مرحلة جديدة من التصعيد العسكري قد تشهدها اليمن، بعد سلسلة الهجمات الأخيرة التي شنتها جماعة “الحوثي” المدعومة من إيران، على موانئ نفطية بعد شهرين من انتهاء هدنة رفضوا تمديدها مع الحكومة الشرعية. قد يكون لها عواقب اقتصادية مدمرة وتبعات إنسانية خطيرة في بلد تمزقه الصراعات وتهدده المجاعة، في الوقت الذي تسلط فيه تلك الهجمات الضوء على أزمة مالية تعيشها حكومة الانقلابيين، وعلى محاولات للضغط على الحكومة الشرعية لتقاسم إيرادات النفط.

“الحوثيون” يماطلون في تمديد قبول الهدنة التي انتهت في مطلع تشرين أول/أكتوبر الماضي، بالتزامن مع محاولات المجتمع الدولي والوسطاء الإقليمين إقناعهم بالقبول، إلا أنهم استغلوا انتهاء الهدنة لاستئناف العدوان على الموانئ في مناطق الشرعية، بهدف الضغط على الأخيرة لتقديم تنازلات جديدة.

قادة الميليشيا لوحت خلال الآونة الأخيرة، بنقل المعركة وتوسيعها بحرا، ما لم يتم التفاهم على تحويل عائدات النفط للبنك المركزي في صنعاء.

مطالب إضافية

مهاجمة “الحوثيين” للموانئ تكشف عن رغبتهم برفع سقف المفاوضات والمطالب الإضافية، بحسب حديث مدير “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية” ماجد المذحجي، لـ”الحل نت”، هم يريدون حصة من الموارد الأساسية، تحديدا النفط، وبالتالي حرمان خصمهم الأساسي من أهم مورد اقتصادي بدون تقديمهم لأي تنازلات، وذلك بالتفاوض وبكلفة منخفضة، وهذا مالم يستطيعوا كسبه بالسلاح والمعارك في مآرب.

هذه الموارد ستكون حاسمة في تغذية آليتهم العسكرية، وبالتالي سيتسع طموحهم أكثر فأكثر. إيران ترى أن التصعيد العسكري والمزيد من إضعاف حلفاء الإمارات والسعودية في اليمن، يساهم في تعزيز أوراقها في إطار التفاوض الإقليمي النشط، بحسب المذحجي، حيث يندرج ذلك ضمن سياسة مراكمة الأوراق الرابحة على الطاولة في إطار التفاوض بين الأطراف، وفق تعبيره.

الإيرانيون و”الحوثيون” في وضع سياسي صعب، حيث تتعرض طهران لضغط هائل بعد الأحداث الداخلية الأخيرة التي تعيشها، لذلك تحاول إبعاد خصومها في الخليج، عن طريق إبقائهم منشغلين بالصراع اليمني، لذلك يرى المذحجي بأن الأسباب غير المعلنة لعدم تمديد الهدنة بين جماعة “الحوثي” والحكومة الشرعية، يُتوقع أن تكون إيران وراءها، بالطلب من “الحوثيين” المساعدة في تصعيد الأمور في المنطقة، وفق تعبيره.

تحذيرات دولية

المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، حذر الأربعاء من حرب مدمرة في اليمن، داعيا إلى وقف الاستفزازات، في وقت صعّد فيه “الحوثيون” استهدافهم لقوات الحكومة اليمنية الشرعية في محافظة تعز، ويأتي تصعيد “الحوثيين” في وقت يبحث فيه ليندركينغ في سلطنة عمان والسعودية، جهود تمديد الهدنة بين الحكومة الشرعية و”الحوثيين”، والتي استمرت ستة أشهر فقط.

رغم أن اليمن ليس بلدا نفطيا، إلا أن جماعة “الحوثي” تخوض منذ انتهاء الهدنة “حربا نفطية” ضد الحكومة المعترف بها دوليا لإجبارها على تقاسم إيرادات النفط الشحيحة. يسعى “الحوثيون” لفرض معادلة جديدة على الأرض تقوم على تقاسم عائدات النفط مع السلطة الشرعية، مستغلين في ذلك الموقف الدولي الضعيف والمقتصر حتى الآن على بيانات الشجب والتنديد.

جماعة “الحوثي” تسع بدرجة كبيرة إلى إيجاد نوع من الاعتراف سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وهذا أهم دوافعها من وراء التصعيد الأخير الذي قامت به تجاه الموانئ، إلى جانب ذلك تبقى جماعتها متأهبة في حالة حرب، دون أي ترهل، بحسب حديث رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات، الباحث توفيق الحميدي، لـ”الحل نت”.

“الحوثيون” وإيران مرتبطان منذ البداية ببعض، وفق الحميدي، إذ يوجد بينهم تخادم واضح، وهذا ما أكدته تقارير تابعة للأمم المتحدة وغيرها من الجهات الرسمية الأخرى، حيث يسعى الحوثيون إلى تحقيق أهدافهم الخاصة المتعلقة بالاعتراف وبالوجود وبالتحكم في المجال الجوي والبري والبحري على حد سواء، إذ لا يمكن فصل ذلك عن مصالح إيران.

أطماع “الحوثي”

“التحالف العربي” والحكومة اليمنية الشرعية، وقعا هدنة لمدة شهرين على مستوى البلاد مع “الحوثيين” في نيسان/أبريل الماضي، كانت الأولى منذ عام 2016. تم تجديد هدنة الشهرين مرتين، لكنها انتهت دون تجديد بسبب مطالب “الحوثيين” فيما يتعلق بأجور موظفي القطاع العام.

 رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، صرح بأنّ “الحكومة حريصة على السلام وتقديم التنازلات لصالح الشعب اليمني”، مشددا على “عدم تقديم أي تنازلات غير مقبولة ولا منطقية”. أضاف “هناك من يرفض كل مسارات السلام، ولن يكون هناك أي استقرار وتوجه جاد نحو السلام، ما لم يكن هناك تأمين كامل لمصادر النفط”.

قد يهمك: “الحوثي” وطرق تهريب الأسلحة من إيران.. رفض لتجديد الهدنة؟

في المقابل صرح نائب وزير الخارجية “الحوثي” حسين العزي بأنّ “المبعوث الأممي يعرف أنّ مفاوضات وقف الحرب وإنهاء التدخل الخارجي ليست ضمن صلاحياته”، ورفض العزي تحميل المبعوث لصنعاء مسؤولية عدم تمديد الهدنة.

في تلك الأثناء تتواصل اجتماعات مجلس القيادة الرئاسي لبحث إجراءات تنفيذ قرار مجلس الدفاع الوطني رقم (1) لسنة 2022، بتصنيف مليشيات “الحوثي” منظمة إرهابية، وهي الخطوة التي جاءت ردا على استهداف الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة.

تعنت جماعة “الحوثي”

الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إليزابيث كيندال، ترى أن “الحوثيين”، لا يملكون ما يخسرونه مقابل ما يمكنهم كسبه عبر مواصلة القتال، معتبرة أنهم أصبحوا يحتجزون “موانئ النفط اليمنية للحصول على فدية”.

في إحاطة أمام مجلس الأمن قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن هانس غرونبرغ، إنّه يواصل التشاور مع الأطراف لبدء مناقشات تفضي لتسوية أكثر شمولية للصراع. وتابع بالإضافة إلى “الجهود المتعلقة بتجديد الهدنة أتواصل مع الأطراف ليس فقط بخصوص توسيع الهدنة، بل أيضا للشروع في مناقشات حول مسار يفضي إلى تسوية أكثر شمولية للنزاع”

الأزمة الإنسانية في اليمن، تُصنّف على أنّها الأسوأ في العالم، وفي قلبها تقع أزمة حصار مدينة وأرياف تعز، التي تُعتبر أشد المناطق معاناة في اليمن، بسبب الحصار الذي فرضته ميليشيات جماعة “الحوثيين”، على المدينة وأريافها منذ العام 2015، بعد إخفاقها في السيطرة عليها.

بحسب “مركز تعز” الحقوقي؛ فإنّ 3590 مدنيا قتلوا، منهم 761 طفلا و347 امرأة و289 مسنّا، وأصيب 13736 آخرون، منهم 3155 طفلا و1180 امرأة و764 مسنّا خلال الأعوام من 2015 إلى 2020، جراء أعمال القصف والقنص التي تنفذها الميليشيا “الحوثية” على المدينة.

“الحوثيون” يسيطرون على مناطق شاسعة في شمال وغرب اليمن، بينها العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر التي تضمّ ميناء رئيسيا تعبر منه غالبية المواد التجارية والمساعدات الإنسانية.

النزاع على السلطة يدور في أفقر دول شبه الجزيرة العربية منذ 2014. وقد تسبّبت الحرب بمقتل مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة التي تقول، إنّ “اليمن يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.