نتيجة غير متوقعة، تمثّلت بفشل إقرار قرار من قِبل “مجلس حقوق الإنسان” التابع إلى “الأمم المتحدة”، لمناقشة انتهاكات الصين بحق أقلية الإيغور المسلمة في شينغيانغ، وما رجّح كفّة رفض إقرار القرار هي الدول الآسيوية والإفريقية المسلمة.

الخميس الماضي، كان “مجلس حقوق الإنسان”، يستعد لإقرار قرار لمناقشة انتهاكات الصين ضد الإيغور، لكن نتيجة التصويت جاءت كالتالي: 19 دولة ضد القرار و17 دولة مع القرار و11 دولة اختارت الحياد.

الدول التي صوّتت ضدّ إجراء مناقشة، هي بوليفيا والكاميرون والصين وكوبا وإريتريا والغابون وإندونيسيا وساحل العاج وكازاخستان وموريتانيا وناميبيا ونيبال وباكستان وقطر والسنغال والسودان والإمارات وأوزبكستان وفنزويلا.

اللافت أن معظم الدول التي رفضت إقرار مناقشة انتهاكات بكين، هي دول مسلمة منها عربية، ومنها إفريقية وآسيوية، فما السبب الذي دفعها لذلك الخيار، في وقت تنتمي أقلية الإيغور إلى المسلمين؟

أسباب الامتناع عن التصويت؟

“المصالح فوق كل شيء”. يقول ذلك خبير العلاقات الدولية محمد اليمني، ويردف في حديث مع “الحل نت”، أن الدول التي رفضت مناقشة الانتهاكات ترتبط بعلاقات اقتصادية وثيقة مع بكين، ولذلك اختارت الرفض للحفاظ على مصالحها، دون أي اعتبار لانتهاكات حقوق الإنسان.

المدير العام لـ “الخدمة الدولية لحقوق الإنسان” فيل لينش، وصف رفض “الدول الإسلامية” إقرار مناقشة انتهاكات الصين لأقلية الإيغور المسلمة بالأمر “المخزي والمعيب”، على حد تعبيره.

شارك في تقديم مشروع القرار المرفوض، حلفاء الولايات المتحدة، وهم بريطانيا وكندا والسويد والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج وأستراليا وليتوانيا.

تمتلك الصين استثمارات بمليارات الدولارات في الدول الإفريقية والآسيوية المسلمة، وعلى تلك الدول مديونية كبيرة عليها دفعها للصين، وبالتالي فإن تصويتها مع قرار مناقشة انتهاكات بكين، سيضرها وتدفع الثمن اقتصاديا، وهو ما دفعها لاتخاذ موقف الرفض، وفق محمد اليمني.

الدول الإفريقية على وجه الخصوص، حيث تُعد الصين الدائن الرئيسي لها بعد إنشائها بنى تحتية ضخمة وغيرها من الاستثمارات في داخلها، واجهت ضغوطا شديدة من بكين اضطرتها للتصويت ضد القرار، بحسب تقارير صحفية غربية.

الولايات المتحدة الأميركية، دانت منع إجراء نقاش تجاه انتهاكات بكين، لحقوق الإنسان، وذلك عبر تغريدة للسفيرة الأميركية لدى “مجلس حقوق الإنسان”، ميشيل تايلور.

جاء في تغريدة تايلور: “التقاعس عن العمل يوحي بشكل مخجل، أن بعض البلدان متحررة من الرقابة، ويُسمح لها بانتهاك حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب”.

ما هي انتهاكات بكين؟

في آب/ أغسطس الماضي، نشرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان المنتهية ولايتها، ميشيل باشيليه، تقريرها حول الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون الإيغور في إقليم شينغيانغ الصيني، قبل دقائق فقط من مغادرة منصبها، إذ اعتُقل أكثر من مليون شخص من الإيغور.

التقرير، تضمن أدلة على حدوث انتهاكات على نطاق واسع، من الحجز التعسفي إلى العمالة القسرية إلى التعذيب. تلك الانتهاكات قد ترقى، على حد تعبير باشيليه، إلى مستوى جرائم ضد البشرية، خاصة وأنها شملت انتهاكات للحقوق الدينية والإنجابية عبر تعقيم النساء قسرا.

الخطوة المنطقية التالية بعد صدور تقرير كهذا، هي إجراء نقاش في “مجلس حقوق الإنسان”، لإصدار قرار في هذا الشأن، أو تعيين خبير خاص لمراقبة الأوضاع في البلد المعني، أو حتى تشكيل لجنة تحقيق شاملة. الدول الغربية طلبت الحد الأدنى، وهو إجراء نقاش، ولكن الطلب تم رفضه بأغلبية التصويت.

وصفت بكين قرار منع مناقشة انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بـ “الانتصار العظيم”، واتهمت “الأمم المتحدة” بـ “التواطؤ مع الغرب وأميركا”، على حدّ تعبيرها.

غير أن محمد اليمني، لا يتفق مع ذلك الوصف، وأكد أن الصين لم تنتصر وأن الكرة لا تزال في الوسط، وأن الغرب سيعيد المحاولة مرارا وتكرارا، خاصة وأنه نجح في أخذ قرارات أممية خلال أزمة غزو روسيا لأوكرانيا، وذات الأمر سيسعى لفعله مع بكين.

بحسب عدد من الدبلوماسيين الغربيين، فإنهم سيبذلون وسعهم لإقناع مفوض حقوق الإنسان الجديد، النمساوي فولكر تورك، بوضع القضية على رأس جدول أعماله.

الأمينة العامة لـ “منظمة العفو الدولية” أنييس كالامار، اعتبرت أن تصويت الخميس كان “نتيجة مرعبة تضع هيئة حقوق الإنسان الرئيسية في الأمم المتحدة في موقف هزلي”.

تبريرات الدول الممتنعة

“مجلس حقوق الإنسان” التابع إلى “الأمم المتحدة”، هو الجهة الأرفع المعنية بحقوق الإنسان على مستوى العالم، ومهمته هي تعزيز حقوق الإنسان في كل مكان، وإدانة الانتهاكات في أي دولة بدون محاباة.

استنكر صالح حديار، مؤسس حركة “الصحوة الوطنية لتركستان الشرقية”، تصويتَ الدول ذات الأغلبية المسلمة برفض مشروع القرار، ووصف الأمر بأنه “خيانة مخزية”.

دولكون عيسى، رئيس “المؤتمر العالمي للإيغور”، اعتبر من جهته آن “دول مجلس حقوق الإنسان أهدرت فرصة لمعاملة الصين بالمعايير ذاتها التي تُعامل بها الدول الأخرى”.

يُنتخب أعضاء “مجلس حقوق الإنسان”، كل سنتين على أساس كل كتلة إقليمية، ويجتمع المجلس في جنيف مرتين في السنة، وكانت الولايات المتحدة غادرته في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بذريعة تحيز المجلس ضد إسرائيل.

ذريعة الدول الممتنعة عن التصويت على قرار مناقشة انتهاكات بكين لحقوق الإنسان بحق الإيغور، بأن إلقاء اللوم ليس الخيار الأسلم، وأن الأصوب هو التحاور، على حدّ تعبيرها.

بحسب تبريرات بعض الدول الممتنعة، فإن البلدان ذات السيادة بحاجة إلى التعامل مع مشكلاتها بنفسها، بدون تدخل غير مرغوب فيه من قِبل فاعلي الخير.

ذلك الطرح يتناقض مع مبادئ “مجلس حقوق الإنسان”؛ لأن حقوق الإنسان من المفترض أنها حقوق عالمية، أو هكذا يقول الإعلان العالمي الصادر عام 1948.

ومن المفترض أن يتعاون أعضاء “مجلس حقوق الإنسان” مع بعضهم بعضا، وأن يوضع الهدف المشترك المتمثل في مراعاة حقوق الإنسان العالمية للجميع فوق أي مصالح وطنية أو خلافات جيوسياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.