في ظل التصعيد الروسي ضد أوكرانيا باستهداف المدن الأوكرانية بالصواريخ على خلفية تفجير جسر القرم قبل أيام، وبعد قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتوقيع على نتائج الاستفتاء الذي أجرته روسيا لضم أربع مناطق أوكرانية لروسيا، بدأت تحركات دولية حثيثة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تحت عنوان “محاسبة روسيا”، وذلك من أجل عزلها بشكل أكبر عن المجتمع الدولي.

خطوة سبقتها خطوات أخرى، من بينها فرض عقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا عسكريا ولوجستيا من قبل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إضافة إلى تحركات في “الجمعية العامة” للأمم المتحدة في محاولات لإبعاد روسيا عن مجلس الأمن وحرمانها من حق النقض “الفيتو”.

مشروع قرار لعزلة روسيا

“الجمعية العامة” للأمم المتّحدة، بدأت عصر الإثنين الفائت، مناقشة مشروع قرار قدمته أوكرانيا وشارك في صياغته الاتحاد الأوروبي، يندد بضم روسيا أربع مناطق أوكرانية، في خطوة يسعى من خلالها الغرب لإثبات عزلة موسكو على الساحة الدولية.

من مظاهرات ضد الغزو الروسي لأوكرانيا “وكالات”

من جهتها، الولايات المتحدة، كثفت جهودها الرامية لحشد تأييد أكبر عدد ممكن من الدول لمشروع قرار في “الجمعية العامة” للأمم المتحدة، يدين ضم روسيا أربع مناطق أوكرانية. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن التصويت على النص يمكن أن يحصل اليوم الأربعاء أو على الأرجح يوم غد الخميس.

طه عبد الواحد، الخبير في الشؤون الروسية، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن مشروع القرار سبق وأن تم تقديمه لـ”مجلس الأمن” الدولي، لإدانة روسيا لضمها لمناطق أوكرانية، لكنه اصطدم بالاستخدام الروسي لحق “الفيتو”، لذلك تم نقل القرار إلى “الجمعية العامة” للأمم المتحدة.

القرار بحسب عبد الواحد، سيتم التصويت عليه بالموافقة من قِبل عدد كبير من الدول، أي من قِبل غالبية الأعضاء، وستتم إدانة الضم الروسي للمناطق الأوكرانية، لكن يبقى هذا القرار غير ملزم لأي طرف من الأطراف ولا يمنح صلاحيات لأي جهة، ولكن سيزيد من عزلة روسيا دوليا.

من جهته، الصحفي عمار جلو، يبيّن لـ”الحل نت”، أنه على الرغم من أن القرار غير ملزم لأن صدوره سيكون من قبل “الجمعية العامة”، إلا أنه سيكرّس العزلة الروسية عالميا وسيجعل من روسيا دولة منبوذة أكثر على الساحة الدولية.

ما هي تأثيرات هذا القرار؟

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أوضح في تصريحات سابقة للصحافيين “نعتقد أن أوان الحياد قد ولى”. وأضاف “لا يمكن أن يكون هناك حياد في وضع مماثل”.

من جهته، وبانتظار حصول التصويت، أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، محادثات هاتفية مع عدد من القادة الأجانب، من بينهم الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش، ومع العديد من نظرائه في سائر أنحاء العالم، وذلك في محاولة منه لحشد تأييد أكبر عدد ممكن من الدول لمشروع القرار.

الحملة التي يقودها بلينكن، لحشد التأييد لمشروع القرار المناهض لروسيا بدأها الأسبوع الماضي خلال جولة قام بها في أميركا اللاتينية وشملت كولومبيا وتشيلي والبيرو، حيث طلب من كل القادة الذين التقاهم التصويت إلى جانب نص القرار.

كما حمل الوزير الأميركي، هذا المطلب إلى ليما، حيث شارك يومي الخميس والجمعة، الفائتين في أعمال الجمعية العامة لمنظمة البلدان الأميركية، كما أجرى بلينكن ومساعدته للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، المسؤولة الثالثة في وزارة الخارجية الأميركية، نقاشا عبر الفيديو مع ممثلين عن حوالي 100 دولة.

المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، أشار إلى أن بلينكن ونولاند، شددا على مسامع محادثيهم على ضرورة أن تتم “محاسبة روسيا على ضمها غير القانوني أراضيَ في أوكرانيا”.

طه عبد الواحد، يرى أن التأثير الفعلي للقرار سيكون من خلال تسجيل موقف دولي ضد روسيا في خطوتها بضم المناطق الأوكرانية، كما أنه سيتم استخدامه في الحملات الإعلامية خلال المرحلة المقبِلة ضد روسيا.

عمار جلو، يشير إلى أن للقرار ما بعده، على الرغم من عدم إلزاميته القانونية، ولكن هناك عدد من النتائج على المستوى الدولي ستتمخض عنه، من أبرزها استغلال القرار لحشد الرأي العام الدولي ضد روسيا بوصفها دولة ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وهو ما سيفيد لاحقا إذا ما تمت ملاحقات للمسؤولين الروس.

أيضا فإن العديد من الدول والتي لا تزال تربطها علاقات بروسيا قبل القرار، فإنها ستقوم بقطع هذه العلاقات أو تجميدها دبلوماسيا على الأقل، وإن كان ذلك بشكل فردي، وهذا ما سيضيق الخناق على موسكو بشكل أكبر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الدول ستنضم إلى قائمة الدول الغربية التي تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا فهنا أيضا ستزداد الأوضاع الاقتصادية الروسية سوءا.

أما الأهم من ذلك كله، فإن الدول الغربية بشكل عام، وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، بشكل خاص سيتخذون من هذا القرار ذريعة لزيادة الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا خاصة بعد التصعيد الروسي الأخير، أي من الممكن رؤية تصعيد عسكري أكبر من قِبل أوكرانيا ضد روسيا خلال المرحلة القادمة.

 الولايات المتحدة، بحسب جلو، قادرة على الضغط على العديد من الدول التي أجرت معها محادثات حول مشروع القرار، من أجل دعم كييف ومقاطعة موسكو، لذلك ستشهد المرحلة القادمة أيضا تحولات في المواقف السياسية من روسيا وهذا الأمر مهم للغاية.

إقرأ:أوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم.. معركة فاصلة في الشتاء؟

أعادة تشكيل “مجلس الأمن”

مؤخرا وفي تطور ضمن التطورات المتلاحقة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، طالبت الولايات المتحدة بإعادة تشكيل “مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة، كخطوة تمهيدية، ترى موسكو أنها ترمي إلى عزلها.

من وجهة نظر روسيا، تستغل الولايات المتحدة المطالب السابقة بضرورة إصلاح الأمم المتحدة وتمثيل القوى الجديدة داخل “مجلس الأمن”، لتطرح الآن هذا المقترح بحجة أهمية مراعاة التمثيل الجغرافي العادل للدول.

 من جهتها، قالت سفيرة الولايات المتحدة، لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس، خلال اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة، “إن أي دولة عضو دائم بالمجلس وتمارس حق النقض للدفاع عن أعمالها العدوانية تفقد السلطة الأخلاقية ويجب محاسبتها”، منوّهة إلى أن روسيا استخدمت حق النقض 26 مرة، مقابل 4 مرات استخدمته الولايات المتحدة.

خبراء يرون، أن مسألة إعادة تشكيل مجلس الأمن ليس بالأمر الجديد، ومنذ سنوات ظهرت مطالب بإدخال دول مثل اليابان والبرازيل وألمانيا إلى “مجلس الأمن”، مع مناقشة إلغاء حق “الفيتو” للدول دائمة العضوية، لكنه لم يتحقق.

الخبراء يضيفون، أن طرح مقترح إعادة تشكيل المجلس مجددا في ظل الأوضاع العالمية التي طرأت منذ الحرب الأوكرانية والتحالف الروسي المتجمد مع الصين، يصعب تحقيقه، وبالتالي لا يمكن عزل روسيا وحرمانها من حق “الفيتو”.

لكن تكمن صعوبة إجراءات إعادة تشكيل “مجلس الأمن”، في ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه لا يحق تجريد أي دولة من عضويتها في مجلس الأمن، حتى لو لم تكن عضويتها دائمة، حيث يتطلب أي تعديل في الميثاق، موافقة الدول الخمس التي لديها عضوية دائمة.

عقبات تتمثل في أن القرارات المهمة ذات القوة التنفيذية تتخذ في “مجلس الأمن”، ومع تزايد العداوة بين دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة وروسيا، فالمجلس لن يتخذ أي قرار من هذا القبيل، نظرا للتناغم الحالي بين بكين وموسكو، وبالتالي ستعارضان القرار باستعمال حق “الفيتو”، وهناك رفض من قبل الصين أن تحقق الولايات المتحدة انتصارا في “مجلس الأمن”، وأن تلحق بروسيا خسائر كبيرة جراء العزل.

أيضا تتسبب دعوات عزل روسيا من مقعدها، في تصاعد العداوة بين موسكو وواشنطن، وزيادة التوتر، خاصة أن الأولى لديها حلفاء ومصالح مشتركة مع بعض الدول، ما يؤشر لزيادة حدة الانقسام العالمي بين الغرب والشرق.

كما أن تبعات هذا التصعيد، يدفع روسيا لتقوية تحالفاتها مع الصين، وإيران التي طالبت بالانضمام إلى مجموعة شانغهاي، فهي لها مواقف واضحة ضد الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.

هل هناك طريقة لعزل روسيا من المجلس؟

من الناحية المبدئية، لا يحتوي ميثاق الأمم المتحدة على طريقةٍ لعزل عضو دائم في “مجلس الأمن”. ومعلوم أنه مجلس يتكون من 15 عضوا، خمسة منهم دائمون يتمتعون بحق النقض، وعشرة غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لعامين ممثلين عن المجموعات الإقليمية.

مع أن ميثاق الأمم المتحدة ينص، في مادته السادسة، على أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز لـ”للجمعية العامة” أن تفصله من الهيئة”، إلا أن ذلك لا يكون إلا “بناء على توصية مجلس الأمن”. وطبعا، روسيا، وهي عضو دائم فيه وتتمتع بحق النقض، لن تصوت أبدا على قرار يتيح طردها من الأمم المتحدة.

بحسب مراجعات “الحل نت”، لم يحدُث، في تاريخ الأمم المتحدة منذ إنشائها عام 1945، أن طُردت دولة منها، مع أنه جرى تعليق عضوية بعض الدول فيها، بموجب المادة الخامسة من الميثاق، كما في حالة جنوب أفريقيا تحت حكم نظام الفصل العنصري، ما بين أعوام 1970-1974، ولم تشارك جنوب إفريقيا في أنشطة “الجمعية العامة” إلا عام 1994 بعد انهيار نظام “الأبارتهايد” فيها.

أيضا، حتى تعليق العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتاج موافقة مجلس الأمن، إذ تنص المادة الخامسة على أنه “يجوز لـ”للجمعية العامة” أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبَله عملا من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناء على توصية ‏مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا”. هذا يعني أن أي محاولة لتعليق عضوية روسيا سيكون أقرب للمستحيل.

هل هناك حلول؟

بعد بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، اقترح الرئيس الأوكراني، إصلاح الأمم المتحدة، هو ما يعني تعديل ميثاقها. لكن تعديل الميثاق ينبغي أن يجري بموجب الفصل الثامن عشر منه، والذي ينص على أن “التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة، ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين”.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في جلسة لمجلس الأمن “وكالات”

إذا، تعديل الميثاق ليس خيارا مطروحا، فلن توافق روسيا على أي خطط تستهدفها وتستهدف نفوذها في الأمم المتحدة، وهي ستلجأ إلى حق النقض في مواجهة أي مسعى يكون ضدها.

لكن هناك طريقة، بحسب خبراء في القانون الدولي، لمحاسبة روسيا، أو أي عضو دائم في “مجلس الأمن”، في الأمم المتحدة، ولكنها طريقة غير ذات معنى كبير وغير ذات جدوى عملية.

ترتبط هذه الطريقة بتعريف “حق النقض” وكيف يمكن استخدامه، وهو ما يخضع للمادة السابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة، حيث تنص هذه المادة على: “1. يكون لكل عضو من أعضاء “مجلس الأمن” صوت واحد. 2. تصدُر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه. 3. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، شرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت”.

معنى ذلك، تتمتع “الجمعية العامة” للأمم المتحدة، بموجب قرارها 377 “د 5” لعام 1950، المعروف باسم “الاتحاد من أجل السلام”، بسلطة تقديم توصياتٍ لاتخاذ تدابير جماعية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، أو استعادتهما إذا رأت أن مجلس الأمن غير قادر على التصرف بسبب غياب الإجماع بين أعضائه الخمسة الدائمين.

يتعلق الأمر هنا بـ”المسائل الإجرائية” المنصوص عليها في المادة السابعة والعشرين من الميثاق، إذ يكفي تصويت تسعة أعضاء في “مجلس الأمن” على تحويل قضية إلى “الجمعية العامة”، ولا يحق لأي عضو دائم أن يستخدم “الفيتو” هنا. هذا ما جرى في السابع والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي، عندما حوّل مجلس الأمن مشروع قرار 2623 إلى “الجمعية العامة” بموجب “الاتحاد من أجل السلام”، ولم تستطع روسيا منع ذلك.

في الثاني من مارس/آذار الماضي، صوتت “الجمعية العامة” بأغلبية كبيرة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن تكمن المشكلة أن قدرة الجمعية على إنفاذ قراراتها محدودة للغاية، فهي توصيات غير ملزمة، على عكس قرارات “مجلس الأمن”.

على الرغم من أن النقطة الثالثة، من المادة السابعة والعشرين، تنص على ضرورة امتناع الأعضاء الدائمين في “مجلس الأمن” عن التصويت، عندما يتعامل المجلس مع نزاع هم طرف فيه، إلا أن ذلك محصور في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والفقرة 3 من المادة 52 فيه، واللذين يقتصر نطاقهما على التسوية السلمية للمنازعات، ولا تشملان الإجراءات المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين بموجب الفصل السابع، هذا يفسّر كيف تمكنت روسيا من نقض مشروع قرار يدينها في “مجلس الأمن”، في حين أنها لم تتمكن من وقف قرار إجرائي بإحالة الأمر إلى “الجمعية العامة” بعد تصويت تسعة من أعضاء مجلس الأمن على ذلك.

قد يهمك:من دير الزور إلى أوكرانيا.. روسيا تكشف عن أكبر قادة غزوها

خطوة دولية مهمة وإن كانت غير ملزمة من الناحية القانونية الشكلية لأي طرف، لكنها تتيح لكل الدول التي ستصوت على قبول القرار معاقبة موسكو بشكل فردي، وهذا ما يراهن عليه الغرب والدول التي وقفت ضد روسيا منذ بداية غزوها لأوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة