دقّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر إزاء الأوضاع الأمنية في القارة السمراء مع تنامي الإرهاب والتوتر وتهديدهما للسلم الدولي. وترى المنظمة الأممية أن الإرهابيين والمتطرفين، وعلى رأسهم تنظيما “داعش” و”القاعدة” والجماعات التابعة لهما، استغلوا عدم الاستقرار والصراع، لزيادة أنشطتهم وتكثيف الهجمات في جميع أنحاء القارة.

إفريقيا بسبب التدخلات الخارجية أصبحت مسرحا لهذه الجماعات الإرهابية، فعلى مدى العامين الماضيين، توسعت جماعات تابعة لـ “داعش”، مما زاد من وجودها في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكذلك جنوبا في خليج غينيا. أما في شرق القارة والتي تُعد المنطقة الأكثر توترا، تنامى عدم الاستقرار في ظل وجود تنظيمات متطرفة تستغل صراعات عرقية وأهلية على غرار الصومال وإثيوبيا.

بعد عشرين عاما تصاعد الإرهاب الجهادي في إفريقيا

في جلسة مجلس الأمن، يوم الخميس الفائت، قالت نائب الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، إن تنامي الإرهاب يشكل تهديدا رئيسيا للسلم والأمن الدوليين، ويُشعر به الآن بشدة في إفريقيا، و”الإرهابيون والمتطرفون العنيفون، بما في ذلك داعش والقاعدة والجماعات التابعة لهما، استغلوا عدم الاستقرار والصراع لزيادة أنشطتهم وتكثيف الهجمات في جميع أنحاء القارة”.

مع وجود كراهية النساء في صميم أيديولوجية العديد من الجماعات الإرهابية، تتحمل النساء والفتيات على وجه الخصوص وطأة انعدام الأمن وعدم المساواة، حيث بيّنت محمد، أن “عنفهم الأحمق الذي يغذي الإرهاب أدى إلى مقتل وجرح الآلاف وما زال الكثيرون يعانون من التأثير الأوسع للإرهاب على حياتهم وسبل عيشهم”.

إن السقوط السريع لأفغانستان في أيدي حركة “طالبان” يعيد الفكرة الكابوسية بأن الجماعات الإرهابية الجهادية العالمية ستعثر مرة أخرى على ملاذ يمكنهم فيه إعادة تنظيم أنفسهم وازدهارهم. كما أنها تلفت الانتباه إلى إفريقيا، حيث كانت الجماعات الجهادية في تصاعد.

بعد عشرين عاما من الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، باتت التنظيمات الإرهابية تمضي في حربها بأجزاء كبيرة من القارة. في حين أن السيناريو الذي تطغى فيه الجماعات الجهادية على دولة مثل مالي بفسادها وانعدام التماسك السياسي وضعف القوات المسلحة هو أمر واقعي.

مؤشر الإرهاب العالمي، الذي يقيس الحوادث الإرهابية في جميع أنحاء العالم، يُظهر أن الوفيات المرتبطة بالهجمات الإرهابية انخفضت بنسبة 59 بالمئة بين عامي 2014 و2019 إلى ما مجموعه 13826 مع ارتباط معظمها بالدول التي تشهد تمردات جهادية. ومع ذلك، في العديد من الأماكن في جميع أنحاء إفريقيا، ارتفعت الوفيات بشكل كبير.

إفريقيا هي النقطة الساخنة

الجماعات الجهادية الإرهابية تزدهر في إفريقيا وتتوسع في بعض الحالات عبر الحدود. ومع ذلك، لا توجد دول معرّضة لخطر الانهيار الفوري كما حدث في أفغانستان. إذ تمتلك حركات التمرد الإسلامية في إفريقيا ثلاث مناطق جغرافية رئيسية للعمليات.

إحداها هي الصومال، حيث تسبب تمرد قديم منذ سنوات في عدم الاستقرار في المناطق الحدودية في كينيا، وهو الآن مصدر إلهام للجماعات الإرهابية في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والثانية في منطقة الساحل بغرب إفريقيا، حيث تأثرت المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو بشكل خاص، وكذلك البلدان المجاورة مثل ساحل العاج وتوغو وبنين.

أخيرا المنطقة المحيطة ببحيرة تشاد وشمال شرق نيجيريا، حيث يؤثر الصراع بشكل مباشر على شمال الكاميرون وتشاد والنيجر. كل هذه التمردات تسبب خسائر فادحة في صفوف السكان المحليين، الذين أصبحوا هدفا لمعظم الهجمات الإرهابية.

وفقا لـ “المجلة العسكرية” التي تصدرها القيادة الأميركية في إفريقيا، في عام 2022، تفوقت إفريقيا على منطقة الشرق الأوسط باعتبارها المحور الرئيسي للجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم التي عقدت العزم على توسيع انتشارها، هذا هو استنتاج الخبراء الذين درسوا الهجمات المتزايدة على القارة والتي تزامنت مع ارتفاع في محتوى الويب والفيديو المتعلق بإفريقيا الذي تنتجه الجماعات الإرهابية.

داميان فيريه، مؤسس وكالة “جهاد أناليتيكس” المتخصصة في تحليل الأنشطة الجهادية حول العالم وفي الفضاء الإلكتروني، قال إن “في هذا العام، حتى الآن، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن أكثر من نصف هجماته في إفريقيا، فيما تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ونيجيريا توسعا في مناطق جديدة وتصاعدا في الهجمات التي تستهدف المدنيين”.

محللة الإرهاب في جنوب إفريقيا، ياسمين أوبرمان، تعزو الكثير من العنف المتزايد إلى ضعف الحكم في المجتمعات الريفية المهملة تاريخيا والأشخاص الذين فقدوا الثقة في سلطات بلدانهم. وقالت لشبكة “فوكس نيوز ديجيتال”، “إذا نظر المرء إلى تاريخ إفريقيا، فإن تنظيم القاعدة كان لها دائما وجود راسخ، إننا نشهد بيئة مواتية لهذه الجماعات الإرهابية الدولية لتجد نفسها وتنضم إلى نفسها وتتولى زمام القيادة في الأنشطة المتطرفة في جميع هذه المناطق”.

في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تم ربط جماعة “الحلفاء للقوات الديمقراطية” الإرهابية رسميا بجماعة “داعش” منذ عام 2017، وقد استفادت من تدفق المقاتلين من بوروندي وكينيا وجنوب إفريقيا وتنزانيا، فيما باتت هذه التنظيمات تستقطب أحيانا مستشارون وخبراء يأتون للمساعدة في الأوقات الصعبة في اتخاذ القرارات وإعادة التنظيم.

استخدام الإرهابيين للتكنولوجيا في غرب إفريقيا

الادعاءات بأن الفروع المركزية البارزة لتنظيم “داعش” في سوريا والعراق يقوم بالدعوة إلى الهجرة إلى إفريقيا، بدلا من الشرق الأوسط أو أي مناطق أخرى، هي حقيقة مهمة للغاية وتؤكد على الوزن الذي يعلقه التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى على هذا الجهد.

بعد ما يقرب من عقد من الزمان، تعمل الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا على ضبط تكتيكاتها لاختطاف منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة. يكشف مؤشر الإرهاب العالمي أن أجزاء من المنطقة كانت موطنا للمتطرفين العنيفين الأسرع نموا والأكثر فتكا، وكان هناك ارتفاع مطّرد في الحوادث التي أصبحت فيها منصات وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة جزءا لا يتجزأ من طريقة عمل المتطرفين.

مع اندماج العالمين المادي والإلكتروني، فإن العديد من الجماعات الإرهابية، وخاصة تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، تعمق الإنترنت في عملياتها، وفقا لباحثينَ من معهد “توني بلير للتغيير العالمي”. وعلاوة على ذلك، نظرا لطابعها اللامركزي، أثبتت هذه المجموعات صعوبة اعتراضها وتحقيق وصول عبر الإنترنت لم يكن ممكنا في العالم المادي.

الجماعات الإرهابية والمتطرفة في غرب إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، تستخدم الإنترنت لنشر الدعاية والتجنيد والتطرف والتحريض على الهجمات وتمويل عملياتها والتخطيط لها.

المتطرفون الآن يستخدمون منصات أصغر للتحايل على الضوابط التي تهدف إلى إزالة المحتوى الإرهابي، كما تقول آن كرانين، التي تراقب التطورات في غرب إفريقيا. على سبيل المثال، يستخدم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الذي يمكن القول بأنه المستخدم الأكثر عدوانية في المنطقة للاتصالات عبر الإنترنت موقع الويب “منارة” لجذب حركة مرور كما أنها تستخدم “مجمّعات” مصممة لتزويد المشاهدين بمجموعة من الروابط إلى نفس الجزء من المحتوى الإرهابي، لتجنب التعديل في المحتوى.

ففي حين أن المنصات الأكبر مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”واتس آب”، لديها الموارد اللازمة لتقديم درجة من الإشراف على المحتوى، فإن العديد من المشغلين الصغار لا يملكون ذلك، وهذه هي المجموعات التي تفضلها الجماعات الإرهابية.

يبدو أن مجموعات أخرى مثل جماعة “بوكو حرام” تعتمد على خدمات المراسلة مثل “واتس آب” و”تلغرام” للتواصل داخليا وخارجيا؛ لأنهم يفضلون الطبيعة المشفرة لهذه التطبيقات. تحذر كرانين، من أن “تلغرام أصبح المفضل الجديد للجماعات الإرهابية في إفريقيا”.

في هذا السياق، بيّن وزير الأمن القومي الغاني، ألبرت كان دابا، أنه لابد من أداة عالمية لقمع الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت، وأيضا على الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ضرورة زيادة الوعي وصياغة تدابير مكافحة إقليمية لهذه التنظيمات، كما يلعب “التحالف الدولي ضد داعش” والمبادرات المماثلة الأخرى دورا بارزا في مكافحة التنظيمات الإرهابية في البلدان المتضررة من جماعة “بوكو حرام” في حوض بحيرة تشاد.

تزايد خطر الإرهاب في إفريقيا

رئاسة مجلس الأمن لشهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سلمت إلى غانا وتعد هذه المرة السابعة التي تتسلم فيها رئاسة المجلس خلال أربع دورات انتخبت فيها لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة منذ 1962-1963.

مذكرة مفهوم “غانا” للمجلس ركزت على إجراءات مكافحة الإرهاب الجارية في إفريقيا وكيف يمكن لمجلس الأمن أن يدعم مثل هذه الإجراءات. ووفقا لمذكرة المفاهيم، شهدت إفريقيا تدفقا للجماعات الإرهابية التي تسعى إلى إقامة وجود في المناطق التي تفتقر فيها الدول إلى السلطة، بما في ذلك شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشمال شرق نيجيريا، وحوض بحيرة تشاد شمال موزمبيق، والصومال.

مذكرة المفهوم تشير أيضا إلى مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، وهو تقرير أعده معهد “الاقتصاد والسلام”، والذي وجد أن ما يقرب من نصف الوفيات المرتبطة بالإرهاب المسجلة في عام 2021 حدثت في إفريقيا.

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، نصف السنوي الخامس عشر على المستوى الإستراتيجي حول التهديد الذي يشكله تنظيم “داعش”، والذي صُدر في 26 تموز/يوليو الفائت، قال إن الوضع في القارة السمراء قد تدهور أكثر، وأن اثنتين من شبكات “داعش” الثلاث “الأكثر ديناميكية” يوجد مقرها في إفريقيا.

الجماعات الإرهابية تقوم بتشكيل محاور إقليمية وخلق مناطق من عدم الاستقرار في جميع أنحاء إفريقيا، بحسب مارتن إيوي، الرئيس السابق لبرنامج “مكافحة الإرهاب” بمفوضية الاتحاد الإفريقي، فإن حوالي 20 دولة إفريقية قد شهدت بالفعل مثل هذا النشاط، ويتم استخدام أكثر من 20 دولة أخرى في الخدمات اللوجستية وكذلك لتعبئة الأموال والموارد الأخرى، محذرا من أن إفريقيا ليست مركزا لنشاط “داعش” فحسب، بل قد تكون أيضا خلافة داعش المستقبلية.

تنظيمي “داعش” و”القاعدة” يواصلان استغلال الصراعات الإفريقية المستمرة منذ فترة طويلة لتعزيز أنشطتهم غير المشروعة، مما يوفر لهم معدلات انتشار متزايدة. لذا تستحق داعش في غرب إفريقيا تركيزا خاصا حيث أصبحت المجموعة الأكبر والأكثر فتكا بين الجماعات الإرهابية الأخرى.

تدخلات خارجية

خلال أقل من أسبوعين، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أشخاص وكيانات عدة في جنوب إفريقيا، متهمين بالانتماء إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، فيما عده خبراء بمثابة جرس إنذار لبريتوريا، ودليل جديد على اختراق النظام المالي من قِبل المنظمات الإرهابية لتمويل أنشطتهم في جنوب القارة الإفريقية.

موندلي غونغوبيلي، الوزير الجنوب إفريقي في رئاسة الجمهورية والمسؤول عن أمن الدولة، أكد عزم بلاده على مكافحة أعمال الإرهاب وأنشطة التمويل غير المشروع، كما شدد في بيان رسمي، الأربعاء الفائت، على نية الحكومة العمل مع واشنطن في مكافحة جميع أشكال الإرهاب ومظاهره.

هذا يأتي بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على أربعة أعضاء في خلية تابعة لتنظيم “داعش” في جنوب إفريقيا، وقالت في بيانها، إن “جنوب إفريقيا اكتسبت أهمية خاصة كمنصة لتحويل الأموال بين قيادة تنظيم داعش والجماعات التابعة لها في القارة”. وبحسب البيان، استهدفت العقوبات أربعة أفراد من العائلة نفسها، “قدموا دعما ماديا وماليا وتكنولوجيا وسلع وخدمات لدعم التنظيم”.

الخبير في شؤون الحركات الإرهابية أحمد سلطان، يرى أن قرار الخزانة الأميركية “يعني أن داعش أنشأ شبكات دعم مالي تُستخدم في الدعم اللوجيستي والتقني والعملياتي؛ فالتنظيم لديه خبرة واسعة في ذلك، حيث يشتري معدات مزدوجة الاستخدام أي مواد الأسمدة وغيرها يمكن استيرادها لأغراض مدنية بينما تستخدم استخدامات عسكرية مثل تصنيع الدرونز والعبوات الناسفة وغيرها”.

مسؤولية وجود الجماعات الإرهابية يتحملها الزعماء الأفارقة في المقام الأول، وبعد ذلك المجتمع الدولي، فالأسباب الرئيسية لظاهرة الإرهاب في إفريقيا تتمثل في أزمات داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية موجودة في القارة، وأيضا التدخلات الخارجية مثل روسيا والصين من أجل السيطرة على مقدّرات المنطقة.

القارة السمراء تتميز بمواردها الغنية، لاسيما أنها تحتوي على 30 بالمئة من احتياطيات المعادن في العالم، كما تمتلك 40 بالمئة من الاحتياطي العالمي من الذهب، و90 بالمئة من الكروم والبلاتين.

أيضا تمتلك القارة الإفريقية أكبر احتياطيات العالم من معادن الكوبالت والماس واليورانيوم، بالإضافة إلى 12 بالمئة من احتياطيات النفط في العالم تمتلكها دول القارة الإفريقية، بالإضافة إلى أن 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تمتلكها قارة إفريقيا.

التحولات الاستراتيجية والسياسية في إفريقيا أدت إلى تفاقم التهديد الأمني المستمر منذ عقد من الزمن والذي يمثله التطرف العنيف وعدم الاستقرار السياسي والصراعات الداخلية في المنطقة. إن التحول، يجعل مستقبل مكافحة الإرهاب في المنطقة متزعزع، ولا يبشر بالخير بالنسبة لدول شمال إفريقيا، وللحد من التداعيات المحتملة يجب على أصحاب المصلحة الحفاظ على الضغط السياسي والاقتصادي على قادة الدول الإفريقية من خلال تعزيز العملية الديمقراطية وكبح نفوذ موسكو والجماعات الإرهابية على حدّ سواء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة