وسط ضغوط ومشاكل متزايدة داخل إيران، يبدو أن طهران تتبنى عدة أساليب لإزالة هذه الضغوط عن نفسها قليلا، إضافة إلى ابتزاز الغرب عبر عدة ملفات لعل أبرزها الملاحة الدولية والبرنامج النووي الإيراني. في هجوم على ناقلة النفط بطائرة مسيّرة إيرانية، مؤخرا، بحسب ما أعلنته “هيئة التجارة البحرية” البريطانية، في خليج عُمان، بالإضافة إلى قيام جماعة “الحوثي” بوقف تصدير أكثر من مليوني برميل من النفط الخام، بعد استهدافها ميناء الضبة بمحافظة حضرموت اليمنية، تشير المؤشرات إلى وجود محاولات متزايدة من قبل وكلاء إيران لعسكرة الملاحة في مياه الخليج، مما يؤجج الأوضاع الإقليمية ويؤدي إلى استمرار الصراع في المنطقة، وتحديدا في اليمن.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول أهداف إيران من اتباع هكذا أساليب، خاصة في الوقت الراهن، حيث تعاني من عدد من الضغوطات والمشكلات الداخلية وأهمها الاحتجاجات الشعبية الدامية منذ أشهر في أنحاء المدن الإيرانية، وفيما إذا كان استهداف السفينة في مياه الخليج وميناء الضبة سيشعل فتيل أزمة وتصعيد أميركي إسرائيلي ضد وكلاء إيران وأذرعها.

مخاطر التصعيد “مرتفعة”؟

في السياق، ألقى مسؤولون أمنيون إسرائيليون كبار باللوم على إيران في هجوم استهدف ناقلة نفط قبالة سواحل عُمان، بطائرة مسيرة مفخخة، معتبرين أن هذا الهجوم خطأ إستراتيجي من جانب طهران، ومحاولة لاستفزاز الغرب، بحسب ما نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.

كما أضافوا أن الطائرة المسيرة التي استخدمت لمهاجمة الناقلة كانت من نفس النوع الذي باعته إيران سابقا إلى روسيا، وبحسب التقديرات الأولية للمسؤولين، فإن الضرر الذي لحق بالسفينة كان خفيفا نسبيا، مؤكدين عدم وجود إسرائيليين على متنها.

سفينة باسيفيك زيركون “رويترز”

أما طبقا لشبكة “سي إن إن” الأميركية، فإن الصورة الحصرية التي حصلت عليها، تكشف جملة الأضرار الناجمة عن الهجوم الذي تعرضت له ناقلة النفط “باسيفيك زيركون” قبالة سواحل عُمان. مضيفة “تُظهر الصورتان، اللتان قدمهما مسؤول دفاعي غربي، فجوة في ما يبدو أنّه جسم الناقلة، التي ترفع العلم الليبيري والمملوكة لسنغافورة والمُرتبطة بإسرائيل، بالإضافة إلى ما يبدو أنه حطام طائرة بدون طيار”.

في حين قالت شركة “إيسترن باسيفيك شيبينغ”، مقرها سنغافورة، إن السفينة “باسيفيك زيركون” أصيبت بمقذوف على بعد 150 ميلا تقريبا قبالة ساحل عُمان، مبيّنة “نحن على اتصال بالسفينة ولا توجد تقارير عن إصابات أو تلوث”.

فيما رجّحت الولايات المتحدة أن يكون الهجوم الذي استهدف ناقلة النفط “باسيفيك زيركون” قبالة ساحل عُمان تمّ تنفيذه بطائرة مسيّرة إيرانية، حيث أفاد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أنه “في ضوء المعلومات المتوفرة، نحن على ثقة بأن إيران على الأرجح ضالعة في هذا الهجوم باستخدام طائرة مسيّرة”.

ضمن هذا الإطار يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن مخاطر التصعيد في المنطقة مرتفعة للغاية وهذا ما بدا واضحا بعد الهجوم الأخير على سفينة الشحن في مياه عُمان. واستدرك علوش ذلك في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الإيرانيون يعانون من ضغوط داخلية كبيرة بفعل الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية ويعتقدون أن الغرب منخرط في تغذيتها لإسقاط النظام ولن يترددوا في التصعيد لحماية أنفسهم”.

بحسب تقدير علوش، فإنه وبعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة الإسرائيلية، ستزداد مخاطر المواجهة المحتملة مع إيران. في حين يُراهن الإسرائيليون، وفق اعتقاد علوش على أن الولايات المتحدة ستُضطر للانخراط في أي مواجهة بغض النظر عن رغبتها في ذلك. لكن الأولويات الأميركية في الوقت الراهن هي للحد من التصعيد ودفع الحلفاء في المنطقة إلى تشكيل جبهة موحدة ضد إيران لملء الفراغ الناجم عن تراجع الدور الأميركي.

علوش أشار إلى أن الصراع الإسرائيلي الإيراني لا يقتصر فقط على البرنامج النووي، بل يمتد إلى مناطق متعددة في الإقليم كسوريا والعراق ولبنان. وأن أي تصعيد بين الجانبين سينعكس بطبيعة الحال تصعيدا أكبر في المواجهة الدائرة بالوكالة بينهما؛ سيجر المنطقة ببساطة إلى دائرة أكثر خطورة.

أما وسائل إعلام غربية فقد نقلوا عن مسؤول إسرائيلي القول إن إيران مسؤولة عن تنفيذ الهجوم بطائرة مسيّرة من طراز “شاهد-136″، وهو الطراز نفسه الذي زوّدت به إيران روسيا لتستخدمه الأخيرة في حربها على أوكرانيا، فيما اتهمت وسائل إعلام إيرانية إسرائيل بشن الهجوم.

قد يهمك: إيران تعلن مجددا تخصيب اليورانيوم.. عقبة جديدة أمام المفاوضات النووية؟

ضغط أميركي لإحياء المفاوضات؟

الحكومة اليمنية، اتهمت “الحوثيين” باستهداف ميناء الضبة للنفط بمحافظة حضرموت شمالي شرق اليمن، بمسيّرات إيرانية الصنع، فيما اعترفت جماعة “الحوثي” في اليمن أنها أوقفت تصدير أكثر من مليوني برميل من النفط الخام، بعد استهدافها ميناء الضبة.

المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، أفاد بأن “الحوثيين أجبروا سفينة نفطية حاولت الاقتراب من الميناء على المغادرة، بعد رفضها للتحذيرات”، مضيفا أن السفينة كانت تنوي نهب كميات من النفط، على حد تعبيره.

من جهتها، حثت الولايات المتحدة جماعة “الحوثي” في اليمن على وقف تهديداتها للتجارة البحرية الدولية، والعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب. كما وأعلن السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاغن، أن الهجمات لن تؤدي إلا إلى إلحاق الضرر باليمنيين، من خلال تفاقم نقص الوقود، معربا في الوقت ذاته عن قلقه من احتمال تجدد التصعيد الذي يقوض جهود الإغاثة والدعم في اليمن.

كذلك، أفاد بيان حكومي بأن الهجمات الأخيرة تهدد إمدادات الطاقة وسلامة الملاحة الدولية، ويأتي هذا في وقت اشتدت فيه المعارك بين الطرفين في محافظة تعز جنوبي غرب البلاد.

في خضم كل ذلك، أفادت قناة “فوكس نيوز” الأميركية، اليوم الأربعاء، أن الولاياتُ المتحدة الأميركية بحثت مع إسرائيل إجراء مناورات عسكرية مشتركة تُحاكي هجوما على إيران ووكلائها في المنطقة.

بحسب القناة الأميركية، فإن رئيسّ الأركانِ الإسرائيلي أفيف كوخافي، والأميركي مارك ميلي، يدرسان إجراء مناورات مشتركة للقوات الجوية خلال الأسابيعِ القادمة، وسيتم خلالها تدريبُ العسكريين على العملِ في ظروف نزاع محتمل بين إسرائيل من جهة، وبين إيران أو وكلاء إيران في المنطقة من الجهة الأخرى.

بالعودة إلى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، فإنه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لا تزال تولي أهمية للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران والحد من التصعيد. ويعتقد علوش أن التحركات العسكرية الأميركية هي للضغط على طهران وليست تحضيرا لهجوم محتمل عليها. ولن تسعى واشنطن للانخراط في حرب جديدة في المنطقة بينما تعمل على تخفيف ارتباطها الأمني بها والتركيز على تحديات أخرى متمثلة في روسيا والصين.

محصلة ما يراه علوش، هو أنه في ظل العامين المتبقين للرئيس بايدن، لا يُمكن بأي حال من الأحوال توقع حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. لكنّ في الوقت نفسه تُدرك الإدارة الأميركية أن عدم إظهار القوة بعض الشيء يُشجع إيران على التشدد في شروطها ضمن المفاوضات ويُقلل من شهيتها لإعادة إصلاح العلاقات مع الغرب.

ميناء الضبة النفطي

هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيه إيران عبر وكلائها مياه الخليج، فقد شهدت خلال الأعوام الأخيرة وقوع هجمات على ناقلات، وسط ازدياد حدة التوترات الإقليمية مع إيران، كما أن المستفيد الوحيد من الصراع الدائر في اليمن هي جماعة “الحوثي” التي هي بشكل غير مباشر تابع لإيران، والتي تريد أن تفرض شروطها ضمن الجهود الدولية المبذولة لإعادة فرض هدنة جديدة بعد انتهاء الهدنة الثالثة مطلع تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وبالتالي فإن إيران تريد تصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج، إضافة إلى ابتزاز الغرب في عدة ملفات وقضايا.

قد يهمك: السلوك العسكري الروسي في إفريقيا.. هل يعزز انتشار الإرهاب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة