على مدى عقود، استفاد الجزائريون من سياسات الرعاية الاجتماعية المقدمة من الدولة، لكن ثبُت في النهاية للأخيرة أنه لا بد من العمل على عدم استدامتها، إذ تُظهر الإحصائية للميزانية الجزائرية فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2017 و2021، إلى وجود عجز في عام 2021 وحده بلغ حوالي 7.22 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

لجنة المالية في البرلمان الجزائري، شرعت منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في مناقشة مشروع قانون المالية لعام 2023 الذي قدمه وزير المالية، إبراهيم جمال كسالي، وسط توقعات بأن يُطرح المشروع لجلسات نقاش علنية من قبل نواب في البرلمان خلال الأسبوع المقبل.

ووفق نص مشروع موازنة الجزائر لعام 2023، فقد رصدت الحكومة الجزائرية أضخم موازنة منذ 6 عقود بقيمة 13 مليارا و918 مليونا و40 ألف دينار جزائري أي نحو 98.5 مليار دولار أميركي، بزيادة قدرها 24.5 مليار دولار عن موازنة 2022 (74 مليار دولار) و36.5 مليار دولار عن موازنة 2021 (62 مليار دولار)، وعليه ما احتمال أن تؤدي هذه الميزانية إلى عجز جديد، أم أنها جرعة تفاؤل لاقتصاد صاعد.

قلق الفقراء الجزائريين

أدى الخوف من الاضطرابات المحتملة والسوق غير الرسمي المعقد القائم على الريع إلى إعاقة التنمية الاقتصادية في الجزائر، ويتجلى هذا الضعف الآن من خلال النقص المتكرر في الغذاء وزيادة الأسعار، مما يشير إلى تكرار محتمل لصدمة عام 1988.

المختص في الاقتصاد الجزائري، عز الدين ديدان، أوضح لـ”الحل نت”، أن الميزانية الجديدة تمثل اختبارا واقعيا في سياق تدهور الاقتصاد الجزائري، إذ تكفي بعض الأرقام لإظهار حجم الصدمة الخارجية التي عانى منها الاقتصاد الجزائري، فالعجز المتوقع في الميزانية لعام 2023 يتجاوز 12 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 7 بالمئة في 2021؛ وسيتجاوز العجز في الميزان التجاري 14 بالمئة، بسبب انخفاض الصادرات بنسبة 40 بالمئة تقريبا في الأشهر الثمانية الأولى من العام.

استنادا إلى توقعاته لمعدلات النمو الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن تشهد البلدان النامية المصدرة للنفط، بما في ذلك الجزائر، نموا اقتصاديا بنسبة 2.7 بالمئة في عام 2023، وهذا ما تعقد عليه الحكومة الجزائرية من آمال، عدا كونها تعِد العدّة لاستكمال مسيرة التقشف ورفع الدعم عن السكان المحليين.

يمكن أن يُقنع ارتفاع أسعار النفط الحكومة بأنها قادرة على تحمل العبء المالي لإجراءات زيادة الأجور بشكل غير مباشر، لكن وفق ما يعتقد ديدان، فإنه وبحسب صندوق “النقد” الدولي، فإن الجزائر بحاجة إلى سعر نفط قدره 141 دولارا للبرميل لسد عجز ميزانيتها. وبالنظر إلى سوق الطاقة الحالي والقيود الهيكلية للاقتصاد الجزائري، فإن مبادرات الرئيس تبون، لن تقدم سوى إغاثة قصيرة المدى.

أسباب ارتفاع الموازنة

لم تكن القيمة المرصودة للموازنة ضخمة فحسب، بل اعتمدت الحكومة الجزائرية في موازنتها على سعر مرجعي للنفط قدّر بـ 60 دولارا للبرميل مرتفعا بـ 15 دولارا للبرميل عن موازنة 2022 (45 دولارا)، مما يعني بقاء اعتماد موازنة الجزائر على الريع النفطي.

ومن المؤشرات التي قدمتها موازنة حكومة أيمن بن عبد الرحمن لعام 2023 توقعها معدل نمو بـ 4.1 بالمئة في مقابل 3.3 بالمئة إلى 3.8 بالمئة في موازنة 2022، كما توقعت استمرار ارتفاع نسبة النمو عام 2023 إلى 4.1 بالمئة و4.4 بالمئة عام 2024.

إلا أن نسبة التضخم التي توقعتها الحكومة الجزائرية للعام المقبل كانت أكبر بمعدل 5.1 بالمئة، في مقابل 4.9 بالمئة بموازنة 2022.

الأرقام الواردة في مشروع الموازنة أظهرت زيادة “تاريخية” في موازنة وزارة الدفاع التي تصدرت بقية القطاعات بـ 22.7 مليار دولار، ثم وزارة المالية بـ 22.4 مليار دولار، والداخلية بنحو 7.1 مليارات دولار، في حين حل قطاع التعليم والتربية رابعا في المخصصات المالية لعام 2023 بحوالي 8.3 مليارات دولار.

من بين الأسباب التي تقف خلف رصد الجزائر أضخم موازنة في تاريخها نفقات الدعم الاجتماعي، الذي يمثل جزءا كبيرا من نفقات الدولة في انتظار الانتقال التدريجي من الدعم الشامل إلى الدعم الموجه، وبحسب ديدان، فإن ذلك يقود نحو عجز جديد ستعيشه الجزائر في ظل عجز متراكم منذ 2017 تقريبا.

على الرغم من أن دخل البلاد من النفط والغاز يوفر في كثير من الأحيان مستوى معينا من الراحة لمعظم الجزائريين، خاصة بعد حرب العراق عام 2003، إلا أن هذه العقلية الريعية وفق ديدان، أدت إلى اقتصاد مضطرب يتسم بتدخل الدولة والفساد وانعدام المنافسة.

علاوة على ذلك، بينما بدا تَبني هذا النموذج ذات مرة كخيار سياسي جذاب، فقد أصبح في النهاية مكلفا للغاية على الدولة للحفاظ عليه، وإدارة تبون تدرك هذا الواقع لكنها تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتغييره.

آفاق الجزائر الاقتصادية

إجمالي الدّين الحكومي في الجزائر في الإشارة إلى إجمالي المبالغ المالية التي يتعين دفعها إلى بلدان أو مجتمعات أو مؤسسات أخرى، فقد بلغ إجمالي الدّين في الجزائر في الفترة من 1998 إلى 2020 ما بين 13.4 مليار و80.6 مليار دولار. حيث وصل إلى أعلى مستوى في السنوات الماضية عند 109 مليار دولار أميركي في عام 2022.

على الرغم من التخطيط للزيادات في أسعار الطاقة التي يتم توفيرها لكبار المستهلكين والصناعة، يبدو من غير المحتمل أن مثل هذه الإجراءات ستصحح التشوهات في واحدة من أكثر البلدان التي تتلقى دعما كبيرا في العالم. في الواقع، تتضمن الميزانية الجديدة زيادة بنسبة تزيد عن 7 بالمئة في تكلفة الدعم المباشر، مما يعني أنها ستشكل 23 بالمئة من إجمالي الإنفاق العام؛ إذا تمت إضافة الدعم غير المباشر في شكل أسعار منخفضة للطاقة، فإن الرقم يتجاوز 40 بالمئة من الإنفاق.

بناء على عدد السكان، فإن الدّين في الجزائر يبلغ 1.839 دولارا أميركي للفرد، خلف هذا التفسير الرسمي، من الواضح أيضا أن الجزائر لم تعد قادرة على تحمل مثل هذا الإسراف بالنظر إلى حجم عجز ميزانيتها.

خلال العام القادم/ من المرجح أن ينمو حجم إنتاج الجزائر من الغاز إذا ما اعتمدت الدول الأوروبية البلد الإفريقي كمصدر لها، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجة أوروبا إلى إيجاد مصادر بديلة للطاقة. وعلى الرغم من أن صادرات الغاز المتزايدة والاستثمارات الأجنبية الإضافية في البلاد ستعزز النشاط الاقتصادي الكلي للجزائر في 2023-2024، إلا أن التوقعات ستظل ضعيفة بسبب الإدارة المركزية وبيئة الأعمال الغامضة التي يهيمن عليها عدد صغير من أصحاب المصالح.

مع ارتفاع دخل النفط والغاز، إلا أن العجز المالي الذي لا يزال كبيرا، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي، ومحدودية مجال الإصلاح المالي، بسبب خطر عدم الاستقرار الاجتماعي، يعني أن الجزائر ستضطر إلى الاقتراض من الخارج في وقت لاحق في فترة التوقعات 2022-2023 بشكل أساسي من حلفائها الجُدد كروسيا وإيران والصين ومن صندوق “النقد” الدولي في النهاية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.