أزمة الغاز التي فرضتها تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، دفعت بالدول الأوروبية لتعزيز الشراكات والاتفاقيات مع الجزائر، وذلك بحثا عن شريك للحصول على الغاز الطبيعي لمواجهة وقف إمدادات الغاز الروسي، فإلى أي مدى يمكن للجزائر المساهمة في مواجهة أزمة الطاقة في أوروبا.

متطلبات زيادة الغاز الجزائري

زيادة الغاز الجزائري المصدّر إلى أوروبا بكميات كبيرة، يتطلب بالتأكيد جهد مشترك بين الجانبين، لا سيما فيما يخص العمل على استخراج الغاز من الحقول المكتشفة حديثا، إذ تحتاج الجزائر إلى جهود الشركات الأوروبية للعمل على استخراج الغاز وتصديره بوتيرة أسرع.

ذلك ما تحاول الدول الأوروبية مؤخرا السعي من أجله، وذلك عبر زيارات عديدة أجراها زعماء أوروبيين إلى الجزائر، لبحث تعزيز الشراكة الاقتصادية المتعلقة بالغاز، والعمل على تحسين إنتاج الجزائر من الغاز، والذي يبلغ حاليا 6،491،744 مليون قدم مكعب سنويا منذ 2015، وتحتل به الجزائر المرتبة الخامسة على العالم.

الأكاديمي والباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور عبد المنعم الحلبي، يرى أنه يمكن للجزائر أن تساهم بشكل كبير في سد ازمة الطاقة في أوروبا، كما يمكن للأخير الاستفادة من الجزائر في لعبة “عض الأصابع” التي دخلتها مع روسيا بسبب الغاز، مشيرا إلى أن الاتفاقيات يمكن أن تواجه بعض العقبات المتعلقة بالأجواء السياسية.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

الحلبي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “حاليا نسبة مساهمة الجزائر في الإنتاج العالمي من الغاز لا تتجاوز 3 بالمئة، وهي نسبة قليلة، لكن في الظروف الحالية، يمكن زيادة هذه النسبة بالتأكيد، خاصة مع وجود البنية التحتية اللازمة، أبرزها الأنبوب الجزائري الذي يمد أوروبا بالغاز عن طريق إيطاليا، كما أن علاقة الجزائر مع العديد من دول أوروبا بينها إسبانيا على سبيل المثال، يمكن أن تعلب دورا إيجابيا في حصول اتفاقيات في المرحلة الحالية”.

حل نهائي؟

وفق إمكانات البلاد والمعطيات الراهنة، بالتأكيد لا يمكن للجزائر أن تكون الحل النهائي لأزمة الطاقة الأوروبية، لكن ووفق الحلبي فإن الدور الجزائري مهم جدا بالنسبة لأوروبا، ويضيف، “صحيح هي حالة مؤقتة ربما، لكن مهم جدا، واضح الآن في لعبة عض أصابع بين أوروبا وروسيا، بالتالي مساهمة الجزائر بأي نسبة هي مهمة، ويمكن أن تصل هذه النسبة إلى 15 بالمئة من احتياجات أوروبا، ضمن خطة واتفاقات متسلسلة”

أوروبا تطمح أن تلعب الجزائر باستخدام أقصى إمكانياتها ومواردها، دورا مهما في سد ثغرة نقص الطاقة، لا سيما خلال فصل الشتاء، وفي حال نجاح هذه الخطة، فإن أوروبا تكون امتلكت ورقة ضغط هامة تجاه روسيا، لا سيما وأن هناك بديل آخر هو البديل الهولندي، لذلك فإن أوروبا ستواجه بهذه الأوراق التصعيد الروسي المتعلق باستخدام الغاز كورقة ضغط سياسية.

الحلبي أشار كذلك إلى الدور الأوروبي في تعزيز الشراكة مع الجزائر، موضحا أن دور الشركات الأوروبية مهم في عمليات استخراج الغاز، والمساهمة كذلك في تمويل هذه العمليات، لتشجيع الجزائر على تخصيص جزء من الإنتاج للتصدير على مدى زمني معين.

حول ذلك زاد بالقول، “بالتأكيد هناك دور أوروبي لتعزيز عمليات الإنتاج، لكن يمكن لهذه الاتفاقات أن تواجه عقبات متعلقة بالحالة السياسية شمال إفريقيا، الحالة السياسية بين الجزائر والمغرب تلعب دور كبير في المناخات السياسية العامة، معروف من الجزائر أنها جزء من استقطاب محسوب إلى حد ما على إيران، يمكن لذلك أن يشكل حساسية لدى أوروبا، بعدم إتاحة المناخات السياسية اللازمة لتنفيذ هكذا اتفاقات بصورة استراتيجية”.

يشار إلى أن الجزائر تصدر 24 بالمئة من إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي البالغ نحو مليون ونصف قدم مكعب في 2015.

ويبلغ الاستهلاك الداخلي 1،4 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويا اعتبارا من عام 2017. لتكون في المرتبة 26 في العالم من حيث استهلاكه بنسبة 1.1 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العالمي البالغ نحو 132 مليون قدم مكعب.

زيارات متتالية للجزائر

العديد من المسؤولين الأوروبيين أجروا زيارات متتالية إلى الجزائر، خلال الأسابيع الماضية، في ظل زيادة الطلب على الغاز الجزائري بسبب أزمة الطاقة في القارة العجوز، والتي وصل صداها إلى كافة دول العالم، فضلا عن قرار مجموعة “أوبك بلس” بتخفيض إنتاج النفط ما عمّق من الأزمة العالمية.

الدول الأوروبية تسعى لزيادة إمداد الغاز الجزائري، وهي التي تربطها مع الجزائر شراكة تجارية منذ عام 2002، كما تزوّد الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطي أنابيب، الأول يصل إيطاليا مرورا بتونس، بطاقة تصل نقل تقدر بـ 32 مليار متر مكعب سنويا، والثاني “ميدغاز” يمر من الساحل الغربي للبلاد إلى جنوب إسبانيا وينقل 10 مليارات متر مكعب سنويا.

من أبرز الزيارات الأوروبية للجزائر، كانت توجه رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، إلى الجزائر الأسبوع الماضي، في زيارة ليومين رفقة 16 وزيرا، تم خلالها عقد الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى بين البلدين التي لم تلتئم منذ 2017.

قبلها بأيام قليلة افتتح وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب ومفوضية شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، المنتدى السنوي الرابع لحوارات الطاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بالجزائر العاصمة، بعد آخر اجتماع في الخصوص بين البلدين منذ عام 2016.

بدوره، حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجزائر، نهاية أغسطس/آب الماضي، في زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام، جاءت بعد أزمة عاصفة وصِفت بغير المسبوقة بين البلدين.

عقِب الزيارة قالت وسائل إعلام فرنسية، إن الجزائر تعتزم زيادة إمدادات الغاز نحو فرنسا دون الكشف عن تفاصيل الكميات الإضافية، وخلال الزيارة أشاد ماكرون باتفاق الجزائر مع إيطاليا لإمدادها بكميات إضافية من الغاز.

توّجت الزيارة بـ“إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة“، نص على رغبة البلدين في “افتتاح حقبة جديدة“، وتبني “مقاربة ملموسة وبنّاءة تركز على المشاريع المستقبلية والشباب“.

الجزائر أعلنت كذلك قبل أسبوع، بدء إنتاج الغاز في حقلين جديدين، وذلك في إطار مشواره لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا في المرحلة المقبلة، حيث أشارت شركة “سوناطراك” الجزائرية، إلى أن تعزيز إنتاج الغاز يأتي في إطار العقد الموقّع مع شركة الغاز الإيطالية “إيني“.

بحسب ما أعلنت الشركة الجزائرية، فإن توسيع الإنتاج، سمح بتوسيع كمية الإنتاج إلى مليون متر مكعب من الغاز.

تعزيز الشراكة

قبل أيام أيضا، استقبلت الجزائر مسؤولين أوروبيين، ضمن اجتماعات النسخة الثانية من منتدى أعمال الطاقة لتطوير الشراكة مع أوروبا الذي امتد ليومين، إذ يسعى المسؤولون في أوروبا استغلال هذا الاجتماع، لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، لمواجهة الأزمة الناتجة بالدرجة الأولى عن الغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما مع دخول فصل الشتاء.

ناقش الجانب الجزائري خلال الاجتماع خطة استكشاف حقول النفط والغاز في البلاد، حيث أكد رئيس الحكومة الجزائرية أيمن عبد الرحمن، وفق تصريحات تابعها “الحل نت“، أن قدرات الجزائر في النفط والغاز “كبيرة لكنها غير مستكشفة بالكامل، لا سيما في جنوبي وغربي وشمالي البلاد والمنطقة البحرية“.

في إطار سعي الحكومة لإطلاق مشاريع الاستثمار في مجال الطاقة، أوضح عبد الرحمن، أن “فرص الاستثمار مفتوحة لشركاء الجزائر، وخاصة الأوروبيين“، في إشارة على ما يبدو إلى مصلحة الجانبين من هذا التعاون في مجال الطاقة.

مفوضة شؤون الطاقة في الاتحاد الأوروبي، لفتت خلال الاجتماع إلى أن أوروبا، بحاجة إلى 150 مليار متر مكعب من الغاز، معتبرة أن هذه الكمية بمثابة فرصة للجزائر لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليمان، أن الكرة في ملعب الأوروبيين فيما إذا أرادوا الحصول على المزيد من الغاز خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تأكيد الجزائر على فتح الأبواب أمام الشركاء الأوروبيين للمساعدة في اكتشاف حقول الغاز وإنتاج الطاقة.

سليمان قال في حديث لقناة “سكاي نيوز” الفضائية وتابعه “الحل نت“، “الجزائر هي شريك مضمون وحقيقي للأوروبيين، وإذا أرادت أوروبا المزيد من الغاز، فيجب عليها الدخول في استثمارات والدخول في التنقيب والاستكشاف“.

تنتج الجزائر نحو مئة وعشرة مليارات متر مكعب من الغاز، تذهب نصفها إلى الاستخدام الداخلي وإنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن الجزائر بحاجة إلى “تحول طاقوي بمساعدة أوروبا، لتوفير الغاز الذي يتم استخدامه في إنتاج الكهرباء، ليتم تحويله للتصدير نحو أوروبا“، بحسب حديث سليمان.

ليست واضحة حتى الآن كافة معالم التعاون الجزائري الأوروبي، لكن بالتأكيد فإن أوروبا ستسعى لاستغلال كافة الاتفاقيات المتاحة، لتأمين ما يمكن تأمينه من الغاز خلال فصل الشتاء، ذلك ما يوحي أيضا بأن الحكومات الأوروبية لن تقدّم التنازلات لموسكو لإعادة فتح صنابير الغاز، ذلك ما قد يشكل ضربة مفصلية للاقتصاد الروسي خلال السنوات المقبلة، فيما إذا نجحت أوروبا في الخروج من الأزمة بأقل الأضرار.

قد يهمك: “المجموعة السياسية الأوروبية”.. رسالة إلى بوتين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.