“المجموعة السياسية الأوروبية”، فكرة فرنسية دعمتها برلين فأصبحت حقيقة واقعة مطلع هذا الشهر، فهل هي رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما أهدافها.

أخيرا تشكلت “المجموعة السياسية الأوروبية”، وكان اجتماعها الأول في 6 تشرين الأول/أكتوبر الجاري في العاصمة التشيكية براغ، بمشاركة 44 دولة من الدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي” وخارجه من الدول القطرية.

الإعلان عن تشكيل “المجموعة السياسية الأوروبية”، جاء في خضم صراع متنام مع روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا منذ 24 شباط/فبراير الماضي، وهي عبارة عن منصة أوروبية جديدة، هدفها التنسيق السياسي بشأن التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة، ولا تدخل في إطار هياكل “الاتحاد الأوروبي” التقليدية.

لحماية أوكرانيا

“المجموعة السياسية الأوروبية”، ضمت الدول الـ 27 الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي”، إضافة إلى ألبانيا وأرمينيا وأذربيجان والبوسنة وجورجيا وآيسلندا وكوسوفو وليختنشتاين، فضلا عن مولدوفا ومونتنيغرو ومقدونيا الشمالية والنرويج وصربيا وسويسرا وتركيا وأوكرانيا وبريطانيا.

في المقابل تم استبعاد كل من روسيا وبيلاروسيا من “المجموعة السياسية الأوروبية”، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ودعم مينسك لموسكو في غزو كييف، وتشكيل المجموعة فيه رسالة “قوية” إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب المستشار الألماني أولاف شولتز.

شولتز قال، “من الواضح جدا أننا جميعا الذين نجتمع في براغ، نعلم أن الهجوم الروسي على أوكرانيا يُعد انتهاكا وحشيا للأمن والسلام اللذين كنا نحظى بهما في أوروبا على مدى العقود الماضية، ولذلك من المهم أن نرفض هذا الهجوم”.

تسعى هذه المجموعة إلى إيجاد استراتيجيات لمعالجة المخاوف المشتركة، مثل الطاقة والاقتصاد والغزو الروسي لأوكرانيا، وأصل الفكرة يعود إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال رئاسة بلاده الدورة السابقة لـ “الاتحاد الأوروبي”، في النصف الأول من العام الحالي، ودعمها المستشار الألماني شولتز.

الفكرة جاءت كمحاولة للتفكير بصيغة تتجاوز قوانين “الاتحاد الأوروبي”، وتسمح لأوكرانيا بأن تتمتع بنوع من الحماية الأوروبية بوجه الحرب الروسية، ولهذا بدا ماكرون، أكثر الزعماء المشاركين في اجتماع براغ فرحا، كون الفكرة سارت على قدميها، وبدأت بالتحول إلى مؤسسة.

في حفل افتتاح الاجتماع، قال ماكرون، إن وجود المجموعة يهدف إلى إرسال رسالة وحداة إلى جميع الدول الأوروبية، من خلال بناء “تقارب استراتيجي” وإيجاد استراتيجيات مشتركة، وأشار إلى أن المجموعة لا تسعى للتنافس مع “الاتحاد الأوروبي”، ولكن لإيجاد مشاريع تكميلية.

قمة براغ انتهت إلى العديد من التفاهمات والتباينات، ولكن نسبة التوافق أعلى من الاختلاف، ولم يحدث ما كانت تراهن عليه روسيا، وهو حصول انقسامات عميقة تفشل الاجتماع، خصوصا وأن فكرة المجموعة أتت من الحاجة إلى إيجاد صيغة لقبول أوكرانيا ضمن العائلة الأوروبية، بعد أن تعرضت للغزو الروسي.

تطمح الصيغة التي طرحها ماكرون، لتأمين غطاء سياسي وأمني لأوكرانيا من دون قبولها دولة عضوة في “الاتحاد الأوروبي”، بعد رد طلبها بهذا الخصوص؛ لأنها لا تلبي معايير وشروط العضوية، وتحتاج إلى 10 سنوات على الأقل كي تحقق ذلك، وعليها أن تنتظر دورها وراء طابور يتكون من حوالي 16 دولة مرشحة للعضوية.

سر حضور بريطانيا

ماكرون، أراد أن يلتف على شروط العضوية كي لا تبقى أوكرانيا من دون سند أوروبي، لا سيما أن “حلف الناتو”، واجهها بتأجيل قبول طلب العضوية فيه أيضا، وبذلك دخلت أوكرانيا من الناحية النظرية إلى الفضاء الأوروبي الموحد، وتدريجيا حازت على صفة مرشح للعضوية الأوروبية، والتي تؤهلها الحصول على دعم أوروبي من الاتحاد الأوروبي”، حسب تقرير لصحيفة “العربي الجديد”.

حظوظ هذه الصيغة من النجاح كبيرة؛ لأنها باتت مشروعا فرنسيا ألمانيا، وهكذا درجت العادة أن أي مشروع أوروبي يحتاج إلى الرافعة الألمانية الفرنسية أولا، كي يتمكن من الانطلاق؛ لأن باريس وبرلين، قادرتان على توفير القوة الدافعة، وما كان لهما أن تبادرا إلى هذا المشروع، لو لم تدركا صعوبة تعامل “الاتحاد الأوروبي” مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.

“الصورة العائلية” التي التُقطت في اجتماع تشكيل “المجموعة السياسية الأوروبية”، في قلعة براغ المهيبة التي تهيمن على البلدة القديمة، تهدف إلى إحياء الروح المعنوية بين الدول الأوروبية، بينما يلوّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مجددا باستخدام السلاح النووي، وتواجه القارة أزمة غير مسبوقة للطاقة، وفق تقرير لموقع “الشرق”.

موقع “يورو نيوز” أشار، إلى أن “المجموعة السياسية الأوروبية” قد تكون “تذكرة من الدرجة الثانية” للانضمام إلى “الاتحاد الأوروبي”، بالنظر إلى الوتيرة شبه الجليدية لمحادثات العضوية خلال السنوات الأخيرة.

ما يجدر ذكره، أن العديد من دول البلقان تنتظر منذ ما يقرب من عقدين من الزمن الفرصة للانضمام إلى “الاتحاد الأوربي”، ناهيك عن أن تركيا التي تنتظر لفترة أطول، إذ تعطلّ إحراز التقدم بسبب اعتراضات الدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي” على انضمامها.

اللافت في تشكيل “المجموعة السياسية الأوروبية”، مشاركة رئيسة الحكومة البريطانية ليز تراس، في قمة براغ، على الرغم من أنها من المتحمسين لخروج بريطانيا من “الاتحاد الأوروبي”، ورغم أنها كانت متشككة بشأن الفكرة التي اقترحها ماكرون، لكنها باتت تعتقد لاحقا أن هناك عدة أسباب للحضور، ومنها أنه يُنظر إلى الاجتماع على أنه علامة على الوحدة في دعم أوكرانيا ضد روسيا، وكذلك فرصة لمناقشة قضايا أساسية مثل أسعار الطاقة أو الهجرة مع الجيران الأوروبيين.

للشكل الأوروبي الجديد جملة من المزايا المهمة. أولها، الإبقاء على نوع من اللقاء الأوروبي، الذي يمثل شكلا من أشكال الاعتراف بوحدة المشاكل، حتى لو اختلفت الحلول. والثانية، بحث القضايا الأوروبية داخل هذا الإطار حصرا، والتفكير بالمصاعب والأزمات والحلول.

أهداف المجموعة الأساسية

بالنسبة لستيفن بلوكمانز، مدير الأبحاث في “مركز دراسات السياسة الأوروبية”، فإن السرعة التي نُظّم بها هذا الاجتماع، تشير إلى أن ثمة “مسائل هنا تتجاوز النزاعات الثنائية وتتعلق بمستقبل نظام الأمن الأوروبي”.

بلوكمانز أردف في تصريحات لموقع “يورو نيوز”، أن ذلك يُظهر أيضا “لروسيا وبيلاروسيا أن بقية أوروبا تتحد بشكل أساسي للدفاع عن النظام الأمني الأوروبي”، معتبرا أن هذه المنظمة الجديدة ستكون إضافة مرحّب بها إلى المنظمات الدولية، وغيرها من المؤتمرات الحكومية الدولية الموجودة.

مجلس “الاتحاد الأوروبي” المنضوي في “المجموعة السياسية الأوروبية”، يرى أن قادة دول التكتل ينبغي أن يجتمعوا مرتين سنويا، ورجّح أن السيناريو التوافقي سيكون في نمذجة الاجتماعات على غرار مجموعة الـ 20 مع تنظيم قمم على أساس دوري لكل دولة مشاركة، مع تناوب الاستضافة بين دولة عضو في “الاتحاد الأوروبي” ودولة قطرية.

المجلس الأوروبي حدّد الأهداف الرئيسية للمجموعة في تعزيز الحوار السياسي، ومعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار والرخاء في أوروبا، ومن بين الأهداف أيضا توسيع مناقشة القضايا الاستراتيجية نحو شركاء أوروبيين آخرين، باعتبار أن التحديات الراهنة لا تقتصر على دول “الاتحاد الأوروبي” فقط.

وفق مسؤول السياسة الخارجية والأمن في “الاتحاد الأوروبي” جوزيب بوريل، كان على أجندة قمة براغ، عزل روسيا من الساحة الدولية، وإمكانية البحث عن نظام دولي جديد يستثنيها في ظل وجود بوتين.

فكرة ماكرون التي نجم عنها تشكيل “المجموعة السياسية الأوروبية” وتشمل 44 دولة، تعكس اقتراح الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، لتوحيد أوروبا بعد سقوط جدار برلين عبر فيدرالية أوروبية.

في النهاية، تم الاتفاق على أن تعقد قمتان لـ “المجموعة السياسية الأوروبية” كل عام، وستعقد القمة المقبلة في ربيع 2023 في مولدوفا، على أن تليها كل من إسبانيا وبريطانيا، بحسب البيان الختامي لاجتماع المجموعة الأول في قمة براغ.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة