منذ خسارة روسيا العسكرية واستعادة الجيش الأوكراني للعديد من المناطق التي احتلتها روسيا، منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، لجأت روسيا لاستخدام قوتها النارية الكثيفة في محاولة للتغطية على خسارتها العسكرية.

هذا الانحسار وضع روسيا في مأزق على الصعيدين السياسي والعسكري، فلجأت كذلك إلى ضرب المنشآت التحتية في أوكرانيا، الأمر الذي ينذر بشتاء ساخن في أوكرانيا، لا سيما مع إصرار القوات الأوكرانية على استعادة أراضيها من قبضة الجيش الروسي.

مزيد من الهجمات

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حذر من أسبوع وحشي ينتظر بلاده، متوقعا مزيدا من الهجمات الروسية على البنية التحتية، وقال، إن “روسيا لن تتوقف عن تنفيذ الهجمات حتى تنفذ الصواريخ من موسكو“.

منذ إخراجها من مدينة خيرسون الأوكرانية، زادت القوات الروسية من حدّة هجماتها على البنية التحتية ومنشآت الطاقة، حيث قال زيلينسكي، في تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط“، إنه يتوقع هجمات جديدة هذا الأسبوع قد تكون بنفس قسوة هجمات الأسبوع الماضي، وهي أقسى الهجمات حتى الآن، حيث تركت الملايين دون تدفئة أو مياه أو كهرباء.

الهجمات على منشآت الطاقة، زادت من معاناة المدنيين في أوكرانيا، مع بدء انخفاض درجات الحرارة حول التجمد خلال الأيام الماضية، في ظل انقطاع إمدادات الكهرباء والتدفئة المركزية إثر موجات الضربات الجوية الروسية.

أما على جبهات القتال، فبدأت كذلك آثار الشتاء بالظهور، ما ينذر بمرحلة جديدة من المواجهات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، التي تواصل استعادة مناطقها من قبضة القوات الروسية.

الصحفي والباحث في العلاقات الدولية عبد الرحمن صلاح الدين، توقع ارتفاع حدة القتال خلال فصل الشتاء، مشيرا إلى أن الإمداد الغربي للقوات الأوكرانية، مكّن الأخيرة من تحقيق التوازن العسكري خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الجوية.

قد يهمك: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

ارتفاع حدة القتال

صلاح الدين قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “مع دخول مرحلة البرد الشديد وتجمّد الوحل في ميادين القتال، من المتوقع أن تزداد حدة المعارك بسبب سهولة تحرك الآليات والمدرعات، عكس الأسابيع الأولى من فصل الخريف التي أدت فيها الأمطار إلى تكوين أوحال ومستنقعات عرقلت حركة الآليات“.

المعارك خلال الشتاء ستزيد من حاجة كل طرف للإمدادات، في وقت ستستخدم فيه القوات الروسية صواريخ “كروز“، كما أن الجيش الأوكراني سيلجأ إلى المدفعية بعيدة المدى للرد على استمرار روسيا في قصف البنية التحتية.

المعارك حاليا تجري في العديد من جبهات القتال في أوكرانيا، حيث تسعى روسيا من جهتها للتقدم في أوبلاست دونيتسك وخصوصا باتجاه باخموت، بينما تضغط أوكرانيا على جبهتي لوهانسك في الشمال الشرقي والجزء الشرقي من أوبلاست خيرسون في الجنوب.

صلاح الدين أشار إلى أن، “الانسحاب الروسي من محيط كييف في بداية الحرب، تأكيد من أنه من الناحية العسكرية لا يملك أي طرف القدرة اللازمة على الحسم بشكل سريع“.

رغم أن روسيا تتفوق حسابيا على أوكرانيا، فإن العقيدة القتالية التي أظهرتها القوات الأوكرانية في جمعها بين نمطي حرب العصابات والحرب التقليدية، أعطت الأوكران قدرة على تخفيف أثر التفوق العسكري الروسي.

يضاف إلى ذلك بحسب صلاح الدين، “إمدادات الأسلحة الغربية التي مكّنت الأوكران من تحقيق توازن جوي، ومكنتهم أيضا من استهداف مخازن للأسلحة وقواعد جوية روسية، إضافة لاستنزاف كبير لسلاح المدرعات الروسي، كل هذا يؤدي إلى أن الحرب من الناحية العسكرية حتى الآن ليست حربا يمكن أن تُحسم في الميدان، بالتالي ستكون حربا طويلة تستنزف اقتصاد روسيا، ما يعني أن الجانب الاقتصادي هو الذي سيحسم الحرب وإن طالت، وليس الجانب العسكري“.

مزيد من الدعم الغربي

حتى اللحظة يُظهِر الغرب على المستوى الرسمي مزيدا من الدعم لأوكرانيا، وهذا يؤذن بتدفق نوعيات أسلحة جديدة وكميات كبيرة لصالح كييف، كذلك فإن أوروبا تمكنت من تأمين حاجتها من الوقود لهذا الشتاء، وحلّت دولها العديد من مشاكلها البينية، وهو ما يقوّي موقف المؤيدين لدعم أوكرانيا داخل أوروبا، كل هذا يفيد بتصاعد الدعم الغربي عسكريا وسياسيا لأوكرانيا خلال الأشهر المقبلة.

القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، قال في تقرير المستجدات اليومي، الاثنين، إن القوات الأوكرانية صدت هجمات روسية في باخموت وأفديفكا شمال شرقي البلاد.

بالعودة إلى استهداف منشآت الطاقة، فقد قال رئيس شركة تشغيل الكهرباء النووية الأوكرانية بترو كوكتين الأحد، إن هناك مؤشرات على أن روسيا قد تنسحب من المحطة.

وقالت الإدارة التي عينتها روسيا في مدينة إنرهودار، حيث تقع المحطة، إنها ما زالت تحت السيطرة الروسية.

القوات الأوكرانية حظيت مؤخرا بتفوق واضح في المعارك الميدانية، ويرجع ذلك بشكل جزئي بحسب محللين إلى أنظمة الصواريخ الغربية، التي تم نشرها خلف الخطوط الأمامية ما مكّن باستهداف المواقع الروسية بشكل مركّز.

توازنات التفاوض

رغم رفضها الحوار خلال الأشهر الماضية، يبدو أن أوكرانيا أدركت على ما يبدو أنها أصبحت في موضع قوة بعد استعادتها بعض المناطق التي احتلتها روسيا، حيث قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قبل أيام، إن “أوكرانيا مستعدة للسلام والسلام لكل بلدنا“.

زيلينسكي أشار إلى أن الدعم الغربي العسكري من قِبل حلف “الناتو” والولايات المتحدة الأميركية، كان له دور هام في الانتصارات التي حققتها قوات بلاده، وأضاف “أنظمة صواريخ هيمارس من الولايات المتحدة أحدثت فرقا كبيرا في كييف“.

زيلينسكي أوضح خلال تصريحاته عقِب استعادة مدينة خيرسون، أن الحوار والتفاوض مرتبط باستعادة كامل الأراضي الأوكرانية، وقال “نحن نتقدم خطوة فخطوة نحو وطننا لاستعادة كافة الأراضي المحتلة، نحن نتقدم، وجاهزون للسلام، لكن سلامنا يعني استعادة كافة أراضي بلادنا، نحن نحترم قانون وسيادة البلدان كافة، لكننا نتحدث الآن عن وطننا، لذلك نحن نقاتل ضد العدوان الروسي“.

الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي، رأى أن الحوار ووقف الحرب يتطلب إرادة عسكرية وسياسية من قِبل موسكو، لا سيما بعد الهزائم التي تعرضت لها قواتها، مشيرا إلى أن التقدم العسكري والدعم الغربي جعل من عدم التفريط بالأقاليم الأربعة شرطا لقبول أوكرانيا بالتفاوض.

روسيا في مأزق

النعيمي قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “أرى أن الأوكرانيين يقومون بالمعركة الدفاعية وليست الهجومية وإعلان السلام يتطلب وقف العمليات العدائية تجاه الشعب الأوكراني، لذلك قرار وقف الحرب يتمثل بتوفر الإرادة السياسية لدى القيادة الروسية“.

النعيمي يعتقد أن تقدم القوات الأوكرانية لن يتوقف عند مدينة خيرسون، لا سيما بعد تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة من قِبل الغرب، فصواريخ “هيمارس” أحدثت فارقا كبيرا في المعركة لصالح القوات الأوكرانية، وحدّت من قدرة الجيش الروسي على التقدم في مختلف الجبهات.

بشأن التفاوض بين الجانبين، أوضح النعيمي، أن روسيا دعت مؤخرا للحوار بسبب الضغوط العسكرية والسياسية التي تعاني منها، إضافة إلى المتغير الأكثر أهمية والمتمثل بالقرار الأممي الذي يدعو لتسهيل جمع الأدلة عن الانتهاكات الروسية في أوكرانيا، وإيجاد آلية دولية للتعويض عن خسائر الحرب وتحميل روسيا الانتهاكات وإجبارها على دفع تعويضات لأوكرانيا، بالتالي زيادة الأعباء الاقتصادية على الجانب الروسي، فضلا عن العقوبات الأميركية.

استعادة الجيش الأوكراني لمدينة خيرسون، كان له أثرا واضحا على سير عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث وصف محللون إخراج الجيش الروسي من المدينة، بـ“الخسارة الاستراتيجية الكبرى“، لما أظهرته المعركة من ضعف الدفاعات الروسية وانهيار في أساسيات العقيدة الروسية.

الجيش الأوكراني، يبدو أنه سيسعى لاستغلال الارتباك السياسي والعسكري في الأوساط الروسية، لمواصلة التقدم واستعادة الأراضي التي غزتها موسكو منذ شباط/فبراير الماضي.

مع تواصل روسيا لقصفها منشآت الطاقة، فبالتأكيد لا يبدو أن توقف المعارك في الشتاء هو التّوقع الأقرب إلى الواقع، لا سيما وأن أوكرانيا ترد على جميع الهجمات الروسية، بل إن استعادتها لزمام المبادرة واستمرار الدعم الغربي سيمكّنها ربما من استعادة المزيد من المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية منذ بدء غزوها أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي.

اقرأ أيضا: هزائم بوتين تحيي شبح الضربة النووية في أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة