائل ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وسجلات الرحلات الجوية، بالإضافة إلى اتصالات تظهر أن المسؤولين الإماراتيين زودوه بنقاط للحديث لظهوره في وسائل الإعلام وأشاد فيها بالإمارات. وبعد إحدى هذه المقابلات، أرسل باراك رسالة بريد إلكتروني إلى أحد جهات الاتصال قائلا “لقد قمت بذلك … لفريق الوطن”، في إشارة إلى الإمارات العربية المتحدة.

نفى باراك، الذي لم يسجل أبدا لدى الحكومة الأميركية للضغط من أجل دولة الخليج، التهم بشدة، وفشل المدعون في إقناع هيئة المحلفين بأن استغلاله لنفوذه أدى إلى جرائم. كما تمت تبرئة أحد مساعديه، ماثيو غرايمز.

الإمارات العربية المتحدة ليست وحدها في استخدام التكتيكات العدوانية لمحاولة ثني النظام السياسي الأميركي حسب رغبتها، وتدير المملكة العربية السعودية وقطر وإسرائيل وتايوان وعشرات الحكومات الأخرى حملات التأثير في الولايات المتحدة، في محاولة للتأثير على سياسة الولايات المتحدة.

 لكن تدقيق مجتمع الاستخبارات في دور الإمارات العربية المتحدة، يشير إلى مستوى عال من القلق وخروج دراماتيكي عن الطريقة التي تناقش بها الدولة علنا من قبل وزراء الخارجية والدفاع والرؤساء الأميركيين، الذين يؤكدون بشكل روتيني على “أهمية زيادة تعميق الولايات المتحدة العلاقة الإستراتيجية مع دولة الإمارات العربية المتحدة”.

الإمارات العربية المتحدة هي اتحاد مشيخات يزيد عدد سكانها عن 9 ملايين نسمة، بما في ذلك دولتي أبو ظبي ودبي. ومنذ العام 2012، كانت هذه الدولة ثالث أكبر مشتر للأسلحة الأميركية، وبنت ما يعتبره الكثيرون أقوى جيش في العالم العربي، من خلال تنمية علاقات وثيقة مع المؤسسة السياسية والدفاعية والعسكرية الأميركية.

قاتلت القوات المسلحة الإماراتية إلى جانب القوات الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا. كما تستضيف البلاد 5000 عسكري أميركي في قاعدة الظفرة الجوية وسفن حربية أميركية في ميناء المياه العميقة بجبل علي. وغالبا ما يصفها الداعمون لدولة الخليج هذه في مراكز الأبحاث والدوائر العسكرية الأميركية بأنها “سبارتا الصغيرة” لبراعتها العسكرية، بينما تتجنب سجلها في مجال حقوق الإنسان وعلاقات القرابة القوية مع المملكة العربية السعودية.

لا انتخابات ولا أحزاب سياسية في الإمارات ولا قضاء مستقل. وانتقاد الحكومة محظور، والنقابات العمالية والمثلية الجنسية محظورة. وبيت الحرية يصنف دول الخليج من بين أقل البلدان حرية في العالم. وتقف البيئة السياسية الخانقة في تناقض صارخ مع الصروح العالمية الفخمة للبلاد، بما في ذلك أطول مبنى في العالم ومنحدرات التزلج داخل مركز للتسوق وعالم فيراري، وهي حديقة ترفيهية مستوحاة من الشركة الإيطالية لصناعة السيارات الرياضية. وأكبر مدنها، دبي، هي مركز أعمال معفى من الضرائب مع فنادق فاخرة من فئة الخمس نجوم، ونوادي ليلية وحفلات دي جي، التي تشعر بأنها غير متوافقة مع التوجهات الدينية القريبة في المملكة العربية السعودية. وفي السنوات الأخيرة، حذر مسؤولون أميركيون وهيئات رقابية مستقلة من أن التهريب وغسل الأموال في الإمارات قد سمح للمجرمين والمتشددين بإخفاء ثرواتهم هناك.

قد نما التركيز على دور الإمارات في واشنطن بعد مقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في تركيا. وخلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أن مقتله تم بناء على طلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي تسبب في قيام شركات الضغط ومراكز الفكر في واشنطن بقطع علاقاتها المالية مع الرياض. وعلى الرغم من عدم مشاركة الإمارات العربية المتحدة، فإن مكانة ولي العهد كحارس لمحمد بن زايد آل نهيان، حاكم الإمارات العربية المتحدة، دعا إلى مزيد من التدقيق.

يقول ريدل: “كان محمد بن زايد جزءا كبيرا من الحشد الذي رأى بأن ولي العهد السعودي سيكون مصلحا، وسيجعل المملكة العربية السعودية دولة طبيعية أكثر، ويمنح المرأة حق التصويت. وكل هذا تحطم عندما قتل خاشقجي”.

تزايدت المخاوف بشأن الإمارات بين جماعات حقوق الإنسان مع تورطها العسكري في الحرب الوحشية في اليمن، والتي انسحبت منها منذ ذلك الحين. وأثارت الدولة الخليجية غضب المسؤولين الأميركيين بعد أن قالت هيئة الرقابة بوزارة الدفاع إن الإمارات ربما كانت تمول مجموعة فاغنر، وهي جيش مرتزقة روسي قريب من الكرملين اتُهم بارتكاب فظائع في ليبيا وأوكرانيا وأفريقيا. والإمارات تنفي هذه التهمة.

وعلى الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة حافظت على دعم قوي من الحزبين في الولايات المتحدة، إلا أنها أقامت علاقة وثيقة بشكل خاص بإدارة ترامب، التي وافقت على صفقة بـ 23 مليار دولار من طائرات “أف-3” و “أم كيو-9” وذخائر أخرى إلى الغمارات.

في الشهر الماضي، كشفت صحيفة الواشنطن بوست عن مغازلة واسعة النطاق لدولة الإمارات العربية المتحدة لكبار العسكريين الأميريكيين المتقاعدين. وأظهر التحقيق أنه على مدار السنوات السبع الماضية، عمل 280 من أفراد الخدمة الأميركية المتقاعدين كمقاولين عسكريين ومستشارين لدولة الإمارات العربية المتحدة، أكثر من أي دولة أخرى، وأن الوظائف الاستشارية تدفع مبالغ سخية.

وكان لـ العتيبة دور فعال في نجاح الإمارات في واشنطن، وهو سفير أقام علاقات قوية مع السياسيين ورجال الأعمال الأقوياء من مختلف الأطياف السياسية. ويحرص التقرير الاستخباراتي المذكور على عدم تحديد أفراد معينين، وفقا لأشخاص قرأوه، لكنه يذكر عدة اجتماعات ومحادثات شارك فيها مسؤولون أميركيون وإماراتيون. وتشير إحدى المقاطع إلى اجتماع بين كبار المسؤولين الأميركيين والإماراتيين اللذين أشادا بعضهما البعض “بمفردهما” لإنقاذ العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. وقال أحد الأشخاص الذين قرأوا التقرير إنه كان هناك إشارة لا لبس فيها إلى العتيبة.

قد يهمك: توقيع “شراكة استراتيجية” بين الإمارات وأميركا.. ما الأهداف؟

عند سؤاله عن النتائج التي توصل إليها مجتمع الاستخبارات، قال العتيبة إنه “تشرف بأن يكون من بين مجموعة من الأشخاص الجادين ذوي النوايا الحسنة في كلا البلدين الذين أقاموا شراكة كاملة ودائمة جعلت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والمنطقة أكثر أمانا وازدهارا وانفتاحا”.

اقترح بعض النواب الأميركيين في كلا الحزبين تشريعات للحد من التأثير الأجنبي في السياسة الأميركية. ومن شأن مشروع قانون قدمته النائبة كاتي بورتر (ديمقراطية من كاليفورنيا) العام الماضي أن يمنع لجان الحملة السياسية من قبول الأموال من جماعات الضغط المسجلة في دولة أجنبية. وتتضمن مقترحات الإصلاح الأخرى زيادة متطلبات الإفصاح، وتوفير المزيد من الموارد لوحدة التأثير الأجنبي بوزارة العدل وتوحيد بيانات التسجيل، كما ترى آنا ماسوغليا، خبيرة التأثير الأجنبي في أوبين سكريت، وهي منظمة تتعقب الإنفاق السياسي، حيث تقول: “في حين أن الولايات المتحدة لديها بعض قواعد الكشف المعمول بها، لا يزال هناك عدد من الثغرات التي تسمح للأفراد بالعمل نيابة عن المصالح الأجنبية في هذا البلد دون الكشف عن حقيقة عملهم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة