أزمة سياسية في لبنان تتمثل في عدم التوصل لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، حيث اجتماع “مجلس النواب” اللبناني عشر مرات لانتخاب رئيس توافقي جديد إلا أنه فشل بذلك في كل مرة، وهذا ما يتسبب بتداعيات كبيرة سواء على الداخل اللبناني من جهة، وعلى المشاريع اللبنانية وعلاقات لبنان من جهة أخرى خاصة أن الحكومة الحالية في لبنان برئاسة نجيب ميقاتي، هي حكومة لتصريف الأعمال.

أيضا لا تقتصر تداعيات العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان على الوضع السياسي الداخلي اللبناني فحسب، فمن شأن تلك التداعيات أن تؤثر سلبا في مستقبل ما يعول عليه البلد من وراء إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لاسيما فيما يخص البدء في تفعيل عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، بل إن استمرار الفراغ الدستوري في لبنان قد يتسبب في عرقلة سلاسة الإنتاج والتصدير لموارد الطاقة في منطقة شرق المتوسط برمتها.

هذا الجمود السياسي في لبنان يدفع للتساؤل حول عوامل القلق الناتجة عن الاستعصاء في لبنان، والتأثيرات القانونية للأزمة السياسية في لبنان على الغاز في شرق المتوسط، وما الذي يمكن فعله للخروج من هذه الأزمة.

عوامل القلق الناتجة عن الجمود السياسي اللبناني

في تطور مشهد الطاقة في منطقة شرق المتوسط، فإن الدول المعنية، سواء الدول التي لها شواطىء على المتوسط أو الدول المنخرطة في عمليات التنقيب، تدرك ضرورة تفعيل شبكات إنتاج مشتركة كشرط وقاعدة لرفع مستوى الإنتاجية والكفاءة، والاستفادة من وفورات الغاز والنفط داخل مياه المنطقة. ووفق هذه الفرضية فإن “الاستثناء” اللبناني يشكل شذوذا عن القاعدة وقد يكون معطّلا لها في المستقبل.

نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان

الاستعصاء السياسي اللبناني، يعرقل سلاسة اتخاذ القرارات المرتبطة بعمليات التنقيب والإنتاج والتعامل مع شركات الطاقة الدولية، وبالتالي تأخير وإرباك إمكانات تدفق الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع. فغياب حكومة بصلاحيات كاملة في لبنان، وتعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية يصدع كل العملية السياسية وامتداداتها القانونية والدستورية.

القرارات الكبرى تحتاج إلى اجتماع الحكومة اللبنانية، ذلك أنه وفق الدستور اللبناني المعدل والمنبثق عن “اتفاق الطائف” لعام 1989، فإن معظم السلطات تنتقل إلى الحكومة مجتمعة بعد أن كان معظمها مناطا بالرئاسة قبل ذلك. لكن اجتماع الحكومة بات متعذرا وحساسا بعد أن تحوّلت الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في أيار/مايو 2022، وتعذر تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات. يُضاف إلى ذلك وجود فراغ في موقع رئاسة الجمهورية لم يعد يسمح بانتاج حكومة جديدة.

الصحفية اللبنانية، فاطمة عثمان، تؤكد خلال حديثها لموقع “الحل نت”، أن هناك العديد من عوامل القلق في ظل الفراغ الرئاسي الحالي في لبنان، فالحكومة الحالية هي حكومة تصريف للأعمال أي ناقصة الصلاحيات ولا يمكنها اتخاذ أي قرارات أساسية في البلاد، وإن استمرار الوضع على ما هو عليه فسيذهب لبنان إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي.

أما بالنسبة للوضع القانوني والدستوري وعلاقته بالغاز، توضح عثمان، أنه طالما لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وطالما أنه ليس هناك سوى حكومة لتصريف الأعمال فلا يمكن اتخاذ أي قرار يتعلق باستخراج الغاز من البحر المتوسط، أو بيعه أو بيع أو شراء أي شيء.

أيضا فإن اتفاق ترسيم الحدود وما نتج عنه من استخراج الغاز جاء في ظل أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، والضغوط الدولية دفعت إلى تسريع التوصل إلى الصفقة بما يتناسب مع التطورات المتعلقة باكتشاف حقول النفط والغاز التي شهدتها منطقة شرق المتوسط منذ سنوات، وبسبب حرب الطاقة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي منذ أشهر بسبب الاضطرابات التي شهدتها خطوط التزّد بالطاقة الروسية، سواء بسبب قرار من موسكو أو بسبب قرار الأوروبيين بالتخفيف من اعتمادهم على صادرات الطاقة الروسية، بحسب عثمان.

من جهة ثانية فلا يقتصر الوضع على اتفاقية ترسيم الحدود، فهناك العديد من الاتفاقات التي أنجزتها الدول المطلة على شرق المتوسط والمتعلقة بالطاقة، والفراغ الرئاسي في لبنان وعدم وجود حكومة ذات صلاحيات كاملة تؤثر سلبا عليها، ومن بينها، توقيع لبنان على اتفاق لتوريد الغاز مع سوريا ومصر، والإعلان عن مفاوضات بين شركة الغاز المصرية “ايجاس” وصندوق الاستثمار الفلسطيني لتطوير حقل الغا ز البحري في غزة، وإبداء شركة قطر للطاقة بالتشغيل المشترك لحقول الغاز في شرق البحر المتوسط الواقعة في كل من المياه الإقليمية لمصر (مجمع شمال مراقيا البحري) ولبنان (البلوك 4 و9).

أيضا بحسب عثمان، فإن من التأثيرات للجمود السياسي على لبنان بعد ترسيم الحدود مع إسرائيل بالنسبة للغاز، فإن الصفقة مهمة بالنظر إلى ما تتيحه من تفعيل لعمليات التنقيب في حقل غاز “قانا”، كما أن الاتفاق يمكّن لبنان من الدخول في شراكات مع شركات دولية، ما من شأنه توفير ثقة جاذبة للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة وللمساعدات والقروض من المؤسسات الدولية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني. والاتفاق سيمنح البلد موقعا مؤثرا في سوق الطاقة في كل منطقة شرق المتوسط، ويمكن الاتفاق البلد من قطف ثمار مسار طويل لاستغلال موارده من الطاقة، فضلا عن تبريد التوتر بسبب ذلك بين “حزب الله” وإسرائيل، وكل ذلك معطل حتى الآن نتيجة الفراغ السياسي.

هل يمكن تجاوز الفراغ السياسي في لبنان؟

أهم أسباب أزمة انتخاب رئيس للجمهورية هي تشظي البرلمان اللبناني “مجلس النواب” بعد الانتخابات الأخيرة، وعدم قدرة أي فريق سياسي على فرض أو حتى ترجيح مرشح من خلال اقتراع النواب. ووفق المشهد البرلماني لا يملك التحالف الذي يقوده حزب الله فرض انتخاب رئيس معين بالطريقة التي جرى فيها انتخاب ميشال عون عام 2016.

من جلسات انتخاب الرئيس اللبناني “وكالات”

كما يعتبر مرشح “حزب الله” الطبيعي الذي لم يعلن رسميا هو الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية الموالي لحكومة دمشق، وبالمقابل فإن جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر وصهر الرئيس السابق ميشال عون، هو أيضا مرشّح غير رسمي، الأمر الذي يمثّل حرجا لـ”الحزب” بسبب الحلف الذي يجمع “الحزب” والتيار ضمن إطار ما يسمى “تفاهم مار مخايل” لعام 2006. والظاهر أن ميل الحزب إلى دعم حليفه فرنجية على حساب حليفه باسيل تسبب بأزمة في علاقات “حزب الله” والتيار الوطني الحر.

أما القوى المناهضة لـ”حزب الله” فتصوت داخل البرلمان في جلسات الانتخاب التي بدأت في 29 أيلول/سبتمبر 2022 لصالح النائب ميشال معوض، لكن هذا التصويت مازال ضعيفا وقد تطيح حظوظه أي صفقة يتم الاتفاق عليها تنضم إليها كتل تصوت لمعوض، منها الكتلة النيابية التي تعود زعامتها إلى وليد جنبلاط رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي”.

في هذا السياق، تشير عثمان إلى أن الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا تضغط للتوصل إلى  صفقة تقود إلى انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان أو دعم رئيس تتفق بشأنه الطبقة السياسية اللبنانية، وهناك العديد من العروض التي قدمتها هذه الدول لمساعدة لبنان بالخروج من هذه الأزمة لكن بسبب الفساد السياسي لم تكلل هذه الجهود بالنجاح.

أيضا فإن الانقسام الدولي الحالي بسبب الحرب في أوكرانيا وانشغال الغرب بأولويات أخرى تمنع توافقا خارجيا سهلا بهذا الشأن، خصوصا أن سوابق الضغوط الخارجية كانت تجري بالتوافق مع قوى إقليمية نافذة في الشأن اللبناني، وهو أمر غير متوافر حاليا بسبب الخلاف الإيراني السعودي، وهما طرفان يمتلكان تأثيرا داخل لبنان، حسب عثمان.

بالإضافة لذلك، حسب عثمان، فإن أحد أسباب عدم حصول توافق لاختيار رئيس توافقي حتى الآن هو موقف “حزب الله” الذي يسعى لفرض مرشحه للرئاسة والمحسوب على “محور المقاومة”، مستغلا الأوضاع الإقليمية والدولية لتمرير ما يريد وهو ما يواجه برفض كبير من شريحة واسعة من اللبنانيين سواء سياسيين أو من المواطنين.

فراغ رئاسي وحكومة معطة وغير قادرة على اتخاذ أي قرارات أساسية، في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان إلى تجاوز أسوأ مرحلة اقتصادية يمر بها، حيث انهيار في قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وعدم وجود كهرباء وارتفاع غير مسبوق بالأسعار، كل ذلك يمكن التخفيف منه فيما لو تم تنفيذ اتفاق استخراج الغاز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.