لازالت العملية الأخيرة التي نفذها تنظيم “داعش” في تشرين أول/أكتوبر في مرقد “شاه جراغ” في مدينة شيراز بمحافظة “فارس” جنوب إيران، والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 15 شخصا، تحمل تحت غطائها حزمة تساؤلات حول توقيت تنفيذ العملية التي تزامنت مع مظاهرات واسعة النطاق، ومتواصلة منذ وفاة الشابة الكردية العشرينية مهسا أميني، في مركز شرطة الأخلاق منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وسرعة إعلان التنظيم تبنيه للعملية.

هل كشفت العملية عن العلاقة الحقيقية بين طهران و”داعش”، وتداعيات هذه العملية التي تعتبر الثانية للتنظيم في الداخل الإيراني عندما استهدف عرضا عسكريا للقوات الإيرانية بمدينة الأحواز جنوب إيران في أيلول/سبتمبر 2018.

قد يهمك: “داعش” يُبعد الشبهة عن إيران ويتبنى حرق المزارع في العراق

العملية الإرهابية تحمل دلالات هامة يوضحها الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور مصطفى أمين، لـ “الحل نت” في عدة نقاط تكشف عن تحول نوعي مهم في تطور قدرة التنظيم على تجنيد عناصر جديدة داخل جغرافيات جديدة كانت ولاتزال “عصية” على تمدد التنظيم داخلها.

طريقة تنفيذ العملية تضعها في خانة هجمات “الذئاب المنفردة”, وبالتالي لا تتواجد في إيران خلايا نائمة للتنظيم، تم تنشيطها أو خلايا “تماسيح” متحفزة لعمليات جديدة أو مفارز جائلة أو داعمة لمنفذ العملية، وبالتالي تعُد هذه العملية تطور نوعي لعمليات “داعش” في إيران، بحسب أمين.

دلالات لافتة

منفذ العملية “منغمس”، وليس مقاتل مدرب بشكل جيد، وقد تبنى أفكار التنظيم حديثا، وفق أمين، وأخذت بيعته غالبا عبر وسائل التواصل الاجتماعي “تليغرام”، أو غيرها من الوسائل التي تنشط عليها خلايا “داعش” التجنيدية.

 استهداف التجمعات الدينية الشيعية من الأهداف التي يفضلها التنظيم المتطرف، لإحداث أكبر مقتلة في الأرواح والمصابين ولإحداث الأثر المطلوب بتصدير الرعب والخوف لكل خصومه، بحسب أمين.

من الدلالات اللافتة في العملية، سرعة إعلان التنظيم مسؤوليته عن العملية والتي تؤكد على أن دوره كان توجيهيا فقط، وأنه لم يدعم المنفذ على الأرض، ولذلك تم تحييده والقاء القبض عليه، وفق أمين، وهو ما يدحض الرواية الإيرانية التي تتحدث فيها عن إلقاء القبض على شركاء للمنفذ، وتغتال من خلالها مجموعات من المعارضة.

سرعة تنفيذ العملية وطريقة تنفيذها، واستهداف منفذ العملية لعناصر الشرطة الإيرانية وحراس المرقد وقتل وتحييد معظمهم، ثم اقتحامه لساحة المرقد الشيعي، وإطلاق النار من بندقيته تجاه التجمّعات داخل المرقد بكل سهولة، تكشف عن خلل أمني واضح، وعدم توقع لعمليات من تلك النوعية، ويرى أمين، أن هذا الأمر يضع علامة استفهام كبيرة حول طبيعة العلاقة بين النظام الإيراني، والجماعات السلفية الجهادية الإرهابية العابرة للدول، وفق تعبيره.

العملية تخدم طهران

صحف ومواقع الكترونية إيرانية معارضة، وجهت أصابع الاتهام للحكومة الإيرانية بأنها تقف  وراء هكذا عمليات إرهابية تخدم مصلحتها في إجهاض الثورة الشعبية اتهم موقع “إيران واير” في مقال له  بعنوان “مجزرة شيراز” ترجمه “الحل نت” للعربية، وضح كاتبه سولماز إيكدار، أن العملية نفذت مباشرة بعد توقعات تحذيرية أطلقها مسؤولون، وشخصيات بارزة ووسائل إعلام مقربة من نظام الملالي، من عمليات إرهابية في إيران، ونقلت المقالة عن مصدر مطلع تحدث لصحيفة “الشروق” التابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني، عن استمرارهم بعمليات القتل، والاغتيالات بحق من دعوا الناس للشغب، وإثارة الفوضى، بحسب الصحيفة.

المقالة أشارت إلى تغريدات لمسؤولون بارزون لدى حكومة طهران، تنبأوا حسبما قالوا من خلالها، تأجيج ما وصفوه بنيران الشغب، ونوهت المقالة أيضا إلى ما حدث في مرقد شيراز، لن تكون المرة الأولى التي تحاول فيها الجمهورية الإسلامية استغلال “العمليات الإرهابية” ضد الأماكن المقدسة.

في مقالة نشرتها أخبار “الآن” بعنوان “داعش في خدمة ملالي آيران” تعتقد الكاتبة الأردنية هاد الجريري، أن هجوم شيراز يخدم النظام الإيراني، واستغلاله كحجة في سبيل القضاء على الانتفاضة الشعبية التي دخلت شهرها الثاني، وبالتالي خلع الشرعية عنها، وأن المستفيد الأول من العملية هو طهران.

توقيت الهجوم يأتي في خدمة مصلحة طهران وفق الجريري، لاسيما أنها جاءت بعد أربعة سنوات من الهدوء من قبل “داعش” بعد آخر عملية استهدف بها عرضا عسكريا في إيران.

لم تستبعد كاتبة المقال من توظيف النظام الإيراني للتكتلات الجهادية المتشددة لخدمة أهدافه، ولو على حساب ضرب شعبه وشيعته، كما فعلها في اليمن واستغلاله فيها للقاعدة لتنفيذ مخططه في خدمة الحوثيين.

إيران تدعم العديد من الحركات الإسلامية المتطرفة وتسخرها في خدمة أجنداتها التوسعية، وأهدافها حتى في الداخل الإيراني كما حدث في تفجيرات مرقد “شيراز”، بحسب حديث الصحفي الإيراني، سوران بالاني، لـ “الحل نت”، إيران تستخدم عدو وهمي باسم “داعش”، لتشرع لنفسها تحت اسم محاربة الإرهاب اعتقال المزيد من المدنيين المنتفضين، وتنفيذ المزيد من الإعدامات، فهي تتخذ من هجوم شيراز ذريعة لقمع المتظاهرين والنشطاء في المحافظات والمدن الإيرانية.

بالاني يعتقد أن سيناريوهات محاربة الإرهاب التي يستخدمها النظام الإيراني لإجهاض الاحتجاجات الشعبية، ستبوء بالفشل ولن تؤثر على الرأي العام العالمي، الذي تيقن تعرض الكرد وعرب الأهواز والبلوش والأذريين لظلم وديكتاتورية هذه النظام القمعي.

منذ اللحظات الأولى التي أعلنت فيها الحكومة الإيرانية عن تفجير شيراز، والشارع الإيراني وجه أصابع الاتهام للحكومة، متهما إياها بالوقوف وراء هكذا عمليات إرهابية، وفق بالاني.

خطط طهران مكشوفة للداخل وللخارج، ومحاولات النظام السيطرة على الاحتجاجات هي فاشلة أيضا، وادعائها بأن العدو الخارجي يستهدف أمنها القومي، هي حجج واهية ولن توقف مسيرة المدنيين السلميين بأسقاطها خاصة وأن هذه الاحتجاجات تختلف عن سابقاتها، بحسب بالاني، كون النظام عاجز عن إطفائها رغم جلبه آلاف الميليشيات من خارج إيران، لضرب المحتجين وهو دليل على مدى ارتباكه، على حد تعبيره.

في معرض حديثه عن هجوم شيراز تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في لقاء متلفز خلال زيارته لمحافظة زنجان  برد قاسي، معتبرا الانتفاضة الشعبية،  تمهّد الأرضية لوقوع هجمات إرهابية كهذه على حد وصفه، وقال  “أن نيّة العدو هي إعاقة تقدم البلاد، ومن ثم أعمال الشغب هذه تمهّد الطريق أمام أعمال إرهابية،  لذا يأتون الى مرقد شاه جراغ، ويطلقون النار على الأبرياء الذين كانوا يقومون بعبادة الله، ومن ثم يتبنى التنظيم المسؤولية”.

احتمالية تكرار العملية؟

الصحفي سوران بالاني توقع احتمالية تكرار العمليات الإرهابية في عدة مناطق أخرى من إيران، خاصة وأن النظام الإيراني جلب المزيد من ميليشياته، سواء من العراق “حزب الله” و”الحشد الشعبي”، إلى جانب لواء “فاطميون” و”زينبيون” الأفغانية من سوريا، والحوثيين من اليمن، لقمع المتظاهرين السلميين.

الميليشيات التي تقتل المدنيين في إيران، بحسب بالاني، يتحدث قسم منهم باللغة العربية، وهم من جماعة “”حزب الله اللبناني و”الحشد الشعبي” العراقي، والحوثيين في اليمن، وقسم آخر منهم هم من قوات “الباسيج”، والآخرين هم من شبيحة الدفاع الوطني الإيراني المعروفين باسم “الجحوش الذاتية”، إضافة لقوات “الحرس الثوري” الإيراني، وهؤلاء كلهم جبهة واحدة هدفهم قتل، وقمع المواطنين.

إيران المخترقة من “داعش”

تنظيم “داعش” الإرهابي، نجح عبر منصات التواصل الاجتماعي في تجنيد عدد من الإيرانيين ضمن صفوفه، رغم أن إيدلوجية التنظيم لا تحظى بقبول كبير لدى سنة إيران، بحسب حديث مدير مركز “الاعتماد” للدراسات الأمنية والاستراتيجية اللواء الركن المتقاعد، عماد علو، لـ “الحل نت”.

داعش استخدم الإعلام كسلاح ليخترق البيئة الاجتماعية في إيران واستخدم أدوات نفسية مهمة لتجنيد المزيد من المريدين، وفق علو، وهذه المراكز تنشر أنشطة متنوعة تقارب البيئة الاجتماعية الإيرانية، بحسب تعبيره.

 

التنظيم أعلن في 2017 تسجيل مصور تشكيل كتيبة “سليمان الفارسي” ضمت جهاديين إيرانيين دربوا في مناطق حدودية بين العراق وإيران، وتحديدا في محافظة ديالى العراقية، واستعرض التسجيل الذي مدته 37 دقيقة، ما سماه التآمر الإيراني على العرب والمسلمين.

التنظيم أدعى أنه خاض منذ اليوم الأول لوجوده في العراق، حرباً ضروسا ضد النفوذ الإيراني في العراق، زاعما إلحاقه خسائرا بشرية ومادية ضد القوات الإيرانية.

أنشطة “داعش” الإعلامية ذات المحتوى الفارسي تلعب دورها في محاولة اختراق الجغرافية الإيرانية، من خلال تأجيجها حالة الانقسامات الطائفية والعرقية في إيران، وتشجيع سنتها على تبني أيديولوجية التنظيم التكفيرية لمحاربة حكومة بلادها الشيعية، دعما لدولة الخلافة المزعومة، بحسب علو.

اقرأ أيضا: على طريقة “داعش”.. إيران تعدم صحفياً اعتقلته في العراق

الحالة الأمنية التي تعيشها إيران على وقع الاحتجاجات التي تشهدها مدنها، تبدو قد شلت حركة الأجهزة الأمنية وقدرتها في مواجهة المحتجين، الأمر الذي أوقعها في فخ استعانتها بالجماعات الجهادية المتطرفة كتنظيم “داعش”، لتغيير دفة سيطرتها على جغرافيتها الثائرة، ففضحت مدى علاقتها المتينة بالتنظيم الذي تدعي محاربته في سوريا والعراق، ومن المتوقع أن تشهد إيران سلسلة هجمات إرهابية جديدة على غرار تفجيرات مرقد شيراز فيما لو فشلت في إخماد الشارع المنتفض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة