في عصر التغير المستمر الذي نعيشه اليوم، تتسارع الأحداث والتحولات على مستوى العالم بأكمله، ومن بين تلك التحولات، تأتي تغيرات المناخ المتطرفة كتحدي رئيسي يواجه الإنسانية، فقد أصبحت الظواهر الجوية الشاذة والتغيرات في درجات الحرارة وتوزيع الأمطار تعصف بطبيعة النظم الحيوية وتحيك سيناريوهات جديدة للحياة على وجه الأرض.

في هذا السياق، تبرز قصة مثيرة للجدل وتهدد استقرار العديد من القارات، فبعوضة خطيرة تجتاح أوروبا بسرعة متلاحقة، مع تزايد حالات الإصابة بـ”المرض القاتل” في أميركا، تلك البعوضة التي تحمل اسمها العلمي “إيديس إيجبتاي” تهدد البشرية وتثير الهلع في قلوب الناس، فما هي قصتها وما تأثيرها القاتل.

تغيير المناخ يحيي الحشرات القاتلة

إن تأثير التغيرات المناخية على توزيع الكائنات الحية ليس أمرا مستغربا، ففي السنوات الأخيرة، شهدت أوروبا والمناطق الشمالية من الكرة الأرضية ظهور المزيد من الأنواع الحيوانية والنباتية التي كانت محصورة لفترات طويلة في بلدان الجنوب فقط. ومع ذلك، لم يكن الجميع يتوقع أن يتسبب هذا التوزع الجديد للكائنات في ظهور آفة خطيرة تهدد حياة البشر.

عدة صعوبات تعترض تطوير لقاح ضد الملاريا - إنترنت
عدة صعوبات تعترض تطوير لقاح ضد الملاريا – إنترنت

المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أكدت أمس الإثنين وجود خمس حالات إصابة بالملاريا في ولايتي فلوريدا وتكساس، وهذه المرة هي الأولى خلال عشرين عاما التي يحدث فيها إصابات محلية بالملاريا في الولايات المتحدة. ويُحتمل أن هذا المرض الذي ينقله البعوض أن يكون قاتلا.

المراكز أضافت أن الحالات الأربع في فلوريدا والحالة الواحدة في تكساس تم تشخيصها خلال فترة شهرين. وفي تحذير صادر أوضحت أن الإصابة بالملاريا تعتبر حالة طبية طارئة، وأن أي شخص يظهر عليه أعراض المرض يجب أن يتم فحصه على الفور.

مع ذلك، أشارت المراكز إلى أن خطر الإصابة بالملاريا لا يزال منخفضا في الولايات المتحدة، وأن معظم الحالات تحدث عندما يسافر الأشخاص إلى خارج البلاد. وأكدت أن 95 بالمئة من حالات الإصابة بالملاريا تحدث في قارة إفريقيا.

القادم أعظم

المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التابع لهيئة الصحة بالاتحاد الأوروبي، بدوره حذّر أمس الاثنين، من تصاعد خطر الأمراض المنقولة عبر البعوض نتيجة لتغيرات المناخ. إذ يُشير المركز إلى انتشار أنواع البعوض في أوروبا بشكل متزايد، وهو أمر لم يحدث في السابق.

بعوضة النمر الآسيوي - إنترنت
بعوضة النمر الآسيوي – إنترنت

هذا الانتشار يعتبر مصدر قلق حقيقي، حيث تُعد هذه الأنواع البعوضية ناقلة لفيروسات خطيرة مثل فيروس “الشيكونغونيا”، وفيروس “زيكا”، وحمى “الضنك وغرب النيل والصفراء”، بالإضافة إلى غيرها، وهي تنتشر بشكل متزايد في شمال وغرب القارة الأوروبية، وفقا لتصريحات المركز الذي يتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرا له.

البعوض، ولا سيما “النمر الآسيوي” المعروف أيضا بـ “بعوضة الغابة”، وبعوضة “الحمى الصفراء”، تعتبر في مقدمة تلك الأنواع التي تحمل فيروسات وأمراض خطيرة.

أيضا نظرا للتغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة المتوقعة في أوروبا، من المتوقع أن يُزيد الاحتباس الحراري من قوة الفيضانات ويجعل فترات الصيف أكثر حرارة وطولا، حيث توفر هذه الظروف الملائمة التي يخلقها التغير المناخي بيئة أكثر للبعوض مثل “النمر الآسيوي”، وهي تسمى بذلك لكونها مخططة بالأسود والأبيض.

كانت هذه البعوضة تتواجد في ثماني دول أوروبية قبل عشر سنوات، ولكنها تنتشر الآن في 13 دولة. وعلى الرغم من أن هذه الأنواع كانت توجد أصلا في قارة آسيا وخاصة في بلدان جنوب شرقها، إلا أنها بدأت في الظهور في مناطق جديدة من العالم مع تصاعد ظاهرة تغير المناخ في السنوات الأخيرة.

الخبراء يحذرون من أن خطر التغير المناخي أصبح حقيقة ملموسة، وأنه يشكل تهديدا حقيقيا للحياة على كوكب الأرض ونظمه البيئية، ويدعون إلى تحرك عاجل وتعاون دولي لمواجهة هذا الخطر واحتواء تداعياته.

تداعيات تغير المناخ على العالم

تغير المناخ ينجم عنه تداعيات وخلخلة في قواعد النظام البيئي الطبيعي، وتهديد بتدميره بشكل شامل. فالتأثيرات لا تقتصر على المشاكل الشائعة والمعروفة مثل التصحر والجفاف ونقص المياه وتغير نمط الأمطار في بعض المناطق وزيادتها في مناطق أخرى وذوبان الجليد.

التغيير المناخي يهدد الكوكب - إنترنت
التغيير المناخي يهدد الكوكب – إنترنت

بل تمتد تلك التأثيرات إلى أشكال تطرفية متنوعة في الظواهر الطبيعية والأحيائية. فنرى ظهور أنواع جديدة من الحشرات والكائنات الحية في قارات وبيئات لم تكن تُعتبر موطنا لها من قبل. ويعود ذلك إلى التغيرات الدراماتيكية في النظم الإيكولوجية التي تجريها تلك العوامل المناخية.

هذا هو الحال مع انتشار بعوضة “النمر” هذه مثلا في العديد من الدول الأوروبية، والتي تتميز بضراوتها وتختلف لدغتها عن غيرها من أنواع شبيهة، بكونها تنقل أمراضا خطيرة ومميتة، مما يفسر القلق الأوروبي المتصاعد منها.

هذه التطورات غير المألوفة تهدد التوازن البيئي وتعرض الكائنات الحية والنظم البيئية لمخاطر جسيمة. فقد تتسبب في اضطرابات واختلالات في سلاسل الغذاء وتهديد تنوع الأنواع الحيوية. كما قد يؤدي ظهور هذه الكائنات الجديدة إلى تفشي أمراض جديدة أو زيادة في انتشار الأمراض المعروفة.

لذا، فإن الاستجابة لتغير المناخ ليست مسألة بيئية فحسب، بل هي أيضا قضية صحية واقتصادية واجتماعية. ويتطلب التحدي تعاونا دوليا على نطاق واسع، واتخاذ إجراءات حازمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز الاستدامة والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة، لأن عدم اتخاذ إجراءات فورية وفعالة قد يؤدي إلى تفاقم تلك التداعيات وتهديد استقرار النظم البيئية ومستقبل الكوكب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات