بالتأكيد لا يمكن التعامل مع التهديدات باستخدام الأسلحة النووية، على أنه تصعيد سياسي وتلويح لا يمكن أن يتحول إلى واقع، فمراكز الدراسات والصحف العالمية، فتحت تحقيقات كبيرة، وتوقعات بنتائج وتبعات استخدام هذه الأسلحة على العالم، ليبقى التساؤل الأبرز، هل فعلا يمكن أن يُقدم أحد الأطراف على الضرب بهذا السلاح.

تهديدات نووية

التهديد الأبرز باستخدام الأسلحة النووية، كان على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أطلقه عندما بدأت القوات الروسية بالتراجع أمام ضربات الجيش الأوكراني، في أيلول/سبتمبر الماضي، حيث قال، إن روسيا ستستخدم كل الوسائل المتاحة للدفاع عن الشعب الروسي والدولة، ما اعتبره الغرب تهديدا مستترا باستخدام النووي.

العالم كله يتساءل الآن، عما إذا كان بوتين جاد في تهديداته، ويتحول التساؤل في بعض الأحيان إلى مخاوف، عززها مثلا تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن، من “حرب نهاية الكون“، ردا على تهديدات نظيره الروسي بوتين.

حتى الآن يمكن القول أن التهديدات باستخدام الأسلحة النووية من جانب روسيا، تجاوزت مرحلة اللفظ، لا سيما بعد أن وضع بوتين قوة الردع النووية في حالة تأهب، مشيرا إلى أن سياسة الولايات المتحدة وحلفائها تمثّل “تهديدا لوجود الدولة الروسية وسيادتها“، بعد أن كان وقّع مرسوما في حزيران/يونيو 2020، يحدد أن موسكو أذنت لنفسها باستخدام الأسلحة النووية في حالة “الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا“.

الصحفية جوستين برابان، تشرح أن تصعيد “الكرملين” اللفظي يدخل في لعبة الردع العادية، لأن استخدام السلاح النووي يعني أن إستراتيجية الردع التي تؤطره قد فشلت، أما بالنسبة للخبراء والأكاديميين والجنود والمتخصصين الذين شاركوا في برامج نزع السلاح النووي، فهم منقسمون حول هذه المسألة، إلا أنهم يعتقدون أن إخفاقات بوتين العسكرية الأخيرة جعلت ظهره إلى الجدار، وبالتالي فإن استخدام الأسلحة النووية يمكن أن يشكل الملاذ الأخير بالنسبة له.

قد يكون الخيار النووي بالنسبة لروسيا، هو الخيار الأخير فعلا، لكن ماذا إذا نفذت الخيارات الأخرى.

قطع الطريق على روسيا

من خلال ذلك يمكن قراءة أسباب عدم توجيه ضربات قوية للقوات الروسية في أوكرانيا، فالغرب لا يبدو أنه يسعى لهزم روسيا بشكل مباشر وسريع، بالتأكيد خوفا من التهور الروسي وإشعال حرب، تكون بالضبط كما وصفها بايدن، في تصريح سابق (حرب نهاية الكون).

بديلا عن ذلك تصب الدول الغربية جهودها في استنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا. عسكريا عبر تقديم الدعم للقوات الأوكرانية، بما يمكنها بمجابهة الجيش الروسي وصد هجماته، وتحقيق نصر عليه في بعض الأحيان بما يضمن التوازن العسكري.

أما اقتصاديا، فبالتأكيد استمرار الحرب لمدة طويلة، سيكون له انعكاسات اقتصادية سلبية إلى حد كبير على روسيا، فضلا عن توقف تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، الأمر الذي سيسبب المزيد من الضغط على الاقتصاد الروسي.

قد يهمك: ما هي حدود مساهمة الجزائر في مواجهة أزمة الطاقة في أوروبا؟

ومع ذلك، يرى وزير الدفاع الأميركي الأسبق وليام بيري، أن “بوتين عقلاني وليس مجنونا، ويمكنه استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا لتحقيق النصر؛ وبالتالي ضمان بقاء نظامه“، خاصة أن موسكو لديها “ميزة نسبية” هي ما يسمى الأسلحة النووية التكتيكية، وأشار إلى أن “فرص نشوب حرب نووية شاملة كانت عالية أيام أزمة الصواريخ في كوبا، ولكن فرص استخدام السلاح النووي أعلى اليوم” حسبما نقلت برابان في مقاله بصحيفة “ميديا مارت“.

تساءل مقال الصحيفة، عما إذا كان العالم سيرى العالم الضربة النووية، إذا قررت روسيا القيام بها قبل أن تقع، لترد بأنه من الصعب إخفاء تحريك الصواريخ النووية عن يقظة أجهزة المخابرات الأميركية، التي تراقب مواقع هذه الصواريخ عن طريق صور الأقمار الصناعية، وربما أيضا من مصادر بشرية، بل إن الروس يمكن أن يجعلوا هذه العملية مرئية طوعا من أجل زيادة الضغط على خصومهم.

تقوم عقيدة الجيش الروسي، على اللجوء للخيار النووي في حال تعرض ترسانته العسكرية لخسائر كبيرة، وتستند هذه الفكرة على امتلاك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم، وحيازتها 2000 رأس حربي من الأسلحة النووية الصغيرة (التكتيكية).

تملك الولايات المتحدة الأميركية، في المقابل، عددا أقل من الرؤوس النووية (6550 لأمريكا مقابل 6850 لروسيا)، لكن ترسانتها من الأسلحة النووية الصغيرة في أوروبا لا تزيد عن 100، وذلك بسبب التعقيدات السياسية والاحتجاجات الشعبية على نصب هذه الأسلحة في دول حلف “الناتو”، بحسب ما يشير تقرير لـ“القدس العربي“.

استبعاد الخيار النووي

الباحث في العلاقات الدولية حسن النيفي يرى من جانبه، أن التهديدات النووية التي أطلقتها روسيا، بعيدة التنفيذ لأسباب عديدة، أبرزها أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي وبالتالي من المؤكد أنه سيكون هنالك رد أميركي، ما يجعل خيار السلاح النووي خيارا انتحاريا.

حول ذلك قال النيفي في حديث سابق مع “الحل نت“، “على الرغم من التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي، إلّا أن ذلك مستبعد، لسببين، يتمثل الأول في إدراك بوتين جيدا، أن سلاح الردع النووي الأميركي ربما يكون أسبق من صواريخ بوتين النووية الهجومية، ولا أعتقد أن الروس سوف يقدمون على ذلك إلّا إذا أرادوا الانتحار فعلا“.

النيفي، دعم وجهة نظر الاستنزاف البطيء لمنع روسيا من اللجوء إلى الأسلحة النووية، وأضاف، “ما يهدف إليه الأميركان ومن خلفهم أوروبا، هو إبقاء بوتين في المستنقع الأوكراني، ومن ثم جعله ينزف عسكريا واقتصاديا إلى أن يصل إلى مرحلة الإغماء، وربما راهنت واشنطن أيضا على أن وصول بوتين، إلى مرحلة الترهل بعد استنزاف طويل سيخلق عوامل سقوطه من داخل روسيا قبل خارجها، وربما اعتقدَ الغرب أن هذه الطريقة من المواجهة ربما لا تعطي بوتين الفرصة للمبادرة باستخدام السلاح النووي، لعدم وجود خطر داهم أو مباغت عليه“.

المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي أي أي“، والجنرال في الجيش الأميركي المتقاعد ديفيد بيتريوس، حذر مطلع الشهر الجاري، من أن أميركا وحلفائها، سيدمرون القوات والمعدات الروسية في أوكرانيا، وسيغرقون أسطولها في البحر الأسود، إذا استخدم بوتين أسلحة نووية في أوكرانيا.

رئيس المخابرات الأميركية السابق، شدد خلال ظهوره في برنامج “هذا الأسبوع” على قناة “إيه بي سي“، أن القوى الغربية تأخذ تهديدات بوتين النووية على محمل الجد، مشيرا إلى تصريحات مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، بأن العديد من المسؤولين الأميركيين قد حذروا موسكو بأنها ستواجه عواقب كارثية إذا استخدمت أسلحة نووية في أوكرانيا.

بيّن بيترويس، أن الرد سيكون من خلال قيادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” عبر جهد جماعي سيؤدي إلى القضاء على القوة الروسية التقليدية في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وكل السفن الروسية في البحر الأسود.

أكد بترويس، أن الرد الأميركي لن يتوسع نوويا، أي إن الولايات المتحدة لن ترد بتصعيد نووي مع روسيا على الرغم من أن الأمر مروع للغاية. ولاحظ المسؤول الأميركي البارز أن الإشعاع النووي سيصل إلى دول حلف “الناتو“، مما يجعله بمثابة هجوم فعلي على الحلف.

تبقى جميع الاحتمالات حتى الآن مفتوحة مع استمرار عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن التحركات النووية المحتملة، بالتأكيد لا يمكن إخفائها عن العالم، إذ أنه من الصعب إخفاء تحريك الصواريخ النووية عن يقظة أجهزة المخابرات الأميركية التي تراقب مواقع هذه الصواريخ عن طريق صور الأقمار الصناعية، وربما أيضا من مصادر بشرية.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.