منذ عقود يتحدث علماء المناخ والمنظمات الدولية المعنية، عن هدف الـ 1.5 درجة مئوية، لوقف تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض، وهو أبرز أجندات مؤتمر قمة المناخ “كوب 27”، المنعقد حاليا في شرم الشيخ المصري بمشاركة معظم دول العالم.

الواحد ونصف درجة مئوية تمثل متوسط درجات حرارة كوكب الأرض، إذ يحذر العلماء من تجاوزه والنتائج المترتبة على تلك التجاوز، لكن هذا الهدف أصبح الآن موضع شك، في ظل عدم التزام العالم في اتخاذ خطوات جدّية من شأنها التقليل من الانبعاثات الكربونية لوقف ارتفاع درجات الحرارة.

علماء المناخ أكدوا أنه خلال عقد من الزمن، من المتوقع أن تؤدي انبعاثات الوقود الأحفوري المتراكمة في الغلاف الجوي واحتباس المزيد من طاقة الشمس، إلى تجاوز حرارة الكوكب لهذا الحد البالغ 1.5 درجة مئوية.

ما تبعات تجاوزه؟

لشرح ماذا يعني تجاوز هذا المتوسط، أوضح علماء متخصصون في المناخ، في تقرير لمجلة “ساينس” الأميركية، أنه “من المرجح بلوغ نقاط تحول لا رجعة فيها في الكوكب، من ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند، مما يدشن ارتفاعا يبلغ 7 أمتار في مستوى سطح البحر، إلى انبعاث غاز الميثان الذي يُسرّع بارتفاع درجة الحرارة مع ذوبان الجليد الدائم“.

علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، حذروا كذلك من احتمال أن يكون لهذا، تأثيرات وخيمة على حياة الإنسان والكائنات الأخرى على هذا الكوكب، مع ارتفاع معدلات النوبات المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى البحار وضعف الأمن الغذائي والمائي.

كما ذكرنا سابقا فإننا حتى الآن لم نتجاوز الهدف المنشود، لكن جميع التوقعات تشير إلى أننا سنتجاوزه 7 أو 8 سنوات، وذلك بالنظر إلى المعدل الحالي الذي يحرق به البشر الوقود الأحفوري، وللالتزام بالهدف سيتعين على البلدان والشركات والأفراد خفض انبعاثاتهم إلى النصف كل عقد حتى عام 2050.

هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة، حذرت الأربعاء، من أن الالتزامات الدولية الأخيرة بشأن تغير المناخ ما زالت “بعيدة جدا” عن تلبية هدف اتفاق باريس للمناخ 2015، للحد من ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل، “نحن بعيدون جدا عن مستوى خفض الانبعاثات والسرعة اللازمَين لوضعنا على الطريق إلى عالم لا ترتفع حرارته أكثر من 1.5 درجة مئوية“.

قد يهمك: الأضخم في تاريخها.. موازنة الجزائر جرعة تفاؤل أم عجز جديد؟

تصريحه جاء بمناسبة نشر ملخّص لالتزامات الدول الموقّعة على اتفاق باريس للمناخ، وذلك قبل أقلّ من أسبوعَين من افتتاح مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 27) في مدينة شرم الشيخ المصرية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

بخلاف ذلك، فإنّ مجموع التزامات أطراف الاتفاقية البالغ عددهم 193، “قد يضع العالم على طريق ارتفاع الحرارة بمعدّل 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن“، بحسب ما تُبيّن الهيئة الأممية.

كيف يمكن خفض الحرارة؟

هنالك العديد من الآليات الحديثة التي تسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ليتم تخزينه تحت الأرض، لكن تتمثل صعوبة استخدام هذه الآلات في كلفتها المرتفعة جدا، لذا ما تزال الآليات الطبيعية لإزالة الكربون هي الأكثر وفرة.

وبالطبع فإن الآلية الطبيعية والرخيصة لخفض درجات الحرارة، تتمثل في الحفاظ على سلامة غابات الكوكب المتبقية والنّظم الطبيعية الأخرى، لأنها تمتص بشكل طبيعي ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، مما يساعد على منع ارتفاع درجة الحرارة.

لكن حتى الآن لا ترى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، أن هناك آليات مجدية وموثوقة للوصول إلى معدل درجات حرارة يتناسب مع الهدف المنشود، وذلك تزامنا مع انعقاد مؤتمر قمة المناخ في شرم الشيخ.

خلال الفترة الماضية ارتفعت وتيرة التحذيرات من تبعات التغيرات المناخية على كوكب الأرض، وذلك نتيجة كثافة انبعاثات الكربون الناتج بالدرجة الأولى عن زيادة استخدام الوقود الأحفوري، فضلا عن أسباب أخرى، كذلك موجات الجفاف والتصحر التي ضربت عدة مواقع في أنحاء العالم.

تحذيرات دولية

منظمة العفو الدولية دعت في آخر تقاريرها حول التغيرات المناخية، جميع الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ حثّت على تحديث أهداف الانبعاثات لعام 2030، لضمان مواءمتها مع الحفاظ على متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية.

تقرير المنظمة، ركز كذلك على ضرورة التخلص التدريجي من استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري من دون الاعتماد على “طرق مختصرة” ضارة وغير مثبتة مثل آليات إزالة الكربون؛ وإنشاء صندوق للخسائر والأضرار لتوفير سُبل الانتصاف للأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم، بسبب أزمة المناخ.

بعض الحكومات حول العالم تواجه اتهامات، تتعلق بعدم مساهمتها في مواجهة التغيرات المناخية على كوكب الأرض، وهي التي آثرت بحسب “العفو الدولية“، على تبنّيها المدمر لقطاع الوقود الأحفوري، وتقديم أهداف انبعاثات غير كافية تماما، ثم التقاعس عن الوفاء بها

هذه التحذيرات جاءت عقِب انتهاء فصل الصيف الذي وصفته الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار بـ“المروّع“، بعد موجات الحر الشديدة التي اجتاحت أوروبا، وفيضانات غمرت مساحات شاسعة من باكستان وأستراليا.

كالامار، قالت في تصريحات نقله تقرير المنظمة الأربعاء الفائت، “هذا التقاعس يعني أننا نتجه حاليا إلى الاحترار العالمي الذي يتجاوز 2.5 درجة مئوية، وهو سيناريو من شأنه أن يشهد المجاعة والتشرد والمرض والنزوح على نطاق لا يمكن استيعابه تقريبا. وهذه الانتهاكات تحدث بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم“.

ومع ظهور تبعات أزمة المناخ، فإن المجموعات أو الدول الأقل مسؤولية عن زيادة الأزمة، هم الأشد تضررا وأول من يعانون منها، هذا ما يؤدي إلى تفاقم التهميش الذي يواجهونه بالفعل.

“العفو الدولية” تأمل أن ينتج عن مؤتمر “كوب 27″، اتخاذ تدابير من شأنها أن تحول بشكل جذري تقاسم المسؤولية، إذ يجب على الحكومات الغنية أن تزيد من التزاماتها بشأن التمويل الخاص بالمناخ لمساعدة البلدان المنخفضة الدخل على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتوسيع نطاق تدابير التكيف. ويجب عليها أيضا أن تنشئ صندوقا للخسائر والأضرار من أجل توفير سبل انتصاف سريعة لأولئك الذين انتُهكت حقوقهم بسبب الأزمة التي ساهمت في خلقها.

منطقة الشرق الأوسط تُعتبر من أبرز المناطق المتضررة من التغيرات المناخية، لما تسببت به من ارتفاع في درجات الحرارة وموجات الجفاف التي ضربت عدّة مواقع في المنطقة.

منذ الخامس من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تُعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية قمة المناخ “كوب 27” في خضم أجواء تشهد عدة أزمات مترابطة، من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والضغوط التضخمية، واحتمال حدوث ركود عالمي، وكذلك أزمات الطاقة والغذاء والتنوع البيولوجي، إلى جانب صيف حار حطّمت فيه موجات الحر الأرقام القياسية في جميع أنحاء العالم، وعرّض الجفاف في أفريقيا، 22 مليون شخص لخطر المجاعة.

الشرق الأوسط الأخضر

من بين المبادرات التي أُطلقت حتى الآن لمواجهة التغير المناخي في الشرق الأوسط، مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” برعاية المملكة العربية السعودية.

اعتُبرت مبادرة “الشرق الأوسط لأخضر“، بمثابة نموذج عالمي لمكافحة التغير المناخي، وأكدن على ضرورة تضافر الجهود لتحقيق أهداف جيدة في مواجهة التغيرات المناخية في المنطقة والعالم.

مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر“، أطلقها ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بالشراكة مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط، لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في المنطقة، تُضاف إلى 10 مليارات شجرة في السعودية، ما يجعله أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.

المبادرة تدعم عمليات تنسيق الجهود بين المملكة وشركائها الإقليميين والدوليين من أجل نقل المعرفة وتبادل الخبرات، مما يسهم في تحقيق انخفاض كبير في الانبعاثات الكربونية العالمية، بالإضافة إلى تنفيذ أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.

وبحسب موقع “رؤية السعودية 2030” فإن المبادرة “تؤكد على التزام المملكة العربية السعودية بجهود الاستدامة الدولية، وتسهم في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض من خلال وضع خارطة طريق طموحة ذات معالم واضحة، تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية“.

المبادرة تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية إلى أكثر من 10 بالمئة من المساهمات العالمية، من خلال عدة مبادرات، تتضمن تقليل الانبعاثات الكربونية الناجمة عن إنتاج النفط في المنطقة إلى أكثر من 60 بالمئة.

كذلك زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، منها 10 مليارات شجرة في السعودية، أي ما يعادل 5 بالمائة من مستهدف التشجير العالمي، كما سيسهم المشروع باستعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.

كثير من العلماء يرون أن هدف 1.5 درجة مئوية، لم يعد منطقيا بالنظر إلى سلوكيات الدول والحكومات المسؤولة بشكل كبير عن الانبعاثات، إلا أنهم يحذرون في الوقت ذاته أن عدم اتخاذ إجراءات صارمة لعدم تجاوز هذا الحد، سيؤدي إلى مزيد من التبعات الكارثية الناجمة عن التغيرات المناخية خلال السنوات القادمة.

قد يهمك: بين الاتهامات والدعوات للصلح.. ما هي فرص إنهاء الخلافات بين المغرب والجزائر؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.