بصفتهما قطبي المعسكر المعارض للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، لطالما سعت الصين وروسيا إلى تصوير نفسيهما كشريكين متساويين يسيران وفق خطط متكاملة، لكن تلك السردية تبدو غير دقيقة بالنظر إلى بعض الحقائق، التي تؤكد وجود صراع خفي، وله امتدادات تاريخية في محاولات التركيع إحداهما للأخرى، على الرغم من محاولات الظهور بأنهما حلفين استراتيجيين.

تدافع كشف عورته الغزو الروسي لأوكرانيا وما لحقه من توترات دولية، بالرغم من محاولات الظهور في السنوات الأخيرة على أنهما حليفين يسعيان وبحسب ادعائهما، لنزع هيمنة القطبية الواحدة من قبل أميركا، وإعادة التوازن للساحة الدولية بوصفهما قوتين عظيمتين لهما معسكر وحلفاء، وهذا ما لم يستمر طويلا بعد أن اختارت الصين الوقوف على “حياد زائف” كما وصفه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنه مع ذلك كشف موقف بكين من عدم الاستعداد للاصطفاف مع موسكو، وفي ذلك سياق طويل من الأحداث، يسردها تقرير نشره موقع “ميدان“، وتابعه موقع “الحل نت“.

استعرض التقرير ذلك بالقول، إن قبل أقل من شهر من اجتياح الجيش الروسي أوكرانيا، قال الصينيون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن صداقتهم مع روسيا لا حدود لها، وإنهم حلفاؤه في مواجهة التوتر المتصاعد مع الغرب، وذلك في بيان مشترك للبلدين في أعقاب زيارة بوتين، إلى بكين مطلع فبراير/ شباط الماضي.

غير أنه “وبعد توالي فصول الحرب، وقفت الصين ساكنة دون موقف واضح، وفي وقت استهدف فيه القصف الروسي المدن الأوكرانية تباعا الواحدة تلو الأخرى، وتسبب في تشريد ملايين المدنيين، اتهمت بكين، الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين بالمسؤولية عن تصرفات روسيا، لكنه مع ذلك “كان الحياد السلبي، إذن هي السياسة التي اختارتها الصين، واستمر القادة الصينيون في الحديث عما وصفوه بمخاوف روسيا المشروعة بشأن أمنها، وعن التعقيدات التاريخية للحرب الدائرة، وأن تحركات (الناتو) قرب الحدود الروسية، هي ما دفع بالتوتر الروسي-الأوكراني إلى حافة الهاوية“.

أثناء ذلك، وبينما استمع الأوكرانيون والساسة في الغرب بارتياب إلى الخطاب الصيني وخطوات بكين التي عكست “حيادا زائفا”، كما وصفوه عقِب امتناعها عن إدانة روسيا في مجلس الأمن، بدأت بكين تبلور موقفها الخاص، وبات جليا أنها “ليست مصطفة مع روسيا كما بدا في البداية“، يشير التقرير، ويبيّن أنه “لم يكن بوسع الصين في الأخير أن تغامر بعلاقتها الاقتصادية مع أوروبا من أجل بوتين، سيما وأنها ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للصين، كما أن أوكرانيا نفسها بلد مهم في العلاقات الاقتصادية الصينية مع أوروبا“.

وعلاوة على ذلك، أوضح التقرير أيضا، أن “أوكرانيا زوّدت الصين لسنوات بتكنولوجيا عسكرية مهمة في مجال الطائرات المقاتلة وحاملات الطائرات، بالنظر إلى قطاع الصناعات العسكرية الضخم الذي ورثته كييف من السوفييت“، في حين “دأبت روسيا دوما على منع نقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة لأسلحتها إلى الصين بالنظر إلى علاقات الجارين المعقّدة في آسيا وتاريخ التوتر بينهما، ولكن في الوقت نفسه حرصت بكين على تعميق شراكتها مع موسكو، حيث جمعتهما مخاوف إستراتيجية من الهيمنة الأميركية“.

اقرأ/ي أيضا: تبعات قرار “أوبك بلس” بخلطة سياسية اقتصادية.. من تتحدى الرياض؟

أوكرانيا وتأثيرها على الصراع الصيني الروسي

وسط ذلك التعقيد، تلفت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، إلى أن العلاقة الصينية الروسية ومن ناحية المصالح الصينية، قد لا يتبين أن ما تفلعه روسيا استراتيجية ناجحة للغاية كما يفترض الرئيس الصيني شي جين بينغ، في الأقل ليس على المدى الطويل.

وتشير إلى أنه إذا نجح بوتين، في إخضاع أوكرانيا فقد لا يشبع ذلك شهيته ويدفعه إلى التوقف عند هذا الحد. أما إذا فشل، فستكون هناك سنوات من التوتر على حدود روسيا الجنوبية. وفي كلتا الحالتين، ستكون روسيا بمثابة ورقة جامحة لا يمكن الركون إليها وليست شريكا موثوقا بالنسبة للصين.

كما أوضحت الصحيفة، صحيح أن روسيا بقيادة بوتين، هي إلى حد ما شبيهة بكوريا الشمالية في ظل كيم جونغ أون، ليس لها مكان آخر تلجأ إليه غير الصين، إلا أن تبعية نظام ضعيف عالق في خلافات لا تنتهي مع جيرانه، قد لا تخدم الصين جيدا، على الرغم من ثروات روسيا المغرية في مجالات الطاقة والمعادن.

وهذا ما أكده تقرير “ميدان”، الذي أشار إلى الخريطة الجيوسياسية الآن لأكبر دولتين في آسيا متباينة للغاية على ما تبدو، مبينا أن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، أدى إلى تراجع النفوذ الروسي، وانتهى بتحول ولاء معظم الحلفاء السابقين، مثل بولندا والمجر ورومانيا وبلغاريا، بل وحتى الدول السوفييتية الصغيرة المتاخمة لروسيا (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا)؛ إلى أوروبا وحلف الناتو.

 وبينما “تقاتل موسكو الآن من أجل ما تعتبره تصحيحا لأخطاء الماضي، تبدو الصين الشيوعية قد داوت تشرذمها وكوارثها الاجتماعية التي أضعفت البلاد حتى نهاية الستينيات، وأصبحت حاليا قوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة، وهو نفوذ استدعى تحرك واشنطن لاحتواء ما تعتبره تهديدا لقوتها العالمية“.

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حسبما جاء في التقرير، فإن مواجهة الخصمين مجتمعين روسيا والصين، لطالما بدت مهمة صعبة، وهي رؤية عزّزتها بدايات الأزمة الأوكرانية، حين أطلق بوتين حربه ردا على توسع الناتو، ثم مضى محتميا بالحليف الصيني من خطر العقوبات الغربية.

عامل أخر للصراع الصيني الروسي، وهو ليس وليد اليوم أكثر من أن الجانبان يحاولان التغطية عليه، ويوضحه “ميدان” بالقول، إن التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا، يستند في الأساس إلى رفضهما الديمقراطية الليبرالية، ومعارضة تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم كقطب أوحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كما يتحفَّظ البلدان على سطوة الدولار في النظام المالي العالمي، إذ استخدمت واشنطن سلاح العقوبات المالية بين الفينة والأخرى ضد الدول التي تعارض سياستها.

اقرأ/ي أيضا: لماذا رفضت دول آسيوية وإفريقية مناقشة انتهاكات الصين للإيغور؟

صراع تاريخي حلوله معدمة

بيد أن شراكة موسكو وبكين القائمة على مساعدة بعضهما في تجريد واشنطن من نفوذها، لا تخلو من المشكلات والصراعات، التي وصلت إلى أفق مسدود أضاع عليهما فرصة التحالف أثناء الحرب الباردة، نتيجة الخلافات الأيديولوجية بين شيوعيي موسكو وشيوعيي بكين، والتنافس الشخصي للاستحواذ وبسط السيطرة داخل قارة آسيا، وفقا للتقرير.

وبيّن أنه في خمسينيات القرن الماضي، وصل الحزب الشيوعي الصيني إلى السلطة بعد حرب أهلية طاحنة، وبدأت بكين تحت زعيمها الجديد بقيادة “ماو تسي تونغ” في بناء تحالف إستراتيجي، وتوقيع اتفاقية صداقة شاملة مع الاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين، أكبر قوة في المعسكر الشرقي وقتئذ، ولأن الصين كانت أضعف الشريكين في ذلك الوقت، كما هو حال روسيا الآن، ما لبث أن أدى هذا التفاوت في القوة إلى تصدع العلاقات بينهما.

تصدع العلاقات الصينية الروسية حينها، وفق سردية “ميدان“، هو نتيجة إجبار بكين من قبل حليفها الإستراتيجي على توقيع معاهدات غير متكافئة، إلى جانب وجود فروقات جوهرية في أيديولوجية كل طرف وتفسيره وتطبيقه للماركسية. ونسجت كل تلك الشروخات انقساما وصراعا، كاد يتحول إلى حرب بسبب النزاعات الحدودية التي لم تخلُ من بعض المناوشات العسكرية.

بعد ذلك، وبموت ستالين عام 1953 وصعود “نيكيتا خروشوف“، تباعدت العلاقات أكثر فأكثر بين الاتحاد السوفييتي والصين، وانقسم المعسكر الشرقي إلى قطبين شيوعيين بعدما سعى زعيم الاتحاد السوفييتي الجديد إلى محو آثار حقبة ستالين، وهو ما رفضته بكين، معتبرة نفسها الشيوعية الشرعية، وفيما دعا الاتحاد السوفييتي إلى التعايش مع الرأسمالية سعيا لتجنب المواجهات العسكرية المباشرة، عارضت الصين الأمر ووصفت الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بأنها عدو إمبريالي، وأعلنت نيتها المساعدة في النضالات الثورية للأنظمة المضطهدة من قِبل الإمبريالية.

اختلافات، زادت الأوضاع سوءا بوقف موسكو برنامج المساعدات الاقتصادية والإمدادات النووية للصين، حتى أن “ماو” اتهم الاتحاد السوفييتي بالتسبب في المجاعة التي ضربت البلاد بين عامَي 1959 و1961، يبين التقرير، ويشير إلى أنه وفي نقطة فاصلة من الانهيار والتباعد والانقسام، بدأت حرب باردة جديدة ضد روسيا في قلب معسكر الشيوعية نفسه رعتها الصين، لتجد نفسها في لحظة ما في موقع واحد مع الأميركيين.

بالتالي هذا الانقسام قد أدى إلى تقارب صيني-أميركي في نهاية ستينيات القرن الماضي، وكان عرّابه مستشار الأمن القومي الأميركي في ذلك الوقت “هنري كيسنجر“، وبدأت مباحثات تطبيع العلاقات التي توجت بزيارة الرئيس الأميركي “ريتشارد نيكسون” إلى بكين عام 1997.

اختلاف السياسات

 في مقابل ذلك، وفي صورة من التباين الصيني الروسي، يقول التقرير، إن بوتين، ورث دولة من إمبراطورية ممزقة تعيش على آثار هزيمة الماضي، وتسعى لإحياء مركزية الدور الروسي في أوروبا، ولديها اقتصاد منكمش بفعل عقوبات دولية بدأت عام 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم، ورغم أن رئيسي البلدين يريدان أن يكون لبلديهما تأثير أكبر في المؤسسات الدولية وداخل آسيا، فإنهما يسيران في اتجاهين مختلفين، حيث تتخذ روسيا سياسة حافة الهاوية والصدام العلني مع الغرب، في حين ترفض بكين حل المشكلات السياسية بورقة السلاح، خوفا من تداعيات المشهد على تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.

وليست تلك الخلافات فحسب، بل أن من وجهة نظر نيفا ياو، الباحثة البارزة في “أكاديمية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا“، أن “التحالف الروسي الصيني جرى إنشاؤه لتحقيق هدف مشترك يتمثل في إيجاد بديل للنظام العالمي الذي يقوده الغرب“، غير أن هذا التحالف ليس مطلقا في ضوء مساعي روسيا إلى إعادة تشكيل مجالات نفوذها في آسيا، وهو الشيء الذي لا تدركه الصين، هو أن هدف روسيا ليس إسقاط الغرب وإنما إحياء الاتحاد السوفيتي“، حسبما ما نقل عنها موقع ” دي دبليو” الألماني.

ياو، قالت إنه مع تطور الأحداث، فإن الصين ستستيقظ على جرس إيقاظ، مشيرة إلى أنه الصين في المستقبل ستكون في حاجة إلى إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا بشكل سريع وفقا للمستجدات الجيوسياسية.

وتأكيدا لذلك، ذهب “ميدان”، في تقريره إلى إيضاح ذلك الخلاف بشكل أكبر بلغة الأرقام، والتي يبدو فيها التباين أوضح بكثير، مبينا أنه وفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي، يُعد الاقتصاد الصيني أكبر بنحو 10 مرات من نظيره الروسي، وبينما بلغ الفائض التجاري للصين 676 مليار دولار، سجلت روسيا في العام نفسه 197.3 مليار دولار من الفوائض، بفعل عائدات النفط والغاز ليس إلا.

 يتوقع صندوق النقد الدولي، أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 30 تريليون دولار بحلول عام 2027، وأن يتوقف الناتج المحلي الإجمالي لروسيا عند أقل من تريليونَي دولار، ومن ثَمّ، هناك خلل في الشراكة الاقتصادية بين شريك ضخم وآخر ضئيل، ففي عام 2021، شكّلت بكين 18 بالمئة من تجارة روسيا، وهي أكبر شريك تجاري لها، بينما مثّلت موسكو 2 بالمئة فقط من حصة التجارة الصينية، وهي فجوة ما انفكت تتزايد بسبب الحرب الأوكرانية.

بالتالي منح الصراع الدائر في شرق أوروبا الصين نفوذا هائلا داخل الاقتصاد الروسي، لكن بكين تدير توازنا صعبا بعدم التضحية بمصالح الصين الاقتصادية مع أوروبا مقابل إنقاذ بوتين، ولا يمكننا تجاهل ما حققته الصين من أرقام قياسية بفعل الركود الذي غرق فيه الاقتصاد الروسي، وزاد من اعتماده على الصين، حيث أخذت الشركات الصينية تملأ الفراغ الفسيح الذي شكّله انسحاب الشركات الغربية من السوق الروسي، وتشير الأرقام إلى ارتفاع إجمالي تجارة السلع بين الصين وروسيا في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام إلى 117.2 مليار دولار، بزيادة بلغت 31 بالمئة.

 ومن وجهة نظر اقتصادية، تُعد روسيا في ظل ركودها الاقتصادي المستمر أقل أهمية في نظر بكين، يؤكد تقرير “ميدان“، ويستدرك أن ذلك من دون حساب صادرات الطاقة التي تمثل 70 بالمئة، من صادرات روسيا إلى الصين، وأغلبها من الغاز والنفط، ولكن تلك النسبة باتت مهددة في العقود القادمة، ومعها أيضا أهمية موسكو بصفتها مورّدا مهما للطاقة، نظرا لأن بكين تخطو نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري عموما، في خضم خطة جديدة تستهدف تصفير انبعاثات الكربون، وزيادة حصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

اقرأ/ي أيضا: كيف ستبدو إيران ما بعد سقوط نظام خامنئي؟

مصالح محددة وحلف “هش”

 استنادا على تلك الأرقام، لا يمكن نظريا بأي حال وصف العلاقة بين روسيا والصين بالتحالف الإستراتيجي، لأن الجانبين لديهما مصالح محددة لا تتداخل دائما، وليست فيها تلك التنازلات التي تستوجبها طبيعة التحالفات الدولية الأخرى، فقد حول البلدان علاقتهما من الخصومة خلال النصف الثاني من الحرب الباردة إلى شراكة براغماتية ذات هدف مشترك، يتمثل في مراجعة أسس النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب.

ولكن مع الفروقات الكبرى بين البلدين في الحضور العالمي، حيث الصين قوة اقتصادية صاعدة، وروسيا دون وزن اقتصادي يذكر؛ فإن زحف بكين قد يقلص الدور الروسي في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

وما يزيد الهوة بين الحليفين، أنه بينما تخوض روسيا حربا ضد أوكرانيا منعا لتقدم حلف الناتو إلى حدودها، فإنها تشهد في الوقت نفسه تعاظم الدور الصيني في الجهة الأخرى، التي تشمل أيضا دولا تعتبرها روسيا جزءا من نفوذها التاريخي، وأهمها كازاخستان، فقد عززت الصين دورها مؤخرا في المنطقة، وباتت تقدم دعما عسكريا لكازاخستان، ومن ثم كسرت بذلك سياسة ظلت قائمة منذ عقود بأن روسيا، هي الداعم العسكري الرئيس لتلك البلدان في حين يقتصر دور بكين على الاقتصاد، ويثير ذلك بالطبع مخاوف روسية عميقة.

تدرك روسيا أنها لم تعد اللاعب الوحيد المهيمن في المنطقة لعدة اعتبارات، أهمها دور الصين، إضافة إلى حضور الاتحاد الأوروبي والهند واليابان، فضلا عن سياسة الارتكاز الآسيوي للولايات المتحدة التي تهدد بكين وموسكو معا، وهي كلها خيوط معقدة ترسم معادلة جديدة لحقبة قادمة قد يخفت فيها أي دور روسي.

لذا حاولت روسيا محاكاة النهج الاقتصادي للصين، وأعلنت بنفسها بدء مشروع طريق المريديان السريع، أو ما يطلق عليه محليا طريق الحرير الروسي، بتكلفة 9 مليارات دولار، وبطول ألفي كيلومتر من الحدود الروسية-الكازاخستانية وصولا إلى روسيا البيضاء، ليكون جزءا من طريق نقل دولي بين أوروبا وغرب الصين، وهو مشروع يعزز ارتباط روسيا اقتصاديا وسياسيا بمناطق نفوذها التقليدية، لكنه ينافس طريق الحرير الصيني، وإن كان مستبعدا تحقيقه بالفعل نتيجة العقوبات على روسيا الآن.

إضافة كل تلك التعقيدات في العلاقة الصينية الروسية، فأن الصين وروسيا تشهدان تنافسا جيوسياسيا، فرغم أن الترتيبات تقضي باهتمام الصين بالاقتصاد في آسيا الوسطى بينما تضمن روسيا أمن المنطقة وتمد شركاءها بالسلاح، فإن الصين أجرت أواخر العام الماضي مناورة عسكرية مع طاجيكستان. لم تصمت روسيا كثيرا، حيث أعلنت بعد أقل من شهرين مناورة مماثلة في طاجيكستان على الحدود مع أفغانستان، وبينما اعتبرت موسكو أن الهدف المعلن لتلك المناورات هو خشيتها من تسلل مقاتلين إسلاميين إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى، فإنها عُدَّت من بعض المحللين رسالة إلى الصين، بأن تلك الدول المحاذية للحدود الروسية تعتبرها موسكو باحتها الخلفية الجنوبية.

إذن، تخوض الصين وروسيا تنافسا شرسا في ساحتهما الخلفية المشتركة في آسيا الوسطى، التي يمكن أن تصبح مستقبلا مصدرا للتوترات، ويعتقد الغرب أن حفاظ الصين على علاقتها الاقتصادية الوثيقة مع روسيا يزداد صعوبة بتزايد العقوبات على موسكو، لا سيما مع ارتباط النظام المالي الصيني بالاقتصاد العالمي، ولعل المشهد بأكمله يشابه انعدام التوازن بين الصين الشيوعية الضعيفة في الحرب الباردة والاتحاد السوفييتي (القوة الكبرى في زمنه)، الذي أفضى إلى تصدّع لم يلتئم بسهولة، وأفاد الولايات المتحدة والتحالف الغربي في نهاية المطاف.

اقرأ/ي أيضا: “الاغتيالات القسرية”.. استراتيجية جديدة لبوتين للانتقام من الغرب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.