بعد التقدم العسكري للقوات الأوكرانية واستعادتها بعض المناطق التي غزتها القوات الروسية مؤخرا، يبدو أن موسكو دخلت في مأزق سياسي وعسكري، ذلك ما يبدو واضحا من دعواتها المتكررة للتفاوض واتهام كييف برفض الحوار، فما مصير التفاوض بين الجانبين بعد أن رُجّحت الكفة العسكرية للأوكرانيين.

توازنات التفاوض

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أدرك على ما يبدو أنه أصبح في موضع قوة بعد استعادته بعض المناطق التي احتلتها روسيا في بلاده، وقال، إن “أوكرانيا مستعدة للسلام والسلام لكل بلدنا“.

زيلينسكي أشار إلى أن الدعم الغربي العسكري من قِبل حلف “الناتو” والولايات المتحدة الأميركية، كان له دور هام في الانتصارات التي حققتها قوات بلاده، وأضاف “أنظمة صواريخ هيمارس من الولايات المتحدة أحدثت فرقا كبيرا في كييف“.

زيلينسكي أوضح خلال تصريحاته عقِب استعادة مدينة خيرسون، أن الحوار والتفاوض مرتبط باستعادة كامل الأراضي الأوكرانية، وقال “نحن نتقدم خطوة فخطوة نحو وطننا لاستعادة كافة الأراضي المحتلة، نحن نتقدم، وجاهزون للسلام، لكن سلامنا يعني استعادة كافة أراضي بلادنا، نحن نحترم قانون وسيادة البلدان كافة، لكننا نتحدث الآن عن وطننا، لذلك نحن نقاتل ضد العدوان الروسي“.

الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي، رأى أن الحوار ووقف الحرب يتطلب إرادة عسكرية وسياسية من قِبل موسكو، لا سيما بعد الهزائم التي تعرضت لها قواتها، مشيرا إلى أن التقدم العسكري والدعم الغربي جعل من عدم التفريط بالأقاليم الأربعة شرطا لقبول أوكرانيا بالتفاوض.

روسيا في مأزق

النعيمي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “أرى أن الأوكرانيين يقومون بالمعركة الدفاعية وليست الهجومية وإعلان السلام يتطلب وقف العمليات العدائية تجاه الشعب الأوكراني، لذلك قرار وقف الحرب يتمثل بتوفر الإرادة السياسية لدى القيادة الروسية، لكن بنفس التوقيت اعتقد أن السلاح المقدم للجيش الأوكراني أحدث فارق كبير في المعارك الدائرة، وكذلك الدعم اللوجستي وخاصة الاستخباراتي كان له دور فعّال في فرض الانسحابات المتتالية أمام الضربات الأوكرانية“.

النعيمي يعتقد أن تقدم القوات الأوكرانية لم يتوقف عند مدينة خيرسون، لا سيما بعد تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة من قِبل الغرب، فصواريخ “هيمارس” أحدثت فارقا كبيرا في المعركة لصالح القوات الأوكرانية، وحدّت من قدرة الجيش الروسي على التقدم في مختلف الجبهات.

بشأن التفاوض بين الجانبين، أوضح النعيمي، أن روسيا دعت مؤخرا للحوار بسبب الضغوط العسكرية والسياسية التي تعاني منها، إضافة إلى المتغير الأكثر أهمية والمتمثل بالقرار الأممي الذي يدعو لتسهيل جمع الأدلة عن الانتهاكات الروسية في أوكرانيا، وإيجاد آلية دولية للتعويض عن خسائر الحرب وتحميل روسيا الانتهاكات وإجبارها على دفع تعويضات لأوكرانيا، بالتالي زيادة الأعباء الاقتصادية على الجانب الروسي، فضلا عن العقوبات الأميركية.

استعادة الأراضي المحتلة

من الواضح أن القبول بالتفاوض من قِبل أوكرانيا، ينطلق من فكرة ضرورة وقف الحرب بالدرجة الأولى لكن دون التفريط في الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا، خاصة في ظل مرحلة التفوق العسكري لأوكرانيا على حساب الجيش الروسي.

حول ذلك زاد النعيمي قائلا، “الجانب الروسي اليوم بات في مأزق كبير، فليس بمقدوره الانسحاب دون تحقيق أهداف استراتيجية للحرب التي بدأها، وليس بمقدوره إعلان الهزيمة بعد تحقيق نصر تكتيكي، تمثل في إعلان ضمه أربعة أقاليم جديدة إضافة إلى جزيرة القرم التي لم يعترف بها دوليا لكن ميدانيا روسيا احتلتها بشكل كامل، وأرى بأن وجهة الجيش الأوكراني القادمة ستكون تجاه زاباروجيا. ضمن الخطة الأوكرانية العملياتية تحقيق أي نوع من التقدم على الجبهات في الأقاليم الأربعة، تُعد انكسارا وانحسارا لقدرة الجيش الروسي الذي بات يتراجع أمام الضربات الأوكرانية الدقيقة، ومسار العمليات العسكرية الروسية ستتجه صوب الانحسار، خاصة بعد استهداف البارجة الروسية موسكوفا وإغراقها في البحر الأسود، إضافة إلى تفجير الجسر الذي يربط الأراضي الروسية بجزيرة القرم“.

دعوات للتفاوض

بالعودة إلى ملف المفاوضات، فقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تكثيف جميع الجهود الدبلوماسية في الأسابيع المقبلة لضمان جلوس أطراف النزاع في أوكرانيا حول طاولة المفاوضات.

ماكرون قال الإثنين، في مقابلة مع إذاعة “فرانس إنتر”، “يجب أن نوجه كل الجهود الدبلوماسية في الأسابيع المقبلة لضمان جلوس الأطراف حول طاولة المفاوضات“.

وكانت واشنطن قد دعت، على لسان مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، خلال اجتماعه الأخير مع زيلينسكي، إلى التفكير في مواقف تفاوضية “واقعية“، حيث أشارت المصادر إلى أن واشنطن دعت كييف لإبداء الانفتاح على فكرة المفاوضات.

أعلنت كييف أن شروط أوكرانيا لبدء الحوار هي “استعادة وحدة الأراضي، واحترام ميثاق هيئة الأمم المتحدة، والتعويض عن جميع الخسائر، ومعاقبة كل مجرمي الحرب، وضمان عدم تكرار ذلك” بحسب ما نقلت صحيفة “المدن“.

في المقابل، أعلنت الخارجية الروسية عدم قبولها أي شروط مسبقة بشأن التسوية في أوكرانيا، بما في ذلك انسحاب القوات الروسية.

استعادة خيرسون

كان لاستعادة الجيش الأوكراني مدينة خيرسون، أثرا واضحا على سير عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث وصف محللون إخراج الجيش الروسي من المدينة، بـ“الخسارة الاستراتيجية الكبرى“، لما أظهرته المعركة من ضعف الدفاعات الروسية وانهيار في أساسيات العقيدة الروسية.

انسحاب الجيش الروسي من القتال في المناطق الجنوبية الأوكرانية، سيؤدي بطبيعة الحال إلى تبدد آمال الروسي بمتابعة التقدم إلى منطقة موكوليف، والسيطرة على كامل الشاطئ الأوكراني على البحر الأسود، والذي كان أحد أهداف الجيش الروسي من فتح معارك الجنوب.

الجيش الأوكراني، يبدو أنه سيسعى لاستغلال الارتباك السياسي والعسكري في الأوساط الروسية، لمواصلة التقدم واستعادة الأراضي التي غزتها موسكو منذ شباط/فبراير الماضي.

الجيش الروسي سعى خلال غزوه الأراضي الأوكرانية، إلى السيطرة على المنافذ البحرية والموانئ الحربية في أوكرانيا، وتحديدا تلك المطلة على البحر الأسود ونهر دنيبرو، وتُعد خيرسون من أهم الأقاليم التي تمتاز بموقعها الجغرافي والسياسي الحيوي، فهي ميناء ضخم لبناء وصناعة السفن، وهي من أولى المدن وأكبرها التي خضعت لسيطرة الجيش الروسي خلال الأيام الأولى لبدء العمليات العسكرية في شباط/فبراير الماضي”

الأهمية الجيوسياسية لخيرسون كغيرها من الأقاليم الأربعة الأوكرانية التي ضمتها روسيا، فهي تُعد من منطقة دونباس الصناعية وتقع شمال شرق جزيرة القرم، كما أن أهمية المنطقة مرتبطة بشكل مباشر بحجم الموانئ التي تقع على سواحلها، كما أنها تصل إلى جزيرة القرم الواقعة كذلك تحت سيطرة الجيش الروسي.

الباحث السياسي إياد المجالي أشار في حديث سابق مع “الحل نت“، أن استعادة الجيش الأوكراني لمدينة خيرسون، سيمكّنه بالتأكيد من قطع خطوط الإمداد للجيش الروسي، مشيرا إلى أن الجيش الروسي أحدث إجراء استباقي بإجلاء المدنيين، تمهيدا لقصف المدينة في حال دخول الجيش الأوكراني إليها، “وهو إجراء تكتيكي تسعى إليه موسكو للحفاظ على قواتها بأمان خاصة مع احتدام العمليات العسكرية وتقدم الجيش الأوكراني باتجاه خيرسون.

خيرسون، هو واحد من بين الأقاليم الأربعة التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضمها، فيما يؤكد محللون أن خيرسون هو الأهم من الناحية الاستراتيجية، لا سيما وأنه يحوي الطريق البري إلى القرم، ومصب نهر دنيبرو الشاسع الذي يشطر أوكرانيا.

خسائر متتالية لروسيا

بعد انحسارها في العديد من القطاعات الأوكرانية، لجأت روسيا إلى استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

بالنظر إلى كثافة الهجمات الأوكرانية مؤخرا لاستعادة المناطق التي تقدمت إليها روسيا، يبدو أن القرار الرسمي والشعبي الأوكراني، هو إخراج القوات الروسية من بعض المناطق، مهما كان الثمن.

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقّد من حسابات القيادة الروسية.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

الآن وبعد التقدم العسكري الأوكراني، يبدو أن موقف موسكو أصبح في مأزق حقيقي، في حين ترى أوكرانيا أنها في موضع قوة، يسمح لها أن تضمن استعادة أراضيها التي تعرضت للغزو على يد الجيش الروسي منذ شباط/فبراير الماضي.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة