التهديدات الصينية تدفع العديد من الدول الآسيوية والمطلة على المحيط الهندي والهادي، للدخول في سباق تسلّح وإطلاق استراتيجيات جديدة، وذلك من أجل مواجهة التهديدات القادمة من سياسات الحزب “الشيوعي” الصيني، فضلا عن أن الغزو الروسي لأوكرانيا حفّز مخاوف هذه الدول أمنها القومي.

بعد كندا ودول المحيطين الهندي والهادي، تسعى اليابان إلى تعزيز قدراتها العسكرية، مدفوعة برغبة مواجهة تهديدات محتملة قادمة من الصين، لا سيما في ظل توتر العلاقات بين اليابان والحزب “الشيوعي” الصيني، فضلا عن التحركات العسكرية لجيش “التحرير الشعبي” الصيني في المياه الإقليمية للمنطقة.

تطوير سلاح اليابان

صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت عن مصادر في الصحافة اليابانية، تأكيدها أن اليابان تدرس شراء ما يصل إلى 500 صاروخ كروز أميركي الصنع من طراز توماهوك، بحلول السنة المالية المنتهية في آذار/مارس من العام 2028، مع تسريعها الاستعدادات لتحسين قدرات الهجوم المضاد.

تزامنا مع سباق التسليح الذي انطلق في آسيا، بدأً من الصين وكوريا الشمالية، تواصل طوكيو أكبر تعزيز للأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية في مواجهة التحديث العسكري السريع للحزب “الشيوعي” الصيني.

تخطط اليابان لمراجعة استراتيجيتها للأمن القومي، بالإضافة إلى المواقف الدفاعية الأساسية الأخرى بحلول نهاية العام. وقالت بالفعل إنها تعتزم توسيع مدى الصواريخ الأرضية بوصفه جزءاً من استراتيجية جديدة لمنح جيشها القدرة على ضرب أهداف بعيدة في البحر والبر.

التغيرات الدولية وظهور اصطفافات جديدة في العالم، يبدو أنه دفع بطوكيو لتبني استراتيجيات من شأنها حماية أمن اليابان، وبالأخص من الحزب “الشيوعي” الصيني، الذي لا يخفي تهديداته في المنطقة، بعدما أظهر نوايا غزو محتمل لتايوان مؤخرا.

قد يهمك: كندا نحو المحيطين الهندي والهادئ.. ما علاقة سياسة الصين التخريبية؟

الخبير في العلاقات الدولية الدكتور أيمن سيف الدين، رأى أن تسارع سباق التسليح في الشرق والغرب، جاء نتيجة مباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا، وإمكانية ظهور اصطفافات جديدة في العالم، ما جعل اليابان وغيرها يستشعرون الخطر من التهديدات المحيطة، وبالأخص التهديدات الصينية في آسيا.

خطر الحزب الصيني

سيف الدين قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “اليابان تدرك تماما أن ما يحصل اليوم نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، يشبه تماما حالة الاصطفاف التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، مما ينبئ بضرورة الاستعداد لإمكانية نشوب حرب ثالثة، فالحرب الأوكرانية، حفّزت مخاوف العديد من الدول على أمنها القومي وهو ما دفع العديد من الدول لبناء جيوش قوية لمواجهة الخطر“.

يوحي المستقبل القريب شرقي آسيا، بتحولات على مستوى القطبية والقوة، مع صعود الحزب “الشيوعي” الصيني، إلى واجهة المشهد وبدئه جس النبض في تايوان، والتلميح بإمكانية فعل مافعلته روسيا خارج حدودها.

سيف الدين أوضح أن التحولات الجوهرية في المستقبل القريب، دفع اليابان إلى الاستعداد لحماية البلاد من مخاطر محتملة، “وبالأخص المخاطر القادمة من الصين، أو الاستعداد للمشاركة الفاعلة في المشهد الدولي، فيما لو حدث تغير جديد في النظام الدولي، وبالتالي فإن اليابان تسعى فعلا لامتلاك قوة عسكرية في سياق السباق على التسلّح وعلى التموقع مرة أخرى على خارطة القوة“.

ما يوحي كذلك بارتفاع مستوى الخطر من الحزب “الشيوعي” الصيني، هو التوتر الذي ساد بين الصين واليابان مؤخرا، وهنا استبعد سيف الدين أن يصل هذا التوتر إلى حد المواجهة العسكرية بين الجانبين.

حول ذلك أضاف، “لا أرى أن الصين ستدخل في مواجهة عسكرية مع اليابان على الأقل خلال العشر سنوات القادمة، فهي انتهجت ولا تزال سياسة الصعود الهادئ بعيدا عن المغامرة العسكرية، بالتالي لا صراع عسكري باعتقادي بل على العكس ستسعى الصين ربما إلى ترسيخ العلاقات وتطمين اليابان تجاه ذلك“.

ملف الجزر

أحد أبرز الملفات التي أشعلت الخلافات بين البلدين على مدار العقود الماضية، هي الجزر الواقعة في البحر بين البلدين، وهي جزر غير مأهولة، لكن اكتشاف ثروات وموارد فيها، أشعل الخلافات بعد أن كانت فاترة لعشرات السنين.

تخضع معظم هذه الجزر لسيطرة اليابان، إلا أن بكين بدأت بالمطالبة بها أواخر ستينيات القرن الماضي، وفي حين تقول الصين إن هذه الجزر تعرضت للسرقة من قبل اليابان عام 1895 وكان يفترض أن تعيدها نهاية الحرب العالمية الثانية.

ترد اليابان بالقول، إن الصين لم تبدأ بالمطالبة بها إلا بعد اكتشاف هذه الموارد في تقرير للأمم المتحدة عام 1969، مشيرة إلى أن الجزر التي كانت تضم يوما مصنعا للمأكولات البحرية اليابانية، جزء من أراضيها، سواء تاريخيا أو بموجب القانون الدولي، حسب الرواية اليابانية.

في أحدث مراحل النزاع على هذه الجزر، هي مشاهد الاحتجاجات في الصين عام 2012، وما تبعه من دخول لخفر السواحل الصيني وقوارب الصيد بانتظام إلى منطقة الجزر في بحر الصين الشرقي، في انتهاك للمياه الإقليمية اليابانية، وذلك بعدما أعلنت الحكومة اليابانية تأميم جزر سينكاكو.

تقارير يابانية تحدثت مؤخرا عن تصرفات عدائية قامت بها الصين في منطقة طوكيو الاقتصادية، إذ تعتقد الصين أن الصواريخ الصينية سقطت في منطقتها الاقتصادية الخالصة، واحتجت طوكيو على ما تصفه بالانتهاكات الجوية والبحرية المتزايدة.

كذلك ساهم ملف تايوان بتعزيز التوتر بين طوكيو وبكين، حيث انتقدت اليابان إلى جانب حليفتها الأمنية، الولايات المتحدة، صراحة ارتفاع وتيرة الأنشطة الصينية في بحار الصين الجنوبية، وطالبت طوكيو أيضا بتحقيق السلام والاستقرار في مضيق تايوان.

اليابان عبّرت في وقت سابق عن قلقها، من تصاعد وتيرة التدريبات العسكرية الصينية مع روسيا بالقرب من السواحل اليابانية. كما عملت طوكيو على تعزيز تمركزها العسكري نحو منطقة جنوب غرب اليابان، التي تشمل أوكيناوا والجزر النائية الملاصقة لشرق تايوان.

بحسب تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية فإن، “أي غزو صيني لتايوان هو بمثابة تهديد محسوس للغاية لليابان، لأن البلدين قريبان جغرافيا (يوناجوني، آخر جزيرة في جنوب غرب أرخبيل أوكيناوا، تبعد حوالي 100 كيلومتر عن تايوان)، وبسبب العواقب الجيوستراتيجية التي قد تترتب على الغزو الصيني لهذه المنطقة بشأن حرية الحركة في مضيق تايوان، وهو عامل حاسم في ممر المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك لاستقرار المنطقة بأكملها.

ويبدو أن تهديدات الصين باتجاه تايوان، لا تطمئن اليابان أبدا بالرغم من العلاقات الاقتصادية التي تجمع البلدين، فالخوف من غزو محتمل للصين باتجاه تايوان، دفع اليابان لتعزيز قدراتها العسكرية وزيادة ميزانيتها. كذلك تُراجع اليابان حاليا استراتيجية أمنها القومي، التي يُتوقع أن تنادي بامتلاك قدرات ضربة وقائية، يقول معارضوها أنها ستنتهك دستور البلاد السلمي.

تحظى تايوان بتقدير كبير من قِبل العديد من اليابانيين لعدة أسباب مختلفة، فالمحافظون معجبون بتاريخها المناهض للشيوعية والجهود المبذولة لمواجهة ضغوط الصين.

كذلك ويعجب الليبراليون بها لتقدمها نحو الديمقراطية التمثيلية والسياسات الاجتماعية التقدمية (مقارنة باليابان)، ويستمتع الكثير من اليابانيين بالسفر إلى تايوان وغالبا ما يكون لديهم أصدقاء أو زملاء من الجزيرة، بحسب ما نقله تقرير لموقع “عربي بوست“.

بعيدا عن التوتر العسكري والجغرافي، فما تزال الصين هي أكبر شريك تجاري لليابان، في حين أن هذه الشراكة قد تضع طوكيو في موقف حرج، في شراكتها مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تخوض حربا اقتصادية ضد الصين.

في وقت تسعى الصين للضغط على العديد من الحكومات حول العالم لتبني مبادراتها الاقتصادية، تعمل اليابان بقيادة أميركا على طرق تتصدى بها للنفوذ الاقتصادي الصيني المتنامي في المنطقة. وترغب طوكيو أيضا في تعزيز أمنها الاقتصادي مع الديمقراطيات الأخرى في مجالات مثل سلاسل التوريد وحماية التقنيات الحساسة، لتقليل اعتمادها على الصين.

الولايات المتحدة الأميركية ترى أن الصين قد تشكل خطرا شديدا في حال صعود نفوذها حول العالم، ويؤكد خبراء أن العديد من القادة اليابانيين يتفقون مع هذا الرأي، وبالتالي هم يؤيدون التحالف الأميركي الياباني ضد الصين.

إذا وعلى الرغم من عدم إعلان الحزب “الشيوعي” الصيني عداءه لدول المنطقة بشكل مباشر، إلا أن الجميع يعلم مدى الخطر القادم من الحزب على المدى الطويل، وهذا ما يفسر انطلاق سباق التسليح في آسيا، فضلا عن الاستراتيجيات المعلنة لمواجهة التمدد الصيني، وبالأخص استراتيجية كندا التي أكدت أن أحد أهدافها مواجهة تهديدات الحزب “الشيوعي” الصيني.

اقرأ أيضا: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة