لا شك إنَّ التلويح بالخيار العسكري للتعامل مع إيران وملفها النووي لم يعد مطروحا فيما يبدو على طاولة صنّاع القرار الأميركي مع قدوم إدارة الرئيس جو بايدن، لاسيما مع حساسية منطقة الشرق الأوسط وتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية فيها، وإمكانية تهديد سوق النفط العالمي، فضلا عن الحضور القوي للتجارب الأفغانية والعراقية المريرة في الذهن الأميركي، في ظل لجوء إيران لأساليب ردعية غير مباشرة باستخدام وكلائها من المليشيات في المنطقة.

في خضم انشغال الولايات المتحدة في صراعها الاستراتيجي مع الصين، تراهن إيران على رغبة إدارة بايدن، بإحياء الاتفاق النووي معها مجددا وتستثمر إيران في الوقت نفسه من الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها السلبية على سوق الطاقة العالمية، وذلك في سبيل تحقيق تنازلات أميركية فيما يتعلق ببعض القضايا التي ما زالت عالقة بينهما.

قضية اختبار جدّية إزالة العقوبات عن طهران، وملف تحقيق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، تعد من أهم القضايا العالقة بين طهران وواشنطن، كما تسعى إيران أيضا، لانتزاع تنازل مزدوج من الإدارة الأميركية، ومن القوى الأوروبية يضمن لها هامشا أوسع من المكاسب والامتيازات، في ظل تصاعد أزمة الطاقة التي تهدد أوروبا مع دخول فصل الشتاء، بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية شاملة على قطاع الطاقة الروسية، ووضع قيود على شراء النفط والغاز الروسيين، الأمر الذي ينذر بارتفاع شديد في أسعار الطاقة.

التوصل لاتفاق مع إيران، من شأنه أن يخفّض أسعار البترول ويدخل النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية، مما قد يخفف من ضغط الطاقة على الأوروبيين، وإذا تعثرت المفاوضات مجددا وطال أمدها وزادت تعقيدا، فهل تشهد المنطقة تمتينا للعلاقات الروسية الإيرانية، وارتفاعا في مستوى التنسيق والتعاون السياسي والعسكري والاقتصادي بين البلدين في سوريا والمنطقة، في ظل استبعاد إمكانية تخلّي روسيا عن نفوذها في سوريا.

أبعاد تأثير المفاوضات النووية

منذ وصول الديمقراطيين للبيت الأبيض، كان أحد أهدافهم السياسية هو إعادة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، هذه العودة استفادت منها إيران بشكل كبير، أي أنها فهمت الرسالة الأميركية، ولأن السياسة الأميركية قائمة على العودة إلى المفاوضات النووية، أو حتى إحياء الاتفاق القديم الذي نقده الجمهوريين في وقت سابق، أعطى ذلك أريحية لإيران بموقعين الأول في عملية التوافق في وقتها، والثانية هي تحركات الإيرانيين خارج إيران، بحسب حديث الباحث في مركز “الشرق للسياسات” سعد الشارع، لـ”الحل نت”.

 النشاط الإيراني بدأ يتوسع في سوريا والعراق واليمن وأيضا في لبنان، بل حتى تهديداتهم الخارجية باتت واضحة، ومخاطر الحضور الإيراني في دول المنطقة بات واضح، والمتمثل باستهدافات للدول الخليجية، وأيضا ردهم العسكري على نقاط عسكرية أميركية تحديدا في سوريا، كقاعدة “التنف” العسكرية ومنطقة شرق الفرات.

قد يهمك: تطورات جديدة في ملف الاتفاق النووي مع إيران

تتأثر المفاوضات بخصوص الملف النووي، وفق الشارع بعدة عوامل أهمها، الموقف الإسرائيلي المتصلب كثيرا اتجاه هذه المفاوضات، والذي يزداد بوجود حكومة يمينية بامتياز بقيادة بنيامين نتنياهو، بل أنها تريد أبعد من ذلك من خلال عمليات جوية ضد إيران وداخل الحدود الإيرانية. مؤكدا أن الموقف الإسرائيلي أهم العوامل.

إيران حليف لروسيا في سوريا

 دول الخليج باتت تتضرر بشكل كبير من النشاط الإيراني، بحسب الشارع، وهذا يعد من العوامل المؤثرة في المفاوضات أيضا، سواء من حيث عمليات الحوثيين داخل الجزيرة العربية عبر عمليات تهريب داخل دول الخليج، وهذه من الخطوط الحمراء التي يمكن أن تحفز نشاط دول الخليج داخل أميركا، إما لإيقاف هذه المفاوضات أو أنها تتضمن التزام من قبل إيران بحسن جوار وتحديدا دول الخليج، وفق تعبيره.

لا يمكن إهمال الحرب الروسية الأوكرانية كأحد العوامل المؤثرة أيضا، والتي تتخندق فيها إيران ضمن ما يسمى “معسكر الشرق”، وهو في الحقيقة غير موجود، يقول الشارع، حيث تتحالف طهران الآن مع موسكو خلال حربها على أوكرانيا، إذ أرسلت إيران مسيّرات وباتت ساحة لروسيا في أن تؤثر في القرار الإيراني لما يخص المفاوضات، وقد لمسنا ذلك من خلال بعض التحليلات الغربية، التي أفادت بأن روسيا بات لها دور كبير في القرار الإيراني.

المفاوضات النووية في حال نجحت، حتما سيؤثر على واقع الميلشيات الإيرانية في سوريا، من وجهة نظر الشارع، أي أنه إذا توصلت الدول الغربية إلى حسم هذا الملف مع إيران، هذا يعني أن واقع المليشيات الإيرانية مريح بالنسبة لطهران، أي أنها سوف تأخذ وعودا بعدم قيام هذه الميليشيات بأي استهدافات، أما في حال فشلت هذه المفاوضات، يعتقد الشارع، بأن “سوريا سوف تكون ساحة صراع، إما من جهة القوات الأميركية أو الميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، ربما هذا الصراع لن يكون مفتوحا عسكريا، لكن يمكن أن يأخذ أبعادا أمنية خطيرة، لكن إرهاصاته حاضرة حاليا لاسيما في ضفتي نهر الفرات شرقه وغربه”.

 أي عملية تغيير بشكل قوة إيران في سوريا، سوف تتأثر به باقي الأطراف سواء روسيا المتحالفة مع طهران على الصعيد العسكري، ففي حال ضعفت القوات الإيرانية، فهذا سوف يضعف القوة الجوية الروسية وربما يفتح الباب لأطراف أخرى للتمدد أكثر أو تعبئة المكان التي سوف تتركه إيران، بحسب الشارع.

زيادة الضغط على إيران

عن مستجدات محادثات إيران بشأن الملف النووي وتأثيرها حول الملف السوري، وتوازن القوى المنخرطة فيه يرى الباحث عباس  في مركز “مشارق ومغارب”، أنه بعد تورط إيران في الحرب الأوكرانية ورفع نسبة التخصيب إلى 60 بالمئة، ووصول بنيامين نتنياهو المتشدد تجاه البرنامج النووي الإيراني إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، من المرجح أن يزيد الضغط على إيران من خلال تكثيف الضربات الإسرائيلية على مصالحها في سورية، وزيادة الضغط السياسي الغربي بتأييد الاحتجاجات المتسعة للشعب الإيراني، وإثارة ملف حقوق الإنسان إضافة لتشديد العقوبات الاقتصادية. ربما نشهد المزيد من العمليات الأمنية التي تستهدف خبراء البرنامج النووي وكبار ضباط الأمن، وهو ما سيدفع إيران للمزيد من التحدي للغر، بحسب حديث الباحث في مركز “مشارق ومغارب” عباس شريفة، لـ”الحل نت” .

التأثيرات على الملف السوري

حول كيفية تعامل الأنظمة الإيرانية والحكومة الروسية مع الملف الإيراني في سوريا على ضوء المفاوضات النووية، يرى المحلل السياسي أحمد مسالمة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن آلية التعامل مع الملف السوري، تكون بشكل منفصل عن باقي الملفات التي تتعامل معها، سواء في الملف الإيراني النووي أو في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ يعتبر بأن لها تأثير داخلي وليس خارجي، كون الميليشيات الإيرانية، وعناصر “حزب الله”، تغلغلوا في المفاصل الحكومية السورية.

تأثيرها سيكون محدود في العمل الداخلي السوري، وفق المسالمة، هذا بالنسبة لإيران كونها تغلغلت في أهم القطاعات السورية، أما على المستوى الخارجي، فقد يكون هناك ضعف في الملف السوري من الدفاعات الإيرانية، نتيجة الضغط على الملف النووي الإيراني.

 في العودة للملف النووي يقول مسالمة، أن الدعم الخارجي للمسألة السورية، في المحافل الدولية سيخف قليلا نتيجة انشغاله بـ”الملف النووي” مع المجتمع الدولي، أما عن الوضع الداخلي فإيران لن تتأثر نتيجة التغلغل الكبير والتمركز على مفاصل كبيرة في الشأن الداخلي السوري.

اقرأ أيضا: إيران تتوسع في تخصيب اليورانيوم.. هل انتهى الاتفاق النووي؟

 فيما يخص الجانب الروسي، وفق المسالمة، فالملف الروسي في أوكرانيا لم يغير شيء من السياسة الخارجية في سوريا، فما تزال تدعمها في المحافل الدولية بل زادت في دفاعها، وتحاول الضغط في مناطق الجنوب والشمال السوري، من أجل الحفاظ على استقرار حكومة دمشق، أما داخليا كان هناك ضغط على القوات الروسية للمشاركة في الحرب، ودائما روسيا وإيران تتقاسمان الكعكة السورية بشكل متساو في المحافظة على الحكومة السورية كونها قاسمهم المشترك، وفق تعبيره.

العامل الإيراني لعب دورا كبيرا ضمن المعادلة السورية، وحقق حضورا يمكن القول بأنه الأبرز في حسابات مختلف القوى الإقليمية المنخرطة، التي تخشى من أن تراجع الحضور الروسي في سوريا، واحتمالية إحياء الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع إيران، قد يؤدي إلى تعزيز موقف إيران ووكلائها الإقليميين في المنطقة، خاصة مع تغييب واضح لملف النشاطات الإيرانية في محيطها الإقليمي.

هذا يعني تحرّر المشروع السياسي الإيراني من الكثير من العقبات أمام نشاطاته الإقليمية التوسعية في حال تم الاتفاق النووي، وإطلاق يد إيران مجددا للتمدد إقليميا عبر ميليشياتها المختلفة؛ حيث ستستغل إيران رفع العقوبات الاقتصادية عنها ورفع الحظر عن بعض أصولها المالية المجمدة في البنوك الأجنبية، في زيادة دعمها لوكلائها وتكريس نفوذها وهيمنتها في المنطقة، وهو ما سينعكس سلبا على سوريا، والتي تسعى فيها إيران في الآونة الأخيرة فيما يبدو لملء الفراغ الروسي المحتمل على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.