في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، زاد عدد سكان العالم ليبلغ 8 مليارات نسمة، فيما اعتبرت الأمم المتحدة أن نمو سكان العالم هو قصة “رائعة” في ضوء الزيادة البالغة 25 عاما في متوسط الأعمار منذ العام 1950، لكن في مقابل ذلك فإن لهذه الزيادة العددية للسكان ضريبة كبيرة، حيث تشير الأمم المتحدة إلى أن النمو السكاني كأحد المصادر الرئيسية لزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتدمير البيئي، كما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، والتلوث، وإزالة الغابات، ونقص المياه، والغذاء.

البلدان النامية في إفريقيا وجزء من آسيا، والتي من الممكن أن تتضخم سكانيا خلال السنوات القادمة مسؤولة عن جزء ضئيل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ونقص المياه والغذاء، حيث سيتركز أكثر من نصف الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم حتى عام 2050 في ثمانية بلدان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وإثيوبيا، والهند، ونيجيريا، وباكستان، والفلبين، وجمهورية تنزانيا المتحدة، من المتوقع أن تساهم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من نصف الزيادة المتوقعة حتى عام 2050.

إفريقيا كقارة تتمتع بميزات ذات أهمية كبيرة تمر بأطوار من الازدهار السكاني والاقتصادي، تدفع لتسليط الضوء على نقاط متنوعة، بدءا من تعداد السكان وتوزعهم، والنمو السريع الذي تشهده والذي تأثر بجائحة “كورونا” والغزو الروسي لأوكرانيا، إضافة لأهمية جنوب الصحراء الكبرى استراتيجيا وعالميا وتحولها لميدان تنافس دولي، على الرغم من محاولات الدول الإفريقية تطوير ذاتها من خلال “أجندة 2063” وما رافقها من معوقات وصعوبات.

عدد سكان إفريقيا

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الإفريقي، أفاد بأن عدد السكان بقارة إفريقيا خلال العام الجاري 2022 بلغ 1.421 مليار نسمة بما يمثل 17.8 بالمئة من سكان العالم الذي بلغ 8 مليارات نسمة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

الجهاز أشار في وقت سابق من الشهر الماضي، إلى أنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم 9.752 مليار نسمة عام 2050 بنسبة زيادة سكانية قدرها 1.752 مليار نسمة مقارنة بعدد سكان العالم في 2022، ومن الملاحظ أن الزيادة السكانية في قارة إفريقيا وحدها ستمثل الجانب الأكبر في الزيادة السكانية العالمية خلال الفترة من 2022 إلى 2050.

التنمية الزراعية في إفريقيا جنوب الصحراء “وكالات”

وفقا لتوزيع سكان العالم عام 2050 حسب القارات فمن المتوقع أن تمثل قارة إفريقيا 25.4 بالمئة من سكان العالم مقابل 17.8 بالمئة خلال العام الجاري 2022 مما يدل على ارتفاع معدل النمو السكاني لقارة إفريقيا بخلاف قارات العالم الأخرى التي من المتوقع انخفاض معدل النمو السكاني لها خلال نفس الفترة.

أما بالنسبة لتوزع السكان حسب الأقاليم الإفريقية، فإن نيجيريا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في إقليم غرب إفريقيا عام 2022 ببلوغ عدد السكان 219.5 مليون نسمة حيث تمثل 15.4 بالمئة من جملة عدد سكان إفريقيا و2.7 بالمئة من جملة سكان العالم وترتيبها رقم 7 عالميا والأولى إفريقيًا من حيث عدد السكان.

إثيوبيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في إقليم شرق إفريقيا عام 2022 ببلوغ عدد السكان 122.1 مليون نسمة حيث تمثل 8.6 بالمئة من جملة عدد سكان إفريقيا و1.5 بالمئة من جملة سكان العالم وترتيبها رقم 12 عالميا والثانية إفريقيًا من حيث عدد السكان.

مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في إقليم شمال إفريقيا عام 2022 ببلوغ عدد السكان 104.2 مليون نسمة حيث تمثل 7.3 بالمئة من جملة عدد سكان إفريقيا و1.3 بالمئة من جملة سكان العالم وترتيبها رقم 14 عالميا والثالثة إفريقيًا من حيث عدد السكان، في حين تحتل الكونغو الديمقراطية المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في إقليم وسط إفريقيا ببلوغ عدد السكان 96.5 مليون نسمة حيث تمثل 6.8 بالمئة من جملة عدد سكان إفريقيا و1.2 بالمئة من جملة سكان العالم وترتيبها رقم 16 عالميا والرابعة إفريقيًا من حيث عدد السكان.

جنوب إفريقيا جاءت في المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في إقليم جنوب إفريقيا ببلوغ عدد السكان 61.1 مليون نسمة حيث تمثل 4.3 بالمئة من جملة عدد سكان إفريقيا و0.8 بالمئة من جملة سكان العالم وترتيبها رقم 25 عالميا والسادسة إفريقيًا من حيث عدد السكان.

إقرأ:الطائرات المسيرة.. سلاح الإرهاب القادم في إفريقيا؟

أما حول أهم المؤشرات الديموغرافية لسكان قارة إفريقيا، فإنه وفقًا لمعدل المواليد سجلت النيجر والصومال وتشاد وجمهورية وسط إفريقيا والسودان وناميبيا المراتب الأولى في معدلات المواليد وفقا لأقاليم القارة وبلغ معدل المواليد بهذه الدول (45، 44، 43، 34، 27) مولود لكل 1000 من السكان على الترتيب وقد سجلت النيجر أعلى معدل مواليد بالقارة.

بحسب معدل الزيادة الطبيعية سجلت دولة النيجر أعلى معدل زيادة طبيعية حيث بلغت 3.7 لكل 1000 من السكان بينما تساوت نسب كل من دولتي الصومال والكونغو حيث بلغت 3.2 لكل 1000 من السكان، بينما بلغ معدل كل من السودان وناميبيا 2.7 و1.7 لكل 1000 من السكان وتمثل هذه الدول المراتب الأولى في معدلات الزيادة الطبيعية وفقا لأقاليم القارة الإفريقية.

إفريقيا القارة الأسرع نموا

في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بلغ عدد سكان العالم 8 مليارات شخص، مما يعتبر معلما بارزا في تاريخ التنمية البشرية. وفي حين استغرق نمو سكان العالم 12 عاما لينتقل من 7 إلى 8 مليارات نسمة، فإنه من المتوقع أن يستغرق ما يقرب من 15 عاما حتى عام 2037 ليبلغ عدد 9 مليارات نسمة، ما يدل على أن معدل النمو الإجمالي لسكان العالم في تباطؤ، بحسب تقرير للأمم المتحدة صدرا مؤخرا.

مع ذلك، لا تزال مستويات الخصوبة مرتفعة في بعض البلدان بالخصوص، وعلى رأسها البلدان ذات الدخل الفردي الأدنى. ولذا صار النمو السكاني العالمي متمركزا بشكل متزايد في البلدان الأكثر فقرا، معظمها في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

كما يُتوقع أن يحدث أكثر من نصف النمو السكاني العالمي بين العام الحالي 2022 والعام 2050 في إفريقيا، ففي القارة السمراء أعلى معدل نمو سكاني في المناطق الرئيسية، ويُتوقع أن يتضاعف عدد سكان جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2050. كما يُتوقع زيادة عدد السكان في إفريقيا بسرعة، حتى لو انخفضت مستويات الخصوبة في المستقبل القريب بنسبة كبيرة.

بصرف النظر عن الضبابية التي تحيط بالاتجاهات المستقبلية للخصوبة في إفريقيا، فإن العدد الكبير من الشباب الموجودين في القارة في الوقت الحاضر وهم من يُتوقع وصولهم سن البلوغ في السنوات المقبلة وأن يكون لديهم ذرية يضمن أن تضطلع القارة بدور رئيسي في تشكيل حجم سكان العالم وتوزيعهم على مدى العقود المقبلة.

التعافي البطيء بعد جائحة “كورونا”

الأثر الاقتصادي الناجم عن انتشار جائحة “كورونا” في إفريقيا كان حادا، لكن كان من المتوقع أن يخرج النمو الاقتصادي في المنطقة من حالة الركود التي شهدها عام 2020 وأن ينمو بنسبة 3.3 بالمئة في عام 2021، ولا يزال هذا الانتعاش، الذي يذكيه حاليا ارتفاع أسعار السلع الأولية، وتخفيف العمل بالتدابير الصارمة لاحتواء فيروس “كورونا”، والتعافي في التجارة العالمية، هشا في ضوء انخفاض معدلات التطعيم في القارة، والأضرار الاقتصادية طويلة الأجل، وبطء وتيرة التعافي. وسيظل معدل النمو في العام الحالي 2022 و2023 أقل قليلا من 4 بالمئة، وسيستمر في التأخر عن وتيرة التعافي في الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة.

أيضا من المتوقع أن تنتعش شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي، وهي المنطقة الأشد تضررا من الموجة الثالثة من فيروس “كورونا”، من انكماش بنسبة 3.0 بالمئة في إجمالي ناتجها المحلي في عام 2020، إلى معدل بلغ 3.4 بالمئة مع نهاية العام الحالي.

أيضا بالنسبة لمعدل النمو في غرب ووسط إفريقيا، فقد بلغ 3.6 بالمئة مع نهاية العام الحالي، بحسب بيانات “البنك الدولي”، حيث شهدت هذه المنطقة تعافيا مقارنة بالأداء الضعيف الذي شهدته خلال العامين الماضيين، وذلك بفضل تحسن أداء كل من القطاعين النفطي وغير النفطي.

إقرأ أيضا:صراع نفوذ روسي فرنسي في إفريقيا.. الواقع والأشكال

أهمية جنوب الصحراء

جنوب الصحراء الإفريقية، التي يقطنها أكثر من مليار نسمة، تُعد قارة متنوعة تتيح موارد بشرية وطبيعية قادرة على تحقيق نمو يشمل الجميع والقضاء على الفقر في المنطقة. وتنشئ القارة، التي تضم أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم وسوقا استهلاكية تضم 1.2 مليار شخص، مسارا إنمائيا جديدا تماما، بحيث تستفيد من إمكانات مواردها الطبيعية والبشرية.

المنطقة تضم مجموعة من البلدان منخفضة الدخل، والبلدان متوسطة الدخل بشريحتيها العليا والدنيا، والبلدان مرتفعة الدخل، ويعاني 22 منها من أوضاع الهشاشة أو الصراع. وتضم إفريقيا أيضا 13 دولة صغيرة تتسم بقلة عدد السكان ومحدودية رأس المال البشري وعدم إطلالها على بحار.

لقد كان لتسريع وتيرة توزيع اللقاحات تسريع معدل النمو في المنطقة ليصل إلى 5.1 بالمئة في العام الحالي 2022 و5.4 بالمئة في عام 2023 مع تسريع تخفيف تدابير احتواء فيروس “كورونا” وزيادة الإنفاق. لكن إذا استمر تأخر تقديم اللقاحات وتغطيتها، فإن النمو قد يتباطأ إلى 2.4 بالمئة في عام 2023.

البلدان الإفريقية استغلت الفرصة التي أتاحتها أزمة “كورونا” لتشجيع الإصلاحات الهيكلية وإصلاحات الاقتصاد الكلي التي يمكن أن تمهد الطريق لزيادة النمو الشامل للجميع على المدى الطويل، حيث شرعت عدة بلدان في تنفيذ إصلاحات هيكلية صعبة، ولكنها ضرورية، مثل توحيد أسعار الصرف في السودان، وإصلاح دعم الوقود في نيجيريا، وفتح قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية أمام القطاع الخاص في إثيوبيا. ويمكن للإصلاحات التي توفر إمدادات كهرباء مستمرة، بما في ذلك رفع كفاءة عمل المرافق العامة، أن توفر الكهرباء لقطاع الصناعات التحويلية والاقتصاد الرقمي.

تباطؤ النمو

بحسب تقرير سابق لـ”البنك الدولي”، فإنه بينما تسعى المنطقة الإفريقية جاهدة للتعافي من حالة الركود الاقتصادي التي ضربتها في عام 2020 بسبب جائحة فيروس “كورونا”، فإن المنطقة تواجه الآن تحديات جديدة قد تعرقل النمو الاقتصادي، وزاد من تفاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا.

تعزيز الأمن الغذائي في إفريقيا “وكالات”

“البنك الدولي” أشار في تقريره إلى أن معدل النمو بلغ 3.6 بالمئة في عام 2022، منخفضا من 4 بالمئة في 2021 في وقت لا تزال المنطقة تواجه فيه سلالات جديدة من فيروس “كورونا”، وارتفاع معدلات التضخم العالمي، وتعطل الإمدادات، والصدمات المناخية. ومما يفاقم من التحديات المتعلقة بالنمو في المنطقة ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأولية، التي تزداد بوتيرة أسرع منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

أيضا من المرجح أن تتأثر اقتصادات إفريقيا بتشديد الأوضاع المالية العالمية وانخفاض التدفقات المالية الأجنبية إلى المنطقة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية الذي سيؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في مختلف البلدان الإفريقية، مما يضر بالمواطنين الفقراء والأكثر احتياجا، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية. ويتعلق أحد مصادر القلق بتزايد احتمال اندلاع الصراعات الأهلية نتيجة لتصاعد معدلات التضخم التي يذكيها ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ولا سيما في البيئة الحالية التي تشهد تزايدا في عدم استقرار الأوضاع السياسية.

من جهة ثانية، فإن مسار التعافي لا يزال متفاوتا وغير مكتمل ويحدث بمعدلات متفاوتة من السرعة في جميع أنحاء المنطقة، فمن بين أكبر ثلاثة اقتصادات بالمنطقة، أنغولا ونيجيريا وجنوب إفريقيا، من المتوقع أن يتراجع النمو في جنوب إفريقيا بنسبة 2.8 نقطة مئوية مع نهاية عام 2022، متأثرا باستمرار القيود الهيكلية. ومن المتوقع أن تواصل أنغولا ونيجيريا زخم نموهما مع نهاية عام 2022، بزيادة قدرها 2.7 نقطة مئوية و0.2 نقطة مئوية على التوالي، ويرجع ذلك في جانب منه إلى ارتفاع أسعار النفط وتحسن الأداء في القطاع غير النفطي، وستشهد البلدان الغنية بالموارد، لاسيما قطاعاتها الاستخراجية، تحسنا في الأداء الاقتصادي بسبب الحرب في أوكرانيا، في حين ستشهد البلدان غير الغنية بالموارد تباطؤا في النشاط الاقتصادي.

“أجندة 2063”

في أيار/مايو 2013، أصدر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي إطلاق “أجندة 2063″، وهي وثيقة عمل استراتيجية مستقبلية شاملة، وخطة طموحة لتغيير إفريقيا نحو الأفضل على مدى الخمسين سنة المقبلة 2013 – 2063.

أشرفت على صياغتها وتطويرها مفوضية “الاتحاد الإفريقي” من خلال مشاورات مع مكوّنات الاتحاد، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإقليمية والإفريقية الفاعلة، وهي استراتيجية لتحسين استخدام موارد إفريقيا لصالح جميع شعوب القارة.

“أجندة 2063” تركز على إشراك المواطنين في الشأن العام وصناعة القرار، وتمكينهم من أسباب المبادرة والقيادة، وتسعى لجعل إفريقيا قوة ديناميكية في الساحة الدولية، وإعطاء الأولوية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، والتكامل القارّي والإقليمي، وترسيخ الحكم الديمقراطي، والسلام والأمن، وتقليل عدد النزاعات، وتجديد مناويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتكون في خدمة المواطن الإفريقي، ومطلب تمكين الشباب.

أيضا “الأجندة” معنية بإيجاد فرص الاستثمار في مجالات حيوية، مثل الأعمال التجارية الزراعية، وتطوير البنية التحتية، والصحة والتعليم، وإيجاد مسالك جديدة لترويج السلع الإفريقية، ومواكبة التحولات الكونية، مثل انتشار العولمة وثورة التقانة الرقمية قصد ضمان انخراط إفريقيا بشكل فاعل في مجتمع شبكي، دولي، متنافذ ومُعَولم.

لكن مشروع تنفيذ “أجندة 2063” يواجه عدة تحديات، من بينها الإخفاق في الإفادة من النمو الديموغرافي، واتساع دوائر الفقر، فضلا عن التحدي الاقتصادي وصعوبات تمويل الأجندة.

انتشار الفقر تحديا حقيقيا، يواجه بلدانا إفريقية كثيرة، ويعطل تنفيذ “أجندة 2063″، ويرجع ذلك إلى عدم وجود خطط استراتيجية، ناجعة وفعالة، لتوزيع الثروة والدخل بطريقة عادلة، فتدهور الوضع المادي للفقراء يؤثر بنمط معيشتهم، ويمنعهم من الحصول على الحاجيات الأساسية التي تؤمن لهم العيش الكريم.

بحسب تقرير “التنمية البشرية” لعام 2019، الصادر عن “البرنامج الإنمائي” للأمم المتحدة، فإن زهاء 44.7 بالمئة من سكان إفريقيا يعيشون تحت خط الفقر، ويتقاضون يوميا مبلغ 1.9 دولار، ويعاني ما يقدر بـ57.5 بالمئة من سكان المنطقة المذكورة من الفقر متعدد الأبعاد. فيما يشكو 35 بالمئة من سكان إفريقيا من الفقر المدقع، وهي النسبة الأكبر في الدول النامية.

أيضا فإن قطاع الزراعة الذي يُعد مصدرا رئيسيا للدخل بالنسبة إلى جل سكان القارة لم يشهد تطورا نوعيا في مستوى تطوير عائداته في الدول الإفريقية، فما زال هذا القطاع الحيوي، تقليديا، يفتقر إلى استخدام الأدوية الوقائية والأسمدة، والأجهزة الميكانيكية المتطوّرة، والتقنيات الجديدة في الزراعة والسقي.

إفريقيا أهمية عالمية وتنافس محتدم

إفريقيا تعتبر قارة كبيرة بمختلف المقاييس، سواء جغرافيا أو من ناحية التنوع البشري، أو الثروات الهائلة ومن الناحية الجيوسياسية، فالأهمية الاستراتيجية لإفريقيا تكمن في توافر احتياطات البترول والغاز الطبيعي؛ إذ تتحكم إفريقيا بأكثر من 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يقدر بحوالي أكثر من 12 بالمئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي.

أيضا يقدر إنتاج القارة الإفريقية من الغاز الطبيعي ما يعادل 6.5 بالمئة من إجمالي الغاز الطبيعي حول العالم، بينما لا تزال تمتلك حوالي أكثر من 500 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي، وهو ما يُمثل 10 بالمئة من إجمالي احتياطي الغاز العالمي.

كذلك تتميز القارة الإفريقية بكميات كبيرة وهائلة من عنصر اليورانيوم المهم في الصناعات النووية، فالقارة الإفريقية تشارك بأكثر من 20 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، كما أنتجت من الذهب في السنوات الماضية حوالي أكثر من 483 طن بما يعادل حوالي 25 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي من الذهب.

من جهة ثانية، تتميز القارة الإفريقية بسلسلة كبيرة من الموانئ البحرية، التي تنتشر على طول سواحل القارة، لاسيما منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وتضاعفت الأهمية الاستراتيجية لإفريقيا، بما في ذلك منطقتا القرن الإفريقي وغرب إفريقيا، وهو ما يعزز اهتمام القوى الدولية الفاعلة في القارة بالدول الإفريقية الساحلية التي تمتلك موانئ بحرية.

هذه العوامل جعلت من إفريقيا محط أنظار معظم الدول الكبرى في العالم والتي يحتدم التنافس بينها على الثروات والاستثمارات في القارة، وخاصة الموانئ التي برز الاهتمام بها وبتطويرها بشكل كبير في العامين الأخيرين، بعد انتشار جائحة “كوفيد-19” والغزو الروسي لأوكرانيا.

كما أنه من المتوقع أن يتصاعد التنافس الدولي والإقليمي على الموانئ البحرية في إفريقيا، خلال الفترة المقبلة، في ضوء التطورات الراهنة على الصعيد الدولي، ما قد يجعل إفريقيا الملاذ والبوابة الاقتصادية لمعظم دول العالم خلال المرحلة المقبلة، نظرا لما تمتلكه من احتياطيات وثروات من النفط والمعادن وغيرها في العديد من المجالات، الأمر الذي قد تستفيد منه الدول الإفريقية فيما يتعلق بالحصول على بعض المكاسب، وربما يترتب على ذلك بعض الارتدادات العكسية السلبية المتعلقة بتصاعد عسكرة القارة الإفريقية، وما يصاحبه من تهديد للاستقرار والأمن الإقليمي في المنطقة.

خلاصة واستنتاجات

بالنظر إلى المعطيات السابقة، فإن إفريقيا وخاصة منطقة جنوب الصحراء الكبرى تشهد ازدهارا سكانيا لافتا سيكون الأعلى عالميا خلال المرحلة المقبلة، كما أن القارة تشهد نموا اقتصاديا وإن كان متباطئا وسط طموحات من الدول الإفريقية وفق “أجندة 2063″، لكن هناك في نفس الوقت العديد من المعوقات التي تحد من هذه الطموحات وتعرقلها، أبرزها عدم وجود أموال كافية لتغطية الأجندة.

أحد موانىء القرن الإفريقي “وكالات”

من جهة ثانية، وعلى الرغم من بعض التطورات الإيجابية المحدودة في القارة الإفريقية، تبرز أهمية هذه القارة من جوانب أخرى لا تصب في مصالح شعوبها، فنظرا للفقر الذي تعيشه معظم هذه الدول والصراعات المختلفة سواء داخل الدول نفسها أو فيما بينها، باتت معظم الدول الإفريقية رهينة لتواجد دول كبرى كروسيا والصين تسعى للسيطرة على كل ما هو استراتيجي في القارة سواء اقتصادي أو أمني.

بالعودة إلى الموانئ التي تعتبر الأبرز في ميدان التنافس الدولي، فإن معظم الموانئ الإفريقية تشهد تنافسا محتدما بين العديد من الشركات الدولية التي تعمل في مجال الموانئ البحرية، مثل الشركات الصينية، والتركية، والعربية الخليجية، وغيرها. ذلك من أجل الحصول على امتياز تطوير وإدارة وتشغيل تلك الموانئ، وما يعنيه ذلك من تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية كبيرة، ربما لا تحصل الحكومات الإفريقية إلا على نسبة ضئيلة منها.

بالنتيجة تحتاج القارة الإفريقية لتجاوز كل ذلك ولتتمكن من التطور والتحول نحو المزيد من الاستقلالية وخاصة الاقتصادية إلى إعادة بناء التفكير السياسي، بشكل ديمقراطي يضمن الحوكمة الرشيدة، وإيقاف الاقتتال، كما أنه من المهم أيضا مراجعة الشراكات القديمة التي تكرس تبعية إفريقيا المطلقة للآخر، وبلورة شراكات بينية، نافعة ومتوازنة في الداخل الإفريقي وخارجه، من أجل تحقيق مصلحة المواطنين في القارة.

قد يهمك:من شرق القارة السمراء إلى غربها.. الإرهاب يتصاعد عبر إفريقيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة