كان الشهران الماضيان لحظة حاسمة للتشاديينَ عندما بدأت البلاد حقبة سياسية جديدة بعد انتهاء فترة الحكومة الانتقالية، فمع مرور شهر تشرين الثاني/أكتوبر الفائت، يكون قد مرّ 18 شهرا على وفاة الرئيس إدريس ديبي إيتنو، ونهاية الفترة الانتقالية التي كان خلالها المجلس العسكري المعروف باسم المجلس العسكري الانتقالي برئاسة محمد نجل ديبي، يسيّر أحوال البلاد.

السياسي المخضرم صالح كبزابو، عاد لرئاسة الحكومة في تشاد، محمّلا بمسؤولية عبور البلاد من المرحلة الانتقالية الراهنة، التي وعد الرئيس الانتقالي إيتنو، بإنهائها خلال عامين، حيث يرأس كبزابو 75 عاما حزب “الاتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد”، وسبق أن تولى رئاسة الوزراء في عهد الرئيس السابق.

كانت الحكومة التشادية فرضت حالة الطوارئ في العاصمة نجامينا، و3 مدن أخرى جنوبي البلاد، ومنحت حكام الأقاليم المعنية صلاحية اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن، غداة احتجاجات شهدتها البلاد رفضا لتمديد الفترة الانتقالية، ولكن بعد استلام كبزابو، هل يعوّل عليه كثيرا في إدارة هذه المرحلة الحساسة، عبر حكومة وحدة وطنية، وتنجح الحكومة التشادية في عبور المرحلة الانتقالية.

كيف وصلت تشاد إلى هذا المفترق؟

العديد من جماعات المعارضة المسلحة تمردت على الدولة التشادية منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنهم رفضوا بشكل روتيني نزع سلاحهم خلال قرارات العفو السابقة التي قدمها الرئيس السابق ديبي. إلا أن نجاح أبنه في جلب هذه المجموعات إلى طاولة الحوار الوطني، يشير إلى تغيير مهم في السياسة التشادية وتحول في توزيع السلطة دون الابتعاد عن الوسائل العنيفة التي استُمدت من خلالها السلطة في تشاد.

بعد سنوات من التمرد المتكرر، قادت جماعة معارضة مسلحة تُعرف باسم “جبهة المواءمة والوفاق” في تشاد طلعة جوية إلى الأراضي التشادية عبر الحدود مع ليبيا في 11 نيسان/أبريل 2021 وتقدم رتل من المقاتلين بسرعة عبر الصحراء الشمالية التشادية وهزمت الجنود التشاديين في سلسلة معارك. وبحلول 18 نيسان/أبريل من العام ذاته، وصل مقاتلو “الجبهة” إلى منطقة من مقاطعة كانم بالقرب من بلدية نوكو، الواقعة على بعد 300 كيلومتر تقريبا شمال شرق العاصمة نجامينا.

رسميا، انخرط جنود “الجبهة” التشادية والجنود التشاديون في قتال عنيف حول نوكو، حيث انضم الرئيس إدريس ديبي إلى قواته على الخطوط الأمامية. خلال القتال في 19 نيسان/أبريل، أصيب ديبي بجروح وتم نقله إلى نجامينا حيث توفي متأثرا بجراحه.

موت ديبي المفاجئ ترك الجيش والسلطة في فراغ، والذي ملأه على الفور المجلس العسكري المكون من 13 عضوا. اختار القادة العسكريون بالإجماع محمد ديبي لقيادة البلاد كرئيس مؤقت خلال الفترة الانتقالية. ثم علّق المجلس العسكري الدستور والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية للحكومة.

اختار الرئيس الجديد بسرعة، العديد من المدنيين لشغل مناصب وزارية. ضمت الحكومة حلفاء بارزين من الدائرة المقربة من ديبي الأكبر، ومتمردين سابقين مع دوائر انتخابية مهمة، وأعضاء في أحزاب سياسية تنتمي إلى المعارضة. أدى تعيين الحكومة إلى تخفيف التوترات بين الطبقة السياسية في تشاد، كما نشر المجلس العسكري بسرعة ميثاقا انتقاليا ليعمل كإطار قانوني له. تحدد الوثيقة أهداف المرحلة الانتقالية وتقدم خارطة طريق للوصول إلى ذروتها بالانتخابات.

الحفاظ على المسار الصحيح

مع مرور عام ونيف على تولي الزعيم التشادي الحالي محمد إدريس ديبي الحكومة الانتقالية في البلاد بحكم الأمر الواقع بعد وفاة والده، الرئيس القديم إدريس ديبي إنتو، وفي حين تمتع نظام ديبي السابق باعتراف دولي لدوره في عمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية، فإن البلاد كانت معرضة لخطر عدم الاستقرار بسبب الاضطرابات الداخلية المتزايدة حول العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية.

الخبير في الشؤون القانونية والتشادية، سيبا جروفوجوي، أوضح لـ”الحل نت”، أنه قبيل تعيين كبزابو كان انتقال تشاد إلى الديمقراطية يقف عند مفترق طرق، حيث جرى على مدى الفترة السابقة حوار وطني وانتخابات أُجريت حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر الفائت من هذا العام.

الرئيس السابق ديبي قُتل في 20 نيسان/أبريل 2021، بعد إصابته بجروح خلال اشتباكات مع المتمردين الذين حاولوا الإطاحة بحكومته. حدثت وفاته في اليوم التالي لتوقع نتائج الانتخابات المؤقتة أنه سيفوز بفترة ولاية سادسة في المنصب، لتمديد فترة رئاسته التي تبلغ 30 عاما.

بحسب جروفوجوي، فإن التحدي الرئيسي أمام كبزابو هو كيفية المحافظة الأمن الإقليمي للبلاد، خصوصا أن تشاد تقع في صلب العديد من مناطق النزاع المجاورة لها، مما يجعلها عرضة لعدم الاستقرار عبر الحدود، إذ تسمح حدود تشاد المليئة بالثغرات للجماعات المسلحة غير الحكومية المتمركزة في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان، بالتنقل بين البلدان بما في ذلك المجموعة التي قتلت الرئيس السابق ديبي.

علاوة على ذلك، هناك حركات إرهابية متمركزة في وسط الساحل، بما في ذلك “بوكو حرام”، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، وتنظيم “داعش” في الصحراء الكبرى، والتي يمكن أن تصعد العنف.

كما تُعتبر التحديات الهيكلية مثل التخلف الاجتماعي والاقتصادي وتغير المناخ من الأولويات التي تواجه حكومة كبزابو، وفقا لحديث جروفوجوي، ففي عام 2018، كان 42.3 بالمئة من السكان تحت أو عند خط الفقر. وبالمثل، بلغت درجة مؤشر التنمية البشرية لتشاد لعام 2019، 0.398، مما جعلها تحتل المرتبة 187 من أصل 189 دولة.

كما أدى تغير المناخ إلى خلق المزيد من الظروف غير المستقرة، ففي تشرين الثاني/أكتوبر الفائت، اجتاحت الفيضانات مناطق في جنوب تشاد ووسطها، نجمت عن هطول أمطار غزيرة طالت 636 بلدة في 18 من أصل مقاطعات البلاد الـ 23، وتضرر منها أكثر من مليون شخص، وفي 2021، قالت الأمم المتحدة، إن ما يقرب من 5.5 مليون تشادي، أي أكثر من ثلث سكان البلد الحبيس الواقع في وسط إفريقيا، بحاجة إلى “مساعدات إنسانية طارئة”.

لحظة حاسمة في المرحلة الانتقالية

على الساحة الدولية، جرى هذا التحول العسكري في تشاد تحت رادار المجتمع الدولي والإفريقي. لكن نجاح محمد ديبي حتى الآن في ضمان الاستقرار التشادي، أكد على أن الحالة التشادية خاصة أو فريدة، وبالتالي لم يتطلب تطبيقا للبروتوكولات أو عقوبات الاتحاد الإفريقي على البلاد، لا سيما مع تأكيد المجلس العسكري في إعلان رغبته عن تنظيم انتخابات ديمقراطية بشكل مستمر.

وفق حديث الناشط السياسي التشادي الدكتور محمد شفاء، المقيم في فرنسا، لصحيفة “الشرق الأوسط” فإن كبزابو، يتمتع بخبرات سياسية واسعة نظرا لتاريخه الكبير بداية من عمله كصحافي وترشح للرئاسة ضد الرئيس الراحل ديبي 4 مرات، فضلا عن مشاركته بفاعلية الفترة الماضية في مفاوضات الدوحة لاتفاق السلام، واصفا إياه بأنه “رجل المرحلة” باعتبار أنه “ناضج سياسيا”.

التشاديون بنظر شفاء، ينتظرون منه الكثير لأنه معارض شرس وعنيد جدا، كما أنه يتمتع بـ”علاقات واسعة مع قطاعات المعارضة في الداخل والخارج، وكذلك مع الحركات المسلحة التي تتخطى الـ 50 حركة، كما أنه صديق عزيز لفرنسا، ومن ثم يعول عليه كثيرا في إدارة هذه المرحلة الحساسة، عبر حكومة وحدة وطنية”.

في هذا السياق، يؤكد الخبير في الشؤون التشادية جروفوجوي، أن دور الشركاء الخارجيين في الانتقال السياسي ومسار الحكومة الحالية يظل حاسما، وتشمل هذه الدول الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وفرنسا والدول الغربية، إذ يجب عليهم استخدام ثقلهم الدبلوماسي للمضي قدما في دعم أجندات الحكومة والحصول على جدول زمني أوضح لعملية الانتقال السياسي لحل أزمتي الغذاء والأمن في البلاد.

يمكن للقوى التخريبية أن تعرض الاستقرار الهش في تشاد للخطر، ومع ذلك، فإن الحوار الوطني وتولي كبزابو، يمثلان فرصة وليدة لتشكيل المسار المستقبلي للبلاد. لذا يجب على الفاعلين الدوليين اتخاذ موقف حازم بشأن التحقق من صحة برنامج رئيس الحكومة الجديدة، ودعم الحكم الديمقراطي القائم على المشاركة الحقيقية والمصالحة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة