نتيجة المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها القطاع المالي في تونس، تتجه ثلاث شركات أدوية عملاقة إلى مغادرة تونس ووضع حد لاستثمارها في البلاد، وقد تتبع شركات أخرى نفس الخطوة، ما يهدد البلاد بأزمة صحية تضاعف متاعبها الاقتصادية.

نقابة صناعة الأدوية التونسية كشفت، أن شركات “باير” و“جي أس كيه” و“نوفارتي” ستغلق فروعها في تونس، كما يمكن أن تحذو حذوها “فايزر” التونسية، في حال لم تتدخل الحكومة لمساعدة القطاع، وفقا لما قاله رئيس شركة سفيري أمين الزغودي لوكالة الأنباء التونسية .

يأتي ذلك بعد أن شهدت أزمة الدواء في تونس خلال الأشهر الأخيرة أوج تفاقمها، وهو ما دفع عددا من الصيادلة ومخابر إنتاج الدواء إلى إعلان حالة الطوارئ جراء فقدان عدد كبير من الأدوية، خاصة تلك التي توصف للمرضى الذين يشكون من أمراض مزمنة ويحتاجون بشكل عاجل لأدوية تخفيف الآلام أو غيرها.

 مستثمرو الأدوية يشيرون إلى فشل الحكومة في دفع رواتب مصنّعي الأدوية في البلاد، وهو ما يدفع إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير، حيث تدين لهم الحكومة بمبلغ 243 مليون دولار حتى الآن، وفق ما نقل موقع “نورث أفريكان بوست“.

تهديد أزمة الدواء في تونس، جاء بعد استفحال ظاهرة فقدان المواد الأساسية من الفضاءات التجارية، ليأتي الدور على الأدوية وذلك عندما دقت الأوساط الطبية جرس الإنذار معلنة حلول أزمة فقدان عدد “مهول” من أنواع الأدوية من الصيدليات مما صار يشكل خطرا محدقا بحياة الكثيرين بحسب وصف أصحاب الصيدليات وموزعي الدواء.

علاوة على ذلك، أن الشركات التي تتجه لمغادرة السوق التونسية هي “باير” الألمانية وهي تختص بصناعة الدواء والصناعات الكيميائية، وشركة “غلاكسو سميث كلاين” اختصارا (GSK) هي شركة أدوية بريطانية عالمية متعددة الجنسيات، إضافة إلى “نوفارتس” الدولية وهي واحدة من أكبر الشركات متعددة الجنسيات المصنّعة للأدوية في العالم، يقع مقرها في بازل بسويسرا.

اقرأ/ي أيضا: إعادة صياغة نظام “النظام العالمي”.. ما علاقة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا؟

توقعات بتفاقم أزمة الدواء بتونس

فيما تشير التوقعات إلى أن شركات أخرى قد تغادر تونس بعد خطوة الشركات الثلاث، ويرجع سبب ذلك إلى مناخ الاستثمار الذي لم يعد مواتيا، في حين سجلت تونس أزمة نقص حاد في توفير عدد من الأدوية في الصيدليات، وبدأ نسق فقدان الأدوية يتزايد من شهر إلى آخر.

خلال شهر حزيران/يونيو، كان عدد الأدوية المفقودة من الصيدليات ومسالك التوزيع في حدود 320 نوعا، ليرتفع الرقم بشكل “مهول” خلال تشرين الثاني/نوفمبر الحالي وفق مصادر من غرفة الصيادلة ليبلغ نحو 700 صنفا من الأدوية.

من بين أنواع الأدوية تلك التي تتوقف عليها حياة المصابين بأمراض خطيرة مثل السكري والسرطان وضيق التنفس وضغط الدم وغيرها، فيما تبدو أدوية أخرى لها مفعول المهدئات ضرورية لبعض الحالات لتفادي الأعراض النفسية وحالات النوبات العصبية.

مصادر غرفة الصيادلة التونسية أفادت، أن عدد الأدوية المفقودة حاليا يتراوح بين 500 و700 نوع من الأدوية في وقت تعرف فيه الصيدليات نقصا كبيرا في التزوّد خصوصا في أدوية حقن “الأنسولين”، التي يتناولها مرضى السكري أو عقاقير وأقراص طبية توصف لمرضى الأعصاب.

في مقابل ذلك، فإن بعض الأدوية الأخرى موجودة ولكنها تسجل اضطرابا في توزيعها أو ندرة في توفرها بالصيدليات، وهو ما عمق أزمة الدواء وزاد في معاناة المرضى الذين لا يجد 90 بالمئة منهم الأدوية التي توصف لهم في المستشفيات بحسب غرفة الصيادلة.

ويجد بعض المرضى أو ذويهم أنفسهم يوميا في رحلة مضنية للبحث دون جدوى عن الدواء، وهو ما أفرز سيلا من الاتهامات للصيدليات برفض توزيع الدواء رغم أن صندوق التأمين على المرض (صندوق التعويضات عن الأمراض)، هو الذي يتكفل عادة بدفع القسط الأكبر من سعر الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والتي تتطلب علاجا طويل المدى وذلك وفق مقاييس تُحدد مسبقا.

اقرأ/ي أيضا: بعد التقدم العسكري الأوكراني.. ما مستقبل التفاوض بين موسكو وكييف؟

اتهامات للحكومة والصيادلة في تونس

في غضون ذلك، وجّه عددا من المرضى اتهامات للصيادلة بالتسبب في أزمة فقدان بعض الأدوية جزئيا أو كليا، بينما تؤكد مصادر طبية أن الأسباب الحقيقية لأزمة الدواء تعود إلى تفاقم ديون الصناديق الاجتماعية، والتي ألقت بظلالها على اختلال ميزانية الصندوق الوطني للمرض باعتبار أنه لم يعد قادرا على التكفل ببعض الأدوية مما انعكس على نسق التوزيع في الصيدلية المركزية التي تشكو بدورها أزمة خانقة جعلتها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المزودين الأجانب.

وسط ذلك تشير بعض التقارير إلى أن أزمة فقدان الدواء في تونس هيكلية بالأساس وشاملة، إذ ليس هناك أدوية بعينها مفقودة وأخرى موجودة باعتبار أن الأمر يكاد يشمل كل أنواع الأدوية، لأن الإشكال يكمن في عدم قدرة المخابر الصيدلية على الإنتاج بسبب مرورها بصعوبات مالية، وفي هذه الحالة تتوقف المخابر عن إنتاج سائر أصناف الدواء.

بالتالي أن مخابر الدواء اضطرت للانقطاع لفترات عدة عن الإنتاج نظرا لتفاقم صعوباتها المالية وارتفاع حجم المستحقات التي تطالب بها لدى الصيدلية المركزية.

أزمة قطاع الأدوية التونسي تعكس الانهيار المالي في البلد حيث أدى نقص احتياطيات النقد الأجنبي إلى الحد من الواردات وخلق نقصا في مختلف السلع الحيوية، ولذلك لم تعد الدولة التونسية قادرة على الوفاء بالتزاماتها للشركات.

الأزمة الاقتصادية في تونس توسعت، وتصنف وكالات التصنيف الائتماني مخاطر التخلف عن السداد في تونس على أنها عالية، مما يبعث برسالة مزعجة إلى الموردين والمواطنين، وتؤكد بعض المصادر الاقتصادية أن تونس تتجه نحو التخلف عن السداد، ما لم يتم إبرام اتفاق تمويل قريبا جدا مع صندوق النقد الدولي.

أزمة الدواء في تونس تبدو أقرب إلى المستعصية ما لم يكون هناك حلول حكومية جادة، بخاصة وأن البديل عن الشركات هو الاستيراد من السوق الدولية، لكن ذلك سيكون مكلفا للدولة، ولن يكون متاحا لعدم توفر المال الكافي لدى الحكومة لدفع الثمن.

خيارات تونس أمام أزمة الدواء

الحديث عن تفاقم الأزمة، أكده تحذير النقابة التونسية من أن البلاد تعيش أزمة عميقة في قطاع الأدوية ويمكن أن تتعمق أكثر في أفق العام 2023، في حال لم يتم التجاوب معها من قبل السلطات الرسمية.

تونس تعيش وضع سياسي غير مستقر، أثّر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، كما وساهم في تأزيم وضع البلاد، حيث تشهد تونس أزمة اقتصادية متواصلة منذ سنوات، وتفاقمت إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة كوفيد-19.

بيد أن “صندوق النقد الدولي” أعلن منذ أسبوعين توصله لاتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات التونسية لمنحها قرضا بقيمة 1,9 مليار دولار على 48 شهرا، لكنه في انتظار موافقة نهائية يتم إقرارها في كانون الأول/ديسمبر القادم.

في ظل تفاقم الأزمة يبقى الحل، هو تسوية ديون الصيدلية المركزية لفائدة مخابر إنتاج وصنع الدواء والتي بلغت 700 ألف دينار، لكن مع ذلك يبقى الإشكال يتعدى كون هذه المبالغ كبيرة، وإنما في أن أصحاب المخابر لم يتلقوا إشارات طمأنة من الجانب الحكومي لتسوية تلك المبالغ أو إيجاد صيغة مُثلى لتسديد الديون حتى تتمكن المخابر من استئناف العمل.

اقرأ/ي أيضا:

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.